بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1) المعنى: قل اعتصم وامتنع من رب الصبح، ومدبره ومطلعه؛ وقيل: هو كل ما يفلقه الله كالأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، وهو يعم جميع الممكنات، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها. وتخصيص الصبح به، لأن فيه من تغير الحال، وتبدل وحشة الليل لسرور النور، ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم، قدر أن يزيل عن هذا العابد ما يخافه. ولفظ الرب أوقع من سائر أسمائه.

(مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ 2) خص عالم الخلق بالاستعاذة عنه لانحصار الشر فيه، فإن عالم الأمر خير كله، وشره اختياري، لازم ومتعد، كالكفر والظلم، وطبيعي كإحراق النار وإحراق السموم.

 

(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ) ليل عظم ظلامه، من قوله: (إلىَ غسق الَّليل)، وأصله الامتلاء؛ يقال: غسقت العين إذا امتلأت دمعا؛ وفي القاموس: (»وَمِن شر غاسق إِذَا وقب) أي: الليل إذا دخل«؛ أو جهل تراكمت آثامه، ( إِذَا وَقَبَ 3) دخل ظلامه في كل شيء، وتخصيصه، لأن المضار فيه تكثر، وتعسر الدفع، ولذلك قيل: »الليل أخفى للويل«، لكن إن تفكرت فمضرة الظلام تخص في الأمور الدنياوية، وأما مضرة الجهل إذا وقبت ودخلت عمت الحالين.

 

(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ 4) ومن شر النفوس، أو النساء السواحر اللواتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها؛ والنفث: هو النفخ؛ وقيل: المراد بالنفث في العقد: إبطال عزائم الرجال بالحيل، مستعار من تلين العقد بنفث الريق ليسهل حلها.

(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ 5) إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنه لا يعود ضرره منه قبل ذلك إلى المحسود، بل يخص به لاغتمامه بسروره، وتخصيصه لأن العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان.