أحمد ياسين شهيد الدفاع عن الأقصى

احمد ياسين : بقلم عزة بنت محمد الكمياني : جريدة الوطن السبت 8 ربيع الثاني 1430هـ الموافق 4 من ابريل 2009م العدد (9379) السنةالـ39

 

وقد اعتقل الشيخ ياسين سنة 1983م بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيم عسكري والتحريض على إزالة الدولة العبرية من الوجود، وحوكم أمام محكمة عسكرية صهيونية أصدرت عليه حكم بالسجن 13 عاما، وقد أفرج عنه سنة 1985 إثر تبادل أسرى، ثم اعتقل مرة أخرى سنة 1989مع المئات من أبناء حركة حماس، في محاولة للاحتلال لوقف المقاومة المسلحة، والتي كانت تستخدم السلاح الأبيض في تلك الفترة لاغتيال عملاء الاحتلال والجنود الإسرائيليين، وقد حكم عليه في تلك القضية بالسجن مدى الحياة مضافا إليها خمس عشرة سنة، فقد وجهت له اتهامات عديدة منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والإداري.

 

وظل في السجن إلى أن أفرج عنه سنة 1997م مقابل تسلم عميلين إسرائيليين تم اعتقالهما في الأردن حاولا قتل قيادي من حماس.

 

عبادته في السجن:

وقد كان يتنافس الأسرى الفلسطينيون لخدمته، فقد كان يحبس لوحده في سجن انفرادي ومعه اثنين من مرافقيه لكي يقوموا بخدمته، وقد حكى هؤلاء المرافقون وهم كثر عن أخلاقه وقوة إيمانه وعن الأثر العميق الذي ترسب في أعماقهم بعد صحبته والنهل من فيض علمه وحكمته، فقد كان ذا ذكاء خارق، وذاكرة حديدية يتذكر بها حتى التفاصيل الدقيقة، وكان الشيخ ياسين صواما قواما، فقد كان يصوم كل يوم اثنين وخميس على حسب السنة الشريفة، وقد كان يستيقظ الساعة الثالثة قبل الفجر يتوضأ ثم يقرأ القرآن الكريم ويصلي ثم يستمر بقراءة القرآن الكريم حتى يؤذن الفجر، كان يكره الروتين حتى وهو في السجن كان له نظام يتبعه لكي يسليه وينسيه بعده عن أهله وعن أفراد حركته.

 

وقد كان يقضي يومه في السجن بقراءة الصحف وأمهات الكتب التي كانت موجودة في غرفته في السجن، وقد كان كما يحكي مرافقوه مولعاً بكتاب البداية والنهاية في التاريخ، وهو كتاب يتكون من عشرين مجلداً.

 

وكان يستمع للاذاعة ويشاهد النشرات الاخبارية في التلفاز والبرامج المفيدة، وقد كان مرافقوه يحبونه ويبذلون كل السبل لحمايته، حتى أنهم كانوا يتذوقون طعامه قبل تقديمه له بساعة، ومن المواقف التي يذكرها أحد مرافقيه في السجن وهو الشيخ عاهد عساف قائلا: (للشيخ المجاهد أحمد ياسين مواقف عزة وكرامة وإباء، منها عندما حضر احد ضباط الموساد إليه وقال له إن كتائب القسام تطالب بإطلاق سراحك في بيان نشر من بيروت مقابل الكشف عن جثة الجندي ايلان سعدون, فرد عليه الشيخ بعزة وكرامة: أنا لا اقبل على نفسي أن يفرج عني مقابل جثة، صعق الضابط الصهيوني من جواب الشيخ وقال له: أنت تعرف مكان الجثة, وخلال حديث ضابط الموساد مع الشيخ المجاهد يقول عاهد التفت إلي هذا الضابط وقال لي: أنت سيفرج عنك قريبا فماذا أوصاك الشيخ؟ فقلت له: أوصاني بالتمسك بديني ودعوتي وصلاتي ومساعدة الآخرين، وكان جوابي له بالعبرية, وعلى الفور التفت إلى الشيخ قائلا له: ماذا أوصيت مرافقك؟ فرد عليه الشيخ بنفس الكلمات مع انه لم يعلم ما جرى بيني وبين الضابط وقتها غادر الضابط زنزانة الشيخ بلا رجعة مذهولا).

 

واجبه الاجتماعي:

وقد كان الشيخ ياسين في حياته خارج أسوار الأسر بالرغم من انشغاله بقيادة حماس إلا أن عمله السياسي الجهادي لم يثنه عن قيامه بواجبه الاجتماعي، فقد كان يحل المشاكل بين المتخاصمين والتي علقت في المحاكم لسنوات طويلة، وكان برغم مرضه لا يرد أحدا أبدا يطلب المساعدة، حتى المسيحيين كانوا يحتكمون لرأيه.

 

دوره الدعوي:

وقد كان خطيباً بارعاً وجريئاً أفسد بخطبه مخططات الجيش الصهيوني، وقد شجع أصحابه على الخطابة وتعليم الناس في المساجد، بإلقاء المحاضرات. وربما أكثر ما كره المحتل في الشيخ ياسين أنه حرك المقاومة من طريق القومية والوطنية إلى طريق العقيدة والدين، وقد كان هذا أشد ما يخشاه حكماء وزعماء إسرائيل، فهذا بن جوريون يقول: (إن الخطر غير متوافر ما دامت العرب تحاربنا باسم القومية أو باسم الأرض) وهو نفس كلام يحيى بن أخطب زعيم بني قريضة فقد قال (لم تنتصر يا محمد لأن الحرب بيننا وبينكم، وإنما انتصرت لأن الحرب تحولت لتكون بيننا نحو اليهود وبين الله تعالى).

 

ولذلك كانوا يخشون الشيخ ياسين؛ لأنه كان قوي الإيمان راسخ العقيدة، ربى أصحابه على طاعة الله تعالى، وعلى الإيمان واليقين بأن النصر آت لا محالة، وقد كان كثيرا ما يردد الآية الكريمة: (إن إبراهيم كان أمة) في دلالة منه أن الشاب المسلم والداعية يستطيع أن يؤثر على من حوله لأنه على الحق.

 

الابتلاءات التي أصابته:

وبالرغم من أمراضه الكثيرة التي تعرض لها في حياته، والاعتقالات العديدة من قبل إسرائيل إلا أنه أبى إلا أن يجاهد إلى آخر لحظة في حياته، وعندما يئست إسرائيل من الطرق التي اتبعتها لإسكاته وهو حياً، فإنها خططت لتسكته للأبد في عدة محاولات لاغتياله، ومنها سنة 2003 والتي باءت بالفشل، وقد عانى الشيخ كثيرا في سنواته الأخيرة، وقد كان أصحابه يريدون تخبئته عن العدو إلا أنه كان يرفض مغادرة بيته، ويقول لهم إني أريد الشهادة.

 

وقد كان في أيامه الأخيرة ومع اشتداد تهديد إسرائيل له كان يردد الآية الكريمة {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب:23]

 

تدبير اليهود اغتياله وحرصه على الشهادة:

ولأن الشيخ ياسين أحس بقدره المحتوم مع زيادة التهديد الإسرائيلي، ومع ازدياد تحليق الطائرات الإسرائيلية في غزة، فقد رفض المبيت في أحد المستشفيات بسبب وعكة صحية ألمت به خوفا من أن يقصف الأعداء المستشفى بمن فيه من المرضى، ولذلك فضل المكوث في البيت، وفي تلك الليلة التي سبقت يوم استشهاده قرر الاعتكاف في مسجد المجمع الإسلامي بغزة، من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر، ظل طوال تلك الليلة قائما متعبدا لله تعالى، وقد أصبح صائماً كعادته كل يوم اثنين، بعد صلاة الفجر قال له بعض المصلين: يا شيخ أحمد إنا نسمع أزيز الطائرات، فقال لهم: قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، وجلس مع المصلين في حلقة للقرآن الكريم والعلم، ثم خرج من المسجد متوجهاً لبيته، وفي الطريق هاجمه المحتل الصهيوني بصواريخ قذفت من أباتشي أميركية الصنع تحميها طائرات أف 16 أميركية أيضا، فتطايرت جثة الشيخ الشهيد أحمد ياسين ومعه خمسة من المصلين واثنين من مرافقيه، بالإضافة إلى عشرات من الجرحى منهم ابني الشيخ الشهيد، وقد كان ذلك في يوم الإثنين غرة صفر 1425هـ، الموافق 22 مارس 2004، كان يوما حزيناً صحى العالم فيه على ذلك الخبر المفجع.

 

وقد أشرف السفاح الإرهابي شارون بنفسه على العملية من بدايتها إلى نهايتها، ثم هنأ جيشه بالنصر الذي حققوه باغتيال رجلٍ مقعد.

 

ويبدو أن السفاح شارون لم يسمع يوماً بكلام الله تعالى في حديثه القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) ولذلك هو يرقد منذ 4 يناير 2006م وإلى يومنا هذا في غيبوبة بعدما أجريت له عدة عمليات في الدماغ، وقد قال طبيبه في مقابلة مع إذاعة جيش الدفاع الاسرائيلي في 17 سبتمبر 2008: أنه في حالة الوعي الأدنى حيث يشعر بالألم ويميز صوت أقاربه، وقال أنه لم تتحسن حالته الصحية وأنه لا يزال في مرحلة الخطر.

 

فطوبى لك يا شيخنا الجليل ولك مني تحية حب وإجلال حيثما ترقد بسلام، بعيداً عن هذا العالم المتحجر قلبه.