بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

التحلّي بمكارمِ الأخلاقِ واجبٌ إسلاميٌّ

 

  الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، الذي جعلَ من صميمِ هذا الدِّينِ الالتزامَ بالأخلاقِ والفضائلِ والقِيَمِ ، وبوّأَ به هذه الأمةَ مدارجَ العلياءِ والكرمِ ، أحمدُه تعالى بما هو له أهلٌ من الحمدِ وأُثني عليه ، وأستغفرُه من جميعِ الذنوبِ وأتوبُ إليه ، وأؤمنُ به وأتوكّلُ عليه ، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، من يُطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رشدَ ، ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) ( الأحزاب/36) ، وأشهدُ أنّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه ، بعثَه اللهُ متمِّماً لمكارمِ الأخلاقِ ، وداعياً إلى معالي الأمور ، فبلّغَ بإذنِ ربِّه الرسالةَ ، وأدّى الأمانةَ ، ونصحَ الأمّةَ ، وكشفَ الغمّةَ ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ سيدِنا محمدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين ، وعلى أتباعِه وحزبِه إلى يومِ الدِّينِ ، أما بعدُ :

    فيا عبادَ اللهِ :

     إنَّ الشعوبَ والأممَ لا تتفاوتُ في قوتِها وضعفِها ، أو في تقدّمِها وتأخّرِها ، أو في رُقيِّها وانحطاطِها بحدِّ تفاوتِها في كثرةِ العَددِ ووفرةِ العُددِ ، وإنما تتفاوتُ بتفاوتِها في الأخلاقِ والفضائلِ والقيمِ ، وإنّ الأممَ التي أتى عليها الزمنُ ، وأدرجَها في مطاوي النسيانِ لم تُصَبْ بإبادةِ جماعاتِها واستئصالِ أفرادِها ، وإنما أُصيبتْ في أخلاقِها ، فلذلك ذابتْ إذ لم تبقَ لها ركيزةٌ تجتمعُ إليها وتحتمي بها ، ومِن هنا أرسلَ اللهُ سبحانه وتعالى رُسُلَه دعاةً إلى مكارمِ الأخلاقِ ، وعلى رأسِهم خاتمتُهم سيدُنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي وصفَه الحقُّ تباركَ وتعالى بقولِه : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ( القلم/4) ، وقالَ ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ عن نفسِه : « بُعثتُ مُتمِّماً لمكارمِ الأخلاقِ » ، وقالتْ فيه أمُّ المؤمنين عائشةُ ـ رضيَ اللهُ عنها ـ : كان خُلُقَه القرآنَ ، وجميعُ ما جاءَ به الرسولُ ـ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ـ دعوةٌ إلى الفضائلِ وإلى اجتنابِ الرذائلِ ، والمتأمِّلُ في الإسلامِ أحكامِه وتشريعاتِه وآدابِه لا يجدُ العنصرَ الخُلُقيَّ معدوماً في شيءٍ مما جاءَ به ، فاللهُ سبحانه وتعالى أرادَ لهذه الأمةِ أن تكونَ على رأسِ الأممِ في العقيدةِ والسلوكِ والفضائلِ والأخلاقِ ، ولذلك يجبُ عليها أن تُحافِظَ على ما أنزلَه اللهُ سبحانه وتعالى إليها ، ودعاها إليه الرسولُ الأمينُ ـ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ـ .

     وإذا كانت هذه الأمةُ تعلمُ بمستقبلٍ سعيدٍ وبنصرٍ عزيزٍ من قِبَلِ اللهِ سبحانه ؛ فإنها يجبُ أن تعدَّ العُدّةَ لذلك ، وأهمُّ العدّةِ بناءُ الشبابِ على الخُلُقِ الفاضلِ والاستقامةِ في الدِّينِ ، وعلى التأسّي بالرسولِ ـ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ـ وأصحابِه ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهم ـ ، فالنبيُّ ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ أهمُّ ما عُنِيَ به بناءُ الشبابِ ، فقد كوّنَ جيلاً من الشبابِ كانوا شعلةَ إيمانٍ وعزيمةٍ ، وحياةَ علمٍ وعملٍ ، ونموذجَ أخلاقٍ وفضائلَ ( كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) ( الذاريات/17 ـ 18) ،كانوا لا ينظرون إلى هذه الدنيا وحطامِها ، ولا يفتحون أعينَهم عليها إلا ما يتقرّبُون به إلى اللهِ عزَّ وجلَّ ، وينصرون به دينَه ، ويقدِّمونه بين يديهم للدارِ الآخرةِ ، إذْ لم تختلبْهم هذه الدنيا بزهرتِها ونعيمِها ، وإنما جعلوها مطيّةً إلى الآخرةِ ،كان ليلُهم للصلاةِ والقيامِ  ، ونهارُهم للجهادِ والصيامِ ، وكانت صدورُهم تغلي غلَيانَ المراجلِ من خشيةِ اللهِ سبحانه وتعالى لولا ما يسكِّنُها من بردِ الرجاءِ في رحمتِه ـ عزَّ وجلَّ ـ ، وكانوا لا يفترون عن ذكرِ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ وعن التقرّبِ إليه بصنوفِ الطاعاتِ وأنواعِ القُرُباتِ ، وبسببِ ذلك رفعوا رايةَ الحقِّ ، ونشروا أعلامَ العدلِ في أصقاعِ الأرضِ ، وطَوَوا الباطلَ منها ، فكانوا خيرَ أمةٍ أُخرِجتْ للناسِ ، وقد وصفَهم اللهُ سبحانه وتعالى بالرجولةِ ؛ لأنّهم استجمعُوا أسبابَ الشجاعةِ وموجباتِ النصرِ وجميعَ خصائصِ الرجولةِ ، فاللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ فيهم : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) ( الأحزاب/23) ، نعم وربِّي لقد كانوا رجالاً ، وأيّ رجالٍ ؟! لم يكونوا يستحيون من رجولتِهم ، ولم تكن زينتُهم السلاسلَ التي تتدلّى على الصدورِ ، أو الخواتمَ الذهبيةَ التي تلمعُ بين الأصابعِ ، وإنما كانت زينتُهم التقوى والوقارَ ،كانوا إذا نطقُوا تشقّقتْ كلماتُهم عن الحكمةِ كما تشقّقُ الأصدافُ عن اللؤلؤِ المكنونِ ، فيتلقّفُها سمْعُ الزمنِ ، وتختزنُها ذاكرةُ الدهرِ ، وكانوا إذا صمتُوا ذلّلتْهم الهيبةُ والوقارُ ، فصمتُهم ليس من عيٍّ ولا حصْرٍ ، وإنما هو للفِكْرةِ وللاعتبارِ ، هكذا كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذين ربّاهم على الفضائلِ والأخلاقِ والقيَمِ ، فصدقَ عليهم أنّهم خيرُ أمةٍ أُخرِجتْ للناسِ ، يأمرون بالمعروفِ وينهون عن المنكرِ ، ويؤمنون باللهِ .

     ولم تُصبْ هذه الأمةُ بما أصيبتْ به إلا بسببِ عدولِها عن مسلكِ أولئك ، فالأمةُ الإسلاميةُ لم تُرزأْ بسببِ شيءٍ كما رُزئِتْ بسببِ التفريطِ في دينِها ، وبسببِ عدمِ المحاسبةِ على أخلاقِها ، وإلا فما الذي أنزلَها إلى ساقةِ الأممِ ، وكانوا على هامتِها ، وما الذي حوّلَهم إلى نعالِ الأممِ بعد أن كانوا تيجانَها ، إنما سببُ ذلك كلِّه الانحرافُ عن الدينِ ، والاستهانةُ بالأخلاقِ الفاضلةِ ، وعدَمُ الاكتراثِ لتفشِّي الفسادِ فيما بينهم ، وأعداءُ الإسلامِ قد حرصوا جهدَهم على إزالةِ هذه الأخلاقِ ، والقضاءِ على هذه القيمِ لأجلِ استئصالِ هذه الشعوبِ وهذه الأمةِ ؛ حتى لا تبقى لهذه الأمةِ عزةٌ ، وحتى لا تبقى لهم كرامةٌ ، ولذلك تفشَّى في كثيرٍ من شبابِ المسلمين حبُّ التشبّهِ بالنساءِ ، مع أنّ الرسولَ ـ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ـ يقول : « لعنَ اللهُ المتشبِّهين من الرجالِ بالنساءِ ، ولعنَ المتشبِّهات من النساءِ بالرجالِ » ، فترى كثيراً منهم يحاولون جهدَهم أن يقلّدوا النساءَ في دلالِهنّ وغنجِهنَّ ، ويتزيّوا بأزيائِهنّ ، ويتزيّنوا بزينتِهنَّ ،كلُّ ذلك بسببِ ما أصابَ قلوبَهم من المكرِ ، وما أصابَ عقولَهم من الطمْرِ ، فإذا كانت هذه الأمةُ تريدُ لنفسِها المجدَ ، وتريدُ لنفسِها العزةَ ، وتريدُ لنفسِها الكرامةَ ؛ فعليها أن تربّيَ شبابَها على الاستقامةِ في الدِّينِ ، على طاعةِ اللهِ سبحانه وتعالى ، وعلى الترفّعِ عن سفاسفِ الأمورِ ، وعلى حبِّ التضحيةِ لأجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، ونشرِ أعلامِ الحقِّ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها ، فلا يصلحُ آخرَ هذه الأمةِ إلا ما أصلحَ أولَّها .

    فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ في أنفسِكم ، واتقوه في أبنائِكم واتقوه في بناتِكم ، ربّوا أبناءَكم على الشهامةِ والرجولةِ ، وعلى العقيدةِ الصالحةِ ، وعلى العقيدةِ السليمةِ ، وعلى العملِ الصالحِ ، وعلى مراقبةِ اللهِ عزَّ وجلَّ في السرِّ والعلانيةِ ، وربّوا بناتكم على الطُّهرِ والعفافِ والحياءِ والصونِ ؛ حتى لا تُرزؤوا من قِبلِهنَّ ، ولا من قِبل أبنائِكم ، واعلموا أنَّ كلَّكم راعٍ ، وكلَّكم مسؤولٌ عن رعيّتِه . أقولُ قولي هذا ، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ، فاستغفروا اللهَ يغفرْ لكم ؛ إنّه هو الغفورُ الرحيمُ ، وادعوه يستجبْ لكم ؛ إنّه هو البرُّ الكريمُ .

*         *          *

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، والعاقبةُ للمتقين ، ولا عدوانَ إلا على الظالمين ، أحمدُه تعالى بما هو له أهلٌ من الحمدِ وأشكرُه ، وأتوبُ إليه من جميعِ الذنوبِ وأستغفرُه ، وأؤمنُ به ولا أكفرُه ، وأُعادي من يكفرُه ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ سيدِنا محمدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه ، وعلى كلِّ من اهتدى بهديه ، واستنَّ بسنّتِه ، وسارَ على نهجِه ، ودعا بدعوتِه إلى يومِ الدِّينِ ، أمّا بعدُ :

   فيا عبادَ اللهِ :

     إنَّ المجدَ لا يدنو بالرقصِ والمجونِ والخلاعةِ ، وسلْبِ النساءِ العفةَ والحياءَ وسلْبِ الشبابِ الرجولةَ والشهامةَ ، إنما المجدُ يبنى بالفضائلِ وبالأخلاقِ والقيمِ ، والاستهانةِ بكلِّ غالٍ وثمينٍ في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، فاللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ : ( إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) ( محمد/7) ، وليسَ مِن نصرِ اللهِ عزَّ وجلَّ هذه المفاسدُ المتفشّيةُ في أوساطِ هذه الأمّةِ ، إنّما ذلك كلُّه سببٌ للخذلانِ والدمارِ والعياذُ باللهِ ، واللهُ تباركَ وتعالى يقولُ : ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) ( الروم/47)  ، وهذه الأعمالُ مجانبةٌ للإيمانِ ، ويقولُ تباركَ وتعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( النور/55) فهذا الوعدُ إنّما هو للمؤمنين الذين يضيفون إلى الإيمانِ العملَ الصالحَ ، وليس من الإيمانِ في شيءٍ ، ليس من العملِ الصالحِ في شيءٍ هذه المفاسدُ المتفشّيةُ في أوساطِ كثيرٍ من الشبابِ وأوساطِ كثيرٍ من الفتياتِ ، واللهُ تباركَ وتعالى يقولُ : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) ( الحج/40 ـ 41) .

    فانصروا اللهَ يا عبادَ اللهِ ينصرْكم ، واتقوه يُثبْكم ، وأطيعوه في السرِّ والعلانيةِ ، ولتكنِ الغيرةُ في قلوبِكم والحياءُ في وجوهِ نسائِكم ، فاتقوا اللهَ سبحانه في سريرتِكم وعلانيتِكم .