بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحث على الإنفاق في سبيل الله

الحمد لله الذي فضل بعض عباده على بعض في الرزق، وحض الجميع على الإنفاق في سبيل الحق، وجعل ذلك من أسمى القربات وأعظم الطاعات، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وسراجا للمهتدين، وإماما للمتقين، ونعمة على الخلق أجمعين. فبلغ رسالة ربه، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله، وسارعوا إلى ما أمركم الله تعالى به من الخير، وأنفقوا من طيبات أموالكم طيبة به نفوسكم، واعلموا أن ذلك من أعظم القربات؛ فإن الله تبارك وتعالى جعل الإنفاق في سبيله من دواعي التعاطف والتراحم، كما جعل ذلك من أسباب التماسك والتلاحم، فمن هنا كان الإنفاق ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية، ومطلبا إسلاميا مهما ساميا يدعو إليه القرآن، وتدعو إليه سنة النبي محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، كيف والله تبارك وتعالى يذكر الإنفاق في آية البر ضمن ذكره العقيدة الصحيحة التي يُطالب بها عباده؛ إذ يقول سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) (البقرة/177)، بل نجد أن الله سبحانه وتعالى يذكر الإنفاق في سبيله قبل ذكره العقيدة في قوله عز وجل: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) (الليل/5ـ 10)، فناهيكم أن الله سبحانه وتعالى في المقامين مقام الوعد والوعيد ذكر إيتاء المال أولا، وذكر الكفر به أيضا في مقام الوعيد ثانيا، وما ذلك إلا لأهمية الإنفاق، وشد النفوس إليه، والله سبحانه في معرض التذكير باليوم الآخر، اليوم الذي يتخلى عن الإنسان فيه كل ما خُوِّله في هذه الحياة الدنيا؛ يحض الله سبحانه وتعالى على الإنفاق؛ إذ يقول عز من قائل خطابا لعباده المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة/254)، كذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى في مقام التذكير بالموت واليوم الذي يندم الإنسان فيه على عدم تقديمه ما ينفعه فيما بعده؛ بحيث يتمنى أن لو ينسأ له في أجله ولو مدة قصيرة؛ يحض الله سبحانه وتعالى كذلك على الإنفاق؛ إذ يقول عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ *وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون/ 9 ـ 11)، وقد بين سبحانه ما هي الدرجات التي يصل إليها المنفقون من خلال مضاعفة الله سبحانه وتعالى لأجورهم؛ إذ يقول سبحانه: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/261)، بل يبين سبحانه وتعالى عاقبة الإنفاق، وأن صاحبه يتبوأ جنة عرضها السماوات والأرض، وذلك عندما قال عز من قائل حثا لعباده على المسارعة إلى تلك الجنة: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران/133 ـ 135).

فحسب العاقل اللبيب حضا على الإنفاق أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر المتقين الذين وعدهم هذه الجنة العظيمة التي لا يعلم أحد سعتها، ولا يعلم أحد ما فيها من قرة أعين للذين وعدوا بها؛ أنه سبحانه بدأ قبل كل شيء في وصف أولئك المتقين بهذه الصفة التي تدل على أنهم ينفقون مالهم في السراء والضراء. هذا.. وقد حض الله سبحانه وتعالى على إيتاء المال مما يحب العبد، فالإنسان مأمور بأن ينفق مما يحب لا مما يكره؛ إذ الله تعالى يقول: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران/92)، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة/267).

والإنفاق قربة إلى الله سبحانه تعالى، ولذلك يجب ألا تشوب هذه القربة شائبة من الرياء، كما يجب ألا يشاب الإنفاق بشائبة من المن والأذى، فالله سبحانه وتعالى يقول: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/262)، ثم يقول: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة/263)، ثم إنه سبحانه وتعالى يبين كيف حال الذين ينفقون أموالهم، وهم يراؤون بهذا الإنفاق، وهم يستعلون على الذين أنفقوا عليهم؛ إذ يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (البقرة/264)، فبسبب ذلك كله يحض الإنسان على أن يبتغي الإنفاق في وجه الله، وأن لا يصاحب إنفاقه شيء من المن والأذى؛ بحيث لا يشعر بأن له يدا على المنفق عليه، فإن الله سبحانه وتعالى يمن بالخير على المنفق والمنفق عليه.

وقد جعل الله سبحانه هذا الإنفاق يعود بالمكاسب الطيبة على الجانبين جميعا؛ فإن منافعه متعددة، منها منافع مادية، ومنها منافع معنوية؛ إذ الله سبحانه وتعالى يجعل الإنفاق سببا لاستلال الأحقاد والسخائم من قلوب المنفق عليهم من الفقراء والمساكين، كما أن الله سبحانه وتعالى  يجعل أيضا هذا الإنفاق سببا لأن يفجر معين الرحمة في نفوس الأغنياء، فيعطفون على إخوانهم الفقراء، ويحرصون على أن يشركوهم في كل خير، وذلك من دواعي التراحم والتلاحم فيما بين الجانبين، كذلك جعل الله سبحانه وتعالى الإنفاق نماء للمال وبركة فيه، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة/276)، على أن الإنفاق أيضا من منافعه الجمة أنه يطهر النفوس من الشح والأثرة وحب الاستبداد بالخير والثروة، وذلك الذي يومي إليه قول الله سبحانه وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة/103).

فاتقوا الله يا عباد الله، واحرصوا على هذا الخير العظيم (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران/133ـ 135).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البـر الكريم.

*         *          *

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو أهل له من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى من فضله على عباده أن جعل الإنفاق من الفاضل الزائد على حاجاتهم الضرورية، فالله تعالى يقول: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (البقرة/219)، وكذلك أمر الله سبحانه وتعالى بالقسط في الإنفاق، وذلك بعدم التبذير وعدم التقتير؛ إذ يقول سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (الإسراء/29 ـ 30)، ويحذر الله سبحانه وتعالى من التبذير فيقول: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء/ 26 ـ 27).

والإنسان مهما أنفق في الخير إن لم يكن ذلك على حساب ضرورته لا يعد مبذرا، وإنما يعد مبذرا من أنفق في الشر ولو كان شيئا قليلا يسيرا، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان ما يسأل عنه العبد يوم القيامة أنه يسأل عن ماله سؤالين: من أين اكتسبه وفيما أنفقه؛ ذلك لأن المال ليس ماله، وإنما هو مال الله، وما هو إلا مستخلف فيه، ومؤتمن عليه، فعليه أن ينفقه فيما أمره أن ينفقه فيه مستخلفه رب المال ورب كل شيء سبحانه وتعالى الذي له ما في السماوات وما في الأرض.

 

هذا.. وإن من فضل الله سبحانه وتعالى أن يضاعف الفضل للمنفقين في هذه الحياة الدنيا، فإن الإنسان وإن خيّل إليه أن الإنفاق سبب لنقصان المال إلا أن الله عز وجل وعده وعدا جميلا عندما قال: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/268)، فالشيطان يتوعد الناس بالفقر، ويحضهم على إمساك المال عن إنفاقه في سبيل الخير، كما يدعوهم إلى إنفاقه في سبيل الشر، ولكن الله تبارك وتعالى يعد عباده مغفرة في الدار الآخرة على إنفاقه للمال في سبيل الخير، كما يعدهم سبحانه وتعالى فضلا عظيما في الدنيا وفي الآخرة، فهو يخلف عليهم في هذه الحياة الدنيا بالخير الذي يبسطه لهم، كما أنه سبحانه وتعالى يمن عليهم بالخير العظيم في الدار الآخرة، وناهيكم أن الله سبحانه وعد المنفقين في سبيل الله المخلصين له جنة عرضها السماوات والأرض، فمن الذي يزهد في هذا الخير العظيم؟!

 على أن الإنفاق في سبيل الخير له وجوه شتى، فالإنفاق على المحتاجين من الفقراء والمساكين واليتامى مطلب من مطالب الإسلام دين الله تعالى الحق، كذلك الإنفاق في كل مشروع خيري، ومن هذه المشروعات: إقامة المؤسسات الدينية، وإقامة المدارس الدينية التي تخرج جيلا من الصالحين المؤمنين المتقين الموصولين بالله سبحانه، الذين يخشون الله ويتقونه، ويسارعون إلى رضوانه، ويتجنبون كل ما يسخطه، ويدعون الناس إلى الخير، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ويذكرونهم بالله واليوم الآخر، وفي مقدمة ذلك مدارس القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن الخير كله مبنيٌّ على القرآن الكريم، فتعلم القرآن أساس كل خير، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «علموا أولادكم القرآن؛ فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو»، لذلك كان الإنفاق في هذه المدارس القرآنية من أهم المطالب التي ينبغي للإنسان المسلم أن يحرص عليها، وأن يسارع إلى الإنفاق في سبيلها، على أن سبيل الله سبحانه وعاء عام يشمل كل خير، فكل إنفاق في الخير يعود إلى سبيل الله.

فاتقوا الله يا عباد الله، وأنفقوا من طيبات أموالكم في سبيل الله، وسارعوا إلى طاعته سبحانه، واجتنبوا معصيته.