الطلاق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، أمر بالاجتماع والألفة، ونهى عن الشقاق والفرقة، القائل في محكم التنزيل: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )[1]، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً الصادق الأمين ، كان من وصاياه «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»[2]، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أَمَّا بَعْدُ :

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين، ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ )[3] .

عباد الله:

يقول الله عزوجل في كتابه الحكيم: ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )[4]، إن على الإنسان أن يعلم بأن الطلاق هو وسيلة لا غاية، فكثيراً ما نسمع أن الزوج لكونه أعطي هذا الحق يسارع إلى الطلاق لأتفه المشكلات، ولأدنى الأسباب التي ينبغي أن تحل بالحكمة، وأن تحل بروية وتأنٍ، وبعد تشاور وتمحيص للأمور، وتقلبيها على جميع وجوهها، حتى لا يلجأ الإنسان إلى الطلاق ويتلاعب به .

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: "لا تفعل، فقال: ولكني لا أحبها، فقال له عمر: ويحك ألم تُبنَ البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟" لأنه وجد بأن سبب الطلاق غير مقنع ولا مجدٍ ولا مُرضٍ، فكيف بمن يطلق أهله لأتفه الأسباب، ربما لا تكون الزوجة طرفاً في هذا الخلاف، فمثلاً يقع خلاف بينه وبين أنسابه، فإذا به يوقع الطلاق على زوجته، ما ذنبها هي !! أو تجنَّى أخوها عليه أو أبوها أو طرفاً من أسرتها عليه، ما ذنبها أن تطلقها!! أو يلعب مع بعض زملائه لعبة من الألعاب، فإذا به يحلف بطلاق زوجته إن هزم في هذه اللعبة، وتكون الزوجة هي الضحية، وهي جالسة في بيت زوجها، لم تقصر في حقه، وإذا به يطلقها هكذا إزاء جنونه وتهوره وعبثه ولعبه .

أيها المسلمون:

إن قضايا الطلاق في ازدياد رهيب، تنذر بخطر داهم، الطلاق الآن انتشر انتشاراً ذريعاً لأتفه الاسباب يطلق الزوج زوجته، قال لها كلمة ردت عليه بكلمة، ثم كانت الكلمة الثانيه منه الطلاق، أين الحكمة؟ أين الروية؟ أين التعقل؟ والله تعالى جعل الطلاق في يد الرجل؛ لأن الرجل قوَّام على الأسرة، هو أعقل وأحكم وأحزم ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )[5]، فإذا وضعت هذه الأمانة في يديك فلا تتلاعب بها، واتقِ الله فيها .

علينا أن نتعقل قبل أن نقدم عليه، فإنه خراب لأسر، وتشتت لأفرادها، ولنعلم بأن الطلاق سلاح ذو حدين، استعمله في وقته فهو كالعلاح وليس للعقاب وتصفية الحساب، وإياك أن تتلاعب به، هناك من الأزواج من يجعل زوجته معلقة لا هي مطلقة ولا هي متزوجة، يهملها يتركها، فكم نسمع من حالات أن بعض الزوجات متروكات سنوات بدون رعاية ونفقة لأنفسهن ولأبنائهن، أين الزوج؟ ربما تزوج ثانية ورحل عن زوجته الأولى، وتركها بدون طلاق، وفي الطلاق راحتها ( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ )، فطلاقك لها يجعلها تتزوج زوجاً آخر، يصونها وينفق عليها وعلى عيالها .

نسأل الله أن يستر علينا وعلى أسرنا، وأن يحفظ مجتمعاتنا من التفكك والانفصام، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّهُ هُو البَّرُّ الْكَرِيمُ .

***

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَنَشْهَدُ أَلَّا ِإِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ، وَنشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى تَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أما بعد؛

فيا عباد الله :

لا بد أن نعلم جميعاً بأن التهديد بالطلاق ليس من شيم المسلم، وليس من أخلاق الذي يخاف الله عزوجل، يردد على لسانه سأطلقك يهددها بالطلاق صباح مساء، يجعلها في رعب، أو يهددها بالتزوج عليها، تزوج ولكن لا تستخدم ذلك إهانة لها وإذلالاً، فالمرأة ضعيفة هي أمانة في رقبتك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ »[6] .

    فتعقَّل وتبصَّر، ولا تجعل الطلاق على لسانك ألعوبة، تتلفظ به أمام زوجك وأمام أصدقائك في الصباح والمساء، وإن حدثت مشكلة أو ثار غضبك، أو انفعلت فاخرج من وجه زوجتك حتى تهدأ، والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالاستعاذة في وقت الغضب، قال صلى الله عليه وسلم في وصيته لأحد أصحابه: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ»[7]؛ لأن الغضب يؤدي إلى المهالك، فاستعذ بالله وتوضأ، أو اخرج من ذلك المكان حتى تسترجع فكرك وعقلك، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) وتفكر في المشكلة الواقعة، والتمس لها حلاً ولا تتعجل بالطلاق .

إخوة الإيمان:

إن قضية الطلاق في المجتمع أصبحت خطيرة، وصارت وصمة عار على جبين المرأة، طلقها زوجها بحق أو بغير حق، سواء كانت ظالمة أو مظلومة، من الذي يتأذى بالطلاق؟ من الذي يحمل عاره؟ إنها المرأة . أما هو إذا طلق تزوج بالثانية والثالثة والرابعة، لكن المرأة من يقبلها بعد الطلاق إلا ما ندر.

إن الحال الذي وصلت إليه المرأة المطلقة الآن تزري بالمجتمع، ربما تطلق المرأة في نفس الليلة التي دخل بها زوجها لخلاف تافه، أو بعد أسبوع أو شهر، ثم ينظر إليها المجتمع بأنها مطلقة، ولم تطلق إلا لأن فيها عيباً، وهي بريئة، فتترك وتهمل، وربما تصل إلى حد العنوس، فلا يقبل بها أحد .

ومهما أخطأت المرأة أو ظلمت زوجها لا يعني أن تُهمل؛ بل ينبغي أن تراعى، ربما كانت مظلومة، أو كان العيب من الزوج، هو الذي قصر في حقها، وكثير من الأسباب راجع إلى الرجل أكثر من المرأة في الطلاق، وربما يكون من المرأة أيضاً فتكون هي السبب، إذاً علينا أن نتقي الله عزوجل .

في المجتمع العُماني تزداد فيه أعداد الطلاق بكثرة، تزيد يوماً بعد يوم، فنصف الزيجات أو أكثر مصيرها الفشل والطلاق، هذه كارثة، صحيح أن بلدنا أفضل من غيره، ولكن الطلاق يزيد بسبب عدم الوعي، وبسب الجهل وبُعد الناس عن الدين والقيم والمبادئ زاد الطلاق، وكبرت شريحة المطلقات، فمن لهن يصونهن ويعفهن، هذه القضية مسؤولية كل أحد، كما أنها مسؤولية المؤسسات والمسؤولين أيضاً، لا بد من تكثيف برامج الوعي بالمسئولية الزوجية، وخطورة الطلاق، وطرق حل المشكلات بغير الطلاق، وكذلك لابد من التشجيع على الزواج بالمطلقات حتى يصان المجتمع، هذا ألم يؤرق الجميع: بنتاً كانت أو أماً أو أباً أو أخاً، يؤرقهم جميعاً ويريدون لبناتهم السعادة .

فلنتقِ الله عباد الله، ولنقل قولاً سديداً، ولنحسن عشرة أزواجنا، وأن نحوط أسرنا بسياج الإحسان والفضيلة، والستر وحسن التفاهم فيما شجر بيننا، ولنعلم بأن المرأة بشر تخطئ وتصيب، وتحب منها أشياء وتكره أشياء، ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )[8]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»[9] .

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَاتِمِ النَّبِيِّينَ، وَإِمَامِ المُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ جَلَّ وَعَلَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .

وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، رَبَّنَا اسْتَخْلِفْنَا فِي أَرْضِكَ كَمَا اسْتَخْلَفْتَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَكِّنْ لَنَا دَينَنَا الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَنَا، وَأَبْدِلْنَا بِخَوْفِنَا أَمْنًا، وَبِذُلِّنَا عِزَّا، وَبِتَشَتُّتِنَا وَحْدَةً، وَاجْمَعْنَا عَلَى كَلِمَتِكَ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا بِطَاعَتِكَ .

اللَّهُمُّ ارْزُقْنَا لِسَانَاً صَادِقَاً ذَاكِرًا، وَقَلْبَاً خَاشِعَاً مُنِيبًا، وَإيمَانَاً رَاسِخَاُ ثَابِتًا، وَعِلْمَاً نَافِعَاً رَافِعًا، وَعَمَلاً صَالِحَاً زَاكِيًا، وَرِزْقًا حَلَالَاً وَاسِعًا، رَبَّنَا وَهَبْ لَنَا إِنَابَةَ المُتَّقِينَ، وَيَقِينَ الصِّدِّيقِينَ، وَخُشُوعَ المُخْبِتِينَ، وَثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ، وَدَرَجَةَ الفائزين.

اللَّهُمُّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ، وَاشْفِ مَرَضَانَا وَمرْضَى الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمُّ انْصُرْ سُلْطَانَنَا عَلَى أَعِدَائِكَ أَعْدَاءِ الدِّينِ، وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاجْعَلْ وَطَنَنَا آمِنَاً مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) .

( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) .

( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .

( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

 

 

[1]- الروم: 21.

[2]- رواه الإمام البخاري: رقم 5186، ومسلم: رقم 1468

[3]- النساء: 131 .

[4] البقرة: 229.

[5]- النساء: 34.

[6]- رواه الإمام مسلم: برقم 1218

[7]- رواه الإمام البخاري: برقم 6116

[8]- النساء: 19

[9] رواه الإمام مسلم: برقم 1469