السؤال:

قرأت في أحد الكتب حديثا عن الرسول صلى الله عليه و سلم ،

قال رسول الله : ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ) ...!!

مكتوب في هامش الكتاب بأن مرجع هذا الحديث " السلسة الصحيحة " ( 5 / 284 )

ما تعليقكم ـ بارك الله فيكم ـ على هذا الحديث ...؟؟؟

 

نسأل الله لكم التوفيق ....

 

الجواب:

(أكثر منافقي أمتي قراؤها)

الحديث رواه أحمد في مسنده والطبراني والبيهقي عن ابن عمرو بن العاص، قال في الميزان: إسناده صالح ، وقال الحافظ العراقي: فيه ابن لهيعة، وقال الهيثمي: أحد أسانيد أحمد ثقات وسند الطبراني فيه الفضل بن المختار ضعيف.

والعلم لله، يرجع في توثيق الأحاديث إلى المتبحرين في علومه، ولكن معنى الحديث ودلالته صحيحان.

 

يقول العلامة المناوي في شرحه على الجامع الصغير للسيوطي:

أي الذين يتأولونه على غير وجهه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه، فكان المنافقون في عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم بهذه الصفة. ذكره ابن الأثير.

 

وقال الزمخشري: أراد بالنفاق الرياء لأن كلاً منهما إرادة ما في الظاهر خلاف ما في الباطن. اهـ.

 

وبسطه بعضهم فقال: أراد نفاق العمل لا الاعتقاد، ولأن المنافق أظهر الإيمان باللّه للّه وأضمر عصمة دمه وماله، والمرائي أظهر بعلمه الآخرة وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا، والقارئ أظهر أنه يريد اللّه وحده وأضمر حظ نفسه وهو الثواب، ويرى نفسه أهلاً له وينظر إلى عمله بعين الإجلال فأشبه المنافق واستويا في مخالفة الباطن .

 

(تنبيه) قال الغزالي: احذر من خصال القراء الأربعة: الأمل ، والعجلة ، والكبر ، والحسد ، قال: وهي علل تعتري سائر الناس عموماً والقراء خصوصاً، ترى القارئ يطول الأمل فيوقعه في الكسل وتراه يستعجل على الخير فيقطع عنه، وتراه يحسد نظراءه على ما أتاهم اللّه من فضله، فربما يبلغ به مبلغاً يحمله على فضائح وقبائح لا يقدم عليها فاسق ولا فاجر ولهذا قال النووي: ما أخاف على ذمي إلا القراء والعلماء، فاستنكروا منه ذلك، فقال: ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي.

 

وقال عطاء: احذروا القراء واحذروني معهم، فلو خالفت أودهم لي في رمانة أقول إنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر.

 

وقال الفضيل لابنه: اشتروا داراً بعيدة عن القراء، ما لي والقوم إن ظهرت مني زلة قتلوني وإن ظهرت علي حسنة حسدوني!

 

ولذلك ترى الواحد منهم يتكبر على الناس ويستخف بهم معبساً وجهه كأنما يمن على الناس بما يصلي زيادة ركعتين أو كأنما جاءه من اللّه منشور بالجنة والبراءة من النار، أو كأنه استيقن السعادة لنفسه والشقاوة لسائر الناس، ثم مع ذلك يلبس لباس المتواضعين ويتماوت وهذا لا يليق بالتكبر والترفع ولا يلائمه بل ينافيه لكن الأعمى لا يبصر.

 

وفي هذا المعنى يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله:

 

طوبى لمن في علمه قد رغبا ** لله والأخرى به قد طلبا

فأفضل العلم الذي قد عملا ** به وكل الخير منه  حصلا

وما خلا من عمل لا ينفع ** بل ضره باد على من يجمع

ومن أعانه    الإله  سهلا ** عليه فيه السعي حتى يحصلا

وقد رأيت الناس في زماني ** لا يطلبون    العلم   للمنان

لكن  مباهاة   لأهل   العلم ** وحجة  منهم  لأهل   الظلم

ويل لمن كان  بهذا  الحال ** من   العذاب   ومن  النكال

لا  تطلبنه   يا أخي  للجاهِ ** ولا   به    للعلما    مباهي

لأنما  المراد  منه    العمل ** وصرفه    لغيره    مبطل

وعالم  بعلمه  لم   يعملا ** أشد   في التعذيب ممن جهلا

فاسأل الرحمن عفوا وتقى ** حتى أعيش في الهدى موفقا