بسم الله الرحمن الرحيم     

الحمد لله الذي شرع لنا دينا حكيما ، وهدانا إليه صراطاً مستقيما ، وجملنا بالخلق الكريم، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، نحمده سبحانه وتعالى بما هو له أهل من الحمد ونثني عليه، ونستغفره من جميع الذنوب ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بعث محمدا هاديا ومبشرا ونذيرا ليتمم مكارم الأخلاق، ونشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمدا عبدالله ورسوله من كان خلقه القرآن، اللهم صل وسلم على محمد وزده شرفا وتعظيما وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة ، وعلى آله الأبرار ، وأصحابه الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم العرض والنشور .. أما بعد : 

فيا عباد الله :

كم من نعمة أنعمها ربنا علينا وقد نسيناها ، وكم من فضل قد غفلنا عنه ، وكم من جميل أسبغه علينا وجحدناه ] وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ[ وإن من ضمن النعم العظيمة على هذه الأمة أن جعلها لها أخلاقا قويمة وصفات حميدة تأخذ بزمامها وتحفظ كرامتها وتقوم اعوجاجها وتأصل قواعدها وتسير بها إلى بر الأمان ، حيث فقدت الأمة المتمدنة جميع القيم والأخلاق والفضائل ، وإنما امتازوا بشيء من الاختراعات والاكتشافات والمادية ولكنهم فقدوا أعظم شيء ينسق علاقاتهم وينظم حياتهم ويؤلف بين قلوبهم حتى لا يعتدي أحد على أحد وحتى لا يجور أحد على أحد ، إنهم فقدوا الأخلاق والقيم والصفات الحميدة ، هذه القيم التي ماز الله عز وجل بها هذه الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، جعل الله عز وجل لها كرامة وجعل لها قيما وجعل لها معالم إنسانية تسمو إليها وتسعى من أجلها حتى تكون على صراط مستقيم . 

 

وهكذا نجد العلاقات الاجتماعية علاقات أخوية مبنية على الإخاء ، مبنية على الاحترام بين الأبناء وأبائهم وبين الإخوان وإخوانهم وبين الأرحام وذوي رحمهم وبين الجيران وجيرانهم ، بل بين كل مسلم ومسلم أنى حل وأنى نزل لأن أخوة الإسلام تربطهم ، يقول الله عز وجل : ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وجاء عنه rأنه قال : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه) وإن مما عظم الله عز وجل شأن حفظ الأعراض ، شأن حفظ القيم ، شأن حفظ الشرف والعفة والكرامة ، فهي أعلى وأغلى وأسمى ما ينبغي أن يحافظ عليه ، ففيه صيانة المجتمع من الموبقات ، وصيانة له من الانحرافات ، وصيانة له من الانزلاقات التي يريد أن يوقعه فيها أعداؤهم .

 

عباد الله :

إن الله عز وجل كما شدد على المحافظة على القيم والأخلاق النبيلة في ناحية حفظ الأعراض جاء الإسلام بحفظ المال وجاء بحفظ النفس وجاء بحفظ العقل وجاء بحفظ العفة والعرض ، فالعرض هو أسمى ما يدافع عنه الإنسان وأغلى ما يذب عنه كل مسلم غيور، وكل إنسان يحب أن يقيم دين الله في أرضه ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عن الذي لا يغار وبين أن الجنة حرام عليه لا يدخلها ولا يجد ريحها يقول صلى الله عليه وسلم : (لا يدخل الجنة ديوث) والديوث هو الذي لا يغار على شرفه وعلى عرضه وعلى أهله .

 وهذه القيم التي أرساها محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحى إليه ربه هو نفس المنهج الذي ربى عليه أصحابه الكرام الذين عاشوا في سمو أخلاقهم ، ورفيع درجاتهم ، وأعلى كراماتهم ، متوادين متراحمين ، وكان يعلمهم إذا وجد فيهم انحرافا أو انجرافا ، فعندما جاء شاب يستأذن رسول الله r أن يأذن له في الزنا فزجره الصحابة فقال : دعوه ، إليّ أيها الرجل ، ثم أخذ يحاوره صلى الله عليه وسلم : أتحب هذا لأمك ؟ قال : لا ، قال : فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم . أتحبه لأختك ؟ قال : لا يا رسول الله ، فداك أبي وأمي ، قال : كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم ، ثم ضرب النبي  r بكفه على صدر الشاب وقال : "اللهم اهده واشرح صدره" ، يقول ذلك الشاب : دخلت وما شيء أحب إلي من الزنا وخرجت وما شيء أبغض إلي منه.

 

هكـذا يربي النبي r أصحابه الكرام على هذه الأخلاق النبيلة ، بل إن من تربيته صلى الله عليه وسلم أنه جعلهم في سمو الأخلاق والكرامة أن الواحد منهم إذا أصاب حراما أو وقع في فاحشة الزنا يرتجف خوفا من الله فلا يهنأ له مقام ولا يلذ له عيش ولا يهنأ بمنام حتى يأتي إلى النبي  rلكي يقام عليه حد الله فيقول : طهرني يا رسول الله ، فهو يعلم بأنه قد أصاب مأثما وأصاب حراما قد تلطخ بدنسه وأصابه نجسه ووقع في بائقة لا بد أن تطهر قبل أن يصلى نار جهنم والعياذ بالله.

أيها المسلمون :

إننا نعيش في وقت أحوج ما نكون إلى الأخلاق والقيم والشرف والعفة والكرامة وحفظ الأعراض وصيانة الأهل وصيانة الأنفس إزاء هذه التيارات الجارفة والمغريات الزاحفة والفتن ما ظهر منها وما بطن ، يقول جل ذكره: ]ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[ والراجع قليل إلى الله ، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ليستحلن آخر أمتي الحر والحرير والخمر والمعازف) والحرى هو الزنا فقد استحله بعض الناس وكذلك الخمر والمعازف استحلها البعض بأسماء لم يأذن بها الله حتى يحلوها وهم يعلمون بأنها جرم وفاحشة ، أما الخمر فإنهم يسمونه بالمشروبات الروحية وأما الزنا فسموه بالحب والعلاقات النظيفة ، وكذلك المعازف وما شابهها سموها فنا وإبداعا حتى تزين للناس الباطل فانجر ضعاف النفوس إلى الموبقات .

إخوة الإسلام :

إن الفجور والفاحشة ما ظهرت في مجتمع إلا منع اللهم منهم الخير ، هذه الجرائر ما فعلها قوم إلا منعهم الله الأمطار ، ومنع منهم البركات وأنزل عليهم الموبقات والمهلكات والأمراض الفتاكة ، وفي مقدمتها مرض نقص المناعة والزهري وغير ذلك من الأمراض الوبيئة التي تثبت الإحصائيات يوما بعد يوم خطورتها وتقرع أجراسها معلنة إنذارا خطيرا بأن المجتمعات إذا لم تنتبه لنفسها فإنها ستنجرف إلى الهاوية . 

 

أمة الإسلام :

إن الغيرة هي التي تدفع الإنسان إلى أن يحفظ ذمامه وذماره وعرضه من إيذاء الآخرين ، وإن التساهل في إقامة العلاقات المحرمة والخلوات المريبة والاختلاط هو الذي جر هذا البلاء ، وإن الحل موجود في كتاب الله وفي سنة رسول الله r وهو القائل : (تركت فيكم ما إن تمسكت به لن تضلوا أبدا كتاب الله ، فما لم تجدوه في كتاب الله ففي سنتي) جاء في كتاب الله عزوجل أمرا للمؤمنين : ]قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[ وقال سبحانه للمؤمنات : ]وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[ .

إنها أوامر ربانية بغض البصر وتحصين الفروج وصيانة النفوس، فعلينا أن نرعاها حق رعايتها، وأن نتاصح فيما بيننا بها، وأن نربي عليها أبناءنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا، حتى يعم مجتمعاتنا كل خير وسلام وهدى ورحمة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم ، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم .

********************

 

الحمد لله حق حمده ، نحمده سبحانه هو أهل الفضل والإنعام ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق فسوى وقدر فهدى ، ونشهد أن إمامنا وقدوتنا محمد عبدالله ورسوله ، اللهم صل وسلم عليه وزده شرفا وتعظيما ، وعلى آله الأبرار وعلى أصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد ،

 

فيا عباد الله :

إن القيم والأخلاق مما ينبغي أن يغرس في نفوس أبنائنا ، فإن أبناءنا اليوم هم شباب الغد ، فإذا غرست فيهم القيم والعفة والطهارة وصيانة الأعراض صنعوا مجدا تليدا وحصنا لمجتماتهم .

إن كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام ، لذلك حذرنا نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام من الخلوة المحرمة إذ يقول: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وقال صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الحمو أخي الزوج يدخل على زوجة أخيه ، قال: (الحمو الموت)، إذ أن الخلوة رقية الزنا وحبالة الشيطان لصيد الإنسان وإيقاعه في المهلكات.

 ولا يعترض معترض بنظافة القلوب وحسن النيات، فأين تلك النيات النظيفة من نيات صحابة رسول الله؟ وأين القلوب الطاهرة من قلوب زوجات النبي r؟ ومع ذلك قال الله لهم : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) لماذا ؟ قال : ( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) وقال لهن: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (الأحزاب:32) هذه هي شعائر الإسلام ، وهذه هي أحكامه، من التزم بها هدي إلى صراط مستقيم ومن حاد بها ضل وغوى .

 

أيها المسلمون :

يجـب علينا أن نتواصـى بالأخلاق الكريمة ، بالتربية الحميدة ، أن نربي أبناءنا ، أن نقيهم عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة ، تنفيذا لأمر الله] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [وتنفيذا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فصن نفسك ، صن زوجتك ، صن أختك، صن ابنتك .

ولابد من التناصح، لابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن البلاء إذا نزل عم الصالح والطالح ، يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:25)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن عليكم شرارَكم فيدعو خيارُكم فلا يجاب لهم) انقطعت الأمطار وقلت الخيرات ونزلت البليات ، فكم من أمراض مستعصية ، وما ذلك إلا لتغيير العباد في أنفسهم (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).

فعلينا يا عباد الله بالتوبة والإنابة إلى الله فإنه قريب جواد كريم يقبل توبة التائبين ، علينا بالتوبة الصادقة والاستغفار وأن نعتصم بالدعاء الذي ينبع من القلب قبل اللسان ، مستغفرين نادمين كما أمرنا الله] وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ .

فنسأل الله في هذا اليوم المبارك وفي هذه الساعة المباركة أن يتوب علينا توبة صادقة، وأن يردنا إليه ردا حميدا ، مستفتحين توبتنا بالصلاة على النبي الكريم كما أمرنا الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) .