طباعة
المجموعة: مشكلات وحلول
الزيارات: 2158

أنا فتاة تعرفت على شاب وأحببته حبا جما، استولى على مشاعري واحاسيسي، وقد تواعدنا على الزواج، ولكنه متهاون في اداء الصلاة، كما ان له سلوكيات سيئة استعصت على الحل، وانا الآن حائرة في امري لا ادري ماذا افعل .

مروني بكل شيء الا ان افارقه، فلا استطيع ذلك اني احبه من اعماق قلبي، وقد وعدته بالارتباط به .

لا ادري ماذا افعل، لكأنما اخذ قلبي وتركني بدون قلب، كل شيء يهون علي ان افعله الا ان افارقه، فذلك ما لا استطيع فعله، اذ ان مشاعري قد اتحدت معه .

اريد ان تقولوا لي الحل الذي يخلصني من حيرتي .

------------------------------------------- 

    إن عواطف الانسان ومشاعره من الاشياء التي لا يمكن ان يتحكم فيها اذا اطلق لها العنان، فهي تملكه ان استرسل فيها، ولا يستطيع التخلص منها الا بشق الانفس، ولذلك قبل ان يخطو احدنا أي خطوة عليه ان يفكر جيدا من يحب ؟ ولماذا ؟ لأن الاختيار السليم هو الذي يحقق الحياة السعيدة، اما الاختيار المعوج فلا يزيد الحياة الا تعاسة وشقاء .

 

ان بعض شبابنا وللأسف الشديد لم يفهم من الحب الا حب الاشكال والالوان، اما حب الاروح فهو بعيد عنهم، اعني ان الحب بينهم يقوم على اساس الاعجاب بمظهر الشخص نفسه بدون  ان يسبر اغوار نفسه وخلقه وديانته .

 

المحبة في الله نفحة روحانية ايمانية نفثها الحق في روع من احب من عباده ، فالتقت ارواحهم وامتزجت في قالب واحد ، وان تفرقت الاجساد ( فهمُّهما جسمان والروح واحد ) .

 

سكب الحق جل جلاله المحبة في سويداء قلوبهم، فأبصرت أُنساً انقطعت دونه المُنى، وحارت في سره النُهى، فأبصرت نفسها مرتين من جهتين ، ولكنها روح واحدة، اذ لا عبرة بالاجساد، مادامت القلوب متحدة .

 

امتزجت بشهد الايمان الدفيق، واستمسكت بحبل الله الوثيق، فكانت محبتهم داعية إلى رضوان رب العالمين، والطمأنينة واليقين ، ساعتها امتزجت المشاعر ، وتوثقت الاواصر، ولم يدرِ المحبُّ مَن المحبوب، ولا المحبوبُ مَن احبه، لأن المحبة في الله فعلت فعلها في القلوب، فأحالت حياتهم طهراً وخيراً غدقاً من انهار محبة الله ورضوانه ورحمته ونوره وبهجته .

 

وكانت محبتهم لقاح الارواح لأنها دارت حول سر المحبوب من جوهره لا من شكله، ومن بره وفضله لا من شكله ولونه، اما محبة الألوان والاجساد فتلك محبة عبيد الشهوات، الذين يتمتعون بجمال الصور ، ويغفلون عن جمال جواهر القلوب الزكية، تلك هي الدرر النفيسة، التي تصنع محبة الله ، فيقول لهم الله ( وجبت محبتي للمتاحبين فيّ ) .

 

فعلينا ان نخلِّص محبتنا من شوائب محبة عبدة الشهوات والاجساد، وان تكون محبتنا مستمدة من مشكاة محبة الله، والا فلن يرضى عنا الله .

 

للأسف فقد ضيعت بعض الفتيات -هداهن الله-  انفسهن بسبب الاسترسال في العواطف بدون التقيد بضوابط الشرع الشريف، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد امر باختيار الشريك الصالح ، الصالح في خلقه، المستقيم في قوله وفعله ، بعدها تنطلق كوامن المحبة الصادقة في سَننها على وفق ما يرضي الله تعالى ، اما ان تكون العواطف قد سيطرت، والمحبة قد استولت على الانسان وهو لم يستطع ان يختار الشريك الصالح، فكيف سيكون حاله مع شريك هذا حاله .

 

ايتها الاخت الكريمة :

ماذا اقول في شخص يتهاون في ركن الاسلام الاعظم الصلاة، فضلا عن سلوكياته الاخرى المستعصية ، كما تشير رسالتكم الى ذلك، انه والحق يقال: بأن محبة العاصي هو في حد ذاته معصية؛ لأنه عاصٍ لربه، فكيف نحبه وهو يبارز الله بمعاصيه، وللأسف فلم تتبين هذه الاخت الكريمة الفرق الواضح  بين حب الهداية له ، وبين حب شخصه، وهذه مشكلة كثير من شبابنا اليوم .

 

ديننا يأمرنا بأن نحب الخير للناس، ولكن لا يعني ذلك ان نحبهم كلهم، فالمؤمن نحبه، والعاصي نبغضه ، وهذه هي العقيدة الحقة التي تاهت في خضم الحياة، الم يعد ابراهيم عليه السلام اباه بالاستغفار، لكنه لما عرف عناده لربه تبرأ منه ، يقول الله ( وما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها اياه ، فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ) .

 

اختي الكريمة :

انتِ عزيزة بايمانك واخلاقك، تحملين النقاء والطهر، فكيف يمكن ان تسلمي نفسك الى من يلوثه بذنوب المعصية، اعرف بأنك تحبينه، ولكن ما كل حب يكون خيرا، فلرب حب اورث ندما وذلا ، اعلم أنك شديدة التعلق به، ولكن هذا خطأك ، وقد استرسلتِ معه في المحادثة ، حتى اوقعتِ نفسك في هذا المأزق، فعليكِ اذا اردتِ الخلاص مما انتِ فيه ان تتحملي نتيجة خطأك، وان تصبري على  مرارة العلاج لأن فيه الشفاء الناجع ان شاء الله ، وهذا الدواء يتلخص في النقاط الآتية :

 

  1. انتِ على وعدك له بالزواج ولكن اشترطي عليه ان يستقيم على دين الله ، وان يحافظ على صلاته وتعاليم دينه، فإن هو فعل كسبتِ اجر هدايته، وحققتِ حلمك الغالي بالاقتران به ، اما اذا لم يُبدِ شيئا من الاصلاح ، وقد حاولتِ مرارا معه، وان حالته مستعصية جدا، فلا يمكن ان يقترن بك لأنه لم يفِ بشرط الاصلاح ، وأنتِ غير مستعدة لأن تسلمي نفسك لمن يعصي الله ورسوله ، وبإمكانك بعون الله ان انتِ صدقتِ النية لله ان يعينك الله على نسيانه، بشرط ان تتركيه رويدا رويدا، حتى تتناسيه قليلا قليلا، او على اقل تقدير لا يكون شغلك الشاغل، جربي ذلك ، وسيعينك الله ، وتذكري دائما ( ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ) .
  2. تذكري انك باقترنك به سيكون هو جنتك او نارك، فكيف ستعيشين في كنف رجل يعصي الله صبح مساء، لعنة الله تلاحقه في كل مكان، فالمتهاون في الصلاة ملعون، مطرود من رحمة الله، فكيف يجمعكما سقف واحد ، مع ارتفاع البركة، ونزول سخط الله، وهل تأمنين على نفسك مَن اضاع دينه؟ ان يفسد دينك، ويضيع عليك خلقك، والمرأة بطبيتعها تبع لزوجها، والمرء تبع لمن احب، لا يقول الانسان بأني سأملك نفسي، فبعد الزواج تسلم المرأة نفسها لزوجها، ويؤثر عليها شاءت ام ابت ، وهذا محرب، وصدق الإمام نور الدين السالمي حيث قال:

حبك للشيء يغطي عيبه *** ويسترن عيبه وريبهُ

حبك يُعمي ويُصم فاحذري *** من الهوى فإنه لم يذرِ

بل حُب ما يحبه مولاكا *** من دينه فهو الذي هداكا

فأنت عبد للذي تحـبُ *** تجري على وفك الذي يحبُ

  1. تذكري اختاه انك تحبين الله ، وان محبته تفوق محبة أي بشر، فمحبة الله ان تبغضي كل من عصاه، فكيف يمكن ان تحبي من يبغضه الله ( والذين آمنوا اشد حباً لله).
  2. تذكري اختاه، انك تريدين الجنة ، وتعملين من اجلها، فكيف ستعملين لها وزوجك يدعوك الى النار بعصيانه .
  3. تذكري اختاهب أنك رضوان الله، وتريدين من يعينك لمواصلة هذا الطريق، فكيف تحققين ذلك ما دام زوجك اول العصاة .
  4. تذكري اختاه بأنك الآن تملكين نفسك، وغدا لا تملكينها، فلا تسلمي نفسك، وتتبعي قلبك لمن هذا شأنه، الفرصة بين يديك للتفكر والتعقل، فإن اضعتيها فأنت النادمة .

 

     سهل الله لك طريق الخير، ودفعك عنك كل ضير، وهيأ لك زوجا صالحا ، وحياة سعيدة هانئة، ملئها الهناء والسعادة، وتذكري دائما ان الله معك ، ولن يضيعك، وجربي وانت الفائزة بإذن الله ، واجعلي هذه العبارة دائما نصب عينيك ( من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ) .