طباعة
المجموعة: بأقلام القراء
الزيارات: 1818

نظر إلى أبنائه نظرة شفقة ووداع بعد أن أكد له الطبيب المعالج بأن جسده الفتي بدأ يتدهور يوما بعد يوم، فبدأ جولة يتفقد فيها ارحامه وذويه والألم يعصره والخوف يسري في دمه، فالموت حقيقة لا ريب فيها مهما عشنا من العمر ...وبينما هو جولته التفقدية إذ قدر له الخير من حيث لا يحتسب ...أيتام ضمرهم الجوع والأسى، واشتد عليهم الكرب، خرجت والدتهم المسكينة تبحث لهم عن طعام لطالما حنت أفواههم لتذوقه إنه طعام ليس بالثمين على غني مثله ولكنه غال على يد قليلة المال والحال .. شاهدها وهي تنقب في بقايا اللحم الذي رماه الجزار في القاذورات علها تجد منه قوتا لصبيانها ...تألم لحالها وأشفق عليها فطلب من الجزار أن يعطيها كل يوم كيلو من اللحم مقابل مال مقدم يدفعه .. دمعت عينا أم الأيتام ثم مسحتهما بدعاء دعته للرجل المريض الذي ينتظر الموت في أي لحظة ...ومن هنا بدأ الرجل يتعافى فعادت له قوته وصحته بإذن الله تعالى ...

حقا لقد صدق النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم - حينما قال (حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع) رواه أبو داود. فكم من مريض بات في فراشه يتقاسم الآلم وتحته أموال طائلة ينتظر ورثته تقاسم ماله ؟؟؟! وكم من غني تحرقه الصدقة فيتناسى متجاهلا بفضلها ومكانتها عند رب كريم ؟؟؟! وكم من بيت بات أبنائه في حرقة الجوع وقد ملئت بيوت جيرانهم بأشهى الأطعمة والمأكولات ؟؟؟! أيتام جوعى، وأطفال مرضى ...وقد جاء النداء الرباني لنا جميعا (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء) أولئك فئة من الناس أبت أن تنفق وفئة أخرى امتثلت لله تعالى فجاءها نداء من رب كريم (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - عظم أجر المنفقين في سبيل الله تعالى فقال :(صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر) وقال أيضا: (ما نقص مال من صدقة).

إن المتأمل في حال الصحابة رضوان الله عليهم ليجد مدى سعة أيديهم وقلوبهم على قلة مالهم وزادهم، الكل يبذل لله تعالى، وما احوجنا إلى رجال كأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ينفق من ماله سرا وعلانية ابتغاء مرضات الله وهو يقول : (والله لو كانت احدى قدماي في الجنة ما أمنت مكر الله) وكيف بنا وقلوبنا مريضة وأنفسنا شحيحة، نسأل الله السلامة في الدين والدنيا .. تأمل أيها المسلم كيف صور القرآن الكريم الصدقة الطيبة فقال (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبل مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)، وقال أيضا (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) سبحان الله إنها أعلى المراتب أن تمنح من مالك الطيب الذي تحبه لأهل الله من المحتاجين والفقراء... وللأسف نسمع كثيرا من الناس من يتأسى من طعام أو ثوب لا يعجبه فيقرر أن ينفقه حتى يتخلص منه، ويتناسى أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ...

أحبة الإيمان ... دعوة من القلب كلما جاءتك فرصة للإنفاق في سبيل الله لا تتردد وإن بذلت اليسير ما تملك فما عند الله خيرا وأبقى وما أحوجنا في شهر الكرم والجود أن نتكاتف معا لإحياء سنة الله تعالى فما منا لا يحتاج إلى مغفرة من الله ورضوانه مهما عظمت الخطايا والذنوب فالصدقة مفتاح السرور والوصول إلى جنة الغفور فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم - (إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وياطنها من ظاهرها . قالوا : لمن هي يا رسول الله ؟ قال:(لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام)، فما عند الله خير وأبقى وصدق الله تعالى حين قال (إن رحمت الله قريب من المحسنين).

___________________________________________________

أم عمر الزيدية-جريدة الوطن: الأحد 23 رمضان 1433هـ / 12 أغسطس 2012م