بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حقيقةُ المساواةِ بين الرجلِ والمرأةِ

 

  الحمدُ للهِ على نعمتِه السابغةِ ، وحكمتِه البالغةِ ، وحجتِه الدامغةِ ، سبحانه ( خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ) ( النجم/45 ـ 46)  ، وناطَ بكلِّ واحدٍ من الجنسين من الأحكامِ ما هو بفطرتِه أحرى ، وإلى سلامتِه أدعى ، أحمدُه تعالى بما هو له أهلٌ من الحمدِ وأُثني عليه ، وأستغفرُه من جميعِ الذنوبِ وأتوبُ إليه ، وأؤمنُ به وأتوكّلُ عليه ، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، من يُطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رشد ، ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) ( الأحزاب/36) ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه ، أرسلَه اللهُ بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَه على الدِّينِ كلِّه ولو كرهَ المشركون ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدِكَ ونبيِّك سيدِنا محمدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه ، وعلى كلِّ من اهتدى بهديه ، واستنَّ بسنتِه ، وسارَ على نهجِه ، ودعا بدعوتِه إلى يومِ الدِّينِ ، أما بعدُ :

   فيا عبادَ اللهِ :

     إنَّ اللهَ سبحانه اقتضتْ حكمتُه أن يُنوِّعَ الجنسَ البشريَّ إلى نوعين ، إلى ذكرٍ وأنثى كمثلِ الشأنِ في سائرِ الأجناسِ الحيةِ التي نشاهدُها على هذه الأرضِ ، وما ذلك إلا لحكمةٍ بالغةٍ علِمَها اللهُ سبحانه ؛ لأنه بتنوّعِ هذا الجنسِ إلى هذين النوعينِ يكون بينهما التكاملُ والتكاثرُ ، فكلُّ واحدٍ من الجنسين لا يمكنُ أن يستغنيَ عن الجنسِ الآخرِ ، وقد طبعَ اللهُ سبحانه كلَّ واحدٍ من الجنسين بما طبعَه عليه من الخصائصِ التكميليةِ والفطرةِ الخَلْقيةِ ؛ ليتمَّ بذلك التكاملُ الذي أشرنا إليه ، وذلك أمرٌ واضحٌ جدّاً ، فإنَّ الفارقَ بين الجنسين لا يخرجُ عن الأمورِ الظاهرةِ ، بل هو فارقٌ جدُّ عميقٌ سواءً من الناحيةِ النفسيةِ أو من الناحيةِ الجسميةِ ، فمن الناحيةِ الجسميةِ فإنَّ كلَّ خليةٍ من خلايا الجسمِ الذكَريِّ عليه طابعُ الذكورةِ ، وكلُّ خليةٍ من خلايا الجسمِ الأنثويِّ عليه طابعُ الأنوثةِ ، وكذلك من حيثُ التكميلُ النفسيُّ فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى جعلَ المرأةَ والرجلَ مختلفين من حيثُ العواطفُ والتفكيرُ ، فالمرأةُ أقوى عاطفةً ، ولذلك تكونُ هذه العاطفةُ على حسابِ فكرِها ، أما الرجلُ فهو في انطلاقٍ دائمٍ ، فإنّ عاطفتَه أقلُّ ما تشتعلُ من عاطفةِ المرأةِ ، ولذلك يبقى جامداً من دماغِه ، صالحاً للتفكيرِ ، وقد حكى اللهُ تعالى عن امرأةٍ صالحةٍ من بني إسرائيلَ أنّها قالت وليس الذكَرُ كالأنثى ، ومن أجلِ ذلك ناطَ اللهُ تعالى بكلِّ واحدٍ من الجنسين من الأحكامِ ما يتفِقُ مع خصائصِ تكوينِه ، وقد جعلَ عزَّ وجلَّ الخروجَ عن هذه الأحكامِ ومحاولةَ كلِّ واحدٍ من النوعين الاعتداءَ على خصائصِ النوعِ الآخرِ تمرُّداً على الفطرةِ التي فطرَ اللهُ البشرَ عليها ، ولذلك جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : « لعنَ اللهُ المُتشبِّهين من الرجالِ بالنساءِ ، ولعنَ المتشبهاتِ من النساءِ بالرجالِ » ، فكلُّ واحدٍ من الجنسين عندما يعتدي على خصائصِ الجنسِ الآخرِ تحلُّ عليه اللعنةُ من أجلِ تمرُّدِه على فطرةِ اللهِ التي فطرَ البشرَ عليها ، وكذلك نجدُ أنّ اللهَ سبحانه وتعالى كرّمَ هذا الجنسَ البشريَّ تكريماً ، فكما جعلَ سبحانه كلَّ واحدٍ من النوعين في حاجةٍ إلى النوعِ الآخرِ ـ  ليتمَّ التكاثرُ الذي أشرْنا إليه ـ جعلَ الوِقاعَ بينهما في إطارِ الفضيلةِ والحكمةِ ، وذلك بالزواجِ الشرعيِّ الذي حضَّ اللهُ تعالى عليه ، وامتنَّ به على عبادِه ، فقد قالَ تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( الروم/21) .

     وقد حذّرَ اللهُ من قُرْبانِ الزنا إذْ قالَ سبحانه : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) ( الإسراء/32) ، ومن أجلِ المحافظةِ على هذه الكرامةِ والتحذيرِ من الوقوعِ في تلك الرذيلةِ التي يشيرُ القرآنُ الكريمُ إلى خطورتِها البالغةِ بالتحذيرِ من مجرْدِ القربانِ منها فضلاً عن الوقوعِ فيها ؛ فرضَ اللهُ تعالى علىكلِّ واحدٍ من الجنسين ما فرضَه من الآدابِ ، وألزمَه من الاحتشامِ ، ولم يفرضِ اللهُ سبحانه وتعالى على المرأةِ ما فرضَ من الآدابِ إلا بعد ما فرضَ على الرجلِ ما يتلاءمُ مع طبعِه ، فقد قالَ عزَّ مِن قائلٍ : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) ( النور/30) ، ثم أتبعَ ذلك قولَه : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( النور/31) ، فاللهُ سبحانه فرضَ أوّلاً على الرجالِ أن يغضُّوا من أبصارِهم ، ويحفظوا فروجَهم ، ولا يمكنُ أن يكونَ هذا الفرضُ على جانبٍ واحدٍ من جانِبَي هذا الجنسِ البشريِّ ، بل يجبُ أن يكونَ على الجانبين كليهما ؛ ليتمَّ بذلك تعاونُهما على الكتابِ من عند اللهِ سبحانه ، والدينُ الحنيفُ بعيدٌ عن كلِّ المفارقاتِ والتناقضاتِ ، ولا يمكنُ أن يفرضَ ذلك على الرجالِ من غيرِ أن يفرضَ مثْلَه على النساءِ ما يعينُ الرجالَ على امتثالِ هذا الأمرِ ؛ ليتمَّ بذلك التعاونُ على طاعةِ اللهِ تعالى وبرِّه ، والتعاونُ على ما يوصِلُ هذا الإنسانيةَ إلى سلامتِها في الدنيا وسعادتِها في العُقبى ، ولذلك فرضَ اللهُ سبحانه وتعالى إثْرَ ذلك ما فرضَ على النساءِ من أن يغضضْنَ من أبصارِهنَّ ، ويحفظْنَ فروجَهنَّ ، ولا يُبْدينَ زينتَهنَّ إلا ما ظهرَ منها ، وبيّنَ اللهُ سبحانه الأصنافَ التي يجوزُ للمرأةِ أن تُبدِيَ زينتَها لهم من حيثُ إنّ زينتَها لا تهيّجُ عواطفَهم وغرائزَهم ، وهم الأقاربُ ، أمّا الزوجُ فلها أن تُبديَ له مطلقَ الزينةِ ؛ لأنّه الرجلُ الوحيدُ الذي يمكنُ له أن يستمتِعَ بها ، ويمكنُ لها أن تستمتِعَ به ، ثمّ إنّ اللهَ سبحانه وتعالى حذّرَ المرأةَ من كلِّ ما يُثيرُ خيالَ الرجلِ ؛ لأنَّ خيالَ الرجلِ اتجاهَ المرأةِ خيالٌ مرهفٌ ، فهو يتأثّرُ بأيِّ شيءٍ ، ولذلك نهى اللهُ سبحانه وتعالى المرأةَ مِن أن تضربَ بقدميها على الأرضِ ليُعلمَ بذلك ما تُخفيه من زينتِها ؛ لأنّ أثرَ المرأةِ على الرجلِ أثرٌ بالغٌ سواءً من حيثُ نبرةُ صوتِها ، أو من حيثُ رنّةُ حُلِيِّها ، أو من حيثُ نفحَةُ طيبِها ، ولذلك حذّرَ اللهُ سبحانه وتعالى المرأةَ من كلِّ ما يُثيرُ خيالَ الرجلِ اتجاهَها ؛ لتبقى هذه الحياةُ حياةً سالمةً ، حياةً ملؤها الوقارُ ، وملؤها الحكمةُ ، وملؤها الفضيلةُ ، أمّا إذا لم يلتفتْ كلُّ واحدٍ من الجنسين إلى آدابِ الشريعةِ ؛ فإنّه لا بدّ من أن تحدثَ أمراضٌ نفسيةٌ وعصبيةٌ تؤدي هذه الأمراضُ إمّا إلى الانفجارِ ، وإمّا أن تؤديَ إلى تلاشي الصحةِ من كلِّ واحدٍ من الجنسين ، بخلافِ ما إذا حافظَ كلُّ واحدٍ من الجنسين على الحشمةِ ، وحافظَ على الوقـارِ .

      فلذلك فرضَ اللهُ تعالى ما فرضَ بجانبِ الحضِّ على الزوجِ الذي فيه مقنَعٌ لكلِّ واحدٍ منهما ، وإشباعٌ لغريزةِ كلِّ واحدٍ من الجنسين ، وقد جاءَ في حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم الحضُّ على الزواجِ الشرعيِّ ، فقد قالَ ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ : « يا معشرَ الشبابِ مَن استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوّجْ ؛ فإنّه أغضُّ للبصرِ ، وأحفظُ للفرْجِ ، ومن لم يستطِعْ فعليه بالصومِ ؛ فإنّه له وِجاءٌ » ، وحضَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على تيسيرِ الزواجِ ، فقد قالَ ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ : « إذا أتاكم من ترضَون دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه ، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ » ، واللهُ سبحانه وتعالى يشيرُ إلى المحافظةِ على سلامةِ كلِّ واحدٍ من الجنسين بالمسارعةِ إلى الزواجِ والإنكاحِ ، فإنّه تعالى يقولُ : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) ( النور/32) .

     فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ ، وحافِظُوا على ما أمرَكم اللهُ تعالى به ، واحذرُوا ما نهاكم اللهُ تعالى عنه . أقولُ قولي هذا ، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ، فاستغفِرُوا اللهَ يغفرْ لكم ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ ، وادعوه يستجِبْ لكم ؛ إنه هو البرُّ الكريمُ .

*         *        *

     الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، والعاقبةُ للمتقين ، ولا عدوانَ إلا على الظالمين ، أحمدُه تعالى بما هو أهلٌ من الحمدِ وأشكرُه ، وأتوبُ إليه من جميعِ الذنوبِ وأستغفرُه ، وأؤمنُ به ولا أكفرُه ، وأُعادي من يكفرُه ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، وأشهدُ أنّ سيدَنا ونبيّنا محمداً عبدُه ورسولُه ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ سيدِنا محمدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين ، وعلى أتباعِه وحزبِه إلى يومِ الدِّينِ ، أما بعدُ : 

   فإنَّ مِن عدْلِ اللهِ سبحانه وتعالى عندما وجّهَ ما وجّهَ من تشريعاتٍ خاصةٍ بالمرأةِ ؛ أنْ بدأَ قبلَ كلِّ شيءٍ بالنساءِ اللاتي هنَّ أعظمُ شأناً ، وأرفعُ مكاناً ، وهنَّ أزواجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبناتُه قبلَ أن يُوجِّهَ هذا الخطابَ إلى النساءِ المؤمناتِ ، فقد قالَ تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( الأحزاب/59) ، وليسَ ذلك فحسب ، بل شدّدَ اللهُ سبحانه أمرَ الحجابِ في حقِّ أمهاتِ المؤمنين ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهنَّ ـ ، وخاطبَهنَّ أشدَّ الخطابِ في ذلك ، يقولُ تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ( الأحزاب/32 ـ 33) ، فالغايةُ إنما هي التطهيرُ ، تطهيرُ هذه النفوسِ ، وتطهيرُ هذا الوجدانِ ، وتطهيرُ هذه الحياةِ بأسرِها ، ومن أجلِ ذلك حذّرَ اللهُ سبحانه وتعالى من كلِّ شيءٍ قد يُثيرُ هذه الأحاسيسَ الكامنةَ ،كيفَ وقد شدّدَ اللهُ تعالى على أمهاتِ المؤمنين حتى قالَ لهنّ فلا تخضعْنَ بالقولِ فيطمعَ الذي في قلبِه مرَضٌ ، وهنّ في بيتِ الطهارةِ والعزةِ ، في بيتِ النبوةِ ، في كنَفِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وفي وسطِ المهاجرين والأنصارِ الذين يقدِّرون النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، ويجلّونه في نفسِه ، ويجلّونه في أهلِ بيتِه ، فلا ريبَ أنّه لا يجرأ أيُّ أحدٍ منهم على أيِّ شيءٍ يؤدي إلى الإخلالِ بحرمةِ عِرضِه صلى الله عليه وسلم وعِرضِ أهلِ بيتِه ، وذلك يدلُّ دلالةً واضحةً أنّ سائرَ المؤمنين والمؤمنات هم مُطالبون بأن يكونوا أحرصَ على الامتثالِ لهذه الأوامرِ ، والوقوفِ عند هذه الحدودِ ، فإذا كانت أمهاتُ المؤمنين يحذرنَ مِن أن يُلِنَّ القولَ لئلا يطمعَ الذي في قلبِه مرضٌ ، وهنّ في ذلك المقامِ الرفيعِ ، وهنّ في وسطِ ذلك المجتمعِ الطاهرِ مجتمعِ المهاجرين والأنصارِ الذي أثنى اللهُ تباركَ وتعالى عليه في كتابِه ؛ فكيفَ بسائرِ الناسِ ، وفي صميمِ مجتمعٍ ، وفي أمةٍ شاعت فيها الإباحيةُ ، وظهرَ فيها الفسادُ .

     إنَّ المجتمعَ البشريَّ هو أقربُ ما يكونُ إلى الاستمساكِ بهذه القيمِ كلَِّها ، ولا ريبَ أن ما يُثارُ من الضجيجِ في هذا العالمِ من أجلِ تدريجِ المرأةِ من فطرتِها وسلْخِها من طبيعتِها وإبعادِها من عفتِها ؛ إنما ذلك أمرٌ يتصادمُ مع الفطرةِ التي فطرَ اللهُ البشرَ عليها ، فالمجتمعُ البشريُّ بأسرِه أحوجُ ما يكونُ إلى الاستمساكِ بهذه القيمِ التي جاءَ بها القرآنُ الكريمُ ، والاهتداءِ بثوبِ هذه الفضيلةِ الذي نسجَه وحيُ اللهِ تباركَ وتعالى ، فجديرٌ إذاً بالإنسانيةِ بأسرِها أن تستفيدَ مِن هذه الفضائلِ التي طبعَ القرآنُ الكريمُ عليها هذه الأمةَ ، وأمرَهم بالتزامِها ، وحذّرَهم من التفريطِ فيها .

      فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ ، واحذروا من مكائدِ أعداءِ الإنسانيةِ وأعداءِ الإسلامِ الذين يريدون أن يُجرِّدوا المرأةَ من فضيلتِها ، وأن يُبعِدوها من حشمتِها وسلامتِها ، واتقوا اللهَ في شبابِكم ، واتقوا الله في فتياتِكم ، واحرِصوا كلَّ الحرصِ على إعفافِ الجنسين بتسهيلِ الزواجِ الشرعيِّ ليكونَ الوِقاعُ بين الجنسين بحكمِ اللهِ تعالى ، وفي إطارِ الحكمةِ والوقارِ كما يُرضي اللهُ عزَّ وجلَّ .