بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وجوب المحافظة على النفس

الحمد لله البر الكريم الرؤوف الرحيم، العزيز الحكيم، الذي فضل بني آدم تفضيلا، وميزهم على كثير ممن خلق فزادهم تكريما وتبجيلا، وجعل محافظتهم على أنفسهم من أحسن القربات، وإتلافها من أعظم المهلكات الموبقات، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقو ا الله، وحافظوا على وصايا الله عز وجل؛ فإن فيها كل خير لكم، وتجنبوا ما حذركم الله تعالى منه؛ ففيه كل شر يعود عليكم، واعلموا أن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان وأعلى قدره ورفع شأنه، وقد أخبر بذلك في كتابه العزيز عندما قال عز من قائل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/70)، فإذا لا يجوز للإنسان أن يعرّض نفسه للتلف، كما أنه أيضا لا يجوز له أن يتلف غيره بحال من الأحوال، فالله تبارك وتعالى شدد النكير على الذين يتلفون أنفسهم، وتوعدهم على ذلك الوعيد الشديد عندما قال عز من قائل تحذيرا لعباده: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) (النساء/ 29 ـ 30)، كما أنه سبحانه وتعالى حذر عباده أيضا من إتلاف أنفس غيرهم إلا بالحق، وقد قرن ذلك بالإشراك به عندما قال: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الفرقان/ 68 ـ 70). هذا.. وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد في الذي يهلك نفسه بأي وجه من الوجوه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن رمى نفسه من شاهق، فقتل نفسه؛ فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسّى سما فمات، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا»، وهذا يعني أن الإنسان لا يحل له أن يتلف نفسه بأي سبب من الأسباب؛ سواء كان ذلك سببا مباشرا أو كان سببا غير مباشر؛ فإنه مهما كان من أمر ما دام ذلك السبب يؤدي به إلى التلف فعليه أن يتجنبه.

وكثير من الأسباب يباشرها الناس في هذه الأيام، وهي تؤدي بهم إلى التلف من حيث يعلمون أو من حيث لا يعلمون، فمن بين هذه الأسباب الإسراع في قيادة السيارات؛ فإن ذلك لا يؤدي إلى إتلاف أنفس هؤلاء الذين يسرعون فحسب، بل يؤدي بهم إلى إتلاف أنفس أخرى، فكم يهلكون بذلك من أناس أصحاء، كم يهلكون بذلك من شيب وشباب، من نساء ورجال، وكم يرملون بذلك من نساء شواب وكم ييتمون بذلك من أبناء أطفال، فذلك بطبيعة الحال يعد من الانتحار، ويعد من إهلاك الآخرين، وكل معاطاة سبب من أسباب التلف بالسيارات يعدّ من قتل النفس بغير الحق؛ لأن الإنسان بذلك يقتل نفسه ويقتل غيره، فعندما يسابق غيره أو يأتي إلى منعطف، فيحاول أن يسابق غيره في المنعطف أو يخرج عن خطه؛ فهو بذلك يتلف نفسه؛ لأنه يعرضها للتلف، وكذلك يهلك غيره؛ لأنه يعرض غيره للتلف، وهذه من كبرى الأسباب التي يباشرها الناس في هذه الأيام، وتؤدي بهم إلى تلف أنفسهم، كما تؤدي بهم إلى تلف غيرهم، فهم يستحقون بسبب ذلك الوعيد الشديد الذي جاء في كتاب الله، والذي جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم لا يتسابقون بذلك إلا إلى النار والعياذ بالله؛ لأنهم يهلكون أنفسهم، ويهلكون غيرهم، وأنفسهم وديعة في أيديهم، وقد أمّنهم الله تبارك وتعالى إياها، واستودعهم إياها، فهو سائلهم عنها، كما أنه سبحانه وتعالى ائتمنهم الركاب الذين هم في سياراتهم، وائتمنهم أيضا أرواح الآخرين الذين يمشون في الطرق أو الذين يركبون في السيارات، وهم يباشرون الأسباب التي تؤدي إلى تلف هؤلاء، فهم بذلك ينحرون أنفسهم، وينحرون غيرهم والعياذ بالله، فيؤدي بهم ذلك إلى خزي الدنيا وعذاب الآخرة، نسأل الله تعالى العفو والعافية.

ومن الأسباب التي يباشرها كثير من الناس، وهي تؤدي بهم إلى التلف من حيث يعلمون أومن حيث لا يعلمون؛ التدخين الذي هو من كبريات الأسباب التي تؤدي بالناس إلى التلف والعياذ بالله، فضحايا التدخين في كل عام في العالم قد جاوزت ثلاثة ملايين، وهو رقم خطير، إن دل على شيء فإنما يدل على خطورة هذه الآفة، فالتدخين يولد كثيرا من الأمراض التي تزيد عن مائة مرض، وكثير من هذه الأمراض متلفة مهلكة، من بينها أنواع من السرطان، ومن بينها أنواع من الجلطات، ومن بينها أنواع من أمراض القلب وأمراض الشرايين، فكل هذه الأمراض تؤدي بصاحبها إلى التلف، والنفوس هي أمانة في أيدي العباد، فعليهم أن يحافظوا عليها، على أن صاحب هذه الآفة لا يضر نفسه فحسب، بل يضر غيره؛ فإن المدخن ينفث السموم من فِيه، ويوزع الأمراض على جلسائه، فهو بذلك يؤذي غيره بل المدخن يؤذي برائحة فيه حتى في غير حالة التدخين، فجليس المدخن يشقى به، ومن أجل ذلك كان التدخين من كبريات المعاصي التي تؤدي إلى تلف الأنفس، والتي تؤدي إلى عذاب الله، فإن الله تبارك وتعالى ائتمن الناس على أنفسهم، وائتمنهم على أموالهم، والتدخين يؤدي إلى تلف الأنفس وتلف الأموال، وهما نعمتان من الله عز وجل، وقد قال عز من قائل: (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة/211).

هذا.. ومن التناقض الفادح العجيب أن تكون صفحة واحدة من الصحيفة تجمع ما بين الدعاية للتدخين والتحذير منه، فإن هذا تناقض لا يسلم له العقل بل يأباه كل عقل سليم، فكيف يقع ذلك في بلاد المسلمين؟! وكيف يقع ذلك في بلاد العقلاء؟! على أن العالم بأسره قد أجمع على محاربة المخدرات، وأضرار التدخين لا تقل عن أضرار المخدرات، وضحايا التدخين يفوقون ضحايا المخدرات بأرقام هائلة، فكيف يتساهل الناس، بل يتساهل العالم بأسره مع هذه العادة الخطيرة؟! وكيف يسمح باستيراد هذه السموم الفتاكة التي يوزعها الناس بأنفسهم فيما بينهم، ويتناولونها بأنفسهم لإتلاف أرواحهم والإضرار بغيرهم؟! فمن هنا كان الواجب على جميع المؤسسات الصحية والإعلامية والتجارية وغيرها أن تحارب هذه العادة الخطيرة التي أصبح تفشيها بين الناس ينذر بخطر عظيم، والعياذ بالله تعالى.

فاتقوا الله يا عباد الله، واحذروا من كل ما يؤدي إلى تلف أنفسكم وتلف غيركم، وحاذروا على أولادكم، جنبوهم هذه الآفات؛ فإن هذه آفات خطيرة، فعندما يصبح الإنسان مدمنا عليها يصبح أسيرا لها غير قادر على الفكَاك عنها، وما الحيلة في ذلك إلا أن يعوّد الإنسان أولاده من أول الأمر البعد عن هذه الآفات الخطيرة.

فاتقوا الله يا عباد الله، وحافظوا على أنفسكم، وحافظوا على أولادكم، وحافظوا على ما ائتمنكم الله تبارك وتعالى عليه، وألزمكم المحافظة عليه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكـريم.

*         *        *

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله إن الدين الإسلامي الحنيف يحرم تحريما جازما كل ما يؤدي إلى الضرر بالنفس؛ سواء كان هذا الضرر صحيا أو عقليا أو ماليا، كل هذه الأضرار هي محرمة في دين الله تعالى، وكذلك ما يؤدي إلى الإضرار بالعرض هو محرم، وما نصت عليه الشريعة الإسلامية من المحرمات يعود إلى هذه الأنواع، فإما أن يكون ضرره جسميا، وإما أن يكون ضرره عقليا، وإما أن يكون ضرره بالعرض، وإما أن يكون ضرره بالمال، فكل ذلك محرم في شريعة الله تبارك وتعالى، فمن هنا يتبين للعاقل أن هذا التدخين الخطير من أكبر المحرمات لما يشتمل عليه من كبريات الأضرار، فإن معظم الأضرار البدنية بجانب الضرر المالي والضرر العقلي تعود إلى هذا التدخين الذي تفشى في الناس تفشيا خطيرا، ولئن كان الله تبارك وتعالى حرم الخمر لما فيها من المضار الدينية والدنيوية؛ فإن التدخين أيضا جدير بأن يحرّم بسبب هذه المضار العظيمة التي لا تعود على المدخن فحسب، بل تعود عليه وعلى غيره، فإيذاء الغير محرم في الإسلام، والمدخن يضر غيره بالرائحة الكريهة التي تنبعث من فيه، ويضر غيره أيضا بسبب نفثه هذه السموم عندما يدخن، وهي تتوزع على غيره فتضر بهم كما تضر بنفسه، فمن هنا كان الواجب على جميع الناس أن يتعاونوا على محاربة هذه العادة المتفشية الخطيرة التي حذر الله تبارك وتعالى من معاطاة أسبابها؛ عندما حذر من إتلاف الأنفس ومن الإضرار بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن القواعد الشرعية التي هي مأخوذة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، وأي ضرر أعظم من هذا الضرر الذي يتعاطاه الإنسان بنفسه فيتلفها به؟! يقضي على صحته بيده، يتناول ما يتناول من السموم التي يشتريها بماله، فيتلف بذلك ماله، ويتلف بذلك صحته، والمال والصحة نعمتان من عند الله تبارك وتعالى، وإتلافهما كفر بهما، فيجب على الإنسان أن يشكر هاتين النعمتين بالمحافظة عليهما وعدم التفريط فيهما.

فاتقوا الله يا عباد الله، وحافظوا على أنفسكم، حافظوا على صحة أبدانكم وصحة عقولكم وصحة دينكم؛ فإن الله تبارك وتعالى سائلكم عن ذلك كله.