مذاق آخر لرمضان: صيام الأطفال في بريطانيا

أمعنت برهة مع الذكريات … وهاهو رمضان يدعوني في الغربة للاستعداد له ولإحيائه.. فرمضان هو رمضان في الشرق أو في الغرب يشحذ الهمم، ويفتح القلوب للعبادة والقرآن والعمل الصالح.

كما يختلف مذاق الشرق عن الغرب، يختلف مذاق رمضان في بريطانيا، لكنه مذاق متميِّز على أية حال، فالأيام في رمضان لا يفارقها هدوءها المعتاد، وليس ثمة مظاهر تغيير في الشوارع والأسواق، اللهم إلا في محلات بيع الطعام الحلال التي تعرض الأطعمة التي تلقى إقبالاً في رمضان من أبناء الجاليات الإسلامية المختلفة. وحديثًا بدأت بعض المحلات الشهيرة في عرض أنواع من التمور -على وجه الخصوص- مما يعد إشارة إلى وضع حاجات الجاليات المسلمة على قائمة الاهتمام.

 

صيام الأطفال المسلمين في مدارس بريطانيا :

تستقبل الأسر المسلمة في بريطانيا -كما في كل مكان على وجه الأرض- تستقبل رمضان بفرحة خاصة، وتهيِّئ الصغار للتعود على الصيام كما تعدُّهم لمواجهة تساؤلات زملائهم ومعلماتهم عن سبب صيامهم، ويبدأ الأطفال المسلمون الصائمون رحلتهم اليومية إلى المدرسة غير مزوَّدين بـ Lunch Box وسط اهتمام كبير من المعلمات وإدارة المدرسة للتأكد من أن الأطفال غير مكرهين على الصيام، والتنبيه عليهم بالمبادرة بإخطار المعلمات لدى إحساسهم بأية رغبة في تناول الطعام. وكثير من المدارس تمنع الأطفال الصائمين من مزاولة الرياضة حرصًا على عدم إرهاقهم، في الجانب الآخر تدور حوارات لا تنتهي بين الأطفال عن الصيام وأسبابه، ويختلط الواقع بالخيال في عالم الأطفال، ويبهر جون بقدرة محمد على الصيام وترك الحلوى، وتشارك مرجريت فاطمة فرحتها برمضان، أما عن المدارس الإسلامية الخاصة فهي تحتفي بالأطفال الصائمين، وتشجعهم على ذلك دون ضغط أو إلحاح.

 

والجامعات أيضاً :

ويتسع الاهتمام باستقبال رمضان والاحتفال به ليشمل الطلاب المسلمين في الجامعات والمعاهد العليا، فتجد في لوحات الإعلانات بالكليات المختلفة، بطاقات التهنئة بحلول الشهر الكريم، كذلك تتغير مواعيد بعض الدروس والاختبارات بما يتوافق ومواعيد الإفطار، وتحفل المساجد وغرف الصلاة بالأنشطة المختلفة من محاورات ولقاءات، وأصبح سمة مميزة في كثير من الجامعات في لندن الإفطار اليومي المجاني الذي يوفِّره اتحاد الطلاب بدعم من بعض المؤسسات الإغاثية، كذلك تتميز الإصدارات المختلفة من نشرات ومجلات، باحتفاء خاص بالشهر الكريم. ويمتدّ النشاط ليشمل بيوت ضيافة الطلاب والطالبات العام منها والخاص، فتشهد هي الأخرى أنشطة متميزة من إفطارات ومحاضرات، ولقاءات بشخصيات علمية، ويجذب هذا النشاط، وذلك التوادّ، والحرص على الإطعام، كثيرين ممن لا يعرفون عن الإسلام شيئًا فيدهشون لذلك الدفء وتلك الحميمية، وكثيرًا ما شهدت بيوت الضيافة إسلام فتاة أو شاب في رمضان الذي يثير مقدمه حوارات عديدة بين المسلمين وغيرهم، ويدعو كثيرين إلى معرفة الإسلام عن كثب

 

الاهتمام الإعلامي برمضان :

وعبر الأثير هناك تسابق جميل، واستعداد خاص لاستقبال رمضان، وذلك عبر ما يعرف بـ "راديو رمضان"، ففي كل مدينة كبيرة في بريطانيا يقوم بعض الشباب المسلم بتوجيه بث إذاعي خصيصًا في شهر رمضان باللغات الإنجليزية والعربية والأردية والبنجابي، وتوجه البرامج للمسلمين ولأفراد المجتمع البريطاني بصفة عامة، وتتسم برامج راديو رمضان بالحيوية والتنوّع، ويغلب عليها مناقشة قضايا اجتماعية وسياسية وإعلامية، وتشمل لقاءات بشخصيات عامة وعادية، كما أن للأطفال أيضًا برامجهم التي تجذب اهتماماتهم.

وإن كان راديو رمضان في كل مدينة يغطي إرساله ساعات محددة فإن في لندن إذاعات رمضانية عديدة تكاد تغطي ساعات الليل والنهار، ورغم تعدد توجهات الإذاعات الرمضانية إلا أن راديو رمضان الإسلامي تفيض برامجه تنوعًا وحيوية، حتى أصبح الاستعداد لرمضان في السنوات الأخيرة يعني في جزء كبير منه استعدادًا للتجديد والإبداع عبر الأثير مع راديو رمضان.

 

أبواب الخير تُفتَح:

ولأن رمضان شهر البر والرحمة، فإن الهيئات الإغاثية المختلفة تنشط نشاطًا ملحوظًا، وتنتهز فرصة إقبال القلوب في رمضان على الخير، وتتولى جمع الصدقات والتبرعات لدعم القضايا الإسلامية الساخنة، بدءاً بالجرح النازف أبدًا.. فلسطين…حتى جرح اليوم الغائر.. الشيشان، وفي صلاة التراويح، وفي القنوت في الوتر.. يتصاعد التضامن والإغاثة بالدعاء، جنبًا إلى جنب مع الدعم المادي. رمضان في بريطانيا من الاستغراب إلى القبول وتمضي أيام وليالي رمضان في بريطانيا بمذاقها الخاص بها.. تسير بالمسلمين في خطى وئيدة.. وبرفق يتشربها نسيج المجتمع البريطاني.. عبر سنين وسنين.. قد تتحول نظرته إلى ذلك الوافد الصائم من دهشة واستغراب إلى فهم وتقبُّل، ومع التواصل الإنساني الراقي بقيم الإسلام قد يتحول التقبُّل إلى إقبال وقَبول.. فها هي مسز سميث تحب التمر، والصغار جون، ومارجريت يشاركون محمد وفاطمة فرحتهما برمضان!ورغم هذا القبول فإنه لازال أمام المسلمين الكثير ليكون لهم الدور الفاعل المنشود في المجتمع البريطاني ، والمجتمعات الغربية بشكل عام.