بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) أي: القرآن، مفتتحا باسمه أو مستعينا باسمه، ( الَّذِي خَلَقَ 1) الذي خلق كل شيء، فيتناول كل مخلوق من الأفراد،ما هو أشرف واظهر صنعا وتدبيرا، وأدل على وجوب العبادة المقصود من القراءة فقـال:(خَلَقَ الْإِنْسَانَ) خصص الإنسان بالذكر من بين الخـلق لأنه أشرف ما على الأرض، (مِنْ عَلَقٍ 2) ولما كان أول الواجبات معرفته تعالى نزل أولا ما يدل على وجوده وكمال قدرته، وثبوت حكمته.

 (اقْرَأْ) تكرير للمبالغة، ( وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3 الَّذِي) له الكمال لعله في زيادة كرمه على كل كريم، أنعم على عباده بأن أخرجهم إلى الوجود من العدم، وأفاض عليهم ما لا يدخل تحت الحصر من النعم، ويحلم عنهم في ركوبهم المناهي واطرحهم الأوامر، ولا يعالجهم بالنقم، مما لعله ليس لكرمه نهاية، ( عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4) أي: الخط بالقلم، وقرئ به، لتقييد به العلوم، ويعلم به البعيد.

(عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5) فخلق القوى، ونصب الدلائل، وانزل الآيات فيعلمك القراءة وإن لم تكن قارئا، ]وقد عدد[ سبحانه مبتأ أمر الإنسان ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه، من أن نقله من أخس المراتب إلى أعلاها، تقريرا لربوبيته وتحقيقا لإكرامه، وأشار أولا إلى ما يدل على معرفته عقلا، ثم نبه على ما يدل سمعا.

 (كَلَّا) ردع لمن كفر بنعمة الله بظغيانه، فقال: ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى 6) لعله ليجاوز حده بالاستكبار على ربه، ( أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى 7) أي: لأن رأى نفسه مستغنية عن ربه بأمواله وعشيرته وقوته وقوة غريزته. وعن لعله بعض" إذا أصاب مالا زاد في مركبه وثيابه، وطعامه وشرابه وهمه، وأشغاله وجمعه، واشتغاله بسم المال عن ترياقه، فذلك طغيانه. (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى 8) إليه مرجع الأمور كلها، واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تحذيرا له من عاقبة الطغيان.

 (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى 9 عَبْدًا إِذَا صَلَّى 10)؟قيل: نزلت في أبي جهل، قال: لو رأيت محمدا ساجدا لوطئت عنقه، فجاءه، ثم نكص على عقيبه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار، وهولا وأجنحة؛ فنزلت.

(أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى 11 أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى 12 أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى 13)؟ عن الإيمان، ( أَلَمْ يَعْلَمْ) أي: الناهي (بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى 14)؟ فيجازيه على ذلك؛ والمعنى: أخبرني ]عمن[ ينهي بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فبما ينهى عنه، أو أمر بتقوى فيما يأمر به، من عبادة الأوثان كما يعتقده، أو إن كان على التكذيب للحق، والتولي عن الصواب، كما يقول: (ألم يعلم بأنَّ الله يرىَ) ويطلع على أحواله، من هداه وضلاله؛ وقيل: المعنى: أرأريت الذي ينهى عبدا يصلي؟ والمنهي عن الهدى آمر بالتقوى، والناهي مكذب متول فما أعجب من ذا؛ وقيل: الخطاب في الثانية مع الكافر، فإنه تعالى كالحاكم الذي حضره الخصمان، فخاطب هذا مرة، والآخر أخرى، وكأنه قال: يا كافر، أخبرني إن كان صلاته هدى، ودعاؤه إلى الله أمرا بالتقوى أتنهاه؟؛ ولعله ذكر الأمر بالتقوى في التعجب والتوبيخ، ولم يتعرض له في النهي، لأن النهي كان عن الصلاة والأمر بالتقوى، فاختصر على ذكر الصلاة لأنه دعوى دعوة بالفعل؛ أو لأن نهي العبد إذا صلى يحتمل أن يكون لها ولغيرها، وعامة أحوالها محصورة في تكميل نفسه بالعبادة.

 (كَلَّا) ردع للناهي، ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) عما هو فيه ( لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ 15) لنأخذنه بناصيته، ولنسحبنه بها إلى النار؛ والسفع: القبض على الشيء وجذبه بشدة، ( نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ 16)

 (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ 17) أي: أهل ناديه ليعينوه، وهو المجلس الذي ينتدي فيه القوم. يروي أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا؟ فنزلت. (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ 18) زبانية نار جهنم ليجروه إلى النار.

 (كَلَّا) ردع أيضا للناهي، ( لَا تُطِعْهُ) أي: اثبت أنت على طاعتك، ( وَاسْجُدْ) ودم على سجودك، ( وَاقْتَرِبْ 19) وتقرب إلى ربك.