بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

غزوة  بدر الكبرى

 

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله كتب العزة والنصر لعباده المؤمنين، وجعل السعادة والفوز لعباده المتقين، سبحانه يقول في كتابه المبين: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات/171ـ173)، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله رحمة للعالمين، وسراجا للمهتدين، وإماما للمتقين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، وسار على نهجه، واستن بسنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والعمل بما فيه رضاه، فاتقوا الله وراقبوه، وامتثلوا أوامره ولا تعصوه، واذكروه ولا تنسوه، واشكروه ولا تكفروه.

واعلموا أن شهركم هذا شهر عظيم، شهر مبارك، شهر أشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بفضله، ونوّه بمكانته عند الله سبحانه وتعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة/185)، شهر البذل والعطاء، شهر التضحية والفداء، شهر الجد والاجتهاد، شهر النصر والجهاد، شهر حافل بكثير من الأحداث التاريخية الهامة التي كان فيها للمسلمين أثر محمود وجهاد مرير، في هذا الشهر المبارك وقعت أحداث عظيمة في تاريخ المسلمين وجهادهم ونضالهم في سبيل الحق ونصرة الدين، لقد كان فيه غزوة بدر الكبرى، وكان فيه الفتح الأعظم فتح مكة المكرمة، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وكان فيه أكبر نعمة على المؤمنين، نزول القرآن الكريم، دستور المسلمين الخالد الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت/42)، إلى غير ذلك من الأحداث التاريخية الهامة التي سجلت للمسلمين تاريخا ناصعا مشرقا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصف هذا الشهر بقوله: «أظلكم شهر عظيم مبارك»، فهو عظيم لما فيه من هذه الأحداث العظيمة التي أكسبت المسلمين مجدا خالدا وعزة قعساء، وهو مبارك لما نتج من هذه الأحداث العظيمة من خير وبركة، عمت المسلمين بل العالم كله.

أيها المسلمون:

ونحن في هذا الشهر العظيم، وفي هذه الأيام المباركة ليجدر بنا أن نقف قليلا عند غزوة بدر؛ لنعرف كيف صبر المسلمون، وجاهدوا في الله حق جهاده، وأخلصوا أعمالهم لله سبحانه وتعالى، وبذلوا كل غال وثمين؛ لإعلاء كلمة الله عز وجل، نصروا الله فنصرهم، وأعزوا دينه فأعزهم، ومكّن لهم في الأرض، واستخلفهم فيها، وأبدلهم بخوفهم أمنا، وبذلهم عزا، وبفقرهم غنى، وبتشتتهم وحدة، وجعلهم أئمة، وجعلهم الوارثين، وأعد لهم في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة/17). إن غزوة بدر هي المعركة التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة، وفي اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك في بدر، وهو مكان يبعد عن المدينة المنورة من جهة مكة المكرمة مائة وستين كيلومترا، إن غزوة بدر هي المعركة التي استبسل فيها المسلمون استبسالا حسنا، وثبتوا فيها ثباتا منقطع النظير، هي المعركة التي وقف فيها الإيمان والحق في جانب، والكفر والباطل في جانب، فتغلب الإيمان والحق على الكفر والباطل، هي المعركة التي انتصرت فيها الفئة القليلة المؤمنة على الفئة الكثيرة الكافرة، هي المعركة التي وهب المسلمون فيها أموالهم وأنفسهم لله ورسوله، فأيدهم الله بالنصر، وأمدهم بالملائكة، وأغاثهم بالسماء، فنالوا عزة الدنيا وسعادة الآخرة (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء/81) (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ) (آل عمران/13) (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران/123ـ126) (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال/9ـ10) (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (النساء/95ـ 96)  (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران/169-171) (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف/4) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف/10-13)، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لوددت أن أقاتل في سبيل الله، فأقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل»، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله؛ إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك»، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر عن صلاة ولا صيام حتى يرجع»، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكفل الله للمجاهد في سبيل الله، ولا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيل الله، وتصديق كلماته؛ بأن يدخله الجنة، أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه؛ مع ما نال من أجر أو غنيمة»، وعن عبدالله بن عمر -  رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، أيكفّر الله عنّي خطاياي؟ قال: «نعم»، فلما أدبر الرجل ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي له، فقال: «كيف قلت؟» فأعاد قوله، قال: «نعم إلا الدين، كذلك قال لي جبريل عليه السلام»، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المقتول في المعركة لا يغسل؛ فإن دمه يعود مسكا يوم القيامة»، وعن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «غزوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس»؛ أي خير من الدنيا وما فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد/7) (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )(الحج/40) (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات/171ـ173).

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكريم.

*              *            *

الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده ورسوله، خاتم النبيين والمرسلين، وسيّد الأولين والآخرين، وقائد الغرّ المحجلين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة.

أيها المسلمون:

إليكم بعض الأمثلة التي تستطيعون أن تعرفوا بها مدى تلك الشجاعة التي أهلت المسلمين في غزوة بدر لإمداد الله لهم ونصره، عندما شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ قام أبو بكر، فقال وأحسن، ثم قام عمر، فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن الأسود، فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فنحن معك، والله  لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، ثم قام سعد بن معاذ، فقال: قد آمنّا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله، وروي عنه أنه قال: لعلك أن تكون خرجت لأمر، وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعادِ من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وعندما دنا المشركون، والتقى الجمعان، وحض الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على القتال، ورغبهم في ذلك؛ قال عمير بن الحمام: بخ بخ، وأخذ تمرات، وجعل يأكلهن، ثم قال: لئن بقيت حتى آكل تمراتي هذه؛ إنها حياة طويلة، فرمى ما كان معه من التمر، فانقض على المشركين، وقاتل حتى قتل.

هذه بعض الأمثلة لأولئك الأبطال الذين بذكراهم تتشوق النفوس إلى الجهاد، ويتشجع الجبان، ويحترق قلب الشجاع، ويصير القاعد قائما، والمهمل حازما، فمن لنا بأمثال أولئك الأبطال؟! من لنا بأمثال أولئك الرجال الذين تربوا على العزة والقوة، والأنفة والطموح، والشهامة الثابتة، والرجولة الصادقة؟! من لنا بأمثال أولئك الرجال الذين لم يكن همهم كأسا ولا غانية، لم يكن همهم جمع الحطام، ولا مغازلة الحسان، ولا الانغماس في الشهوات، ولا التسكع في الطرقات، ولا التفنن في محاكاة الفتيات، وإنما كان جلّ همهم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى؟! من لنا بأمثال أولئك الرجال الذين كانوا صورة صادقة لتعاليم القرآن وهديه وخلقه وفضائله؟! من لنا بأمثال أولئك الرجال الذين فتحوا مشارق الأرض ومغاربها؛ بالسواعد المؤمنة، والعزائم المتوقدة، والهمم العالية؟! من لنا بأمثال أولئك الرجال الذين وصفهم الله بقوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب/23)؟! من لنا بأمثال أولئك الرجال الذين وصفهم الله بقوله: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/29)؟!

فيا شباب المسلمين انتبهوا وتيقظوا، واتعظوا واعتبروا، ولا تنخدعوا بالمظاهر البراقة، ولا يجرفنكم سيل المدنية الحديثة الخبيثة، ولا يصرفنكم الشيطان عن صفات الرجولة والشهامة والشجاعة، فكونوا خير خلف لخير سلف في الذب عن الدين، والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن الديار، فلستم كشباب الكفار الضائع الذي لا دين له يحميه، ولا عرض له يصونه، ولا كرامة له يحافظ عليها، واعلموا أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ( المزمل/20) (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (البقرة/281) (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/31)