طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 7197

مقدم البرنامج: السلام عليكم أيها الإخوة الكرام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الذي وعدنا أن نتحدث فيه بإذن الله تعالى عن " العلاج بالقرآن الكريم".

 

وهو موضوعٌ مثارٌ في الساحة العلمية بشكلٍ واسع، وعُقدت فيه مؤتمرات، وناقشه العلماء وبشكلٍ مستفيض والناس فيه بين شدٍ وجذب لكن الظاهرة التي تُلفت الانتباه أن العلاج بالقرآن الكريم توسع بشكلٍ كبير، وأصبح يطرق أبواب أمراض عجز الطب عن طَرْق بابها أو عن علاجها.

 

هذه أمورٌ نحتاج فيها إلى شرحٍ وتفصيل، ونحتاج إلى معرفة حقيقتها وهذا كله ستستمعون إليه اليوم بإذن الله تعالى من سماحة الشيخ الجليل العلامة " أحمد بن حمد الخليلي" المفتي العام للسلطنة.

 

أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ.

 

 

سماحة الشيخ: وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم.

 

مقدم البرنامج: جزاكم الله خير..

 

أعزاءنا هناك تساؤلاتٍ كثيرة حول موضوع العلاج بالقرآن الكريم تطرح في الساحة العلمية وتُثار بين الحين والآخر نود هنا في هذا البرنامج أن نستمع إلى إجابتها ومعرفة حقيقتها من سماحة الشيخ بإذن الله تعالى.

 

هذا ما ستستمعون إليه بإذن الله تعالى بعد وقفتنا هذه.

محاور الحلقة:

 

- ما حقيقة العلاج بالقرآن الكريم، وما هي آثاره وما هي ضوابطه؟؟

- وهل تأثيره نفسيٌ أم عضوي؟؟

- وهل يستدعي ذلك تخصصٌ أو فتح عيادات؟؟

- ولماذا لم يشع ذلك زمن الصحابة الكرام ولم نسمع في تاريخ الإسلام الأول عن عيادةٍ فُتحت لهذا الغرض؟؟

- ولماذا لا يُعالج المرء نفسه بالقرآن الكريم أو ابنه أو قريبه؟؟

- ألم يُكرِّس غياب ذلك مفهوم التزكية للنفس فأنا مؤمنٌ وأنت ضعيف الإيمان؟؟

وألم يؤدي ذلك إلى زعم أن القرآن يعمل عند قومٍ ولا يعمل عند آخرين؟؟

- ثم ماذا عن موضوع الأشرطة التي تُوزع بمبالغ باهظة؟؟

هل هي أكثر صلاحاً وتأثيراً من المسلم نفسه؟؟

- وماذا عن موضوع تجزئة القرآن الكريم إلى آيات للعلاج ( فللسحر آياتٌ وللعين آياتٌ ولغيرها آيات)؟؟

أليس القرآن الكريم كله من الله؟؟

أليست حروفه مقدسةً ومُشعةً في كل آن؟؟

وألم يثبت أن الصحابة – رضي الله عنهم – رقوا لديغاً بالفاتحة؟؟

- وهل سيؤدي مستقبل العلاج بالقرآن الكريم وقد كثر مؤخراً على مستوى قنواتٍ متخصصة إلى تغييب آثاره من الهداية والإرشاد، ومصدريته للفقه والأحكام والمعاملات والأخلاق، واستغلاله فقط من أجل هذا الغرض؟؟

مقدم البرنامج: سماحة الشيخ العلاج بالقرآن الكريم الآن أصبح واسعاً ومنتشراً، وفُتحت من أجله عيادات.

 

نحن نريد أن نتعرف على حقيقة العلاج بالقرآن الكريم أولاً ثم نطرح التساؤلات الأخرى.

 

 

سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..أما بعد..

فلا ريب أن كتاب الله سبحانه وتعالى هو مصدر كل خير، ومنبع كل هداية، وكله نور.. كل حرفٍ من أنواره يشع نورا، وكل كلمةٍ من كلماته لها أثرٌ في هداية الخلق إلى الحق، وكل آيةٍ من آياته هي حجةٌ من حجج الله سبحانه وتعالى على عباده، وبجانب كونه فيه شفاءٌ للنفوس من حيث الهداية إلى الحق، وتبصير الناس به تُرجى بركته لمن تلاه؛ لأن تلاوته قربةٌ إلى الله سبحانه، ولجوءٌ إلى الله عز وجل.

 

القرآن الكريم كله خيرٌ وبركة، والله سبحانه وتعالى ذكر الذين شفاهم وعافاهم مما ابتلوا به فيما سبق.

 

فذكر سبحانه وتعالى قصة أيوب – عليه السلام – الذي أُبتُلي بما ابتُلي به، وجعل في قصته ذكرى للعالمين.

 

ذكر عنه سبحانه وتعالى أنه {...نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } (الأنبياء:83)، وأتبع ذلك قوله {...َفَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } (الأنبياء:84)

 

في هذا ما يدل على أن اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى يشفي النفوس من أمراضها.

 

قد يشفي الله سبحانه وتعالى بسبب اللجوء إليه من لا يُرجى شفاؤه.

 

هذه إرادة الله عز وجل، الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

 

الأسباب لا تؤثر في المُسَببات إلا بإرادته سبحانه وتعالى، فلا تُفضي الأسباب إلى أي شيء إلا بإرادته عز وجل، وقد يأتي الشيء بدون سبب.

 

الأسباب جامدة والله سبحانه يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وهذه هي إرادته عز وجل، ولكن مع هذا لا يعني هذا أن يُستغل القرآن من قِبل الناس الذين يريدون أن ينصبوا من أنفسهم أطباء يعالجون الناس بالقرآن استغلالاً سيئا، وأن يؤدي الأمر إلى ما لا تُحمد عاقبته.

 

إن الواجب أن يدرك الكل بأن هذا النبع نبعٌ فياض لا يُختص به أحدٌ دون أحد، فلماذا لا يهتم الإنسان بنفسه؟! أن يتلو كتاب الله، وأن يتدبر آياته، وأن يسأل الله سبحانه وتعالى عقب هذه التلاوة أن يشفي علله، وأن يمن عليه بالبرء من الأمراض؟؟

 

هذا هو المطلوب.

ليس المطلوب أن يتردد فلانٌ على فلان.. أن يتردد الناس على أحدٍ بعينه، وأن يكون ذلك كعبة القصاد يقصدونه من أجل الشفاء حتى يؤدي الأمر إلى أن يعتقدوا فيه معتقداتٍ باطلة لا تصل إلى شيءٍ من الحق ، هذا أمرٌ لا يجوز.

 

على الناس أن يدركوا أن جميع الناس لا يملكون لأي أحدٍ نفعاً ولا ضراً، بل لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا.

 

هذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع علو قدره ومع شرف منزلته ومع ما اختصه الله سبحانه به من التكريم يقول الله تعالى له: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ...} (الأعراف:188).

 

فإذاً كل واحد عليه أن يلجأ إلى الله..

الله تعالى فتح أبوابه للجميع {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة:186) لا أن يجعلوا بينهم وبين الله تعالى وسائط، أو أن يجعلوا بينهم وبين كتابه سبحانه وتعالى وسائط.

 

كل واحد يمكنه أن يأتي إلى هذا المورد الفياض.. هذا النبع الرقراق.. هذا المصدر النوراني وأن يتلو كتاب الله، وأن يتضرع إلى الله، وأن يتوسل بما تلاه من آيات الله تعالى البينات إلى الله سبحانه وتعالى بأن يشفي علته، والله تعالى قادرٌ على الشفاء.

 

الله سبحانه وتعالى ذكر قصة ذي النون إذ نجاه من بطن الحوت، وأتبع ذلك قول {...وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } (الأنبياء:88) وذلك بعد إذ نادى في الظلمات {...أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } (الأنبياء:87) هذه دعوةٌ كانت مستجابة، وكانت سبباً لئن تعود الحياة إلى ذي النون – عليه السلام -، والله تعالى يقول: {...وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } أي – كهذه التنجية ننجي المؤمنين -.

 

فإذاً من يُصاب ببلاء يتضرع إلى الله ويرجو من الله تعالى، وهذا مع عدم تعطيل سنن الله تعالى التي لا بد من التزامها.. مع عدم تعطيل العلاج المادي فإن العلاج المادي أيضاً هو مما ينبغي للإنسان أن يحرص عليه.

 

النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: " تداووا عباد الله فإن لكل داءٍ دواءً إلا السام أو إلا الموت".

 

كل ما كان من داء فإن الله تعالى خلق له دواء علم الناس ذلك أو لم يعلموا، إنما المجال مفتوحٌ للناس لئن يبحثوا عن هذا الدواء، وأن يكتشفوا ما لم يكن مُكتَشفاً من قبل.

 

وهكذا سنن الله تعالى في خلقه، ولكن مع ذلك نجد الحديث يحض على أن يتداوى الناس بالأدوية المعهودة هذا مع عدم قطع الصلة بالله سبحانه وتعالى، وأن يلتزموا بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى فلا هذا يُغني عن هذا ولا هذا يغني هذا.

 

لا يكتفي الإنسان بتلاوة القرآن، وتلاوة الأسماء الحسنى والدعاء بها فحسب مع تعطيل الأسباب.

 

يجمع ما بين الأخذ بالأسباب وما بين الأخذ بهذا السبب الرباني أيضا، كما أن الإنسان الذي يعتني بالزراعة لا يُهمل الأرض التي يزرعها بل يعتني بسمدها، ويعتني بسقيها، ويعتني بتصليحها ثم يزرع ويدعو الله تعالى، ولا يكتفي بأن يدعو الله تعالى بأن ينبت له نبتاً من غير زرع، أو أن يهيئ الله سبحانه وتعالى من عنده أسباباً لإصلاح ذلك الزرع من غير أن يعتني صاحب الزرع بهذا ( من غير أن يسمد الأرض، ومن غير أن يزيل ما عسى أن يطرأ عليها من المؤثرات، لا، بل يحرص على الجمع ما بين هذا وذاك).

 

يمسك بسنن الله سبحانه وتعالى في الأخذ بالأسباب بهذه اليد، ويمسك بحبل الله المتين من حيث الدعاء والتضرع إلى الله وتلاوة كتابه والتعلق بالله سبحانه وتعالى باليد الأخرى.. وهكذا.

 

 

مقدم البرنامج: يقوم بذلك بنفسه دون واسطة.

 

 

سماحة الشيخ: نعم بدون واسطة.

سؤال متصلة: إن بعض الناس الذين يعالجون بالقرآن الكريم نجدهم عندما يشخصون حالة المريض يشخصوها من جميع النواحي سواء كان في الجوانب المادية أو النفسية أو الاجتماعية أو العملية حتى إنهم يتنبأون بما سيحصل لهذا المريض في المستقبل.

 

سؤالي هنا أننا نرى أن بعض ما يقولون يكون بالفعل مطابقاً لواقع المريض، فكيف نوفق بين تشخيص هؤلاء المعالجين لهذه الأمور التي نعتبرها غيبية وبين قولهم أنهم يعالجون بالقرآن الكريم؟؟

 

 

متصل ثاني: سؤالي الأول ما هي المواضع أو السور في القرآن الكريم التي يتم العلاج بها؛ لأنه سبحانه وتعالى يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ...} (الإسراء:82) صدق الله العظيم.

 

سؤالي الثاني: ما قولكم فيمن يُعالِج بالقرآن الكريم ويأخذ على ذلك مبالغ باهظة؟؟

 

وهل تبطل الاستفادة؟؟ وهل يُعتبر ذلك المال المأخوذ أكلاً بالباطل؟؟

 

ولماذا يذهب قارئ القرآن لشخصٍ آخر يعالجه بالآيات والذكر الحكيم؟؟

 

وهل علاج القرآن الكريم لمس الجان والشياطين فقط كما يفهم الآخرون؟؟

 

 

مقدم البرنامج: سماحة الشيخ في زمن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يتذوقون القرآن الكريم، وكانوا يفهمون معانيه، وحُكي عنهم أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات إلا بعد العمل بها، هل كانوا يمارسون هذه المهنة التي تُمارس اليوم؟؟

 

 

سماحة الشيخ: على كل حال التبرك بالقرآن الكريم كان حاصلاً عند الكل من غير أن يكونوا يخصصون أحداً بعينه يذهبون إليه من أجل أن يرقي لهم بالقرآن.

 

كل واحدٍ منهم يرقي بنفسه، وكل واحدٍ منهم يعتني بتلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى، أولاً من أجل إصلاح نفسه وتهذيب أخلاقه وتزكية سريرته وبعث همم الخير فيه والتعلق بالله سبحانه وتعالى رجاءً وخوفا، ثم أيضاً ينالون بركة كتاب الله تعالى من حيث إنهم يسألون الله تعالى عقب تلاوته ما يسألونه من شفاء أمراضهم، وإصلاح شأنهم، وتهذيب نفوسهم.

 

كانوا هم يحرصون على تزكية النفوس أولا بالقرآن، ليس الأمر كما هو الواقع الآن بحيث إن جانب التزكية رُكِن جانباً، وجانب الاهتمام بما يسمى العلاج بالقرآن أو المنافع التي يمكن أن نسميها منافع مادية هي التي تُجعل الركيزة الأولى في العناية بالقرآن، لا، كان أولئك على خلاف ذلك.

 

كانوا مهتمين أولاً بالتزكية، ويدركون أن آثار القرآن من حيث شمول بركته وظهور منفعته إنما ذلك لمن زكَّى نفسه بهذا القرآن الكريم، وحرص على إتباعه.

 

القرآن أنزل قبل كل شيء من أجل أن يكون هدىً للناس..

 

( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )(البقرة: من الآية185)..

( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(البقرة: من الآية2)..

( هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) (لقمان:3) ..

( هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (النمل:2) فلذلك كانوا يجعلون ارتكازهم على هذا الجانب – جانب الهداية، هداية القرآن – ومع ذلك يتبركون بتلاوته من أجل شفاء أمراضهم.

 

 

مقدم البرنامج: الآن سماحة الشيخ من ضمن أسئلتنا في هذا الموضوع المتعلق بالعلاج بالقرآن الكريم هل ترون أن العلاج بالقرآن الكريم الذي يتبعه الناس الآن فيه تزكيةٌ لنفوسهم على حساب الآخرين؟؟

 

كأنه يقول له: أنا مؤمن؛ لأن دائماً في بعض الأحيان عندما يأتي المريض إلى هذا المعالج يقول له أنت ضعيف الإيمان.. أنت شارد الذهن.

 

ربما هو مصاب بوسواس قهري لا يستطيع أن يتحمل سماع القرآن أو سماع أي شيء؛ لأن نفسه غير متقبلة فدائماً يحكم عليه بأنه أنت ضعيف الإيمان... سبحان الله.

 

هل هذا يؤدي إلى تزكية النفس التي نهانا الله عنها؟؟

 

سماحة الشيخ: لا يجوز للإنسان أن يخاطب الناس مثل هذا الخطاب ( أنت غير مؤمن أو أنت كذا...) لا، الله أدرى بإيمانه {...فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } (النجم:32).

 

 

مقدم البرنامج: طيب، وهل يؤدي ذلك إلى القول بأن القرآن يعمل عند قوم؟؟

 

لأن الواسطة التي ذكرتموها قبل قليل تُكرِّس في أذهان الناس على أن القرآن عندي أنا يشفي وعند الآخرين لا يشفي.

 

 

سماحة الشيخ: هذا كلامٌ غير صحيح.

هذا كلامٌ باطل.

 

لماذا يُختص بعض الناس بأن يتحقق على أيديهم الشفاء دون بعض؟؟!

 

 

مقدم البرنامج: هذا هو الحاصل على كل حال.

هناك أشرطة مثلاً توزع بمبالغ باهظة هل هذه الأشرطة أكثر تأثيراً من الإنسان فيما لو قرأ على نفسه؟؟

 

 

سماحة الشيخ: الإنسان قراءته عبادة، بينما قراءة الشريط ليس بعبادة، فقراءة الإنسان بنفسه للقرآن الكريم عبادة، والعبادة على أي حال فيها خيرٌ وفيها رحمة وفيها هدى، بينما الشريط إذا قرأه نعم استماع القرآن فيه خير، ولئن يستمعه من قارئٍ يتلوه عبادة خير من أن يستمعه من شريط.

مقدم البرنامج: أحد الإخوة من الموقع يقول: مما يؤسف عليه في الآونة الأخيرة انجراف الكثير من الناس إلى مراكز متخصصة في العلاج بالقرآن أو إلى شخصياتٍ يزعمون أنها تشفي بالقرآن، ولكن ما إن قصدوا هدفهم وقعوا في الشباك فبات ذلكم المركز يُفصِّل حالة المريض بتفسيراتٍ غريبة وعجيبة تنفطر لها القلوب منها لا الحصر أنه مسحور أو محسود أو كذا أو كذا..مما يزيد الطين بلة فيزداد خوف المريض مما هو عليه.

 

ويقول من ضمن كلامه أيضاً: أضف إلى ذلك ما سيأخذه ذلكم المركز أو أولئك الأشخاص من مبالغ على علاجهم لذلك المريض.

 

ما حكم الشرع في إقامة مثل تلك المراكز المذكورة سلفاً؟؟

 

وهل يجوز للمريض أن يتردد عليها؟؟

 

 

سماحة الشيخ: هذه المراكز كالمراكز التي تُنشأ على هذا النحو هي مراكز للاستغلال، فالقائمون عليها دجالون يريدون أن يستغلوا عواطف الناس أو سذاجتهم أو بساطتهم من أجل أن يثروا من وراء ذلك، وأن يأخذوا ثروات الناس بهذه الحيل.

 

هذا أمرٌٌ لا يجوز، وعلى الناس أن يتقوا الله تبارك وتعالى فيه، وأن لا يفعلوا هذا الفعل.

 

عليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى فإن تقوى الله تبارك وتعالى تردعهم عن مثل هذه التصرفات، وتحول بينهم وبين هذه الأطماع، وتصرف أيضاً المُبتَلين عن التعلق بمثل هؤلاء الناس الدجالين الضالين الذين لا يريدون من وراء هذا الذي يقومون به إلا جمع الثروات، وإلا استغلال ضعف الناس واستغلال هزيمة القلوب حتى ينالوا مرادهم من وراء هذا.

 

 

مقدم البرنامج: المتصلة الأولى تتساءل وتقول: ذلك الذي يعالِج بالقرآن الكريم في بعض الأحيان تذكر عن بعضهم أنه يتنبأ بحالة المريض في المستقبل، ويخبره أيضاً من أين أتاه الضر، ومن أين أصابته المشكلة.

 

تقول: كيف أُوفق بين هذا الذي يقوله وبين علاجه بالقرآن الكريم الذي أساساً يقول بأن علم الغيب يختص به الله سبحانه وتعالى؟؟

 

 

سماحة الشيخ: علم الغيب لا يصل إليه المخلوق إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه يأتيه من قِبل الوحي لا من قِبل علمه بنفسه بالغيب {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ...} (النمل:65)

 

{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} (الجن:26-27).

 

فإذاًً هؤلاء الذين يدعون علم الغيب، ويدعون أن فلانا – كما قالوا- مسحور، أو فلانا أُصيب بضر، أو فلانا أُصيب بضر في مكان كذا، أو أنه دُفن له عمل في موضع كذا هؤلاء إنما يتحدثون فيما لم يأذن الله تعالى بأن يتحدثوا فيه بحيث يدعون الغيب والنبي – صلى الله عليه وسلم – على علو قدره ما كان يعلم الغيب إلا أن يأتيه من قِبل الوحي.

 

 

مقدم البرنامج: أحد الإخوة من مصر يقول: يقال إن هناك تحاوراً بين الراقي والجني أثناء الرقية بالقرآن الكريم فهل الأولى أثناء التحاور مع هذا الجني دعوته إلى الاستقامة أم يجوز القضاء عليه؟؟

 

هو يُسلِّم على كل حال بوجود هذا التحاور فيسأل ما هو الأَولى؟؟

 

 

سماحة الشيخ: أولاً ينبغي إثبات هذا التحاور ( هل هو ثابت أو هو مجرد وهمٍ وخيال).

مقدم البرنامج: سائلٌ آخر يقول: هل يمكن للجن أن يسرقوا مبالغ من الإنسان؟؟

 

 

سماحة الشيخ: هذا أمرٌ لا نعلمه، إن الله على كل شيءٍ قدير.

 

قد يسلط الله تعالى من يشاء على من يشاء.. يسلط الله الجن على الإنس وقد يسلط الإنس على الإنس.

 

الله تعالى على كل شيءٍ قدير، وإنما على الإنسان أن يستعيذ من شر الجنة والناس.

 

 

مقدم البرنامج: المتصل الثاني يسأل عن موضوع أخذ المبالغ على قراءة القرآن الكريم للعلاج.

 

 

سماحة الشيخ: هذا من الاستغلال غير الجائز.

الذي يعمل هكذا إنما يتخذ القرآن وسيلة لجلب الغنى أو لاستغلال حاجات الناس، واستجداء ثرواتهم، والقضاء على خيراتهم.

 

هذا أمرٌ لا يجوز، من الاستغلال الباطل الذي لا يقوم به إلا الدجالون.

 

 

مقدم البرنامج: سؤاله الثاني نحن نطرحه في سياقٍ آخر وكنا قد طرحناه في بداية الحلقة عن موضوع تجزئة القرآن الكريم إلى آيات معينة للسحر وآيات للعين وآيات لكذا وغيرها...

 

هل يصح هذا؟؟

 

 

سماحة الشيخ: القرآن كله بركة، وكله خير، وكله هدى، وكله شفاء.

 

 

مقدم البرنامج: طيب، الآن أحد الإخوة من السلطنة يقول: يعتمد المسلم على نفسه في تزكية نفسه بالقرآن، ولكنه يحتاج أحياناً إلى الاستعانة بأهل الخبرة لعلاج بعض المصابين بالالتباس أو غيره، وهنا يصعب عليه التمييز بين المعالج الملتزم بالشرع في العلاج وغير الملتزم به.

 

فمثلاً: شيخٌ معروف بأنه يعالج بالقرآن ولكن عندما يأتي إليه المريض يسأله عن اسمه واسم أمه، ويحسب له شيئاً، فما هي العلامات التي نميز بها بين الاثنين؟؟

 

 

سماحة الشيخ: هذا التصرف تصرف غير شرعي.

 

ما الذي يتعلق بالمريض وبأم المريض؟؟

 

هذا من التنجيم غير الجائز، فلا يجوز هذا أبدا، إنما الطريقة السليمة هي أن يتلو عليه ما تيسر من كتاب الله سبحانه وتعالى بإخلاص نية من غير استجداء ومن غير أن يقصد الإثراء من وراء ذلك.

مقدم البرنامج: من المواضيع المهمة في هذا الأمر سماحة الشيخ موضوع نظرتكم إلى هذا الموضوع في المستقبل.

 

هل يؤدي كثرة هذه العلاجات وقد وُجدت قنوات متخصصة في هذا الجانب تكرس هذا المفهوم في حياة الناس حتى إن بعضهم ربما جعل مجموعةً من القراءة هكذا مبثوثة لإخراج الجن من البيت وما شابه ذلك.

 

هل هذا الاستغلال للقرآن الكريم سيؤدي مستقبلاً إلى أن يكون القرآن محصوراً في هذا الأمر فقط ويُغيِّب موضوع هدايته وإرشاده ومصدريته في الأحكام والأخلاق؟؟

 

 

سماحة الشيخ: لا ريب أن أكثر الناس إنما يندفعون وراء هذه الرغبات من غير أن يلتفتوا إلى الهدف الأسمى الذي أُنزل من أجله القرآن.

 

الغاية الكبرى وهي هداية الناس.

 

{...هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } (البقرة:2)..{هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } (لقمان:3)..{هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }(النمل:2)..{...هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...} (البقرة:185)

 

لا يلتفتون إلى هذا الجانب وإنما يلتفتون إلى جوانب المنفعة التي يمكن أن نقول بأنها مادية، أو نقول بأنها محسوسة؛ فلذلك يتسارعون إلى هذا الجانب ولا يعنيهم أن يزكوا أنفسهم بكتاب الله، وأن يقيسوا مدى صلاح أعمالهم وعدم صلاحها بالرجوع إلى هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه، فلبذلك هذه القضية فيها خطورة.

 

خطورة كبيرة، وعلى الناس أن يتنبهوا لهذا، وأن يدركوا أن القرآن الكريم أُنزل من أجل هداية الناس.. من أجل شفاء القلوب من أمراضها.. شفاء قلوب الناس مما يعتريها من الظلال.. من الفساد .. من الانحراف.. من المعتقدات السيئة.. من التعلق بالناس وعدم التعلق بالله سبحانه وتعالى.. من اتخاذ الأنداد مع الله.

 

عليهم أن يدركوا هذا كله، وبهذا يكونون احتموا بالقرآن الكريم، وآووا إلى ركنه، ولجئوا إلى الله سبحانه وتعالى.

مقدم البرنامج: جزاكم الله خيرا سماحة الشيخ.

 

الآن أعزاءنا الكرام هناك قصصٌ معينة حدثت لبعض الذين ارتادوا العلاج عند أشخاصٍ زعموا أنهم يعالجون بالقرآن الكريم.. قصصٌ متنوعة ستستمعون بعض تفاصيلها أيضاً من سماحة الشيخ بعد أن تستمعوا إلى هذا السؤال الذي جعلناه سؤالاً لحلقة اليوم، وهو عبارة عن اتصالٍ ورد إلينا من إحدى الأخوات ذكرت فيه قصتها مع معالجٍ معين، ورأينا أن نصوغ سؤالها في شكلٍ مرتب مدعومٍ ببعض الصور لنستمع إليه ثم نستمع الإجابة من الشيخ بإذن الله.

 

 

( في يومٍ كالحٍ أسود تسطرت أمام عيني حقيقةٌ لشخصياتٍ غابت عني ردحاً من الزمن..

 

كانت رغبةٌ عميقةٌ تدفعني وزوجي لطلب الولد، لكن إرادة الله تعالى كانت تحكم بسقوط الجنين في كل مرة..

 

فتشت في خِيَر العيادات..

وسافرت إلى البلدان والمستشفيات لكن الإجابة غير مقنعة، والتيئيس من المحاولة ظاهرٌ في الحديث إلى أن ساقتني الأقدار لأتصل بشيخٍ زعم أنه يعالج بالقرآن، فكانت المراجعة الأولى والثانية، وقد امتلأت رفوف بيتي بزجاجاتٍ الأدوية والأعشاب والخلطات المرتبة على هدي السنة – كما يقول – والكتاب، إلى أن جاء زمن كشف الحقيقة قال لي والدنيا تدور: إن مشكلتك لا تُحل إلا بماء الآخرين حتى ينكسر حاجز السحر، ويُقطع دابر الضر، وعندها فقط ستنعمين بالولد، ولن تعيشي بعدها في كبد.

 

دارت بي الدنيا واسودَّ من حولي كل شيء، فخرجت لا ألوي على أحد.

 

إن هذا الرجل مشعوذٌ كذاب لا يعرف القرآن ولا يتذوق له معنى، ولكن السؤال المطروح هل لهؤلاء المتقولين على الله من يوقفهم؟؟).

 

 

مقدم البرنامج: سماحة الشيخ استمعتم إلى السؤال.

 

هذا قال لها: إن علاجك لا يكون إلا بماء الآخرين.

 

 

سماحة الشيخ: نعوذ بالله من الشيطان وحزبه، الشيطان (يدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)(فاطر: من الآية6) ، وهؤلاء من حزب الشياطين وليسوا من أهل القرآن، ولا علاقة لهم بالقرآن.

 

وأنا وصلتني عدة شكاوى من خلال الاتصال الذي يأتيني من عدةٍ من النساء عبر الهاتف يذكرن مثل هذه التصرفات العجيبة، وقد وقع بعضهن في حبائل هؤلاء.

 

إحدى هؤلاء النساء تقول بأنها مصابة بسواسٍ قهري ( هي فتاةٌ أصيبت بوسواسٍ قهري، وهي غير متزوجة) واتصلت بشيخ وطلبت منه العلاج فكان باستمرار يتصل بها، ويصف لها وصفات كما يزعم، وإذا به بعد حين يقول لها: بأنه لا يؤثر عليها العلاج إلا بأن تلتقي به شخصياً حتى يكون أكثر قدرةً على تشخيص عللها وتحديد علاجها، وما كادت تلتقي به حتى أخذ يفتل منها في الذروة والغارب وأوقعها في حباله ورزأها في عفتها، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ثم انتبهت للخطأ الكبير الذي وقعت فيه.

 

وأخرى تقول: بأنها أيضاً اتصلت بأحد هؤلاء الذين يزعمون أنهم شيوخ، وأنهم يعالجون بالقرآن الكريم، ولم تكد تتصل به حتى أحست بانجذابٍ نحوه انجذاباً غريباً وكان غير طبيعي، ففهمت أن الرجل بوسائله السحرية استطاع أن يؤثر على عقلها، وأن يأسرها بهواه، وأخذت تبحث عن المخرج حتى وجدت المخرج قبل أن تقع في الرَزِيَّة.

 

وأخرى كذلك: اتصلت وذكرت مثل هذه الشكوى، فإذاً تصاعدت هذه الشكاوي وكثرت.

 

كم من الشكوى تصلنا من هذا النوع، ووصلتني رسالة أيضاً عن إحدى النساء حملها زوجها من أجل العلاج، وزوجها مُخبَّل وهو ديوث، والديُّوث على أي حال لا يشم رائحة الجنة كما جاء في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.

 

طلب هذا الذي يدعي أنه يعالج بالقرآن أن تكشف له صدرها، وأخذ يلاعب نهديها بدعوى أنه يعالجها بذلك أمام زوجها، فسودَّت – كما تقول – أمامها الدنيا، ودارت بها الأرض بأسرها، وأحست بأنها وقعت في أمرٍ عظيم؛ ولذلك عافت هذا الزوج الذي لا يغار، وبعدت عنه، ولجأت إلى أهلها ولم ترضَ أن ترجع إليه قط، وأصرت على طلاقها منه.

 

هكذا يقع هؤلاء الناس في حبائل هؤلاء فيؤثرون على عقول الرجال والنساء حتى تغيب الغيرة من قلوب الرجال ويغيب الحياء من وجوه النساء، ويؤدي الأمر إلى الوقوع في الفحشاء والعياذ بالله.

 

على الناس أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يتنبهوا لهذه المكايد فإنها الطامة التي لا تُبقي ولا تذر، عندما تقضي على الحياء وعلى الغيرة والحمية الدينية، ولا يكون الإنسان إلا كالحيوان الأعجم، بل كشر الحيوانات كالخنزير الذي لا يغار. نسأل الله تعالى العافية.

 

 

مقدم البرنامج: في ذيل سؤالها قالت: هل لهؤلاء من يوقفهم؟؟

 

ماذا تقترحون؟؟

 

 

سماحة الشيخ: نحن نرى أنه من الضرورة بمكان أن يُنظر إلى هؤلاء المعالجين وكيف يعالجون، وما هي وسائل العلاج، وأن تقف الجهات المختصة أمام مثل هذه التصرفات أو هؤلاء المتصرفين هذه التصرفات الشائنة وقفةً حازمة، وأن يُمنع الناس أيضاً من الذهاب إليهم، اللهم إلا من عُرفت براءته وكانت الطمأنينة من الكل إلى ثقته وأمانته وعدم استغلاله للناس، وعدم تلاعبه بالأعراض، وعدم تلاعبه بحياء النساء وغيرة الرجال..عدم تلاعبه بالعفة عند الرجال والنساء جميعا.

 

إذا وُجد من كان كذلك فنحن لا نعمم الحكم، ولكن بالنسبة إلى هؤلاء المفسدين يجب أن يوقفوا عند حدهم.

مقدم البرنامج: على كل حال نحن أيها الإخوة الكرام استمعنا من الشيخ إلى معلومةٍ مهمة وهي أن الإنسان يعالج نفسه بالقرآن الكريم، لا يعتمد على الآخرين، ولا يجعل بينه وبين القرآن واسطة.

 

هذه الأسئلة التي نطرحها كانت تأتي بناءً على القول الآخر أو التصرف الآخر.

 

أحد الإخوة من موريتانيا يقول: هل يجوز للراقي أن يضع يده على رأس المرأة المعالَجة؟؟

 

 

سماحة الشيخ: الرجل لا يلامس امرأة ولا ينظر أيضاً إلى المرأة نظرة تفحص، عليه أن يغض من بصره فضلاً عن أن يلامسها فإنها هذه الملامسة مسترابة وعليه أن يتقي الله تعالى في ذلك.

 

 

مقدم البرنامج: هذا مع دعوتكم إلى أن الإنسان يعالج نفسه بالقرآن الكريم لا يعتمد على الآخرين.

 

 

سماحة الشيخ: نعم.

 

 

مقدم البرنامج: من ضمن الأسئلة أيضاً سماحة الشيخ فيما يلاحَظ على هذه الأشياء التي يمارسها الناس في العلاج بالقرآن الكريم أنها تؤدي إلى مشكلةٍ أخرى العلماء ينهون عنها وهي جعل الإنسان واسطة بينهم وبين الله.

 

هذا الذي يحدث الآن يؤدي إلى أن يقتنع الآخرون بأن هذا الرجل هو الموكل من الله سبحانه وتعالى بإيصال رسالتهم إليه فيتبركون به ويتمسحون وما شابه ذلك، هل يؤدي هذا إلى موضوع التوسل؟؟

 

 

سماحة الشيخ: نعوذ بالله من هذا، والتعلق بغير الله تعالى حاربه الإسلام وحاربته آيات القرآن وحاربته السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فإن الله تعالى يقول: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (التوبة:51).

 

ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } (الأنعام:17).

 

ويقول:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (يونس:107).

 

ويقول: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (الرعد:16)، والآيات القرآنية في هذا كثيرة جداً {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (فاطر:2)، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول لابن عمه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما -: " إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".

 

إذاً لا مجال للتعلق بالبشر واعتبارهم وسائط للناس بينهم وبين الله تعالى.

 

الله تعالى أبوابه مفتوحة لجميع الخلق، ولم يجعل بينه وبين خلقه واسطة {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة:186).

 

 

مقدم البرنامج: مما يُذكر في هذا الصدد كانت من ضمن الأسئلة التي وردتنا أن رجلاً كان يقول في واحدة على كل حال من النوافذ المفتوحة لهذا الغرض يقول له كرر الآية (83) من سورة الإخلاص، فقال له المتصل: لا توجد في سورة الإخلاص آية (83) لأن سورة الإخلاص عدد آياتها قليلة!!!

 

فقال: الشيخ يعلم ما يقول!!

 

 

وهذا سؤال آخر يقول: رجلٌ تحدث في بيته أمورٌ غريبة كأن يكون التلفاز مُشغلا فيزداد صوته دون سبب، أو أن الأواني تسقط من خزانة المطبخ أو تنكسر دون سبب، وأمورٌ كثيرةٌ عجيبة تحدث لهم في المنزل.

 

ذهب هذا الرجل إلى بعض الذين يقولون أن لهم علم الحكمة فأمره أحدهم أن يأتي بشاة ويضع فيها بعض الأمور بعد ذبحها ثم يدفنها في بستانٍ متصلٍ بالبيت ففعل ذلك وذهب ما كان يجدونه في البيت من العجائب، فما حكم ذلك؟؟

 

 

سماحة الشيخ: تقول هذا من التقرب إلى غير الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز لإنسان أن يذبح لغير الله؛ لأن الذبح لغير الله سبحانه كالصلاة لغير الله إذ الذبح عبادة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } (الكوثر:2).

 

{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162-163)؛ ولذلك أُمر بذكر اسم الله سبحانه وتعالى على الذبح لأجل الإيذان بأنه يقدم على هذا الشيء بحكمٍ من الله سبحانه الذي هو مالك هذا الحيوان، والذي أباح ذبحه من أجل الانتفاع بهذه الطريقة.

 

أما أن يُذبح الحيوان ويُحمل إلى قبر ليُدفن حول ذلك القبر، أو إلى بستان يُدفن في ذلك البستان من أجل ميتٍ أو من أجل جنيٍ أو من أجل شيطانٍ أو من أجل أي شيءٍ من هذا النوع فذلك من التقرب إلى غير الله ، وقد كان هؤلاء أحرياء أن يلجأوا إلى الله تبارك وتعالى.. أن يلجأوا إلى الله بقراءة كتابه الكريم، وبدعائه بأسمائه الحسنى فإن الله تعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة:186).

 

قد كانوا أحرياء بأن يلجأوا إلى الله تعالى لا أن يلجئوا إلى العرافين والكهنة والدجالين الذين يأمرون بهذه الأشياء، أما ما حصل فإن ذلك من الإملاء الذي يحصل للإنسان وهو يجانب طريق الحق.

 

فقد يُملى لمن يُجانب طريق الحق ويُستدرج، والناس قد قالوا بأنه قد تحصل أشياء قد تعد خوارق للعادات ولكنها تحصل لغير المستقيمين.

 

هذه إنما تُعد استدراج، ذلك لا يسمى كرامة إنما يُعد استدراجا، فالله تبارك وتعالى يقول: {...سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } (الأعراف:182).

 

الاستدراج متنوع، قد يكون الاستدراج بأن يُمهل للإنسان في حياته وهو على الخطأ، وقد يكون الاستدراج بأن يكثر رزقه وهو على الخطأ، وقد يكون الاستدراج بمثل هذه الأمور التي قد يطمئن الإنسان فيها إلى خطئه ويركن إلى ضلاله ويميل إلى غيه؛ فلذلك نقول بأن هذا استدراج، وقد كان هؤلاء أحرياء بأن يذكروا اسم الله تبارك وتعالى، وأن يتلوا كتابه كأن يتلوا آية الكرسي والمعوذتين وسورة الإخلاص، وكذلك جاء في بعض الروايات عن السلف عن ابن عمر – رضي الله عنهما – وعن غيره تلاوة عشر آيات من سورة البقرة في مثل هذه الأحوال.

 

أربع آيات من أول السورة إلى قوله تعالى {الْمُفْلِحُونَ}، وثلاث آيات هي آية الكرسي والآيتان بعدها إلى قوله تعالى {خَالِدُونَ}، والثلاث الأخرى هي آخر السورة من قوله تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ...} إلى نهاية السورة.

 

ينبغي للإنسان أن يستمسك بهذا، وأن يدع عنه هذه الأوهام.

مقدم البرنامج: أحد الإخوة يريد منكم نصيحة سماحة الشيخ.

 

بعض طلبة العلم ينصرفون عن طلب العلوم الشرعية، وعن التفقه والتعمق فيها إلى دراسة هذه العلوم وهذه الأسرار وعلم الرمل – كما قال – ويقومون بعد ذلك بمعالجة الناس وكشف ما بهم، فما هي نصيحتكم لهم؟؟

 

 

سماحة الشيخ: نحن ننصح هؤلاء أن يشتغلوا أولاً بتصفية نفوسهم، والاعتماد على الله تبارك وتعالى وحده، وتصحيح المُعتَقد بأنه لا نافع ولا ضار إلا الله، وأنه لا يعلم أحدٌ ممن في السماوات والأرض الغيب إلا الله وحده، فهو الذي يعلم الغيب، وكل من عدى الله فهو لا يعلم من الغيب شيئا.

 

وندعوهم إلى التفقه في دين الله، والحرص على ذلك فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين".

 

وندعوهم إلى الاستمساك بالكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة، والإعراض عن كل محدثات الأمور التي لا تتفق مع ما جاء به الكتاب وما جاءت به السنة.

 

 

مقدم البرنامج: أخ آخر يقول: هناك من يتحدث عن بدعة لبس الحجاب الذي تُكتب فيه الآيات على اعتبار أنه أيضاً له علاقة بما يسمى بالطلاسم وما شابه ذلك.

 

 

سماحة الشيخ: أما القرآن الكريم فهو يختلف تماماً الاختلاف عن الطلاسم.

 

هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن نختار أن يكون العلاج بالطريقة التي سُنَّت في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولم يأتِ في السنة ما يدل على إثباتها ولا ما يدل أيضاً على ردها؛ ولذلك اختلف العلماء فيها.

 

منهم من توسع نظر إلى أن هذا القرآن كمثل ما نتبرك بتلاوته لا مانع من أن نتبرك بكتابته وحمله، ومنهم من رفض ذلك نظر إلى أن هذه الطريقة مُحدثة وهذا الذي مال إليه الإمام السالمي – رحمه الله تعالى – في جوهره عندما قال:

ثم الكتابة التي قد ظهرت *** لا أعرف الوجه لها لو شُهِرت

حادثةٌ في جمعنا المعهودِ *** وأصلها قد كان في اليهــــــودِ

والله قد أغنى العباد عنها *** بأدعياتٍ يُستجاب منـــــــــــها.

 

 

وتعَّجب الإمام السالمي ممن يلجأ إلى هذه الكتابة ويحترس بها وقال بأن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كم كانوا يعتنون بهذه الكتابة!!

 

هل كانوا يعتنون بها؟؟

هل كانوا يحترزون بالكتابة أو أنهم كانوا إنما يدعون الله تبارك وتعالى ويعولون عليه سبحانه؟؟

*************

 

سؤال متصل: عندي بعض الأسئلة إذا سمحتم.

 

سؤالي الأول هناك كثيرٌ من الناس لا يعرفون القرآن إلا في حالة المرض وقبل ذلك لا يعرفون القرآن، فما الطرق العملية التي ترونها مناسبة لتعلق الناس بالقرآن؟؟

 

سؤالي الثاني لو وُجد في إحدى المجتمعات شخص يزعم أنه يعالج بالقرآن وهو في الحقيقة لا يُعالج بالقرآن، ويريد شخصٌ آخر أن يدعوه إلى الطريق الصحيح في العلاج بالقرآن فما الخطوات العملية لدعوة هذا الشخص للرجوع إلى الحق؟؟

 

 

مقدم البرنامج: سؤال المتصل الأخير جاء في اللحظات الأخيرة.

 

صحيح هناك من الناس من يلتفت إلى القرآن الكريم في حال وجود المرض بينما يهمله في بقية حالاته الأخرى، ومما أُثر في هذا ووجد في الآونة الأخيرة أن أجهزة معينة سعى بعض الناس إلى صنعها حتى يمر الماء عليها فتستفيد المرأة من الطبخ بالماء الذي سمع القرآن الكريم، وليس هناك داعي أن تسمع هي بنفسها القرآن الكريم.

 

الماء فقط هو الذي يسمع القرآن الكريم، الآن على كل حال ما هي الطرق العملية لدعوة الناس إلى أن يلجأوا للقرآن الكريم وينظروا فيه بعمق كما أراده الله؟؟

 

 

سماحة الشيخ: على الناس أن يكسروا هذا الحاجز الذي يحول بينهم وبين القرآن.

 

عليهم أن يرجعوا إلى القرآن وأن يدركوا أنه مصدر خيرهم في دنياهم وفي عقباهم، وأن يدركوا أولاً أنه خطاب رب العالمين إليهم.

 

أنزله الله سبحانه وتعالى على قلب النبي الأمي – صلوات الله وسلامه عليه – ليكون هدىً ورحمةً للمحسنين، وليكون هدىً وذكرى للعالمين.. ليكون هذا القرآن الكريم القائد الذي يقود الناس إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، وأن يتجسد في كل جزئيةٍ من جزئيات أعمالهم بحيث يكون كل واحدٍ كأنما هو قرآنٌ يمشي على الأرض من تطبيقه للقرآن، وترجمته لمعاني القرآن بأفعاله وبسلوكه وبأخلاقه، وأن يدركوا أن هذا القرآن الكريم إن أعرضوا عنه من حيث التطبيق ومن حيث العمل فإن الإعراض عنه يؤدي إلى شر الدنيا والآخرة.

 

الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } (طه:124).

 

ويقول قبل هذه الآية: {...وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً{99} مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً{100} خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} (طه:99-101).

 

الآن هؤلاء الذين يعرضون عن القرآن الكريم ماذا بقي لهم من الخير؟؟!

 

لا يعرفون القرآن إلا عندما يضطرهم إليه المرض الذي لا يرون له علاجاً إلا بتلاوة القرآن أو باللجوء إلى القرآن، لا.

 

عليهم أن يحرصوا على تكييف حياتهم جميعاً وفق تعاليم القرآن كتاب الله تعالى.

*********

( لقاء صحفي مع سماحة الشيخ )

العلاج بالقرآن الكريم.. بين الشرع والطب في سلطنة عُمان

المفتي: يجب تجنب من يدّعي العلم ويخلط بين القرآن الكريم والتمتمات

 

الوقت- مسقط - مصطفى أحمد:

---------------------

القرآن الكريم شفاء للناس، هذا أمر أكده الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث يقول: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) (الآية 82 من سورة الاسراء). ويشمل العلاج بالقرآن طرقا عدة، منها الرقية الشرعية والأذكار والأدعية والتسبيح والأحجبة الواردة عن أهل العلم الصحيح ومنه ما يكتب ويحمل ومنها ما يكتب ليشرب والى غيره من الوسائل والمسائل الشرعية التي يجب أن تعمل تحت دراية ومعرفة حقة.

 

والعلم وصل إلى مرتبة عالية من التقدم في سبيل علاج الجسد كنقل الاعضاء وزرعها وغيرها من الامور التقنية التي فاقت التوقعات..! ولكن هناك أمر لم يصل إليه الطب الحديث وهو الجانب الروحي، والتي يبحث عنها الطب في سبيل شفاء المرضى ولكن للأسف الشديد التجأ الناس إلى المشعوذين والدجالين وهذا أمرٌ نهى عنه الاسلام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أتى عرافاً وصدقه لم تقبل منه صلاةً أربعين يوماً).

 

في هذا التحقيق نعرض قضية المعالج بالقرآن وآراء الشرع الطبي فيها خلال طرح اراء ولقاءات مع سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان و مع بعض المعالجين وكذلك مع الاشخاص الذين عانوا من بعض الامراض وعجز عنها الطب الحديث وشفاهم الله تعالى على يد المعالجين بالقرآن الكريم .

 

في البداية يقول سماحة الشيخ بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة:

إن العلاج بالقرآن الكريم إنما هو تبّركٌ بكلام الله (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى أودع في كلامه من البركة والخير والرحمة ماهو جدير به وقد وصفه بقوله: (وننزل من القرآن ما هو شفاءُ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا).

 

ويقول (لقد جاءتكم بينةٌ من ربكم ورحمة) إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن القرآن الكريم فيه شفاءُ ورحمة، و صنيع النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان عليه أفضل الصلاة والسلام يرقي بالقرآن الكريم، وكان أحياناً يسترقي به بنفسه عند مرضه كان يقرأ المعوذتين، وكذلك كان يرقي به غيره من الناس الذين يصابون بالآلام وغيرها، وأقر الرقي بالفاتحة الشريفة، وأقر أيضاً بقراءة القرآن الكريم في حالات الخوف والاضطرار، فهذه الروايات كلها تدل على مشروعية العلاج بالقرآن الكريم عندما يكون بهذه الطريقة.

 

أما بالنسبة إلى الأعشاب فإن في كل ما خلقه الله سبحانه وتعالى خاصيات والأعشاب نباتات أودع الله سبحانه وتعالى فيها خاصيات متعددةٌ، وجعلها منافع للعباد.

 

* سماحة الشيخ ما هي الضوابط الشرعية للعلاج بالقرآن الكريم؟

القرآن الكريم يعالج بالإخلاص والتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى لا بطريق الاستغلال فالذي يستغل القرآن الكريم لمصالحه ويجتذب بذلك أموال الناس إليه لا يعدُ أهلاً لأن يعالج بالقرآن الكريم لأنه اتخذ القرآن الكريم وسيلة للدنيا.

 

* كيف يمكن أن يفرق الشخص العادي بين المعالجين إن كان يتعامل بالقرآن الكريم وهذا يستعين بالطلاسم أو غير ذلك من الأمور غير الجائزة؟

 

- يحكم على الانسان بصنيعه فالذي يقرأ كتاب الله بطهارة ونظافة واخلاص يعرف انه يعالج علاجا صحيحا ليس فيه تدليس، أما الذي يدعي أنه يعلم الغيب أو يستعمل شيئا من الامور الغامضة كأن يخلط بين القرآن الكريم وبين تمتمات لا يعرف لها معنى فهو لاريب يلبس الحق بالباطل ويحاول أن يلبس على الناس أمر دينهم وأمر حياتهم فيجب تجنبه وكذلك بالنسبة الى بعض الاشياء التي هي من مظاهر السحريات أو من دلائل التنجيم كالسؤال عن اسم الشخص أو اسم أمه.

 

* من يقصد هؤلاء المعالجين يُبادر من قبلهم بالقول إن مسببات هذه الاعراض التي يعاني منها هي العين أو السحر أو الحسد أو التلبس بالجان ويوجد هذا الامر هاجساً نفسياً لدى المريض حيث يتصور انه مصاب بمجرد ظهور بعض الاعراض المرضية عليه، كيف تقومون الواقع من خلال هذه الظاهرة؟

 

- الامراض سنة من سنن الله تعالى في الخلق، والدنيا لايمكن ان تخلو من الأمراض وهو نوع من الابتلاء الذي يختبر الله به عباده وهو سبحانه وتعالى الذي أنزل الداء وأنزل الدواء، فالله تعالى يقول فيما يحكيه عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام (وإذا مرضتُ فهو يشفين) والأنبياء وهم صفوة الله تعالى من خلقه كانوا يصابون بالأمراض، فالنبي صلى الله عليه وسلم أصيب بما أصيب به من الاسقام فتداوى ، وقد ابتلى الله أيوب عليه السلام كما يبين ذلك كتاب الله سبحانه وتعالى، فلا يمكن ان يحمل المرض على انه من السحر او من العين أو من غير ذلك، هذا مع إيماننا بأن الله سبحانه وتعالى جعل الحسد مؤثراً، ولذلك شرع لنا أن نستعيذ من شر حاسد إذا حسد، وقد أشار إلى التوقي من الحسد فيما حكاه الله تعالى عن نبيه يعقوب: ( يا بني لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبوابٍ متفرقة).

 

فالاستعاذة من الحسد أمر مشروع ولكن لا يعني هذا أن يقال بأن كل مرض وكل مصيبة وكل ما يلم بالإنسان إنما هو من الحسد! أو يقال بأنه من الجن أو يقال بأنه من السحر، و السحر مهما كان لا يمكن أن يؤثر إلا بإذن من الله (وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بإذن الله).

 

و لا ريب أن الجن يحسدون البشر كما ان البشر يحسدون بعضهم بعضا، ولكن التأثير الذي يتصوره الناس هو أمرٌ فوق الواقع بكثير، ونحن لا ننكر أن يكون هناك شيئاً من التلبس لكن لا على ما يتصوره الناس فلربما مال أكثرهم إلى أن (الجني يدخل في جسم الإنسي).

 

حقيقة الامر أن الجن قوة روحانية هذه القوة الروحانية لها تأثير من غير دخول في جسم الإنس، فقد يوحي الشيطان إلى الانسان بإيحاءات فيتحدث هذا الإنسان بتأثير الشيطان كما هو معروف، لكن هذا لا يعني انه يدخل في جسمه وإنما هذا تلبس روحاني لا أكثر فإن للشيطان قوة شريرة روحانية، كما أن للملك قوة خيرة روحانية أيضاً.

 

والله سبحانه وتعالى بين كيف كان العباد قبل نزول الحق على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن الجن قوله (وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) هذا التعلق بالجن واللجوء إليهم أدى بهم إلى أن يزيدوهم رهقاً وأدى بهم إلى أن يرهقم، فيجب التفطن لذلك، والتفريق بين ما هو ممكن وبين ما هو غير ممكن لذلك.