برنامج سؤال أهل الذكر

حلقة السبت 17 من رمضان 1423 هـ ، 23/11/2002 م

 

سؤال :

هناك ظاهرة بدت ملاحظة في هذه الأيام وهي ظاهرة انحسار المصلين من المساجد ومحافظتهم على صلاة التراويح فحسب بينما تختفي تلك الجموع في صلاة الفجر ، نود منكم أن توجهوا نصيحة إلينا وإلى الناس جميعاً في المحافظة على العبادة في هذا الشهر الكريم إلى آخره .

 

الجواب :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

فإن الإنسان وقد أكرمه الله سبحانه تعالى ببلوغ هذا الشهر الكريم جدير به أن يغتنم فرصته ساعة ساعة ودقيقة دقيقة وثانية ثانية ، وأن لا يفرط في شيء منه ، فإن هذا مكسب عظيم ولئن كان التاجر الذي يتاجر في الماديات لا يفرط في أي سبب من أسباب الكسب ، وإنما يحرص على الربح فكذلك من كان يتّجر للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات والأعمال الصالحة عندما يأتي الوقت الذي يضاعف فيه الأجر يجب عليه أن يحرص على أن يستغل جميع أجزاء ذلك الوقت وأن لا يقصر فيه ، على أن هذا الشهر الكريم آخره خير من أوله ذلك لأن آخر هذا الشهر هو مظنة ليلة القدر ، وليلة هي خير من ألف شهر ، ومعنى ذلك أن من حرص على إحيائها والأعمال الصالحة فيها والتقرب إلى الله سبحانه تعالى بضروب الطاعات في وقتها يكسب من الخير والأجر ما لا يكسبه ما لو فعل ذلك في ألف شهر ، فمن الذي يفرّط في هذا الخير العظيم ؟ ومن الذي يزهد فيه ؟ هذا ولا ريب أن المحافظة على صلاة الجماعة في جميع الأوقات هي خير كبير وفضل عظيم وواجب مقدس لأن تلبية داعي الله سبحانه وتعالى عندما يقول حي على الصلاة حي على الفلاح امتثال لأمره سبحانه عندما يقول ( وأقيموا الصلاة ) إذ الإقامة إنما هي الإتيان بالشيء كالجسد القائم المنتصب الذي لا خلل فيه ، ومعنى ذلك أن تكون إقامة الصلاة وفق ما فرض الله سبحانه وتعالى ، ومن جملة إقامة الصلاة أن تكون هذه الصلاة إن كانت صلاة فرض أن تكون في جماعة ، فلذلك كانت ملازمة الجماعة مطلباً شرعياً يجب على الإنسان أن لا يفرّط فيه ، ولئن كانت صلوات الجماعة كلها ذات فضل عظيم فإن صلاة الفجر أعظم أجراً ، وأقرب إلى نيل رضوان الله سبحانه وتعالى عندما يحافظ عليها الإنسان ، فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول : آية ما بيننا وبين المنافقين شهود العتمة الصبح لا يستطيعونهما . فجعل الفرق بين المؤمنين والمنافقين شهود العتمة والصبح ، بحيث إن المنافقين يشق عليهم أن يشهدوا صلاة الفجر في جماعة وأن يشهدوا صلاة العشاء في جماعة ، وكذلك شدّد النبي صلى الله عليه وسلّم في من يتخلف عن هاتين الصلاتين في الجماعة بحيث لا يؤديهما في جماعة إذ قال : لو أن أحدهم وعد بمرماتين حسنتين لشهد العتمة والصبح . هكذا فإذاً من الضرورة أن يحرص الإنسان كل الحرص على أداء الصلوات في الجماعات لا سيما صلاة العشاء وصلاة الصبح ، ولا معنى للتفريط في الصلوات المفروضة والحرص على صلاة السنة وهي صلاة القيام فإن ذلك تضييع إذ النافلة لا تستقيم إلا بالفريضة فمن ضيع الفريضة لم تكن النافلة تجديه شيئا ، وعلى أي حال آخر الشهر كما قلنا خير من أوله من حيث إنه مظنة ليلة القدر كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلّم عندما قال : فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر . ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا دخلت هذه العشر أي العشر الأواخر شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله ، ومعنى كونه يشد مئزره أنه يشمر عن ساعد الجد ويجتهد في العبادة ، ومعنى كونه يحي ليله أنه يواصل القيام في جميع الليل بخلاف حاله في بقية الشهر وفي سائر ألأوقات فإنه يقوم وينام أما في العشر الأواخر فإنه كان يواصل جميع الليل اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلّم وحرصاً منه على بلوغ الفضل العظيم الذي جعله الله سبحانه وتعالى لمن أحيا ليلة القدر ، ولئن كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يفعل ذلك وقد غفر لله ما تقدم من ذنبه وما تأخر شكراً لله تعالى على نعمته فكيف بالعبد الغارق في الذنوب أليس حرياً أن يحرص على تكفير هذه الذنوب بالتقرب إلى الله بقيام الليل ؟ وبالمحافظة على الواجبات في هذا الشهر وفي غيره ، والله تعالى الموفق .

 

سؤال :

هناك من يهون من ظاهرة رجوع المسلمين بعد قضاء رمضان الكريم إلى المنكرات والمفاسد ويؤكد بأنها ظاهرة طبيعية لا تثير القلق ويقول هذا الرجل إن هناك نصوص نبوية تدفع الناس إلى مثل هذا السلوك فالنبي صلى الله عليه وسيقول : إن لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبوا ثم يتوبوا ثم يغفر الله لهم . فهل هذا الحديث وهل هذا الكلام من الصحة بمكان ؟

 

الجواب :

هذا الحديث ليس فيه تشجيع قط على إتيان المعصية ، وإنما هو دليل على أن الحق سبحانه وتعالى يقبل توبة التائبين ، هو إنما يدل على عدم يأس الإنسان المؤمن من رحمة الله ، فهو دائماً يكون متشبثاً بأذيال فضل الله سبحانه راجياً رحمته مع خشيته من عذابه .

 ليس معنى ذلك أن يكون الإنسان مطمئناً لا يخشى عذاب الله بل مهما فعل من بر ومهما فعل من إحسان عليه أن يكون خائفاً من الله وبدون الخوف من الله لا يستقيم عمل الإنسان قط ، فالله تبارك وتعالى يقول ( سيذكر من يخشى ) ، ويقول سبحانه عز وجل ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) ، ويقول تبارك وتعالى ( لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب) فإذن خشية الله تبارك وتعالى لا بد منها ، كما أن الرجاء أيضاً لا بد منه ، لا بد للإنسان من أن يوازن بين الخوف والرجاء ، وليس معنى هذا أن يسترسل في المعصية فإن الإنسان يخشى الله تبارك وتعالى وهو يؤدي طاعة الله ويحرص على تجنب معصية الله كيف والله تبارك وتعالى يقول ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) أولئك يفعلون ما يفعلون من الخير ، ويدفعون ما يدفعون من الفضل ، ويقدمون ما يقدمون من الأعمال الصالحة ولكن مع ذلك قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ولذلك عندما سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن المؤمن أيخشى الله عندما يأتي المعصية ؟ أجابها بأنه يخشى الله وهو يأتي الطاعة بدليل هذه الآية ، أسمعها هذه الآية الكريمة ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) .

هذا ولا ريب أن صيام شهر رمضان إنما شرع من أجل التقوى كما ذكرنا فالله تبارك وتعالى يقول ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) أي للتتقوا . فالغاية من الصيام إنما هي تقوى الله ، كما أنها الغاية من أي عبادة من العبادات هذه الغاية لا تتحقق للإنسان إلا عندما يؤدي الصيام على النحو الشرعي ، ذلك لأن الصيام الشرعي إنما يعود الإنسان الانضباط في حركاته وسكناته وأعماله وخواطر نفسه وجميع تصرفاته وجميع حركات جسمه ، يعوّد الإنسان الانضباط حتى تكون هذه الحركات كلها مقيدة بقيود التقوى بقيود أمر الله سبحانه ، فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول كما جاء في مسند الإمام الربيع من رواية ابن عباس رضي الله عنهما يقول عليه أفضل الصلاة والسلام : ( ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله ) ، وكذلك جاء في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . ومعنى هذا أن هذا الكلام خرج مخرج التهديد لأولئك الذين ليس لهم نصيب من صيامهم ألا أن يدعوا الطعام والشراب وهم مع ذلك يقعون في معاصي الله غير متحرجين وغير مبالين ، فالإنسان إذاً يتعود في الشهر الكريم الانضباط بحسب أوامر الله فهو يحرص على المسارعة إلى طاعة الله وإلى توقي معصيته سبحانه وتعالى بحيث يتجنب الوقوع في أي معصية من المعاصي ، وعندما ينتهي الشهر الكريم عندما يفرّط في هذه المكاسب بحيث يرتمي في حضن الشيطان الرجيم مسترسلاً في معصية الحق سبحانه ، متابعاً لهوى نفسه ، معرضاً عن التذكير الذي جاء في كتاب الله وجاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكون هذا شخصاً خاسرا ، وأي خسران أعظم من هذا الخسران كيف حرص على الصيام الشرعي في شهر رمضان ومع ذلك لم يحرز مكاسب هذا الصيام حتى يكون في جميع وقته في جميع عامه متقيداً بقيود الحق منضبطاً بضوابط الشرع .

لا ريب أن الإنسان تقع منه الهفوات وتقع منه الزلات ولكن من هو المؤمن ؟ من هو التقي ؟ نحن نجد أن الله سبحانه وتعالى وعد الجنة المتقين ولم يعدها الفجار الله تبارك وتعالى يقول ( ولدار خير ولنعم دار المتقين جنات عدن ) هي دار المتقين ، ويقول ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ) هؤلاء المتقون من هم ؟ المتقون وصفوا بصفات هذه الصفات تجدها في كتاب الله ، فالله سبحانه وتعالى يبين أن التقوى قبل كل شيء عقيدة في النفس تسيطر على هذه النفس وتهيمن عليها ، وتتغلغل في أعماق مشاعرها ، ثم بجانب ذلك إنعكاس لهذه العقيدة في تصرفات الإنسان وأعماله حتى تكون هذه التصرفات والأعمال متجاوبة مع هذه العقيدة فنحن نرى أن الله تبارك وتعالى يقول ( هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ) ، ويقول سبحانه عندما ذكر البر ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) أي الذين جمعوا بين هذه الصفات جميعاً هم الذين صدقوا وهم المتقون . كذلك يقول الله سبحانه وتعالى ( قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار )  ، ثم نجد أن الله تعالى أيضاً أيضاً (أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على فعلوا وهم يعلمون ) ، فهم وإن وقعوا في معصية يتراجعون ويتوبون إلى الله ويندمون على تلك المعصية ، كذلك يقول الله تبارك وتعالى ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) ، فهؤلاء سرعان ما يدّكرون ويعودون إلى الله وينقلبون عن المعصية إلى الطاعة تاركين لتلك الهفوات التي وقعوا فيها .

على أي حال شأن المتقي أن يكون حريصاً على أن يتراجع لا يسترسل في هواه ، لو وقع في معصية هو سرعان ما يتوب إلى الله ، لا يستلذ تلك المعصية ويستمرئها ويستمر عليها إنما يتراجع عنها ويرى أن سعادته في تركها ، أما الذي يستمرئ المعصية ولا يبالي بها فذلك هو المصر على معصية الله سبحانه وتعالى .

 هؤلاء المصرون هم أبعد ما يكونون عن رحاب المتقين ، فوقوع المعصية على أي حال من شأن الإنسان ، وليس ذلك بغريب على الإنسان لأن الإنسان جبل على النسيان وجبل على الضعف ، هو ضعيف ، وتيارات كثيرة تؤثر عليه ولكن الله من فضله فتح له باب التوبة ، وهذه التوبة إنما تكون بتراجع هذا الإنسان وندمه على ما فرط ، ولا يعني ذلك أن يستمرئ تلك المعصية ويستمر عليها فإن هذا مما يتنافى كل التنافي مع ما يتصف به المتقون ، بل ذلك مما يتنافى مع الإيمان الذي هو ركيزة التقوى وهو ركيزة النجاة فإن الله تبارك وتعالى قال في المؤمنين ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) ، فهؤلاء هم المؤمنون الذين توجل قلوبهم من هيبة الله سبحانه وتعالى ومن خشيته فلا يمكن أن يستمروا على معصية الله .

 

سؤال :

أحد الأخوة من بريطانيا يقول أحياناً يمسك الوضوء لثلاث صلوات نظراً لشدة البرد هناك ، فهل يصح له ذلك ؟

 

الجواب :

إذا لم يحدث الإنسان وقد توضأ فإنه ولو صلى بوضوئه ذلك خمس صلوات أو أكثر من خمس صلوات لا تؤثر هذه الصلوات على وضوئه شيئاً وليس عليه أن يجدد وضوئه .

 

سؤال :

ما حكم صائم يعاني من وجود البلغم في حلقه طوال النهار ، ليس نخامة غليظة ولا ريقاً كالذي يخرج من حلق الإنسان إذا تنحنح ، وإذا حاول إخراجه كل مرة سيقع في حرج كبير إذ يكون ذلك همه طول النهار ، وماذا يلزمه إذا ابتلعه مع إمكانية أن يطرحه ؟

 

الجواب :

أولاً قبل كل شيء ينبغي أن نفرق بين حالة الشدة وحالة الرخاء ، أو بين حالة الضيق وحالة السعة ، فهذه المسألة هي مختلف فيها من أساسها ، لأن العلماء اختلفوا في ما إذا عارض الإنسان وهو في صلاته أو وهو في صيامه شيء من ذلك ، فمنهم من قال بأن كل ما نزل من الرأس أو صعد من الصدر ينقض الصلاة والصيام جميعا إذا ابتلعه أي إذا بلع شيئاً من ذلك وقد كان قادراً على إخراجه ثم بلعه متعمداً فإنه ينقض صلاته إن كان في صلاته لأن المصلي ليس له أن يتناول شيئاً مما يدخل جوفه وهذا أدخل جوفه غير الريق الطبيعي وكذلك إن كان في صيامه من غير أن يفرق بين ما نزل من الرأس أو ما صعد الصدر .

ومنهم من قال بأن ما صعد هو الناقض بخلاف النازل من الرأس .

ومنهم من قال بعكس ذلك أي ما نزل من الرأس هو الناقض .

 ومنهم من قال بأن ما نزل من الرأس ينقض الصلاة دون الصيام ، وما ارتفع من الصدر ينقض الصيام دون الصلاة .

ومنهم من قال عكس هذا فهناك أقوال متعددة ، ولكن على أي حال أنا ما وجدت دليلاً من هذه الأقوال ما عدا أن الإنسان في الأصل يمنع في صيامه وللصلاة حكم الصيام أن يولج إلى جوفه شيئاً مما لا يضطر إليه ، يضطر إلى أن يولج الريق ولا يستطيع أن يتخلص منه أما لو كان الريق مشوباً بدم فإنه في هذه الحالة ليس له أن يولجه إلى جوفه ، ولو كان مشوباً أيضاً بمادة أخرى من دواء أو غير ذلك لما كان له أيضاً أن يبتلعه ، فعلى أي حال بناء على هذا نحن نرى أنه في حالة السعة ينبغي التشديد في هذا أما في حالة الضيق فإن المشقة تجلب التيسير ، ومن القواعد الفقهية عند بعض الفقهاء أن الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق ، والله تعالى أعلم .

 

سؤال :

يقول النبي صلى الله عليه وسلّم ( فإذا غم عليكم فاقدروا له ) ، على التسليم بهذا الحديث ألا يفسره الحديث الآخر وهو قول النبي صلى الله عليه وسلّم ( نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) فلو كان علم الفلك متطوراً في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم وبهذه الدقة التي عليها اليوم أما يعوّل عليه النبي صلى الله عليه وسلّم بدلاً من الرؤية ؟

 

الجواب :

قبل كل شيء علينا أن ندرك أن الدين يسر ، ومن يسر الدين أن الله تبارك وتعالى ناطه بما هو معروف عند جميع الناس بحيث لا يكلف الإنسان عسرا ، فكما ناط الله تبارك وتعالى صلاة الظهر بزوال الشمس وزوال الشمس أمر معروف عند جميع الناس يعرفه الصغير والكبير والمرأة الرجل والشيخ والشاب والمتعلم وغيره لا فرق بين المتعلم والأمي في ذلك فكذلك أمر الصيام ، نيط الصيام برؤية الهلال لأن رؤية الهلال مما يشترك فيه الكل ، يشترك فيه الذكور والإناث والصغار والكبار والأميون والعلماء الكل مشترك في ذلك فلا فرق بين هذا وذاك بخلاف الحساب الفلكي فإن حساب الفلك إنما هو خاص بأناس ، نحن نقدر شعباً مقدار سكانه مليون شخص كم من الذين يتقنون الفلك ما بين هؤلاء ؟؟ لا ريب أنه لا يوجد إلا النزر اليسير اليسير ، بل الشاذ ما بين هذا الجمع الكبير من هو متقن لعلم الفلك ، مع أنه هذه العبادة تُعبد بها الجميع تعبد بها الصغير والكبير والغني والفقير والمتعلم والجاهل كل متعبد بعبادة الصيام ، فلذلك كان من فضل الله تعالى أن نيطت هذه العبادة بأمر معروف عند الكل بخلاف لو كان ذلك منوطاً بحساب الفلك لكان أمراً فيه عسر بالغ .

هذا والنبي صلى الله عليه وسّلم عندما قال ( فإن غم عليكم فاقدروا ) بيّن معنى ذلك في رواية أخرى عندما قال : ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) . فإنه في هذا الحديث بيّن المراد بقوله ( فاقدروا ) ولم يبق  هنالك شك في معنى ذلك ، وقول النبي صلى الله عليه وسلّم ( نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) إنما ذلك بالنظر إلى الجمهور إلى الدهماء والكل متعبد ، فلذلك كما قلنا نيط هذا الأمر بقضية معروفة عند الجميع .

 أما ما يشكك الناس من أجله أو أن يكون الهلال مرتفعاً أو أن يكون الهلال كذا أو كذا فهذا أيضاً أمر محسوم في السنة النبوية كما جاء رواية مسلم من طريق ابن عباس أنهم كانوا في سفر إلى مكة فلما كانوا بذات نخلة رأوا هلال ذي الحجة ، فمنهم من قال هو لليلتين ومنهم منى قال هو لثلاث يعني رأوه مرتفعاً جداً فقال بعضهم هو لليلتين وقال بعضهم هو لثلاث ، فقال ابن عباس : هو لليلة رأيتموه فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : إن الله عظّمه لكم لتروه .

ومعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلّم بقوله هذا أراد أن يقطع دابر الشك حتى لا يدخل الناس في التخمينات التي من خلالها يكونون مغالين في أمر دينهم إذ الغلو غير محمود ، ونحن لا نشك أن هنالك دقة في الحساب الفلكي في وقتنا هذا ولكن لا ينبغي الخروج عن مقتضي السنة ، بل ينبغي الجمع بين هذا وذاك ، بين معطيات العلم الحديث وبين السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، والجمع إنما هو بالأخذ بالحديث في الصوم برؤية الهلال والإفطار برؤية الهلال ومع الغيم يكون الإكمال كما أمر الحديث ، وفي نفس الوقت يؤخذ بالحساب الفلكي في دفع شهادة الشهود عندما يدّعون رؤية الهلال مع استحالة أن تتحقق هذه الرؤية ، فإنه مع كونه غير مولود أو ولد ولا يمكن أن يُرى لأجل أنه مع الشمس أو وراءها بالمرة وقد خفي بسبب ضوء الشمس في هذه الحالة يتعذر أن يُرى الهلال في هذه الحالة فينبغي أن يجمع بين هذا وذاك وبهذا نأخذ وعليه نعول ، والله تعالى المستعان .

 

سؤال :

هل هناك مسافة معتبرة فلكياً تفصل بين بلدة وأخرى بحيث أنها تعني اختلافاً في المطالع ؟

 

الجواب :

حقيقة الأمر نحن نرى حديث ابن عباس الذي رواه كريب رضي الله تعالى عنه يدل على أن المسافة إذا تباعدت كبعد الشام عن الحجاز يعتبر هذا التباعد ، وإن كان العلماء قد اختلفوا في ذلك اختلافاً كثيراً كما أوضحه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ذكر اختلافاً للعلماء منهم من قال بأن الفرق إنما يكون باختلاف الأقاليم ، ومنهم من قال باختلاف أي البلدان بين بلد وآخر ، ومنهم من قال بقدر مسافة القصر ، ومنهم من قال باختلاف المناطق سهلاً وجبلا  . الخلاف موجود بين العلماء ولكن على أي حال الاختلاف إنما يراعى الاختلاف الطبيعي الذي يترتب عليه الاختلاف في الرؤية فحديث كريب جاء فيه : أرسلتني أم الفضل بنت الحارث والدة عبدالله ابن عباس إلى معاوية بالشام فاستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام فلما قضيت حاجتها ورجعت إلى المدينة ثم قال لي : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة . فقال لي : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية . فقال : ولكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نرى الهلال . فقلت : أو ما تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم . ومثل هذا القول عندما يصدر من الصحابي يعطى حكم الرفع ، إذ الصحابي لو قال كنا نؤمر أو كنا ننهى لكان ذلك بطبيعة يدل على أن الآمر أو الناهي إنما هو رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام فكيف وقد صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلّم هو الذي أمر .

وحقيقة الأمر أنا لا خبرة لي بعلم الفلك ، وهذا أمر ينبغي للإنسان أن لا يقحم فيه نفسه إلا بعد ما يكون به خبيرا ، ولذلك أقول دائماً بأن أصحاب كل اختصاص هم أولى باختصاصهم ، فالفلكيون هم أولى بأن يعتبر ما يقولون في هذا ، وكذلك في المجالات الاقتصادية وغيرها لا يبت فيها الفقهاء إلا بعدما يفهمون ما عند هؤلاء الخبراء في القضايا الاقتصادية وهكذا في القضايا الطبية لا بد من تتلاقح الأفكار بناء على تلاقح الخبرات في هذا . وعلى أي حال وجدت لبعض الفلكيين أن مسافة خمسمائة ميل تؤدي إلى التفاوت في الرؤية ، ولعل المراد بخمسمائة ميل خمسمائة ميل جوي لأن خمسمائة ميل أرضي تختلف باختلاف طبيعة الأرض من حيث التضاريس والجبال وغيرها فقد تكون خمسمائة أحياناً مسافتها قصيرة وقد تكون مسافتها ممتدة ولكن في ما أحسب بأن هذه مسافة  خمسمائة  ميل جوي أو خمسمائة بحري بحيث يكون السير مستوياً لا تعارج فيه ، هذه المسافة تؤدي إلى الاختلاف في رؤية الهلال حسب ما وجدت لبعض الفلكيين ، والفلكيون هم أولى بفنهم هذا ، والله تعالى أعلم .

 

سؤال :

فيمن يرى الهلال ويتشكك في رؤيته فلا يحمله ذلك على الإبلاغ وإنما يقول أنا لا أستطيع أن أتحمل هذه المسئولية ، فهل يجوز له ذلك ؟

 

الجواب :

لا ، لا ، لا ، هذه أمانة في عنقه فعندما يرى الهلال يجب عليه أن يبلغ المسؤولين حتى ينظروا في شهادته إما أن تكون مقبولة وإما أن تكون مردودة ولعل شهادته تتعزز بشهادة غيره ، الله تعالى أعلم.

 

سؤال :

ما حكم من وجبت عليه كفارة وهي صيام شهرين ولكنها الآن ترضع وتخشى الضرر إن صامت ولا تنتهي مدة الرضاع إلا بعد سنة ، هل يجب عليها الآن ، وإن أرادت أن تتعجل في أداء ما وجب عليها هل يجوز لها أن تطعم ستين مسكينا بدلاً من الصيام ؟

 

الجواب :

إن كانت الكفارة منوطة بالصيام فعليها أن تصوم ولو بعد حين وإنما تؤخر ذلك إلى فراغها من هذا الشاغل إلا عندما تكون غير راجية للفراغ من هذا الشاغل بحيث إنها لو خرجت من الرضاع تتوقع الحمل وتستمر هكذا أحوالها فلا تستطيع الصيام ففي هذه الحالة لها العذر أن تطعم ستين مسكينا فيما يجوز فيه الإطعام ، والله تعالى أعلم .

 

سؤال :

عن صحة حديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم مر على حمار قد وشم في وجهه ؟

 

الجواب :

على أي حال وجدت هذه الرواية لكنني لا أعرف مدى صحتها ، والله تعالى أعلم .

 

سؤال :

هل يشترط في بيع السلم أن يكون البائع مالكاً للمبيع ، أم يجوز السلم في شيء لم أشتره بعد ؟ وما الفرق بينه وما بين بيع ما لم تملك ؟

 

الجواب :

السلم رخصة رخصّها النبي صلى الله عليه للناس من أجل حاجتهم ، ذلك لأن أحوال الناس تقتضي أن يُسلم أحد في شيء يريده ويأخذ المستلم ذلك المبلغ إلى أن يتوفر له المبيع الذي باعه للمسلم ، فالسلم إنما هو بيع غائب بحاضر . السلم ليس هو كالبيوع الأخرى إنما هو بيع مستقل بحكمه فقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة ووجد أهلها يسلمون في الأطعمة التي كانت تزرع عندهم فاشترط النبي صلى الله عليه وسلّم أن يكون ذلك بكيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم ، وأقرهم عليه أفضل الصلاة والسلام على هذا . وعلى هذا فهذا تخصيص لعموم النهي عن بيع الإنسان ما لم يملك ، والمخصصات عندما ترد على العمومات فإنه يؤخذ بالخصوص ، ويبقى العموم حكمه فيما لم يتناوله الخصوص . والخصوص يكون بالكتاب ويكون بالسنة بل ويكون بالإجماع بل ويكون بالقياس كما هو رأي كثير من العلماء .

وقد اختلف العلماء في السلم هل هو مقيد بالحبوب وحدها دون غيرها أو أنه يترخص في كل ما يمكن أن ينضبط بضوابط ، منهم من رأى أنه خاص بالحبوب لأن ذلك هو الذي رخّص النبي صلى الله عليه وسلّم ولأنه قيد الإباحة أن تكون بوزن معلوم أو كيل معلوم ومن المعلوم أن الوزن أو الكيل إنما هما خاصان بهذه الحبوب التي يقتات بها .

 ومنهم من رأى الإباحة مطلقا . فالذين قيدوا هذه الإباحة بمورد النص وحده قالوا بأن كل ما كان خارجاً عن القياس فإنه غيره عليه لا يقاس . لا يقاس الشيء على غيره إن كان الأصل خارجاً عن القياس ، والسلم هو خارج عن القياس .

 أما الذين رأوا الترخص في هذا والتوسع فإنه رأوا أن التوسع إنما كان لأجل حاجة الناس ، ومعنى هذا أن الحاجة ينبغي أن تراعى .

وفي زماننا هذا أصبحت الضرورة تقتضي أن يتوسع الناس في أحكام السلم فإنه قد يحتاج أحد إلى أن يستورد من بعيد ، يحتاج التاجر مثلاً إلى أن يستورد ، أو تحتاج الدولة إلى أن تستورد ، قد تحتاج إلى استيراد أسلحة أو استيراد آلات ، أو استيراد السيارات ، أو استيراد طائرات أو استيراد أي شيء فعندما يغلق هذا الباب يصبح الأمر عسيراً بخلاف ما إذا توسع فيه وقيدت ذلك بما هو معروف الآن من ضبط هذه الآلات بضوابط معروفة ، ضوابط لا يمكن أن يخرج شيء منها عنها ، هي ضوابط في منتهى الدقة ، فلذلك نحن نرى الترخص في هذا ونأخذ لن الحديث لم يمنع من الإسلام في غير الحبوب ، وهنالك على أي حال مجال للحديث في هذا ، ولكن نظراً على ضيق الوقت نقتصر على هذا ، ونسأل الله تعالى التوفيق .

تمت الحلقة بعون الله وتوفيقه

* * *

السؤال(7)

 

امرأة استخدمت العطر وهي صائمة فأحست منه شيء في حلقها ، فماذا عليها ؟

 

الجواب :

إن كانت لم تقصد ذلك وإنما وصل إلى حلقها خطأ ، وحاولت أن تبصق وأن تتنحنح وأن تبصق بعد ذلك لإخراج آثار ذلك العطر الذي وصل إلى حلقها فأرجو أن لا يكون عليها حرج إن شاء الله .

 

السؤال(9)

رجل مقيم في قطر ولكنه من بلد آخر فهل يرسل زكاة فطره إلى ذلك أصحاب بلده ؟

 

الجواب :

إن أنفقها في مكان إقامته فذلك خير ، وإن وكّل من ينفقها عنه وعن عياله في بلده فذلك أيضاً خير وهو جائز و لا حرج في ذلك ، وإن أنفق زكاة نفسه في البلد الذي يقيم فيه وأرسل إلى عياله النفقة لينفقوا الزكاة التي تتعلق بهم هنالك في البلد الذي هم مقيمون فيه فذلك أيضاً خير ولعل هذا أفضل لأن هذه الزكاة طهرة للصائم وهو موجود في بلد غير بلده ، وفي كل من ذلك خير إن شاء الله .

* * *

 

سؤال أهل الذكر 

حلقة 28 رمضان 1423 هـ، 4/12/2002م

 الموضوع : أحكام العيد

السؤال(1)  ما هو مغزى العيد ومقاصده في الإسلام ؟ 

الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :  فإن العيد مأخوذ من العود ، لأن العيد مناسبة تعود وتتكرر، هي مناسبة حولية فلذلك سمي العيد عيدا، وقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة ووجد الأنصار كانوا في أيام جاهليتهم لهم يومان يلعبون فيهما فأخبرهم النبي عليه أفضل الصلاة والسلام بأن الله أبدلهم بذينك اليومين يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، فكان في هذين اليومين الشريفين بديل عما كان للناس في أيام الجاهلية .  ويوم عيد الفطر هو يوم الجائزة ذلك لأن المؤمنين كدوا نفوسهم وأتعبوها في الصيام والقيام ، قضوا شهر رمضان بين صيام وقيام فهم يصومون نهاره ويقومون ليله، ويتقربون إلى الله في ليلهم ونهارهم بأصناف الطاعات وصنوف القربات، يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى بتلاوة كتابه الكريم، ويتقربون إليه بالصدقات ويتقربون إليه بكل ما فيه صلة بينهم بين أقاربهم وما فيه صلة بينهم وبين أبناء ملتهم، وما فيه صلة بينهم وبين جيرانهم إذ لرمضان آثار تنعكس على صلة الإنسان بأي أحد بذوي القربى وبالجيران وبأبناء الملة .  وهذا كله يفهم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم، فالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام كان يجمع في شهر رمضان المبارك بين العناية بالقرآن والعناية بفعل الخير، فمن عنايته بالقرآن أنه كان يدارسه جبريل عليه السلام يعرض عليه القرآن في شهر رمضان، وكان في هذه الحالة أجود بالخير من الريح المرسلة كما جاء ذلك من طريق ابن عباس رضي الله عنهما.  فعندما يفعل المؤمن ذلك اقتداء بفعل النبي عليه الصلاة والسلام لا ريب أنه يكون قد شغل نفسه في شهره بهذه الطاعات العظيمة، شغل نفسه بالطاعات البدنية التي تتمثل في الصيام والتهجد وفي الاعتكاف وفي تلاوة كتاب الله ، وشغل نفسه بالطاعات المالية من خلال الصدقات التي يتصدقها على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات ومن خلال الصلات التي يصل بها جيرانه ويصل بها أرحامه فلذلك كان حرياً بهذه الجائزة.  وقد جعل الله سبحانه وتعالى يوم عيد الفطر يوم الجائزة، فهذه الجائزة لعباد الله أن ينعموا بهذه الفرحة بعدما أدوا ما أدوه، ولا ريب أنهم تغمرهم السعادة عندما يلتقون في مصلى العيد متصافين متصافّين متصافحين متوادين متعاطفين متراحمين، على أن يكون هذا اللقاء في ظل العبودية لله سبحانه وتعالى، فالعبودية لله هي أمر ملازم لهم فكما كانوا في شهر رمضان يجسدون عبوديتهم لله تعالى بطاعتهم لله في الصيام والقيام والاعتكاف وأنواع القربات وصنوف الطاعات كذلك تتجسد عبوديتهم لله سبحانه وتعالى في يوم العيد في افتتاح أعماله بزكاة الفطر أولاً ثم بالصلاة لتكون العبادات المالية والعبادات البدنية مصاحبة لهم، فزكاة الفطر من صنوف العبادات المالية، والصلاة من صنوف العبادات البدنية.

 

على أن ذكر الله تعالى يلازمهم فإن من رأى هلال العيد كان حقاً عليه كما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن يلزم التكبير والتحميد والتهليل حتى يخرج الإمام إلى المصلى، فابن عباس هكذا يروى عنه بأنه حقاً من رأى هلال العيد أن يقوم بالتكبير والتحميد والتهليل إلى أن يخرج الإمام إلى المصلى .   ومعنى هذا أن الناس عندما يخرجون إلى المصلى ينبغي لهم أن يخرجوا مكبرين الله تبارك وتعالى يرددون تكبيره ويرددون مع ذلك التهليل والتحميد ليكون ذلك شعاراً لهذه الطاعة العظيمة التي أطاعوها ربهم سبحانه وتعالى .  ثم مع هذا كله فإن هذه القلوب وهي قلوب العباد قلوب تتأثر بالمؤثرات الكثيرة من خلال احتكاك الناس بعضهم ببعض، ولربما كانت هذه الآثار تترك في النفس أوغاراً وأحقاداً ولكن عندما يؤدي الإنسان هذه الصلاة والناس كلهم أي أبناء الحي الواحد أو أبناء البلد الواحد كلهم يكونون في اجتماع يؤدون الصلاة جميعاً فإن هذه القلوب تتصافى بهذا اللقاء الطيب مع هذه الفرحة الغامرة التي تعم الصغير والكبير والغني والفقير والقريب والبعيد فينعم الكل بما ينعمون به من البهجة الغامرة وينعمون أيضاً بالمصافاة بينهم فيتواصلون، يذهب هذا إلى ذاك وذاك إلى هذا ليتم التواصل بينهم باستمرار، وليكون في هذا ربط بين كل واحد وأخيه حتى لا تنفصل هذه العروة التي تشد كل واحد من المسلمين إلى الآخر، فهذه من حكم مشروعية العيد ومشروعية أحكام العيد المبارك .

 

السؤال(2)  لكنه قد يفهم البعض العيد على أنه فرصة لهذه النفس لتمارس من الأعمال ما كانت ممنوعة عنه من قبل وتطلق لنفسها العنان في ممارسة اللهو الذي تشاء احتجاجاً بأن العيد فرحة وبهجة وبأن الإنسان لا ينبغي أن يكبت نفسه أو أن يصدها عن تشتهيه في مثل هذا اليوم . فهل فرحة العيد في الإسلام تعني هذا كله ؟

 الجواب : فرحة العيد حقيقة الأمر لا تعني الانفلات من الإنسان عن حدود الدين وأحكامه، بل فرحة العيد إنما هي في إطار أحكام الدين الحنيف، لا تخرج الفرحة عما شرع الله تبارك وتعالى إلى ما لم يشرعه، لا الفرحة تخرج عن حدود ما أباح إلى ما لم يبحه.  نعم لا ريب أن هذه الفرحة يكون معها ما كان ممنوعاً من الطعام والشراب والصلة بين الأزواج كل من ذلك مباح بعد أن كان في نهار رمضان ممنوعاً .   ولا يجوز الصيام في يوم العيد بالإجماع من غير خلاف لأنه يوم ضيافة الله تبارك وتعالى فحرم صيامه، لأن في صيامه رداً لهذه الضيافة من الله العزيز العليم، وهذا لا يعني أن يبيح الإنسان لنفسه المحجورات .  أما تلكم الفكرة التي تراود الناس الغافلين عن ذكر الله تبارك وتعالى من أن العيد فرصة لأن يرتمي الإنسان في أوحال الشهوات الدنيئة وأن يرتكب ما يرتكب من المحظورات، هذه الفكرة مردودة على أصحابها ومن بين أولئك الشاعر الذي قال :

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق

بالأمس قد كنا أسيري طاعة *** واليوم منّ العيد بالإطلاق

الطاعة على الإنسان أن يصاحبها في كل الأوقات وإلا فما فائدة صيامه رمضان مع أن صيام شهر رمضان يكتسب به الإنسان كما قلنا تقوى الله تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، فلما كانت الغاية من الصيام التقوى فما بال الإنسان يفرط في التقوى بعد أن ينتهي شهر رمضان بل في أول يوم يستقبل فيه أيام الفطر، هذه خسارة ليست بعدها خسارة ومن قال مثل ذلك القول يعد من الأغبياء غباوة لا تزيد عليها غباوة . 

 

 السؤال(3)  الزوجة في يوم العيد قد يحصر البعض دورها في إعداد الطعام وفي التجهيز وفي أمور كثيرة تخدم الرجل في حين أنها هي بنفسها لا تجد طعم العيد لأن الزوج مهتم في ذلك اليوم بنفسه فلا يقدم لها ما يبهجها وما يجعلها تشاركه هذه الفرحة، فهنالك توجيهات معين في هذا الجانب ؟

 الجواب : لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، لا ينبغي أن يكون الأمر محصوراً في إعداد الطعام والشراب وفي إجهاد النفس بمثل هذه الأمور وحدها، إنما هناك أيضاً لقاء بين الزوجين، هناك فرحة غامرة هناك لقاء بين الأب والأولاد، هناك لقاء بين رب الأسرة والأسرة، هناك تعاطف ينبغي للإنسان أن يشعر الآخرين بالرحمة وبالشفقة عليهم وبالسرور لسرورهم ويحرص على إدخال البهجة عليهم بقدر المستطاع حتى تكون الأسرة أسرة متفاعلة يتفاعل بعضها مع بعض بحيث تكون مترابطة برباط الإيمان والتقوى . 

 

السؤال(4)  ما هي الأعمال التي يصنعها المسلم في يوم العيد بداية من الصباح إلى أن يؤدي الصلاة؟

 الجواب :  ينبغي للإنسان عندما يصبح أن يستحم يتنظف، وأن يتناول شيئاً من الطيب، وأن يتوضأ بطبيعة الحال، وأن يؤدي زكاة الفطر إن كان لم يؤدها في الليل ليلة العيد، وأن يخرج إلى المصلى وهو يردد تكبير الله تعالى وتهليله وتحميده، ثم بعد ذلك ينتظر في المصلى وهو يردد التكبير حتى يخرج الإمام إلى المصلى، فإذا جاء الإمام إلى المصلى فلتصطف الصفوف وليؤدوا الصلاة ثم يكون بعد ذلك التصافح بين الناس بحيث تكون يتصافحون جميعاً ويتوادون ويظهر بعضهم لبعض البشاشة والفرحة والبهجة.  ثم بعد ذلك تكون الزيارات فيما بينهم يتزاور الأقارب ويتزاور الجيران ويتزاور الأصدقاء من أجل أن يشعر الكل بأن الفرحة غمرت الجميع وأن يشعر الكل بأن الصلة تتمثل بمثل هذه المناسبات، وأن الكل ينظر إلى غيره نظرته إلى نفسه بحيث تكون المشاعر متحدة وتكون العواطف جياشة رغبة في التواد والتراحم والتلاحم هكذا ينبغي أن يكون الناس في ذلكم اليوم المبارك .

 السؤال(5)  نطلب منكم تهنئة خاصة مباركة مع الدعاء بالنصر والثبات إلى شعب القدس الشريف الذين يحاصرون في هذه الأيام من قبل أعدائهم بحيث يجب علينا أن لا ننساهم في هذه الأيام المباركة. 

الجواب : أسأل الله تبارك وتعالى لهم النصر والتأييد، وأن يرفع عنهم الكبت، وأن يفك عنهم الأغلال، وأن يؤيدهم ويثبت أقدامهم ويجعلهم من المنصورين المؤيدين، وأرجو الله تبارك وتعالى أن يعيد عليهم هذا العيد السعيد مرة أخرى ومرات أخرى وقد فك الله تبارك وتعالى عنهم الأغلال ورفع عنهم كابوس الظلم وجعلهم منصورين ينعمون بالحرية والاستقلال والاستقرار والطمأنينة في بلدهم، وقد تحررت بلدهم من الطغيان والاحتلال البغيض، وأن يعيدهم الله تبارك وتعالى إلى أماكنهم ومساكنهم مؤيدين مظفرين مطمئنين إنه تعالى على كل شيء قدير، وأهنيهم بالعيد السعيد وبالجهاد المظفر، وأسأل الله تبارك وتعالى لهم أن يكتب لهم النصر

 

 السؤال(6)  كيف تؤدى هي صلاة العيد باختصار؟

 الجواب : صلاة العيد هي صلاة بركعتين وتكبير، واختلف في هذا التكبير على أحد عشر قولاً ، ونحن لا نريد أن ندخل في هذه التفاصيل فكل أحد يتبع ما كان ينهجه وما استقر عليه العمل عنده ، ويخطب فيها بخطبة أو بخطبتين بعد الصلاة، وهذه الخطب تبدأ إما بالحمد ثم التكبير أو بالتكبير ثم بالحمد فكل من ذلك لا حرج فيه، وفي هذه الخطبة يكون التذكير بهذه البهجة ويكون التذكير أيضاً بمكاسب الصيام التي أحرزها العبد المؤمن، ويكون فيها شيء من الشرح لزكاة الفطر، وكذلك تُهيأ النفوس لاستقبال أشهر الحج والمشاعر المعظمة من أجل أن حفز الهمم لمن أراد الحج في الأيام المقبلة، وكذلك في هذه الخطبة الأمر بالطاعات والأمر بالصلة والأمر بالتقارب والأمر بالألفة والأمر بالتواد والتراحم والتلاحم بين عباد الله المؤمنين لتكون الأمة المسلمة أمة واحدة قوية مترابطة متآلفة يحرص كل فرد من أفرادها على خير جميع أفرادها لتنعم هذه الأمة بالاستقلال ولتنعم بالحرية ولتنعم بالخير بمشيئة الله تعالى . 

 السؤال(7)  هل على المرأة صلاة العيد ؟

 الجواب : صلاة العيد يؤمر أن يخرج إليها الكل، الرجال والنساء، على أن تكون النساء عندما يخرجن لصلاة العيد غير متطيبات وغير متزينات، أو أن تكون زينتهن مستورة لا تظهر للرجال ولا يُسمع جرسها حتى لا تؤثر على خيالهم وإنما تبقى هذه الزينة مستورة .   وأمر النبي صلى الله عليه وسلّم أن تخرج العواتق وأن تخرج حتى الحيّض لصلاة العيد ولكنهن يعتزلن المصلى ذلك من أجل هذه البهجة لتكون هذه البهجة شاملة بهجة مشتركة. فمع الإمكان بحيث تؤدى الصلوات في مصليات يمكن للنساء أن يجدن مكاناً فيها فإنه ينبغي للنساء أن يخرج إلى هذه المصليات، كذلك إن كانت تؤدي في مساجد وهذه المساجد فيها أماكن لصلاة النساء فإنهن يؤمرن أن يخرجن إلى هذه الصلاة ليشاركن الرجال فرحتهم وبهجتهم لأنهن شاركنهم في الصيام والقيام فكذلك يشاركنهم في عيد الفطر يوم الجائزة ويشاركنهم في التوجه إلى الله تبارك وتعالى بهذه الطاعة العظيمة التي هي رمز العبودية عبودية الناس لربهم تبارك وتعالى .

 السؤال(8)  إذا كان العيد في يوم الجمعة هل تقوم صلاة العيد مقام صلاة الجمعة ؟ 

الجواب : حقيقة الأمر عذر بعض الناس أي بعض العلماء المصلين عن حضور الجمعة بسبب اشتغالهم يوم العيد ، ورأى أن صلاة العيد تكفي لا عن أداء فرض الظهر ولكن عن أداء فرض الجمعة مع أداء فرض الظهر بدلاً من فرض الجمعة، هذا هو رأي لبعض العلماء، ولكن مع هذا فإن الرأي الصحيح بأن صلاة العيد لا تؤثر على الجمعة إذ الجمعة فريضة مستقلة والعيد سنة مؤكدة والسنة لا تقوم مقام الفريضة، هذا هو القول الراجح، والله تعالى أعلم .

 السؤال(9)  هل وردت سنة ما يدل على أن الأطفال يهدوا هدايا أو ما يسمى بالعيدية في يوم العيد ؟  الجواب : ورد في السنة ما يدل على تفريح الأطفال ومن جملة التفريح تقديم الهدايا إليهم، فهذا من إدخال البهجة على قلوبهم فلذلك ينبغي للإنسان أن يفعل ذلك فيؤجر على ذلك .يتبع بإذن الله تعالى          

السؤال(10)  ما هي نصيحتكم للنساء اللواتي يتبرجن في يوم العيد بحجة أن اليوم يوم عيد ويجوز فيه كل شيء حتى مصافحة الأجانب ؟

  الجواب : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يوم العيد لا يعني هدم ما بناه العبد في شهر رمضان المبارك، وإنما يوم العيد هو يوم الفرحة لإحراز المكاسب مكاسب شهر رمضان المبارك، فما للإنسان يعرض هذه المكاسب للتلف.  إن يوم العيد يوم تجب فيه طاعة لله والتقيد بأوامره وعدم الوقوع في مناهيه كسائر الأيام. لا يعني العيد إطلاق النفس لترعى في المراعي الوبيئة هذا غير سائغ، فالمرأة مطالبة بألا تتبرج تبرج الجاهلية سواء كانت في أيام العيد أو في غير أيام العيد، الحجاب الشرعي واجب على المرأة على أي حال سواء كان ذلك في يوم العيد أو في غيره فالله تبارك وتعالى لم يخص يوم العيد مما شرعه وفرضه على النساء بقوله ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)، وما شرعه بقوله سبحانه ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59) .  فلا معنى لهذه الإباحة إباحة أن تتبرج المرأة ، ولا معنى لإباحة أن تصافح رجلاً أجنبياً لأن المصافحة من أسباب الفتنة ما بين الرجل والمرأة خصوصاً عندما تكون بين رجل وامرأة شابة أو بين شابين كل من ذلك مثار للفتنة، وعلى أي حال المصافحة ما بين الجنسين ممنوعة إلا أن تكون مصافحة بين رجل وذات محرم منه، أما المرأة الأجنبية فلا يجوز له أن يصافحها، ولا يجوز لها أن تصافحه، بل عليهما أن يمتنعا من ذلك .  ثم مع ذلك كله نحن نجد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر النساء عندما يخرجن إلى صلاة العيد أن تستعير المرأة من جارتها جلباباً إن لم يكن عندها جلباب ذلك كله لأجل الصون ولأجل الستر فلو كان يباح التبرج لما كان معنى لأمرهن بأن يستعرن الجلابيب، كذلك نجد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى النساء عندما يشهدن المصلى عندما يشهدن صلاة العيد أن يخرجن إلا وهن على غير زينة وعلى غير طيب، كل هذا مما يدل على أن يوم العيد حكمه كحكم غيره من الأيام لا يباح فيه ما حرم في غيره من الأيام من إبداء المرأة زينتها لغير زوجها وذوي محارمها، والله تعالى أعلم .

 

 

 السؤال(11)  شخص يعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة وسيكون غداً في وطنه عمان إلى الساعة التاسعة صباحاً وسوف يستأنف عمله في الإمارات في الساعة الواحدة ظهراً وفي حالة ثبوت رؤية الهلال وكان يوم غد يوم عيد في الإمارات هل يواصل إمساكه أم يفطر عندما يصل إلى هناك ويقوم بإبدال هذه اليوم ؟

 الجواب : إن كان صام ثمانية وعشرين يوما وثبتت الرؤية في البلد الذي انتقل إليه ثبوتاً شرعياً ففي هذه الحالة يفطر ثم يقضي بعد ذلك يوماً مكان ذلك اليوم .

 

  السؤال(12)  هو يكون في الصباح هنا في السلطنة غداً ثم يذهب إلى هنالك فهل عندما يذهب إلى هناك يفطر ؟

  الجواب :  نعم إذا ثبتت الرؤية هناك .

 

  السؤال(13)  إذا صمنا نحن ثلاثين يوماً وبعض الأخوة صاموا في دول أخرى فهل يصوموا معنا اليوم الحادي والثلاثين ؟

 الجواب : هذه المسألة اختُلف فيها وهذا كله منوط برؤية ثبوت هلال رمضان في تلكم البلدان ، فمع ثبوت ذلك ثبوتاً شرعياً إذا انتقل إلى بلد آخر تأخر صيامه واستمر الناس على الصيام حتى جاء اليوم الحادي والثلاثين بالنسبة إليه ففي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، منهم من قال بأنه يفطر ولا يصوم أكثر من ثلاثين يوماً لأن الشهر إما أن يكون تسعة وعشرين وإما أن يكون ثلاثين وهو في حكمه قد مضى شهره لأن صام ثلاثين يوماً، ومنهم قال لا، بل عليه أن يستمر على صيامه نظراً إلى أنه انتقل إلى بلد آخر وبانتقاله إلى البلد الآخر كان حكمه حكم أهل ذلك البلد وهذا مما استدل له القائلون به بقول النبي صلى الله عليه وسلّم : الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون. ولكل واحد من القولين وجه وجيه، والله تعالى أعلم . 

 

 السؤال(14)  نحن طلبة عمانيين ندرس في بريطانيا وقد انقسمنا إلى فريقين فريق صام مع أغلبية الناس هنا وفريق نصح أن يتم شعبان ثلاثين يوما فصام بعد يوم من معظم المسلمين في بريطانيا أي في نفس اليوم الذي صام فيه الناس في السلطنة وقد أعلن العيد هنا بأنه سيكون يوم غد ، ماذا يجب علينا مع العلم بأنه لا يمكن أن نفطر غداً مع باقي المسلمين في بريطانيا لأننا صمنا فقط ثمانية وعشرين يوماً وتتعذر مشاهدة الهلال هنا لسوء الأحوال الجوية .  

 الجواب : في هذه الحالة إذا كان الإنسان في بلد آخر فإنه حكمه حكم أهل ذلك البلد ، لا يكون حكمه حكم أهل بلدته لأنه خرج من بلدته، فحكمه حكم أهل البلد الآخر في كل شيء في مواقيت الصلاة وفي مواقيت الصيام، لأن هذه الفرائض نيطت بأحوال طبيعية كما قلنا ذلك مراراً، هي منوطة بأحوال كونية طبيعية معروفة . فلا معنى لئن يتقيد الإنسان بصيام أهل بلده أو بفطر أهل بلده أو أن يتقيد بميقات الصلاة في بلده أو ميقات الصيام في بلده ، أي طلوع الفجر في بلده وغروب الشمس في بلده، فإن هذه الأمور ليست معقولة قط فضلاً عن أن تكون مشروعة، هو في بلد آخر وقد نيطت هذه الأعمال بأمور طبيعية فعليه أن يتقيد بما فرض عليه من التقيد به من مراعاة هذه الأمور الطبيعية، وعليه فإن ثبتت رؤية الهلال هناك فعليه أن يفطر بطبيعة الحال كما أن ثبوت رؤية هلال رمضان تقتضي أن يصوم ولا معنى لتأخره عن صيام أهل ذلك البلد لأجل مراعاة الصيام في بلده .  أما مع عدم ثبوت ذلك ومع تعذر ثبوت ذلك بأن تكون السماء غائمة باستمرار ففي هذه الحالة ينبغي أن يؤخذ بما يوازي ذلك البلد من المناطق التي فيها الصحو، يؤخذ برؤية أقرب بلد إلى ذلك البلد من الجهة الجنوبية مثلاً إذا كان هذا البلد شمال خط الاستواء وهناك غيم، يؤخذ بما ثبت ما يوازي ذلك البلد من الناحية الجنوبية ويعوّل على ذلك، وبهذا ينتفي الريبة ولا يكون ذلك عسر إن شاء الله، وعندما يتعذر ذلك عندما يكاد يكون ذلك كله مستحيلا فهنا لا مانع من الأخذ بما دل عليه الحساب الفلكي المتفق عليه من غير اختلاف بين الفلكيين، والله تعالى أعلم .

 السؤال(15) في هذه الحالة إذا صاموا ثمانية وعشرين ؟؟

 الجواب :  عليهم أن يقضوا يوما مكان ذلك اليوم .

 

السؤال(16)  فيمن يستدرك الصلاة في يوم العيد فيدركهم في الركعة الثانية كيف يكون قضاء الركعة الأولى ؟

 الجواب : يقضي كما كان يقضي سائر الصلوات، ولكن هل يكبر أو لا، ينبغي له أن يكبر كما كبر الإمام .

 

 السؤال(17)  من العادة التي ألفناها أثناء الخروج لصلاة العيد خروج الناس بالتطبيل عوضاً عن التكبير فما هي نصيحكتم ؟

 الجواب : العادات تغير لتتفق مع السنة، ولا تمات السنة من أجل المحافظة على العادات، فلذلك أنا أنصح هؤلاء الذين ألفوا التطبيل بدلاً من التكبير أن يتركوا ما ألفوه وأن يحيوا ما أميت عندهم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحيث يخرجون وهم يكبرون كما دل على ذلك القرآن الكريم قبل السنة النبوية فإن الله تبارك وتعالى يقول (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) (البقرة:185) فالتكبير مشروع بهذا النص القرآني فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره، ويجب ترك غيره لإحياء ما أميت مما دل عليه القرآن ودلت السنة النبوية .

 

 السؤال(18)  ما الطريقة الصحيحة في الذبح ؟

 الجواب : حقيقة الأمر قضية الذبح أنا أرى أنه ينبغي أن يُخصص حلقة خاصة لأمر الذبح وأحكامه، ولعل ذلك يكون بعد أيام العيد لأجل مناسبة استقبال لعيد الأضحى المبارك الذي شرع فيه النحر، وهناك طبعاً أخطاء فيما يتعلق بالذبح ولا بد من التعرض لهذه الأخطاء وإزالة الشبه .

 

 السؤال(19)  ما حكم ذهاب المرأة إلى أماكن الكوافير لإزالة شعر الوجه واليدين ؟

 الجواب : المرأة تتزين الزينة المشروعة على أن تكون هذه الزينة إما بتزيينها لنفسها أو تزيين امرأة من المسلمات المؤمنات المحافظات، أما أن تذهب إلى مثل هذه الأماكن التي تكون فيها ريبة، قد تكون فيها امرأة غير مسلمة، وقد تكون فيها امرأة غير متقيدة بتعاليم الإسلام لا يؤمن منها أن تصف محاسنها للرجال إلى غير من ذلك مما يكون من المخالفات الشرعية فذلك غير مباح، والله تعالى أعلم.

 

 السؤال(20)  بالنسبة للزيارات في يوم العيد نجد ظاهرة ملموسة على أرض الواقع وهو أن الزيارات تقتصر على الكبار في حين أن فئة الشباب تنطلق هنا وهناك ولا يعرفون للزيارة طعماً ولا رائحة فكيف يربي الآباء أبنائهم على الزيارات وأهميتها خاصة للأرحام ؟  الجواب : هذه القضية من مشكلات العصر الحاضر، ولعل هذه ضريبة من الضرائب التي تؤديها الأمة للحضارة المعاصرة، مع الأسف الشديد الصلات بين الناس كادت تنعدم، وأنا رأيت سابقاً في كتاب ألفه الأستاذ الأديب الشهير أحمد أمين عن ترجمة حياته بعنوان ( حياتي ) يقول بأنه نشأ في حي من الأحياء كان هذا الحي يتكون من ثلاثين بيتاً وهناك ثلاث طبقات الطبقة العليا بيت واحد والطبقة الوسطى تسعة بيوت والطبقة الدنيا عشرون بيتاً، وتكلم عن الأحوال الاجتماعية ولكن في النهاية قال بأن الكل كان يعيش كالأسرة الواحدة لو مرض طفل في أقصى هذه الحارة لعرف عنه الجميع وعاده الجميع هذا يحمل إليه دواء وهذا يحمل إليه هدية . ويقول شاء الله أن أعيش حتى أرى الناس يعيشون في عمارة واحدة في شقق متجاورة ولا يعرف بعضهم بعضا .   هذه مصيبة، ومما يؤسف له أن كثيراً من الناشئة أصبحوا لا يعرفون أرحامهم ولربما تساءلوا في دهشة ما هي العلاقة بيننا وبين فلان ، ما الذي يربطنا بفلان مع أن فلان من أرحامهم ومن ذوي الحقوق عليهم ولكنهم لا يعرفون هذه الحقوق ، ولا يعرفون كيف تكون الصلة بينهم، هذا لأنه اشتغلوا بأمور جانبية وتركوا الأمور الضرورية التي يجب أن يشتغل بها في الحياة، فتقطعت الأواصر الاجتماعية بينهم وبين ذويهم وقراباتهم. فمن هنا كانت الضرورة أن يحرص الأب من أول الأمر أن يصطحب حتى الأطفال الصغار عندما يزور أرحامه ليغرس فيهم حب أرحامهم، وليغرس فيهم تعلقهم بأرحامهم حتى ينشئوا على ما نشأ عليهم آباؤهم من تقدير هؤلاء الأرحام وزيارتهم والاعتناء بهم والقيام بشؤونهم والحرص على التلاحم معهم، هذا من الضرورة بمكان وهو الذي أوصي به، والله تعالى الموفق .

تمت الحلقة بعون الله وتوفيقه

* * *

سؤال أهل الذكر

25 من شعبان 1425هـ ، 10/10/2004م

الموضوع : استقبال رمضان وأسئلة أخرى

 

السؤال(1) كيف يستعد المسلم لشهر رمضان المبارك ، وما هو الجدول الذي تقترحون عليه وضعه حتى يستفيد من هذا الشهر الكريم ؟

 الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، أما بعد :  فإن ذكر شهر رمضان المبارك يحفزني إلى أن أوجه تحية خاصة إلى المسلمين عامة مصحوبة بتهنئة بهذه المناسبة الطيبة ، فأهنئكم وأهنئ أخواني المسلمين جميعاً مع هذه التحية إذ أقول لكم جميعاً أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 ولا ريب أن الله تبارك وتعالى يفضّل ما يشاء من خلقه على ما يشاء ، فيفضّل بعض العباد على بعض ، ويفضّل سبحانه وتعالى بعض البقاع على بعض ، ويفضّل بعض الأزمنة على بعض . وما أعظمها من فرصة أن يصادف الإنسان زماناً مفضلاً عند الله ، له منزلة وقدر ، جعل الله تعالى الخير فيه يتضاعف ، وجعل الله سبحانه وتعالى التجارة الخيرية فيه تربح ، إنها التجارة الأخروية ، وما من أحد إلا وهو بحاجة إلى أن يدخل في هذا المضمار من أجل المسابقة ، وأن يحرص على تقديم تجارته إلى هذه السوق الرابحة ، إنها سوق العبادة التي يتنافس فيها المتنافسون ، وبقدر هذا التنافس وبقدر ما يكون لهم من سبق في ذلك يكون الربح ويكون المنقلب السعيد.  إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان هملا ، بل خلق لغاية مقدسة عظيمة دل عليها قوله عز من قائل ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) ، فإن الله منزه عن أن يكون بحاجة إلى أحد ( مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:57-58) ، فكل الناس هم محتاجون إلى الله ، وكل مخلوق هو أحوج ما يكون إلى الله سبحانه وتعالى والله وحده هو الغني ، ولكن اقتضت حكمته فضلاً منه ونعمة على عباده أن يمنح عباده فرصة الخير ، وأن يخلقهم ليشرفهم بعبادته سبحانه وتعالى إذا ما اتقوه وأطاعوه وقاموا بالحق الواجب عليهم بامتثال أوامره والازدجار عن نواهيه . 

وهذه العبادات منها ما يكون موقوتاً بزمان ، ومنها ما لا يكون موقوتاً بزمان وذلكم الذكر الذي يكون الإنسان في كل أحواله بحاجة إليه ، وهو ميسر له في كل أحواله سواء كان في حالة فراغ أو كان في حالة شغل ، وسواء كان في حالة تعب أو كان في حالة راحة ، وسواء كان في حالة سلم أو كان في حالة حرب ، وسواء كان في حالة حركة أو حالة سكون فإن ذكر الله تعالى مهيأ للإنسان متى ما أراد. 

ولكن هناك عبادات مرتبة ترتيباً عجيباً ، من بين هذه العبادات عبادة الصلاة التي لا بد من أن تكون بكيفيات معينة ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون أوقاتها متقاربة ، وأن تكون أيضاً ميسرة بحيث يسوغ للإنسان في أي وقت أن يمارسها إلا أوقاتاً معينة لا تصح فيها وأوقاتاً تكره الصلاة فيها .  

 

ومن بين هذه العبادة عبادة الصيام ولا ريب أن شهر رمضان المبارك بفضله العظيم هو ميقات للخير كله ، هو مإنة لكل خير ، من ذلك أنه جعله سبحانه وتعالى ميقاتاً لفرضية عبادة مقدسة لها سماتها الخاصة ولها أيضاً انعكاساتها الخاصة على النفس الإنسانية وعلى المجتمع البشري عامة عندما تحرص النفوس البشرية على أدائها .  فالله تبارك وتعالى جعل لعبادة الصيام تأثيراً بالغاً ، وقد شاء الله سبحانه أن يربط بين فرضية هذه العبادة وبين امتنانه على عباده بإنزال الكتاب الكريم في هذا الشهر المبارك وذلك عندما قال ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(البقرة: من الآية185) . فكما نرى هنا الربط ما بين الأمر بالصيام في قوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ، وبين الامتنان السابق في قوله ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) .

  هذا يعني أن الإنسان يعطى فرصة في شهر رمضان من خلال غلبته على شهواته وتقييده لهذه الشهوات وتحكمه في نزعاته ونزغاته وعواطفه ، من خلال ذلك أعطي الفرصة للإنسان بأن يراجع هذا العهد الذي بينه وبين ربه .

   فإن القرآن الكريم أنزل من أجل أن يتحول إلى واقع ملموس في حياة الأمة بحيث تجسد الأمة حياتها الفكرية والعملية وفق تعاليم القرآن الكريم ، تجسد القرآن في حياتها الفكرية والخلقية والعملية ، حتى يكون القرآن متجسداً في حياة كل واحد من هذه الأمة ، وذلك إنما يقوى الإنسان عليه إذا ما كان قاهراً لرغباته ونزغاته ومتحكماً في أهوائه وشهواته ، فلذلك كان هذا الربط العجيب .  فإذاً هذه فرصة لهذا الإنسان أن يحرص في هذا الشهر الكريم من ناحية على أداء هذه العبادة المقدسة عبادة الصيام مع التكيف وفق مقتضياتها بحيث يحرص على أن يكون صيامه صياماً حياً لا صياماً ميتاً وذلك ما لا يكون إلا إذا كان مستشعراً روح الصيام ، لأن الصيام إنما يؤدي إلى تقوى الله كما يؤذن بذلك قول الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) ، أي لتتقوا .

 كذلك نجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ، وحديث آخر جاء فيه ( ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله ) . وحديث آخر يدل على أن الصيام يقتضي أن يكون الإنسان متحكماً حتى في أعصابه بحيث لا ينزعج إذا ما تعرض للإيذاء ولا يدفعه ذلك إلى محاولة التشفي والانتقام وذلك قوله صلى الله عليه وسلّم ( الصوم جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم ) .  فعندما يؤدي الإنسان الصيام على هذا النحو بجانب هذا الأداء إنما يؤمر أن يراجع عهد الله تبارك وتعالى الذي عهده إليه وذلك بكثرة تلاوته لكتاب الله .

فالإنسان مطالب بأن يقضي سحابة نهاره في وقت فراغه في تلاوة كتاب الله أو في التقرب إلى الله تبارك وتعالى بالصلوات .

 وكذلك بالنسبة إلى الليل هو يطالب بالقيام بقدر مستطاعه ، فمن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .

وهذه فرصة عظيمة ، ما أعظمها من فرص ، وما أعظم الذنوب التي يجنيها الإنسان ، ولكن عندما يأتي هذا الشهر الكريم شهر التوبة ويحس بهذه الروحانية ويحس بافتقاره إلى ربه سبحانه ، ويحس بأنه أحوج ما يكون إلى عفو الله تبارك وتعالى فيتعرض لعفوه سبحانه باستغفاره والإنابة إليه وطلب الصفح عنه مع تجديد التوبة بحيث يشعر بالندم على ما فعل ويشعر بأن عليه عهداً لله تعالى أن لا يعود إلى هذه الذنوب كما لا تعود الألبان إلى ضروعها فإن الله تعالى يعفو عن سيئاته ، وقد هيأ هذه الأسباب لهذا الصفح ، لهذا العفو العظيم عن عباده ذلك السبب هو هذه الحسنات التي يأتيها في الشهر الكريم فالحسنات يذهبن السيئات . 

على أن شهر رمضان فرصة لجميع أعمال الخير ، إذ لا ينحصر عمل الخير فيه ناحية دون ناحية أخرى ، فالأعمال الإنسانية التي يتقرب بها العاملون المخلصون إلى الله سبحانه تعالى تضاعف أجورها . الصدقات تضاعف أجورها ، صلة الأرحام تضاعف أجورها ، عون الضعفاء أيضاً مما يضاعف أجره ، كل عمل خيري يضاعف أجره ، وكذلك أنواع العبادات إذ العبادة المطلوبة في هذا الشهر لا تنحصر في الصيام وفي الصلاة وفي الصدقة التي يتصدقها الإنسان ، بل أيضاً السفر إلى بيت الله المحرم ، تجديد عهد ببيت الله سبحانه وتعالى ، معنى ذلك أن الإنسان يجدد عهده بربه عندما يفد إليه ، فالوفادة إلى بيت الله تعالى في هذا الشهر مما يضاعف أجره ، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سنان الأنصارية رضي الله تعالى عنها ( إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي ) .

فمن الذي يزهد في هذا الخير ! إنما يؤمر الإنسان أن يحرص على السباق في هذا المضمار ليحرز قصبات السبق وليستجمع ما يمكن أن يستجمعه من زاد أخروي هو أحوج إليه في سفره إلى الله سبحانه وتعالى .  فإذاً الإنسان مطالب بأن يحرص على الصيام على النحو الشرعي ، هو مطالب بأن يحرص على تلاوة كتاب الله ، تلاوة تأمل وتدبر لأن ذلك عهد بين العبد وبين ربه حتى يتكيف الإنسان وفق مقتضاه ، وأن يحرص الإنسان على تقديم الصدقات وعلى عون الضعفاء بقدر المستطاع في هذا الشهر الكريم .       

 

السؤال(2) الغالب على الخطاب الديني دائماً ما يركز على أهمية الصيام وفضائل الشهر وغيره من هذه المواضيع التي اعتاد الناس أن يسمعوها في كل عام . هل هناك فكرة لتجديد الخطاب في شهر رمضان الكريم بحيث يتناول مواضيع أخرى حتى يستثمر هذا الشهر علمياً أيضاً ؟

 الجواب : الخطاب الديني يجب أن يكون وافياً بحاجة المخاطبين ، والإنسان مطالب بكثير من الواجبات كما أنه أيضاً محذر من الوقوع في جميع المنهيات ، فلذلك كان هذا الخطاب ينبغي أن يكون وافياً لا أن يكون خاصاً بشيء معين .

 والناس أحوج ما يكونون إلى أن يسمعوا ما لم يسمعوه ، وإلى أن يُفهّموا ما لم يفهموه ، وإلى أن يرشدوا إلى ما لم يكن لهم على بال ، هم أحوج ما يكونون إلى ذلك ، فلذلك ينبغي أن يكون الدعاة واعين ، والداعية دائماً يكون كالطبيب ، فالطبيب إنما يعطي المريض الجرعة التي هو أحوج ما يكون إليها ، فعندما يكون الغذاء كافياً عن الدواء لا يعطي الطبيب المريض جرعة دواء بل الغذاء نفسه يكون كافياً عنه ، ولكن عندما تكون هنالك حاجة فإنما يعطيه بقدر حاجته ، فهكذا يجب على الدعاة أن يراعوا هذا الجانب وأن يرشدوا الناس . عليهم أن يضعوا أيديهم على الأمراض التي هي متفشية في الناس ، فعندما يكون هنالك تفشٍ لنوع من معاصي الله تبارك وتعالى عليهم أن يكافحوا تلك المعصية . عندما يكون الناس مثلاً والعياذ بالله واقعين في فاحشة الزنا فإنهم عليهم أن يوعوا الناس بخطورة الزنا وأثره السيئ في هذه الحياة وعاقبته الوخيمة في الدار الآخرة .

عندما تكون هنالك سرقة أيضاً عليهم أن ينبهوا الناس على ذلك . عندما يكون هنالك شيء من الاستهانة بأنواع المحارم في المعاملات كأن تكون هنالك معاملات ربوية أو أن تكون هنالك معاملات فيها غش أو فيها تدليس أو فيها غرر فإن ذلك أيضاً مما ينبغي أن يحرصوا على بيانه للناس . فالدعاة دائماً هم أطباء الأمة ، عليهم أن يشخصوا أدوائها وأن يعالجوها بالعلاج النافع . فشهر رمضان المبارك هو شهر أنسب ما يكون من بين الشهور بأن تعالج فيه القلوب بردها إلى الله تبارك وتعالى .          

 

السؤال (3) عندما يتلاقى في نفسية الداعي داعيان ، داعي الزيادة في العبادة في شهر رمضان الكريم وقراءة القرآن الكريم والذهاب إلى العمرة واستغلال هذا الشهر في شتى أنواع العبادات ، وداعي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وتسخير الأوقات معظمها تقريباً في توجيه الناس وإرشادهم وإقامة المحاضرات ، فأيهما يقدم ؟ 

الجواب : لا ريب أن فرصة العبادة فرصة عظيمة في هذا الشهر ، وينبغي للإنسان أن لا يفوت الفرصة السانحة بقدر استطاعته ، ولكن مع ذلك أيضاً فإن إصلاح الغير هو أفضل من أن يحرص الإنسان على الاستزادة من فضائل الأعمال من غير أن يهتم بغيره . 

 العناية بالأمة أمر واجب ، وكل إنسان مطالب بأن يحمل رسالة الله تعالى إلى خلقه . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان . وهذه الفضائل التي هي فوق الفرائض الواجبة إنما هي نوافل ، ولا يُسقط الواجب من أجل النافلة ، فإصلاح الأمة أمر مفروض على الناس ، واجب عليهم أن يصلحوا أمتهم ، الله تبارك وتعالى يقول ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(آل عمران: من الآية104) ، هذا أمر يدل على الوجوب وإلا لما كان معنى لقوله سبحانه بعد ذلك ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران: من الآية104) ، حيث حصر الفلاح في هذا الصنف من الناس دون غيرهم بتعريف المسند والمسند إليه وتوسيط ضمير الفصل بينهما ، هذا يدل على أنه لا بد من إصلاح الأمة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونحن نرى أن الله سبحانه وتعالى حكم على جميع الناس بالخسران إلا طائفة معينة جمعت بين أربع خصال وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ( سورة العصر) ، فالإنسان خاسر ما عدا هؤلاء . والتواصي بالحق يعني التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر فلا بد من ذلك . لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق وإظهاره وانتشال هذه الأمة من ضياعها .                

 

السؤال(4) ما يفهمه غير المسلمين عن صيام المسلمين أنه امتناع عن الأكل والشرب لأنهم يروا بعض المسلمين لم تتغير سلوكياتهم ، كيف يمكن أن نستثمر شهر رمضان الكريم في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام وتحبيبهم إلى أخلاقيات الإسلام وإلى أهمية العبادة في الإسلام ويأتي في مقدمتها الصيام ، فهل هناك طرائق معينة ؟

  الجواب : الداعية إنما عليه أن يكون خبيراً بأحوال المدعوين ، فالدعوة إلى الله لا بد من أن تكون على بصيرة وأن تكون بالحكمة ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125) ، كذلك يقول الله تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) ، فالداعية لا بد من أن يدعو على بصيرة ، ومن هذه البصيرة التي يجب على الإنسان أن يحرص على التحلي بها أن يكون الإنسان عارفاً بمواطن التأثير على المدعوين ، فلا بد من أن يكون لبيباً نبيهاً يعرف من أين يصل إلى القلوب فيؤثر عليها ويحولها .

 وغير المسلمين أحوالهم متفاوتة ، منهم من يكون إعراضه عن الإسلام عناداً ، ومنهم من يكون إعراضه عن الإسلام جهلاً ، وليس الشخصان على حالة واحدة ودعوتهما تختلف . هذا المعاند يعامل بأسلوب معين في الدعوة وأما الجاهل فإنه يُبصر ويُعرّف ، أما المعاند فإنه يقام عليه الحجة من خلال كشف شبهاته التي يحاول أن يغطي بها محاسن الإسلام وتبين له هذه الشبهات ، فكل واحد يدعى بأسلوب .

  على أنه مما يجب على الدعاة أن يتفطنوا له بأن يخبروا المدعوين إلى الإسلام في وقتنا هذا بأن كثيراً من المسلمين لا يمثلون حقيقة الإسلام ، بل هم عبء على الإسلام ويشوهون صورة الإسلام حتى لا يأخذوا الإسلام مما يرونه من واقع الناس . 

 لا ريب أن الإسلام يجب أن يعرض عرضاً واقعياً بحيث يتجسد في حياة الدعاة إليه ، ولكن هذا لا يعني أنه يؤخذ من واقع حياة جماهير الناس الذين هم بمنأى عن تعاليم الإسلام وإلا لشوهنا صورة الإسلام ولنفرنا الناس عن الإسلام ، وإنما يجب على الناس جميعاً أن يزنوا تعاليم الإسلام بموازيين العقل السليم ، وأن ينظروا إليها ببصيرة ، وأن يدركوا بأنه في كل عصر من العصور لا بد من وجود طائفة من الناس ولو قلت تستمسك بهذه التعاليم وتحرص عليها من غير تفريط فيها ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(الرعد: من الآية7) ، ومضى السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم وكانوا حراصاً على تجسيد تعاليم الإسلام وأخلاقيات الإسلام وفضائل الإسلام فلذلك تساوق الناس إلى اعتناق هذا الدين . فهذه الأمور يجب أن لا تفوت الداعية إلى الإسلام .                  

السؤال (5) ما هي نصيحتكم للشخص الذي هجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وما حكم صيامه إذا لم يرتد عن هجره ، وما الجزاء الذي أعده الله تعالى لمثل هؤلاء ؟

 الجواب : هذه قطيعة رحم ، وقطيعة الرحم إنما هي مفسدة الأرض ، فالله تعالى يقول ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (محمد:22) ، والإنسان يؤمر أن يصل رحمه ، وأن يحرص على أداء حقه نحوه . والقطيعة هي عذاب ، عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة ، فإن القطيعة تتحول إلى عداوة ساخنة في هذه الحياة الدنيا وذلك عذاب على من وقع فيه ، وبالنسبة إلى الآخرة فإن الله تبارك وتعالى جعل قطع الرحم من الأمور التي يسخط على من وقع فيها ويجزيهم والعياذ بالله شر الجزاء ففي الحديث القدسي الرباني يقول ( خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فأنا الرحمن ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ) ، يعني من قطع الرحم فالله تعالى يقطعه ، وحسب الإنسان أن يكون مقطوعاً عند الله تبارك وتعالى .

 

 السؤال (6) هل يتأثر صيامه بذلك ؟

 الجواب : هذا غير متقي وهو لم يستفد من صيامه .

 

 السؤال(7) شاب عمره ثلاثة عشر سنة قبل سنتين كان يصوم لكنه الآن مريض ولا يستطيع الصيام فماذا يلزمه ؟

 الجواب : على كل حال هو الآن في فسيح العذر ، وإنما يجب عليه القضاء مع القدرة ، فالله سبحانه وتعالى يقول ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )(البقرة: من الآية184) ، ويقول ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)(البقرة: من الآية185) ، فهذان نصان في كتاب الله على أن المريض معذور ، وإنما يلزمه القضاء بعد صحته من سقمه .

 

 السؤال (8) هنالك الكثير من القنوات الفضائية ربما تستغل هذا الشهر في بث الكثير من البرامج ، هل هناك ضوابط محددة للصائم بحيث أن مشاهدته لتلك البرامج لا يؤثر في صومه ؟

 الجواب : الأصل في هذا أن الإنسان مطالب أن لا ينظر في الشاشة إلا ما يحل له أن يراه رؤية مباشرة بغير شاشة ، فالشاشة لا تغير الحكم ، فما كان حلالاً للإنسان أن ينظر إليه رأي العين ، بمجرد العين الباصرة من غير واسطة فالواسطة لا تحرمه ، وما كان حراماً أن يراه بدون واسطة فالواسطة لا تحلله . الشاشة لا تحلل المحرم ولا تحرم المحلل . ما كان يتقي أن ينظر إليه من العورات ومن المناظر القبيحة التي لا يجوز النظر إليها بغير الشاشة كذلك الشاشة يجب عليه أن لا يستعملها في النظر إلى هذه الأشياء ، ولا فرق في ذلك بين الصائم وغيره ، وإنما يتضاعف الحكم بالنسبة إلى الصائم لأن هتك محارم الله مما يؤثر على صوم الصائم ( ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله  .           

 

السؤال(9) رجل كبير في السن لا يستطيع العناية بنفسه في دورات المياه فتقوم بذلك زوجته فتكشف عن عورته ، فهل يؤثر ذلك على صيامها ؟ 

الجواب : ما المانع من ذلك ! هي امرأته حليلته ، لا يعني هذا أنه يواقعها عندما تذهب معه إلى دورة المياه ، المواقعة هي المحرمة ما بين الزوجين ، أما دون ذلك فلا يفضي إلى بطلان الصيام .

 

 السؤال (10) أسرة تسكن في إيطاليا ويريدون أن يبعثوا بزكاة الفطر من بداية الشهر لأنها حتى تصل في أهلهم في مصر تستغرق وقتاً طويلاً ربما يتجاوز الشهر فهل لهم أن يخرجوها من بداية الشهر ؟

  الجواب : أما لو كانوا يجدون أحداً في إيطاليا من فقراء المسلمين ليدفعوها إليهم فذلك أولى ، أما إن كانوا لا يجدون أحداً فلا حرج في هذه الحالة لأجل هذا الداعي إلى بعثها إلى مكان بعيد ، فلا حرج في إرسالها إلى مكان بعيد ، وبما أنها خرجت في أثناء شهر رمضان وقبل ميقات وجوبها حتى ولو وصلت بعد ميقات وجوبها إلى الفقير الذي يستحقها فهي زكاة فطر إن شاء الله .

 

   السؤال (11) يسكنون في إيطاليا وعندما يستأجرون منزلاً هناك يدفعون مبلغاً ضخماً ربما لا يستطيعون الاستمرار فيه فقاموا بشراء شقة عن طريق استقراض مبلغ بمنفعة معينة يدفعونه أقساطاً على مدى عشر سنوات أو أكثر ، فهل أخذ ذلك المبلغ من أجل أخذ تلك الشقة للتخلص من الإيجار جائز ؟

 الجواب : أما إذا كانت بزيادة فالزيادة ربا ، وفي الحديث ( لعن الله الربا وآكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه ) ، ونسأل الله تبارك وتعالى العافية .

 

 السؤال (12) ما حكم إلقاء السلام على أي شخص براً كان أو فاجراً لأن هناك من يقول بأن التسليم على الفاجر إشعار له بأن المسلم راضٍ عما هو عليه ؟ وهل يقال ( ورحمة الله وبركاته ) على أي شخص ؟

  الجواب : بالنسبة إلى الفاجر إن كان من أهل التوحيد فشعار أهل التوحيد السلام ، يُسَلم على أهل التوحيد بررتهم وفجرتهم ، هذه من الحقوق العامة التي يشترك فيها البررة والفجرة .

 وبالنسبة إلى الرحمة فرحمة الله تبارك وتعالى رحمتان : رحمة دنيوية ورحمة أخروية ، فالرحمة الدنيوية الدعاء بها لغير البر مما لا يحجر لأنها خير دنيوي إن كان ذلك الخير الدنيوي لا يؤدي بهذا الذي يدعا له إلى أن يزداد غياً ويزداد عتواً وفسادا لا حرج في ذلك .

 

  السؤال (13) هل يقبل صوم رمضان من تارك الصلاة ؟ أم أن العبادات كلها مقرونة ببعضها بحيث لا يقبل شيء منها إذا ترك الآخر ؟

 الجواب : ما قيمة صيام من ترك الصلاة ! مع أن الصلاة هي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد العقيدة ، أهم ركن الاعتقاد ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم بعد الصلاة ، فمن ترك الصلاة فلا نصيب له في الإسلام إلا مجرد الانتماء . وماذا عسى أن يكون صيام تارك الصلاة والله تبارك وتعالى يقول ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(المائدة: من الآية27) ، هل يعتبر هو من المتقين مع تركه الصلاة ؟ الجواب : لا .         

 

السؤال (14) امرأة تعمل بالخياطة في جو مليء بالغاز وذلك طوال الشهر فهل يؤثر ذلك على صيامها ؟

 الجواب : بما أنها لا يلج إلى جوفها شيء مادي فالرائحة لا تؤثر . 

 

السؤال (15) امرأة مريضة بالقلب ولا تستطيع أن تصوم شهر رمضان فهل يلزمها الإطعام طوال شهر رمضان ؟

 الجواب : إن كانت غير قادرة على الصيام وقد أيست من ذلك فإنها تنتقل من الصيام إلى الإطعام لقول الله تعالى ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)(البقرة: من الآية184) .

 

  السؤال (16) ماذا تفعل المرأة التي لم تقض ما أفطرته من رمضان في سنوات ماضية ؟

 الجواب: عليها القضاء وعليها كفارة لتهاونها إطعام مسكين عن كل يوم لحديث أبي هريرة الذي دل على ذلك وهو مرفوع عند الدارقطني وموقوف عند البخاري ، ونحن نعمل بهذا .

 

  السؤال(17) إنسان بالغ لا ينقطع بوله وإذا تحرك حركة بسيطة سال بوله فهل يجوز صومه ؟ وكيف تكون صلاته ؟

 الجواب : نعم لا مانع من صيامه ، الصيام لا يتنافى مع البول وإلا لمنع أي أحد أن يصوم . هل الصائم في نهار رمضان أو في نهار صومه لا يبول ! هذا من عجائب الأسئلة . وأما بالنسبة إلى الصلاة فإنه يصلي وعليه أن يتوضأ لكل صلاة وأن يقوم إلى الصلاة فوراً بعد وضوئه ، وعليه أن يستعمل العازل ، ولا يؤثر عليه في صلاته ما خرج من بوله .

 

  السؤال (18) ما الدليل على أن رمضان فرائض على الرغم من أن الزكاة فريضة واحدة والصلاة فريضة واحدة ؟

  الجواب : هذا كلام غريب ، ولو كانت الصلاة فريضة واحدة لأدى ذلك إلى بطلان جميع الصلوات ببطلان صلاة واحدة ، من أين جاء بهذا أن الصلاة فريضة واحدة .  كل صلاة من الصلوات المفروضة هي فرض مستقل ، صلاة الظهر بنفسها هي فريضة مستقلة ، صلاة العصر فريضة مستقلة ، صلاة المغرب فريضة مستقلة ، صلاة العشاء فريضة مستقلة ، صلاة الفجر فريضة مستقلة ، صلاة الجمعة فريضة مستقلة . وأما شهر رمضان فالدليل على أنه فرائض ما يتخلل الصيام من الإفطار ، فلماذا يتخلل هذه الفريضة ما ينافيها . الإفطار يتخلل الصيام مع أن الإفطار مناف للصيام .             

السؤال (19) صبي صام وفي اليوم الخامس عشر من رمضان بلغ ، فما حكم صيام ذلك اليوم الذي بلغ في نصفه ؟

 الجواب : ذلك اليوم بدأ صيامه وهو غير مخاطب ، فليستمر على صيامه ، وليقض يوماً مكانه ، لأنه بدأه وكان الصيام عنده نافلة .

 

 

 

 السؤال(20) ما حكم الصوم في أواخر شهر شعبان ، هل هو مكروه ؟

 الجواب: صيام اليوم الذي يشك فيه مكروه إلا إن صادف الإنسان صوماً اعتاده من قبل . أما أن يتعمد أن يصوم اليوم الذي يشك فيه وهو يوم الثلاثين من شعبان فذلك مكروه بل هو ممنوع على الراجح لقول بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلّم ) .

 

 السؤال (21) ما حكم شخص كان غاضباً على أحد أخوته فقال : خروجه من البيت بطلاق زوجتي . ولم يخرج أخوه في ذلك اليوم نظراً لغضبه ، فما الحكم ؟

  الجواب : ما معنى قوله خروجه بطلاق زوجتي . إن كان قصده بأنه إن خرج فخروجه يكون مصحوباً بطلاق زوجته بحيث قصد بالباء المصاحبة ففي هذه الحالة يراعى قصده إن كان معلقاً للطلاق بخروج أخيه من بيته فإذاً عندما يخرج تطلق امرأته ، أما إن كان لم يقصد التعليق وإنما قصد التهديد أي إن خرج من بيته فإن ذلك سيصحبه تطليقه لزوجته بحيث سيطلقها ولم يقصد إنشاء الطلاق المعلق وإنما قصد التهديد بالطلاق فإذاً لا يقع الطلاق حتى ينفذ ما هدد به .

 

 السؤال (22) من فعل أمراً في نهار رمضان وهو لا يدري حكمه ثم سأل أهل العلم عنه فقالوا له إنه حرام ، فما حكم صومه ، هل الصوم ينتقض بكل ما هو محرم ؟

  الجواب : الصوم يتنافى مع الإتيان بالمحارم ، وقد دل الحديث على نقض الغيبة له ، والحديث الآخر هو عام ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، والآية تشير إلى ذلك عندما يقول الله تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) ، أي لتتقوا ، فإذاً كل ما يتنافى مع التقوى إنما هو يتنافى مع الصيام .

تمت الحلقة بعون الله تعالى وتوفيقه