قَالَ تَعَالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }  البقرة: ١٨٣

 

 

فَصْلٌ في تَعْرِيْفِ الصِّيَامِ

 

اِعْلَمْ -أخِيْ الصَّائمَ، لا حُرِمْتَ خَيرَ الزَّادِ، التَّقْوَى- أنَّ الصَّوْمَ والصِّيَامَ في لُغَةِ العَرَبِ بمعنىً وَاحِدٍ، فَهُمَا مَصْدَرُ صَامَ يَصُوْمُ صَومًا وصِيَامًا، وهما أيْضًا بمعنىً وَاحِدٍ في لسَانِ الشَّارِعِ -كمَا سَيَأتي قَرِيبًا بعَونِ الموْلى-. 

 

فالصَّومُ: لُغَةً/ هُوَ الإِمْسَاكُ عَنِ الشَّيءِ وتَرْكُهُ، ومِنْهُ قِيلَ للصَّمتِ صَوْمٌ؛ لأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الكَلامِ؛ قَالَ عز وجل أَمْرًا لِمَرْيمَ عَلَيهَا السَّلامُ أَنْ تَقُولَ:{  إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } مريم: ٢٦. 

 

وكَذَا يُقَالُ صَامَتِ الرِّيحُ إذَا أَمْسَكَتْ عَنِ الهُبُوبِ، وصَامِتِ الخَيْلُ إذَا أَمْسَكَتْ عَنِ الجَرْيِ؛ قَالَ الشَّاعرُ[1]: 

 

 

خَيلٌ صِيَامٌ، وَخَيْلٌ غَيرُ صَائِمَةٍ *** تحْتَ العَجَاجِ وأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

 

 

والصَّومُ: اصْطِلاحًا/ هُوَ الإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ والجِمَاعِ، وسَائِرِ المُفَطِّرَاتِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادقِ إِلى غُرُوبِ الشَّمْسِ بنِيَّةِ التَّعبُّدِ مِنَ اللَّيْلِ[2].

 

وعرَّفهُ بَعْضُهُمْ بأنَّهُ: إِمْسَاكٌ مخْصُوصٌ، في وَقْتٍ مخْصُوصٍ، عَنْ شَيءٍ مْخصُوصٍ -كما سَيَأتي بَيَانُ مجمَلاتِهِ-، وكُلُّ ذَلِكَ تَفنُّنٌ في العِبَارَةِ وإلا فالمُؤَدَّى وَاحِدٌ، وَلا مُشَاحَّةَ في الاصْطِلاحِ، وبِاللهِ التَّوْفِيْقُ والنَّجَاحُ.

 

[تَأْكِيْدٌ]: تَقَدَّمَ مَعَكَ -أيُّها الفَقِيْهُ- أَنَّ الصَّوْمَ والصِّيَامَ بمعْنىً وَاحِدٍ لا فَرْقَ بَينَهُمَا لُغَةً ولا شَرْعًا، وعَلَيهِ فمَنْ نَذَرَ صَومًا وصِيَامًا مُطْلقًا أَجْزَى أنْ يَصُوْمَ أقَلَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيهِ اسْمُ الصَّومِ، وهُوَ يَومٌ وَاحِدٌ، خِلافًا لِمَنْ فرَّقَ بَينَهُمَا؛ لأَنَّ الشَّارِعَ لمْ يُفرِّقْ، واللهُ أعْلَمُ[3]. 

 

 

فَصْلٌ في أقْسَام الصَّومِ

 

لا يخفَى عَلَيْكَ أَخِي التِّلمِيْذَ أَنَّ الصَّوْمَ في أَصْلِ الشَّرْعِ مَطْلُوبٌ ومُرَغَّبٌ فِيهِ، إِلا أَنَّهُ مَعَ هَذَا الأَصْلِ تَدُورُ عَلَيهِ الأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ التَّكلِيفِيَّةُ، فيَكُونُ: 

 

‌أ- وَاجِبًا: كصِيَامِ رَمَضَانَ، وصِيَامِ النُّذُورِ والكَفَّارَاتِ، وصَومِ التَّمَتُّعِ، وصَومِ جَزَاءِ الصَّيدِ في الحَجِّ.

 

‌ب- مَنْدُوبًا: كصيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ، والإِثنَينِ والخَمِيسِ مِنْ كُلِّ أُسبُوعٍ، وأيَّامِ البِيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.

 

ج- مَكْرُوهًا: كصِيَامِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ. 

 

د- محرَّمًا: كصِيَامِ العِيدَينِ، ويَومِ الشَّكِ.

 

وسَيَأْتِيكَ خَبرُ جمِيْعِ ذَلِكَ، ثمَّ إنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ، فأمْهِلْنَا ولا تَعْجَلْ عَلَينَا فَـ{ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } الأنعام: ٦٧..

 

 

فَصْلٌ في صَومِ شَهْرِ رَمَضَانَ

 

شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ الشَّهرُ التَّاسِعُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ الهِجْرِيَّةِ، فهُوَ بَينَ شَعْبَانَ وشَوَّالٍ، وقَدْ فُرِضَ صَومُ رَمَضَانَ في شَهرِ شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لهِجْرةِ النَّبيِّ[4] صلى الله عليه وسلم، وبِذَا أصْبَحَ أحَدَ أرْكَانِ الإِسْلامِ الخَمْسَةِ، بَلْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بالنَّصِ مِنْ آيِ الكِتَابِ العَظِيْمِ وأَحَادِيثِ النَّبيِّ الكَرِيمِ وإِجمَاعِ أُمَّةِ المُسْلِمِينَ. 

 

أمَّا الكِتَابُ: فَقَولُهُ تَعَالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة: ١٨٣، ومَعْنى }كُتِبَ{: فُرِضَ، وقَولُهُ سُبْحَانَهُ:{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } البقرة: ١٨٥، فقَولُهُ:{ فَلْيَصُمْهُ } أَمْرٌ، والأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.

 

وأمَّا السُّنةُ: فَقَولُهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " بُنيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ:.. -وذكرَ مِنهَا- وصَومُ رَمَضَانَ..." [5]، هوَ حَدِيثٌ لا شَكَّ في صِحَّتِهِ وثُبُوتِهِ[6].

 

وأمَّا الإِجمَاعُ: فَلِكَونِهِ لمْ يُنقَلْ عَنْ أحَدٍ مِنْ أهْلِ الإسْلامِ خِلافٌ في فَرْضِيَّتِهِ فَضْلاً عَنْ مَشْرُوعيَّتِهِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ[7].

 

 

فَصْلٌ في حُكْمِ العِلْمِ بِصَيامِ رَمَضَانَ

 

مما تَقَدَّمَ مِنْ نُصُوصٍ تُدْرِكُ -أيُّها الطَّالِبُ الموَاظِبُ- أَنَّ العِلْمَ بِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ هَذَا الدِّينِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وعَلَى كُلِّ عَالِمٍ بهِ عَارِفٍ بِأَحْكَامِهِ أبًا أو أخًا أو مُعلِّمًا أو مُتَعَلِّمًا.. أنْ يُفَقِّهَ غَيرَهُ بِهِ؛ فَهُوَ مِنَ الفُرُوضِ المؤَقَّتَةِ الَّتي يجِبُ العِلْمُ بهَا قَبْلَ حُلُولِ وَقْتِهَا، وهُوَ -أيضًا- مما يُعْلَمُ مِنَ الدِّينِ بالضَّرُورةِ ومما يجِبُ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ أنْ يَعتَقِدَهُ ويَعْمَلَ بِأَحْكَامِهِ حَتى يَعْبُدَ اللهَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنَ العِلْمِ وبيِّنَةٍ مِنْ فِقْهِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ[8]...فَإِنَّهُ: 

 

 

ما عُبِدَ اللهُ بِشَيءٍ يَــــا فَتى *** أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ كَذَا القَوْلُ أَتَى

ولَفَقِيْهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ *** مِنْ أَلْفِ أَلْفِ عَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــابِدٍ يُعَدُّ

أَشَدُّ في الأَمْرِ عَلَى الشَّيْطَانِ*** لأَنَّهُ العَالِمُ بِالمعَــــــــــــــــــــــــــــــــاني

يَدْرِي مَصَائِدَ العِدَى فَيَحْذَرَا*** وقُوعَهَا ويخْبرَنْ بهَا الوَرَى[9]

 

 

أَمَّا:

 

إذَا لمْ تَكُنْ بِالعِلْمِ للهِ عَامِلاً *** فأَنْتَ وإِيَّاهُ كـ"فَنْجَا" وغَيْلِهَا[10]

 

 

 

فَصْلٌ في فضَائِل شَهرِ رَمَضَانَ

 

وَمِمَّا يَنبَغِي أَنْ يَعلَمَهُ كُلُّ مُسْلِمٍ -أَيضًا- أنَّ حِكْمَةَ اللهِ عز وجل اقْتَضَتْ أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَ مخْلُوقَاتِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَفَضَّلَ بَعْضَ العِبَادِ عَلَى بَعْضٍ، وفَضَّلَ بَعْضَ الرُّسُلِ عَلَى بَعْضٍ؛ كَمَا يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَولُهُ سبحانه وتَعَالى:{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } البقرة: ٢٥٣، وكَذَا فَضَّلَ بَعْضَ الأَمْكِنَةِ عَلَى بَعْضٍ؛ كَمَا يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَولُهُ سبحانه وتعالى:{ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } الإسراء: ١، وكَذَا فَضَّلَ بَعْضَ الأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ كمَا فَضَّلَ شَهْرَ رَمَضَانَ وجَعَلَهُ سَيِّدَ الشُّهُورِ؛ وَلِذَا كَانَ لهَذَا الشَّهرِ الكَريمِ فَضَائِلُ كَبِيرَةٌ وحِكَمٌ جَلِيْلةٌ[11]، فَمِنْ فَضَائِلِ هَذَا الشَّهرِ العَظِيْمِ ومَزَايَاهُ:

 

- أنَّ فِيْهِ ابْتَدَأَ إِنْزَالُ القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ فهُوَ شَهْرُ القُرْآنِ؛ قَالَ تَعَالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } البقرة: ١٨٥.

 

- أنَّ فِيهِ لَيْلةً هِيَ خَيرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ، أَلا وَهِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ؛ قَالَ تَعَالى:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } القدر: ١ - ٣.

 

- أنَّ لِلصَّائِمِينَ المُوَفِّينَ بَابًا في الجَنَّةِ يُسَمَّى بَابَ الرَّيانِ[12]؛ لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: "ومَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الصَّومِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ"[13].

 

- أنَّ لِلصَّائمِ فِيهِ دَعْوَةً مُسْتَجَابةً لا تُرَدُّ؛ لقَولِهِ سبحانه وتعالى في وسَطِ آيَاتِ الصِّيَامِ:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } البقرة: ١٨٦[14]، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً"[15]. 

 

- يَكثُرُ فِيهِ غُفرَانُ الذُّنُوبِ، وقَبُولُ تَوْبَةِ العِبَادِ؛ لأنَّهُ شَهرٌ تتَضَاعَفُ فِيْهِ العِبَادَةُ، وتَلِينُ فِيْهِ قُلُوبُ العَاصِين والمُجْتَرِحِينَ، وتهشُّ فيهِ نُفُوسُ العَابِدِينَ والعَائِدِينَ إلى مُنَاجَاةِ رَبِّ العَالمينَ.

 

- يُضَاعِفُ اللهُ تَعَالى فِيْهِ للصَّائِمِينَ الأجُورَ، ويَرفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ[16]؛ قَالَ العَبْدُ الشَّكُورُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"[17]، وقالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأمِّ سِنَانٍ الأنْصَارِيَّةِ: " إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي [أي تعدل] حَجَّةً"[18].

 

- تُفتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وتُغلَقُ أَبْوَابُ النَّارِ، وتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ: " تُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ،[19] قَالَ وَيُنَادِي فِيهِ مَلَكٌ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ"[20]. 

 

فَحَرِيٌّ بيْ وبِكَ وبِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ نتَّخِذَ هَذَا الشَّهرَ الكَرِيمَ مِضْمَارَ سِبَاقٍ، ومَيدَانَ تَنَافُسٍ، وقَنْطَرَةَ عُبُورٍ، نَسْلُكُها لنُزِيلَ مَا عَلِقَ بقُلُوبِنَا مِنْ أدْرَانِ الذُّنُوبِ والمعَاصِيْ، ونمحُوَ مَا تَرَاكَمَ عَلَى نفُوسِنَا مِنَ الهُمُومِ والأحْزَانِ والأغْيَانِ[21]، ولِنُجَدِّدَ بنَاءَنا الإِيمَانيَّ، ونتَخَلَّقَ بخُلُقِ نبيِّنَا الكَرِيمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ-.  

 

{تَنْبِيْهٌ}: رَوَى ابنُ خُزَيمةَ في صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في آخِرِ يَومٍ مِنْ شَعبَانَ فقَالَ:  

 

« أيُّها النَّاسُ قدْ أظلَّكُمْ شَهرٌ عَظِيمٌ، شَهرٌ مُبَاركٌ، شَهرٌ فِيهِ لَيْلةٌ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وقِيَامَ لَيلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تقرَّبَ فِيهِ بخصْلَةٍ مِنَ الخَيرِ، كَانَ كَمَنْ أدَّى فَرِيضَةً فيمَا سِواهُ، ومَنْ أدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كمَنْ أدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فيمَا سِوَاهُ، وهُوَ شَهْرُ الصَّبرِ، والصَّبرُ ثَوَابُهُ الجَنَّةُ، وشَهْرُ الموَاسَاةِ، وشَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ المؤْمِنِ، مَنْ فطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لذُنُوبِهِ وعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وكَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَنتَقِصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيءٌ»، قَالُوا: لَيسَ كُلُّنَا نجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، فَقَالَ: «يُعْطِي اللهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تمْرَةٍ، أو شَرْبَةِ مَاءٍ، أو مَذْقَةِ لَبنٍ، وهُوَ شَهرٌ أَوَّلُهُ رَحمةٌ، وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ...»[22]. 

 

هَذَا الحَدِيثُ -وإنْ كَانَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَعَانِيْهِ صَحِيحَةً في ذَاتها، وإِنْ كَانَتْ بَعْضٌ مِنْ جملِهِ ثَابِتَةً عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا أنَّهُ في مجْمُوعِهِ لا يَثْبُتُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، يقُولُ شَيخُنا إِمَامُ السُّنةِ والأُصُولِ -حفِظَهُ اللهُ-: "ومِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلى تَضْعِيفِهِ وهُوَ الصَّوَابُ، فَهَذَا الحَدِيثُ عَلَى الصَّحِيحِ لا يَثْبُتُ عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ- وعَلَيْهِ فَلا يَنْبَغِي الإتْيَانُ بهِ في الدُّرُوسِ والخُطَبِ إلا مَا ثَبَتَ مِنْ جُمَلِهِ مِنْ غَيْرِ هَذَِا الطَّرِيقِ.. واللهُ تَبَارَكَ وتعَالى أَعْلَمُ"[23]. 

 

 

فَصْلٌ فيمَا يَنْبَغِي أنْ يُسْتَقْبَلَ بِهِ هَذَا الشَّهْرُ الكَرِيْمُ

 

تعَرَّفْ -يا أُخَيَّ، جَعَلَني اللهُ وإيَّاكَ خَيرَ خلَفٍ لخَيرِ سَلَفٍ- أنَّ السَّلفَ الصَّالحَ -رِضْوانُ اللهِ تَعاَلى عليهِمْ- كَانُوا يُعِدُّونَ العُدَّةَ لاسْتِقْبَالِ هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ فيَدْعُونَ اللهَ نِصْفَ العَامِ أنْ يُبلِّغَهُمْ هَذَا الشَّهرَ، والنِّصْفَ الآخَرَ أنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ صِيَامَهُ، فيَنْبَغِيْ للمُسْلِمِ أَنْ لا يُفَرِّطَ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ، وأنْ يَكُونَ مِنَ السَّبَّاقِينَ إِلَيْهَا المُتَنَافِسِينَ فِيهَا؛  قَالَ تَعَالى:{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } المطففين: ٢٦. 

 

فجَدِيرٌ بالمُسْلِمِ إِذَنْ وهُوَ يَستَقْبِلُ هَذَا الشَّهْرَ الكَرِيمَ أنْ لا يَكْتَفِيَ بمجَرَّدِ نِيَّةِ الصِّيَامِ فَقَطْ بَلْ عَلَيهِ أنْ يَصْطَحِبَ مَعَهُ بَعْضًا وكَثِيرًا مِنَ النِّيَّاتِ قَبْلَ وعِنْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ، مِثْلَ: 

 

* نيَّةِ خَتْمِ القُرْآنِ مَعَ تَدَبُّرِهِ حَقَّ التَّدَبُّرِ؛ فَقَدْ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْقَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ مَرَّةً في كُلِّ عَامٍ، حَتى إذَا كَانَ العَامُ الذِي قُبِضَ فِيهِ عَرَضَهُ عَلَيهِ مَرَّتَينِ[24].   

 

* نيَّةِ التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ؛ فَقَدْ قَالَ المصْطفى صلى الله عليه وسلم: "..رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ"[25].

 

* نيَّةِ العمَلِ لهَذَا الدِّينِ ونشْرِهِ والدَّعوةِ إلَيهِ بينَ النَّاسِ؛ قَالَ تَعَالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت: ٣٣.

 

* نيَّةِ وَضْعِ بَرنامَجٍ مَلِيْءٍ بالعبَادَةِ والطَّاعَةِ والجِدِّيةِ، والالتِزَامِ بِهِ؛ فَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ وإِلى رَسُولِهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ[26].

 

{تَنْبِيْهٌ}: وبِذَا تُدْرِكُ -أيُّها الأَخُ العَزِيزُ أيَّتُها الأخْتُ العَزِيزَةُ، ألهَمَني اللهُ وَإيَّاكُمُ التَّوْفِيقَ للعَمَلِ الصَّالحِ وأعَانَنَا عَلَى القِيَامِ بِهِ- عِظَمَ خَطَأِ مَا يَقُومُ بِهِ البَعْضُ عِنْدَ الإِعْدَادِ لاسْتِقبَالِ هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ، فَنَجِدُ طَائِفَةً مِنهُمْ تُوَلِّي وجْهَهَا شَطْرَ الأَسْوَاقِ لتَجْمَعَ مِنهَا قدْرَ المُسْتَطَاعِ مِنْ حَدِيْثِ الأكَلاتِ وجَدِيدِ المطْعُومَاتِ والمشْرُوبَاتِ، فَإِذَا مَا جَاءَ رَمَضَانُ كَانَ نهارُهمْ في إعْدَادٍ وطَهْيٍ وكَانَ ليلُهُمْ في أَكْلٍ وشُرْبٍ ثمَّ تثَاقُلٍ عنِ العِبَادَاتِ وتَنَاسٍ للطَّاعَاتِ.

 

وطَائِفَةٌ أُخْرَى تُوَلِّي وجْهَهَا شَطْرَ جَدِيدِ المُسَلْسَلاتِ اللَّيْلِيَّةِ والنَّهَارِيَّةِ، أو تُعِدُّ العُدَّةَ لإِقَامَةِ الدَّوريَّاتِ وتَنظِيمِ المُبَارَيَاتِ، فَإِذَا مَا جَاءَ رَمَضَانُ كَانَ لَيْلُهُمْ في لهوٍ وَلَعِبٍ، وكَانَ نهارُهُمْ في نَومٍ وغَفْلَةٍ عَنْ حَقِيقَةِ مَا يُستَغَلُّ بِهِ شَهْرُ الصِّيامِ، كُلُّ ذَلِكَ زيَّنَ لهمُ الشَّيطَانُ فِعْلَهُ لِيَصُدَّهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ، فَهَلْ أَنتُمْ مُّنتَهُونَ!!

 

------------------------

 

[1] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، محطات للصَّائمين.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى إمام السنة والأصول ص79.

 

الجناوني، الوضع ص140- 141.

 

[2]- يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى إمام السنة والأصول ص89- 90.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 14رمضان 1423هـ، يوافقه 20/11/2002م.

 

[3] - فرَّق الحنفيةُ بين الصوم والصِّيَام فقالوا بأن أقل الصِّيَام ثلاثة أيام أخذا من قوله تعالى:{فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة: ١٩٦، وقد تعقبهم العلامة أبو مسلم -رحمه الله- في موسوعته نثار الجوهر بقوله: "..وفيه نظر لا يخفى؛ فإن كلا من الصِّيَام والصوم مصدر صام، وتوهمهمْ دلالةً على التعدد في إحدى الصيغتين يفتقر إلى قرينة تصرفها عن دلالة الوحدة إلى التعدد، وقد نطق التنزيل العزيز بالعبادة عن صوم يوم واحد بلفظ صيام فقال تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ{ البقرة: ١٨٧.

 

وجاء في معظم أحاديث الصِّيَام لفظ الصوم حيث تراد الكثرة، ولفظ الصِّيَام حيث يراد الوحدة، ولم يأت في أمهات العربية ما يوهم تفرقة بين الصيغتين، فلو نذر بصوم أو بصيام مبهم حكم بأقل ما يصدق عليه اسم صوم، وهو يوم واحد، والله أعلم". يُنظر:

 

البهلاني، نثار الجوهر ج5 ص12.

 

[4] - وبذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد صام تسع سنوات من الثانية إلى العاشرة للهجرة، والله أعلم. يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، جواهر التفسير ج2 ص19.

 

[5] - البخاري، بَاب: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ، رقم الحديث 7.

 

[6] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 15 رمضان 1423هـ، يوافقه 21/11/2002م.

 

[7]- الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 14 جمادى الثانية 1425هـ، يوافقه 1/8/2004م.

 

[8] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 14 رمضان 1428هـ، يوافقه 26/09/2007م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 15 رمضان 1423هـ، يوافقه 21/11/2002م.

 

[9] - السالمي، عبد الله بن حميد. جوهر النظام ج4 ص396.

 

[10] - فَنْجَا: قريةٌ عمانيةٌ معروفة من أعمال ولاية بدبد من المنطقة الداخلية، والغيل: هو الماء الذي يجرى في الوادي، و"فنجا وغيلها" مثل عماني يضرب في مَن لا يستفيد مِن ملكه أو ما يخصه وينتفع به الآخر؛ وسبب ذلك أن غيل فنجا لم يكن يمر بهذه البلدة، فلا تنتفع به هذه البلدة ولا أهلها وإنما ينتفع به غيرها، قلتُ: ومثله المثل العماني: "بو تحتها تشوع به"، أي الشجرة المثمرة تلقي ثمارها بعيدا عن أصلها..

 

قلتُ: وقد حكى الشيخُ سيف الفارسي الفنجوي -حفظه الله- عن أحد قضاة زنجبار أنَّ امرأة جاءته تشكو إليه زوجها وتقول: "أنا وزوجي كفنجا وغليها" -تعني أنه عِنِّينٌ- فأحضَره القاضي عندَه، فطلب الزوجُ مهلةً للعلاج فأعطاه القاضي إياها، لكنه لم يعالج طوال تلك المدة فطلقها القاضي منه، والله المستعان. يُنظر:

 

الفارسي، سيف بن محمد. باقات الزهور: فنجا في أهم العصور ص3.

 

[11] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، كيف تستثمر رمضان!، "مادة سمعية"، إنتاج: مركز مشارق الأنوار للإنتاج الفني والتوزيع.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى إمام السنة والأصول ص85- 86.

 

[12] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. برنامج: "سؤال أهل الذكر"- تلفزيون سلطنة عمان، حلقةُ: 3 رمضان 1429هـ، يوافقه 4/9/2008م.

 

[13] - الربيع، باب: في الصدقة، رقم الحديث 354.

 

[14] - الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"- تلفزيون سلطنة عمان، حلقةُ: 2 رمضان 1427هـ، يوافقه 26/9/2006م.

 

[15] - الحاكم، كتاب: الصوم، رقم الحديث 1483.

 

[16] - الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 25 شعبان 1425هـ، يوافقه 10/10/2004م.

 

[17] - النسائي، باب: صَوْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رقم الحديث 2317.

 

[18] - البخاري، بَاب: حَجِّ النِّسَاءِ، رقم الحديث 1730.

 

تَنْبِيْهٌ: جاء في بعض روايات هذا الحديث ".. تَقْضِي حَجَّةً مَعِي"، أي بزيادة لفظة "مَعِي" إلا أن هذه الزيادة شاذة عند شيخنا القنوبي -عافاه الله-، والله أعلم. يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 4 رمضان 1429هـ، يوافقه 5/9/2008م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 3 رمضان 1430هـ، يوافقه 24/ 8/ 2009م.

 

[19] - تَنْبِيْهٌ: اختلف الناس في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الثابت: " وَتُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ" مع ما يُشاهد في واقع الكثير من الناس خلال أيام هذا الشهر من انتهاك لحرمات الشهر، وتسكع في المعاصي، وسعي في الفساد والإفساد. ومن تلك التأويلات أو الاحتمالات الصحيحة التي ذكرها الشيخان الخليلي والقنوبي -حفظهم الله-:

 

أوَّلاً: أنهم يحجزون عن وسوسة الصالحين المتمنعين دون غيرهم، فهم المخصوصون بقوله تَعَالى:{لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ{ الحجر: ٤٢.

 

ثانيا: ليس المراد في الحديث كل الشياطين وإنما طائفة منهم، وهم المردة، لمجيء ذلك صريحا في بعض الروايات " وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِه"أحمد، المسند، رقم الحديث 7576، وأمَّا أَتْبَاعُهُم فإنَّهُم يقومون بِدَوْرِهم في الوسوسة للناس وفي إضْلال الناس.

 

ثالثًا: أن للمعاصِي أسبَابًا مُتعدِّدةً، فهي ليست مَحصُورةً في وسوسة الشياطين، فقد تكون هذه المعاصي بِسَبب العادات السيِّئة، وقد تكون بِسَبَب شَياطين الإنس وقرناء السوء وقد تكون كذلك بِسَبب النُّفُوس الخبِيثَة. يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 1 رمضان 1427هـ، يوافقه 25/9/2006م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 11 رمضان 1425هـ، يوافقه 26/10/2004م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1428هـ، يوافقه 14/9/2007م.

 

[20] - أحمد. المسند، حَدِيثُ رَجُلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، رقم الحديث 18042.

 

[21] - الأغيان: الأغطية والحُجُب، يقال: غَانَ هذا الشيءُ على قلبي، إذا غطاه، وفي الحديث: " إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي"، ومن كتب شيخنا الولي سعيد بن حمد الحارثي -رحمه الله تعالى- "إزالة الأغيان عن لغة أهل عمان". ينظر:

 

ابن دريد. جمهرة اللغة، مادة غ - ن - و.

مسلم، بَاب: اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغْفَارِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، رقم الحديث 4870.

[22] - ابن خزيمة، باب: فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، رقم الحديث 1780.

 

[23] - يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى إمام السنة والأصول ص85.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 3 رمضان 1426هـ، يوافقه 7/10/2005م.

 

[24] - البخاري، باب: كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 4613، 4614.

 

[25] - الترمذي، بَاب: قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ، رقم الحديث 3468.

 

[26] - يُنظر:

 

الربيع، باب: أدب المؤمن في نفسه والسنن، رقم الحديث 725.

 

البخاري، بَاب: الْجُلُوسِ عَلَى الْحَصِيرِ وَنَحْوِهِ، رقم الحديث 5983.

----------------------------------------------

فَصْلٌ في مَدرسَةِ الصِّيَامِ

 

 

لقدْ شُرِعَ الصِّيَامُ مِنْ أَجْلِ أنْ تسْمُوَ النُّفُوسُ البَشَرِيَّةُ إِلى عَالمَ الخَيرِ، وأنْ تَتَرَوَّضَ عَلَى الصِّفَاتِ والمَلَكَاتِ النَّبِيلَةِ الَّتي تُؤَهِّلُهَا لِلسَّعَادَةِ في الدَّارَينِ، وهَذِهِ هيَ حَقِيقَةُ:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: ١٨٣.

 

فَالصِّيَامُ مَدْرَسَةٌ كَبِيرَةٌ بهَا الكَثِيرُ مِنَ الدُّرُوسِ العَظِيمَةِ، فَمِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ والعِبرِ: أنَّهَا تُرَبِّي فِي نَفْسِ الصَّائِمِ مَلَكَةَ التَّقْوَى والمُرَاقَبَةِ، ومَلَكَةَ الصَّبرِ والتَّحَمُّلِ، ومَلَكَةَ النِّظَامِ والمحَاسَبَةِ، ومَلَكَةَ الرَّحمَةِ والرَّأْفَةِ والإِحْسَانِ، وكَذَلِكَ الشُّعُورُ بالوَحْدَةِ الإِسْلامِيَّةِ[27].

 

إِضَافَةً إِلى كُلِّ ذَلِكَ فَلِلصَّومِ فَوَائِدُ صِحِّيَةٌ؛ فَهُوَ فُرْصَةٌ لإِذَابَةِ الشُّحُومِ الزَّائِدَةِ، وتَطْهِيرِ الجِسْمِ مِنَ السُّمُومِ المُتَرَسِّبةِ في البَدَنِ والَّتي تُحْدِثُها البِطْنَةُ[28]، وقَدْ صَدَقَ الحَكِيمُ الأَوَّلُ صلى الله عليه وسلم في قَولِهِ: صُومُوا تَصِحُّوا [29].

 

أَخِي الصَّائمَ/ وإذَا كَانَ في مَدْرَسَةِ الصِّيَامِ كُلُّ هَذِهِ الدُّرُوسِ والحَوَافِزِ، وكَانَتْ جَائِزةُ النَّاجِحِ هِيَ العِتْقَ مِنَ النَّارِ، وأَنْتَ تَقْرَأُ وتَعْلَمُ } فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ{ آل عمران: ١٨5 ثُمَّ تَقَاعَسْتَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الاجْتِهَادِ فِي تحْقِيْقِ أَعْلَى النَّجَاحِ، والفَوْزِ يَوْمَ يَنْقَسِمُ النَّاسُ إِلى فَرِيقَينِ } فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ{ الشورى: 7 ومَعَ ذَلِكَ لمْ تهتَمَّ بخَاتمَةِ هَذِهِ الدَّوْرَةِ الإِيمَانِيَّةِ، فَمَاذَا تَنْتَظِرُ أَكْثَرَ بَعْدَ ذَلِكَ؟!!

 

وقدْ عَلِمْتَ قَولَ الحَبِيبِ صلى الله عليه وسلم: "..رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ"[30].

 

 

فَصْلٌ في حِكَمِ الصِّيَامِ

 

 

يَا أَخِي الحَكِيمَ، لا يخفَى عَلَيْكَ أَنَّ لِلْحَكِيْمِ سبحانه وتعالى في كُلِّ حَادِثَةٍ حِكْمَةً كَمَا أَنَّ لَهُ فِيهَا حُكْمًا، ومِمَّا أحْدَثَ اللهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ شَرَعَ في حَقِّهَا الصِّيَامَ، وهَا نحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ الحِكَمِ التي تَتَجَلَّى في هَذِهِ الشَّعِيرةِ العَظِيمَةِ[31]: 

 

أ- أنَّ الصَّوْمَ يُرَبِّي مَلَكَةَ التَّقْوَى في النُّفُوسِ؛ وَهِيَ الغَايَةُ الكُبرَى مِنَ الصِّيَامِ، بلْ مِنْ جميعِ العِبَادَاتِ أَيْضًا، يَقُولُ سمَاحَةُ المُفْتي -حَفِظَهُ رَبي-: " فالتَّقْوى هِيَ الغَايَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ، كَمَا أنَّهَا الغَايَةُ مِنْ بَقِيَّةِ العِبَادَاتِ الَّتي فَرَضَها اللهُ سبحانه وتعالى"؛ قَالَ تَعَالى خَاتمًا أُولى آيَاتِ الصِّيَامِ:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ البقرة: ١٨٣[32].

 

‌ب- أنَّ الصَّوْمَ -بالإمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ والجِمَاعِ- وَسِيْلَةٌ إِلى شُكْرِ النِّعْمَةِ؛ فَلا يَعْرِفُ حَقَّ النِّعْمَةِ إِلا مَنْ حُرِمَهَا أو مُنِعَ مِنْهَا، وإِلى ذَلِكَ أَشَارَ الموْلى في قَولِهِ جَلَّ وعَلا وَسَطَ آيَاتِ الصِّيَامِ:{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } البقرة: ١٨٥.

 

ج- أنَّ الصِّيَامَ يَكْبَحُ جمَاحَ الشَّهَوَاتِ، ويمنَعُ مِنَ الانْزِلاقِ في الملَذَّاتِ لا سِيَّمَا في مَيْعَةِ الشَّبَابِ[33]؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"[34].

 

‌د- أنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحمَةِ والعَطْفِ عَلَى المحتَاجِينَ، فَإِنَّ الصَّائمَ إذَا ذَاقَ ألَمَ الجُوعِ في بَعْضِ الأَوْقَاتِ تَذَكَّرَ مَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ في جمِيعِ الأَوْقَاتِ، فتَدُبُّ في نَفْسِهِ مَشَاعِرُ الرِّقَّةِ والرَّحمَةِ والإِحْسَانِ تجَاهَ المحتَاجِينَ والمحرُومِينَ، فيَبْسُطُ يَدَهُ مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ، فينَالُ بِذَلكَ مَا عنْدَ اللهِ تَعَالى مِنْ حُسْنِ الجَزَاءِ عَلَى حُسْنِ العَمَلِ، يَقُولُ صَاحِبُ القَوَاعِدِ: "وفَرَضَ سُبْحَانَهُ الصَّوْمَ عَلَى ذَوِي الفَاقَةِ والأَغْنِيَاءِ لِكَسْرِ شَهْوَةِ النَّفْسِ الَّتي هِيَ دَابَّةُ الشَّيطَانِ، ولِيَعْرِفُوا إذَا صَامُوا رَمَضَانَ مَا يُقَاسِيهِ ذَوُو الفَاقَةِ مِنْ شِدَّةِ المجَاعَةِ طُولَ الزَّمَانِ"[35]..فالقَلْبُ في شِبَعٍ والبَطْنُ خمْصَانُ[36].

 

‌ه- أنَّ الصِّيَامَ يُعلِّمُ الأمَّةَ أفرادًا وجماعاتٍ النِّظامَ والالْتِزَامَ والحَزْمَ والجِدِّيَّةَ -كَمَا لا يخْفَى عَلَى عَارِفٍ بأَحْكَامِ الصِّيَامِ-.

 

‌و- أنَّ للصِّيَامِ فَوَائِدَ صِحِّيَّةً وبَدَنِيَّةً، وَقَدْ أَخْبرَنَا بِذَلِكَ الصَّادِقُ المصْدُوقُ قَبْلَ أَكْثرَ مِنْ أَرْبعَةَ عَشَرَ قَرْنًا بِقَولِهِ: "...وَصُومُوا تَصِحُّوا"[37]، ولِذَا فقَدْ أَوْصَى بِهِ الأطِبَّاءُ المُحْدَثُونَ لعِلاجِ الكَثِيرِ مِنَ الأَمْرَاضِ الجِسْمِيَّةِ..

 

ومِنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ الصِّحيَّةِ أَنَّهُ يُذِيبُ الشُّحُومَ الزَّائِدَةَ بِالجِسْمِ، ويُطَهِّرُ المعِدَةَ مِنَ الرَّوَاسِبِ، ويُرِيحُ الجِهَازَ الهَضْمِيَّ، وهَذَا مِنْ إِعْجَازِ السُّنَّةِ وأَعْلامِ النُّبُوَّةِ الصَّادِقَةِ[38].

 

وبالجُمْلةِ فَإِنَّ للصَّومِ حِكَمًا كَثِيرةً أَكْثَرَ مما بَانَ لنَا وَظَهَرَ، لا يحِيطُ بعِلْمِهَا إلا رَبُّ العِبَادِ، أمَّا أَنْتَ فـَ} قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا{، وحَسْبُكَ مِنَ القِلادَةِ مَا أحَاطَ بالعُنُقِ، أمَّا مَنْ لم يَنْتَفِعْ بقَلِيْلِ الحِكْمَةِ ضَرَّهُ كَثِيرُها، واللهُ أَعْلَمُ وأَحْكَمُ. 

 

 

فَصْلٌ في حُكْمِ تاركِ الصِّيَامِ

 

لَقَدْ تَعَرَّفْتَ -أيُّهَا التِّلمِيذُ الأَرِيبُ، لا بَرِحْتَ الطَّاعَةَ- أنَّ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ هَذَا الدِّينِ العَظِيْمِ، لا يَصِحُّ إيمَانُ امْرِئٍ إلا بالإِتْيَانِ بِهِ اعْتِقَادًا وعَمَلاً، وعَلَيهِ فَإِنَّكَ تُدْرِكُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصِّيَامَ فقَدْ أَحَلَّ عَلَى نَفْسِهِ بَرَاءَةَ اللهِ وحُدُودَهُ في الدُّنْيَا، وغَضَبَهُ وعَذَابَهُ في الأُخْرَى؛  قَالَ تَعَالى:{ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ البقرة: ٢٢٩ 

 

ولا يخلُو تَارِكُ الصِّيَامِ -معَ كَونِهِ بَالِغًا صَحِيحَ العَقْلِ- مِنْ أَحَدِ أَمْرَينِ: 

 

إِمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ جُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهِ أَوْ إِنْكَارًا لَهُ بِالْكُلِيَّةِ: فهوَ مشركٌ مرتدٌ عنِ الدِّينِ والعِيَاذُ باللهِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ فَرْضَ صِيَامِ رَمَضَانَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ الخَمْسَةِ الَّتي لا يَقُومُ إِلا بها جمِيعًا، وَهُوَ مِمَّا  عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أيضًا، يَقُولُ الْعَلاَّمَةُ القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ الله وَعَافَاهُ-:"..وَمَنْ أَنْكَرَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ"[39]، وَحُكْمُهُ: أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ فَيُعْفَى عَنْهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ جُحُودًا واسْتحْلالاً لقَولِهِ تَعَالَى:{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ{ الأنفال: ٣٨، وَإِلا قُتِلَ مُرْتَدًّا عَنِ الدِّينِ والعِيَاذُ باللهِ، وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ باِلضَّرُورَةِ مِنْ غيرِ تَأوِيلٍ[40].

 

وَإِمَّا أنْ يَترُكَهُ تَهَاوُنًا وَتكَاسُلاً مِنْهُ لا جُحُودًا وَإِنْكَارًا لَهُ: فَحُكْمُهُ: أَنَّهُ كَافِرٌ كُفْرَ نِعْمَةٍ لا كُفْرَ شِرْكٍ، فإنَّ الإِصْرَارَ عَلَى الصِّغَائِرِ يُعَدُّ مِنَ الكَبَائِرِ، فَكَيفَ بِالإِصْرَارِ عَلَى تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، يَقُولُ الإِمَامُ أبُو محمَّدٍ السَّالميُّ -رَحمةَ اللهِ عَلَيهِ-: "فهَذَا مُنْتَهِكٌ لحُرْمَةِ رَمَضَانَ، مُضيِّعٌ لِدِينِهِ هَادِمٌ لإِسْلامِهِ؛ لأَنَّ الإِسْلامَ إِنَّمَا بُنيَ عَلَى خَمْسٍ أَحَدُهَا الصِّيامُ، فَلا يَسْتَقِيمُ إِسْلامُ المرْءِ إِلاَّ إذَا اسْتَقَامَتْ أرْكَانُهُ. 

 

فإِنْ وقَعَ مِنهُ مِثْلُ هَذِهِ الخَطِيئَةِ فعَلَيهِ أنْ يَتَدَارَكَ نَفْسَهُ مِنَ الهَلاكِ، ويَرجِعَ إِلى اللهِ بِالمتَابِ، ويَقْضِيَ مَا ضيَّعَ؛ لأَنَّ القَضَاءَ لازِمٌ عَلَى مَنْ أفطَرَ بِعُذْرٍ، فمَا ظنُّكَ بمنْ أفْطَرَ بغَيرِ عُذْرٍ!! بَلْ هُوَ أَشَدُّ وأَوْلى"[41]. 

 

وعَلَى هَذَا الشَّخْصِ أنْ يُسْتَتَابَ ثَلاثًا فَإِنْ تَابَ وَجَبَ عَلَيْهِ القَضَاءُ والتَّكْفِيرُ عَنْ جمِيعِ مَا تَرَكَ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ حَدًّا كتَارِكِ الصَّلاةِ والزَّكَاةِ، واللهُ المستعانُ[42]. 

 

وعَلَى كُلِّ حَالٍ فعَلَى كُلِّ مَنْ تَرَكَ شَيئًا مِنْ أيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ جُحُودًا أو تهَاوُنًا أنْ يَسْتَبِقَ أيَّامَهُ بالمتَابِ قبْلَ الممَاتِ، قبْلَ أَنْ يَنزِلَ بِسَاحَتِهِ رَيْبُ المنُونِ بِلا خَبرٍ أو مِيْعَادٍ، فَتَتَحَشْرَجُ الرُّوحُ في الحُلْقُومِ، وتَدُورُ الأَعْينُ لما يَغْشَى صَاحِبَهَا مِنْ سَكَرَاتِ الموْتِ وزَفَرَاتِ الرَّحِيْلِ، فيُغلَقُ بَابُ التَّوبَةِ، وحِينَهَا لا يَقبَلُ اللهُ مِنَ العَبْدِ صَرْفًا ولا عَدْلاً[43]، فالبِدَارَ البِدَارَ إِلى الرُّجُوعِ إلى العَزِيزِ الغَفَّارِ قَبْلَ أنْ يُنَادَى:{  لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ }، فيُجَابُ:{  لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ{ غافر: ١٦

 

يقولُ شَاعِرُ العُلَمَاءِ وعَالمُ الشُّعَرَاءِ -رَحمهُ اللهُ- مُزَهِّدًا ومُرَغِّبًا: 

 

 

وَالبِدَارَ البِدَارَ لِلْمَوْطِنِ الدَّا *** ئِمِ حَيْثُ الحَيَاةُ أَلْقَتْ عَصَاهَا[44]

 

 

{مَسْأَلَةٌ}: مَنْ تَرَكَ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ لسَنَةٍ أو لسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ مُنْتَهِكًا لحُرْمَةِ هَذَا الشَّهْرِ المبَارَكِ وهَذِهِ الشَّعِيرَةِ المعَظَّمَةِ المقَدَّسَةِ ثمَّ إِنَّهُ ارْعَوَى عَنْ غيِّهِ، ورَجَعَ إِلى رُشْدِهِ، وأَنَابَ إلى رَبِّهِ، فَإِنَّ اللهَ يقْبَلُ توْبَةَ عَبْدِهِ، إِلا أنَّ ذَلِكَ لا يُغنِيْهِ شَيئًا عَنْ قَضَاءِ دَينِ الخَالِقِ سبحانه وتعالى مَا دَامَ أَنَّهُ قَادِرٌ ومُسْتَطِيعٌ، وَلوْ أنْ يَقْضِيَ في كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا وَاحِدًا. 

 

ولا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الكفَّارةِ المغَلَّظَةِ وهيَ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لمْ يجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَينِ مُتتَابِعَينِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وأَوْسَعُ الأَقْوَالِ وأَرْخَصُ مَا يُبْذَلُ لمنْ صَدَقَ التَّوبَةَ لِلمَوْلى عز وجل أنْ يُكَفِّرَ كفَّارَةً وَاحِدَةً عَنْ جمِيعِ مَا قَدْ سَلَفَ مِنَ الشُّهُورِ، وللهِ الحَمْدُ حَقَّ الحَمْدِ[45]. 

 

{تَنْبِيْهٌ}: مَنْ أَفْطَرَ أيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ وجَهِلَ عَدَدَهَا فعَلَيهِ تحَريِّهَا وقَضَاؤُهَا إِلى أنْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ أنَّهُ قَضَى مَا عَلَيهِ مِنَ الأَيَّامِ الَّتي تَرَكَ صِيَامَهَا، فَاطْمِئْنَانُ القَلْبِ مُعْتَبرٌ في مِثْلِ هَذِهِ الأُُمُورِ، واللهُ المعِينُ.. ومِنْ بَدَائعِ الجَوْهَرِ: 

 

 

وَمَا بِهِ القَلْبُ قَدِ اطْمَأَنَّا *** يَصِحُّ أنْ يَأخُذَهُ مَنْ ظَنَّا[46]

 

 

فَصْلٌ

 

في مَسَائِلَ وتَنْبِيهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ

 

{المَسْأَلَةُ الأُوْلى}: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ في عِلَّةِ تَسْمِيَةِ "رَمَضَانَ" فقِيْلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ يَرْمِضُ الذُّنُوبَ أيْ يحرِقُهَا، وقِيْلَ: لأَنَّهُ وَافَقَ رَمْضَ الفِصَالِ -إذَا وَجَدَ الفَصِيلُ حَرَّ الشَّمْسِ مِنَ الرَّمْضَاءِ أيْ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ شَيخِنَا الخَلِيليِّ -متَّعَهُ اللهُ بِالصِّحَّةِ والعَافِيَةِ-[47].

 

وقِيْلَ: هُوَ مُشْتَقٌ مِنَ الرَّمْضِ، وهُوَ مَطَرٌ يَنزِلُ في الخَرِيْفِ يَغْسِلُ الأَرْضَ ويُطَهِّرُها كمَا أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ الكَرِيمَ يَغْسِلُ الذُّنُوبَ غُسْلاً ويُطَهِّرُ النُّفُوسَ تَطْهِيرًا، ومَهْمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابٍ فَإِنَّ رَمَضَانَ يَبْقَى هُوَ شَهْرَ القُرْآنِ والغُفْرَانِ[48].

 

{المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ}: لا مَانِعَ عَلَى المُعْتمَد مِنْ إطْلاقِ اسْمِ هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ "رَمَضَانَ" مُفْرَدًا بِدُونِ إِضَافَتِهِ إِلى الشَّهْرِ؛ وعَلَيهِ فيَجُوزُ أَنْ  يُقَالَ: "رَمَضَانَ" بِدُونِ لَفْظَةِ "شَهْرٍ"؛ وذَلِكَ لوُرُودِ النُّصُوصِ الكَثِيرَةِ مِنْ سُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا هَذَا الإِطْلاقُ، وقَدْ مَرَّ مَعَكَ بَعْضٌ مِنْهَا، كَقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ... ولوْ عَلِمْتُمْ مَا في فَضْلِ رَمَضَانَ"[49]، وقَولِهِ: " إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ"[50].

 

وأمَّا مَا جَاءَ مَنْسُوبًا إِلى المعْصُومِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-:" لا تَقُولُوا: رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسماءِ اللهِ، ولَكِنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ"[51] فبَاطِلٌ لا يَصِحُّ وَلا يَثْبُتُ عَنْ حَامِلِ لِوَاءِ الدَّعْوَةِ صلى الله عليه وسلم، بَلْ قدْ نَطَقَتِ السُّنةُ بخِلافِهِ، وهِيَ المُعْتمَدُ، ومَا عَدَاها فَلا تَعْدُو أنْ تكُونَ دَعَاوَى تُعْوِزُها الحُجَجُ والبَيِّنَاتُ[52].

 

{المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ}: مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيهِ أُمَّةُ الإِسْلامِ أَنَّ الصِّيَامَ المفْرُوضَ عَلَيهَا هُوَ صِيَامُ رَمَضَانَ، واخْتَلَفُوا هَلْ فُرِضَ ابْتِدَاءً أمْ أنَّهُ فُرِضَ قَبْلَهُ صِيَامٌ!! فَقِيلَ: فُرِضَ أوَّلاً صَومُ عَاشُورَاءَ ثمَّ نُسِخَ بفَرْضِ رَمَضَانَ، واسْتَدَلُّوا لَهُ بما ثَبَتَ أنَّ الصِّدِّيقةَ بنْتَ الصِّدَّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَتْ: "كَانَ يَومُ عَاشُورَاءَ يَومًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الجَاهِلِيَّةِ، وكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- يَصُومُهُ في الجَاهِلِيَّةِ، فَلمَّا قَدِمَ المَدينَةَ صَامَهُ وأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الفَرِيضَةَ وتُرِكَ يَومُ عَاشُورَاءَ، فمَنْ شَاءَ صَامَهُ ومَنْ شَاءَ تَرَكَهُ ولَكِنْ في صِيَامِهِ ثَوَابٌ عَظِيمٌ"[53].

 

وقيلَ: إنَّ فَرْضَ صِيَامِ رَمَضَانَ قدْ شُرِعَ مِنَ البِدَايَةِ ولم يُفرَضْ قبْلَهُ صِيَامٌ، وأمَّا أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بصِيَامِ عَاشُوراءَ فمَحْمُولٌ عَلى النَّدْبِ والاستِحْبَابِ لا عَلَى الجَزْمِ والإِيجَابِ؛ لأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ووَقَعَ لنُقِلَ بالتَّوَاتُرِ لِكَونِهِ مِنَ العِبَادَاتِ العَمَليَّةِ العَامَّةِ عَلَى جميعِ الأُمَّةِ، وهَذَا هُوَ الرَّأيُ الَّذِي كَانَ يميلُ إلَيهِ شَيخُنا الوَليُّ سَعِيدُ بْنُ مَبرُوكٍ القَنُّوبيُّ -حَفِظَهُ اللهُ ورعَاهُ، وسَدَّدَ في طَرِيقِ الخَيرِ خُطَانا وخُطَاهُ- إلا أنَّهُ فَضَّلَ عِنْدَ المرَاجَعَةِ التَّوقُّفَ حَتى التَّثَبُّتِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللهِ[54].

 

{المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ}: اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ والمُفَسِّرُونَ في صِيَامِ رَمَضَانَ هَلْ كَانَ عَزِيمةً مُتَعَيِّنَةً مِنَ البِدَايةِ أمْ أنَّ المسْلِمِينَ كَانُوا مخيَّرِينَ بَينَ الصِّيَامِ والإِطْعَامِ.

 

وسَبَبُ الخِلافِ تنَازُعُهُمْ في تَأْوِيلِ قَولِهِ تَعَالى:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } البقرة: ١٨٤، فَقِيلَ: إِنَّ مَدْلُولَ الآيَةِ أَنَّ مَنْ أطَاقَ الصِّيَامَ وقَدَرَ عَلَيهِ فهُوَ مُخيَّرٌ بَينَ أنْ يَصُوْمَ وبَينَ أنْ يَفتَدِيَ إِلا أَنَّ الصِّيَامَ أفْضَلُ، ثمَّ عُزِمَ عَلَى الصِّيَامِ بَعْدَ ذَلِكَ ونُسِخَ التَّخْيِيرُ بقَولِهِ عز وجل:{  فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } البقرة: ١٨٥

 

ورَأَى إِمَامُ المُفَسِّرِينَ وسَيفُ المنَاظِرِينَ وحُجَّةُ المُتَكَلِّمِينَ شَيخُنَا الوَليُّ بَدْرُ الدِّينِ الخَلِيْلِيُّ -حفظَهُ اللهُ- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ محْكَمَةٌ، فَلَيسَ هُنَالِكَ نَاسِخٌ ومَنْسُوخٌ، وهِيَ محمُولةٌ في حَقِّ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ إِلا بِكُلفَةٍ شَدِيدَةٍ ومَشَقَّةٍ بَالِغَةٍ، وأَنَّ المقْصُودَ بِقَولِهِ:{يُطِيقُونَهُ{ يَتَكَلَّفُونَهُ، فَمَنْ كَانتْ هَذِهِ حَالتَهُ فَلَهُ أَنْ يَنتَقِلَ حِينَئِذٍ مِنَ الصِّيَامِ إِلى الفِدْيَةِ والإِطْعَامِ تَصْدِيقًا لقَولِهِ سبحانه وتعالى:{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } البقرة: ١٨٥[55].

 

------------------------

 

[27] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، جواهر التفسير ج2 ص120.

 

الخَلِيْلِيُّ، اغتنم شهر النفحات، "مادة سمعية". إنتاج: مكتبة مشارق الأنوار.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ:10 رمضان 1429هـ، يوافقه 11/9/2008م.

 

[28] - الخروصي، كهلان بن نبهان. "أسرار الصِّيَام" ندوة طبية شرعية مع الطبيب أبشر مأمون.

 

[29] - الربيع، باب: في فضل الصلاة و خشوعها، رقم الحديث294.

 

[30] - الترمذي، بَاب: قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ، رقم الحديث 3468.

 

[31] - الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. اغتنم شهر النفحات، "مادة سمعية". إنتاج: مكتبة مشارق الأنوار.

 

[32]  - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 3 رمضان 1428هـ، يوافقه 15/9/2007م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ:10ربيع الأول 1427هـ، يوافقه 9/4/2006م.

 

[33] - الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"- تلفزيون سلطنة عمان، حلقةُ: 14 رمضان 1427هـ، يوافقه 8/10/2006م.

 

[34] - البخاري، بَاب مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ، رقم الحديث 4678.

 

[35] - الجيطالي، إسماعيل بن موسى. قواعد الإسلام ج2 ص64.

 

[36] - البهلاني، ناصر بن سالم. ديوان أبي مسلم ص303.

 

[37] - الربيع، باب: في فضل الصلاة و خشوعها، رقم الحديث294.

 

[38] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1422هـ، يوافقه 2/12/2001م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 3 رمضان 1429هـ، يوافقه 4/9/2008م.

 

[39] -  يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى إمام السنة والأصول، ص 39.

 

القنُّوْبيُّ، "فتاوى ج4" بمعهد القضاء الشرعي سابقا. "مادة سمعية" اللجنة الثقافية بمعهد العلوم الشرعية، أو مكتبة مسجد جامعة السلطان قابوس.

 

[40]-  يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 رمضان 1424هـ، يوافقه 22/11/2003م.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيفية مفرَّغة بمبنى معهد العلوم الشرعية سابقا بروي، صيف1421هـ/2000م، مذكرة رقم5 ص7.

 

[41]-  السالمي، عبد الله بن حميد. معارج الآمال ج5 ص211. طبعة: مكتبة الإمام السالمي الحديثة والمحققة.

 

[42]- تَنْبِيْهٌ مُهِمٌّ: لا يخفى عليك أيها النبيه أن مرجع تطبيق هذه الأحكام العملية إلى الحاكم الشرعي أو من يوليه من أهل الاختصاص والأمانة في دولة المسلمين، وعليه فلا يجوز المساس بها أو الإقدام على الحكم بها أو تنفيذها من قبل بعض الأفراد بحجة الغيرة والحسبة، وإلا كانت الأمور فوضى والدماء تسيل هدرا..

 

 

لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَرَاة َلهُمْ *** وَلا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالهُمْ سَادُوا

 

 

فإن أقيمت عليهم الحدود فبها ونعمت، وإن أمهلهم الله فإنه لم يهملهم، وعلى الناس أن ينـزلوهم ما أنزلوا أنفسهم في أحكامهم الدنيوية، فالمتهاون والمتكاسل له ما للمسلمين وعليه ما عليهم في جميع المعاملات الدنيوية من المؤاكلة والمشاربة والمناكحة والدفن في مقابر المسلمين إلا الولاية خُصَّتْ بالذِي عَدَل في أمره واستقام على شرعة ربه.

 

أما المنكر لهذا الركن العظيم فهو من أهل الردة عن الدين -والعياذ بالله- فتجري عليه أحكام المشركين من حيث إنه لا يناكح وإذا كان متزوجا فتخرج زوجته عن عصمته، وكذا إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين إلا مواراة جيفته لئلا تؤذي رائحتها عباد الله تعالى ولا كرامة.

 

[43] - أي فريضة ولا نافلة.

 

[44] - البهلاني، ناصر بن سالم. ديوان أبي مسلم ص451.

 

[45] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص 354، 356.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 26 رمضان 1426هـ، يوافقه 30/10/2005م

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 10 رمضان 1430هـ، 31/ 8/ 2009م.

 

[46] - يُنظر:

 

السالمي، جوهر النظام ج1 ص35.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 26 رمضان 1426هـ، يوافقه 30/10/2005م.

 

[47] - الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. المرأة تسأل والمفتي يجيب ج1 ص322.

 

[48] - يُنظر:

 

البهلاني، نثار الجوهر ج5 ص13.

 

السالمي، شرح الجامع الصحيح ج2 ص3.

 

[49] - الربيع، باب: في فضل رمضان، رقم الحديث331.

 

[50] - مسلم، بَاب: فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، رقم الحديث 1793.

 

[51] - ابن أبي حاتم، التفسير، باب: قوله: شهر رمضان، رقم الحديث 1670.

 

[52] - يُنظر:

 

البهلاني، نثار الجوهر ج5 ص13.

 

السالمي، شرح الجامع الصحيح ج2 ص 3.

 

الكندي، ماجد بن محمد. دروس في فقه العبادات، صيف 1423هـ/ يوافقه 2002م. مذكرة خاصة ص17.

 

[53] - الربيع، باب: صوم يوم عاشوراء والنوافل ويوم عرفه، رقم الحديث309.

 

[54] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. فتاوى إمام السنة والأصول ص87- 88.

 

[55] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج4 فتاوى: الوقف والوصية ص74.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 رمضان 1421هـ، يوافقه 4/12/2000م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 28 شعبان 1426هـ، يوافقه 2/10/2005م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 11 رمضان 1429هـ، يوافقه 12/9/2008م.