بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

  (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ 1 وَطُورِ سِينِينَ 2) يعني: الجبل الذي ناجى موسى عليه السلام ربه، وسينين وسيناء: اسمان للموضع الذي هو فيه، ( وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ 3) يأمن فيه من دخله.

 (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ) يريد الجنس، (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ 4) في أحسن تعديل لشكله وصورته، وتسوية الأعضاء، وإبانته له عن غيره، بنطقه وتمييزه وعقله وتدبيره، وقبوله للميثاق، واستجماع خواص الكائنات، ونظائر سائر الممكنات، لعله إذ جعله جوهرا انطوى عليه أصداف مكنوناته.

 (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ) ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر النعمة في الخلقة القويمة أن رددناه ( أَسْفَلَ سَافِلِينَ 5) من أسفل خلقا، يعني: أقبح من قبح صورة لعله خلقها، وهم أصحاب النار، كقوله: (أُولَئِكَ هم شرُّ البريَّة) ( إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) إلا الذين ثبتوا على الطاعة، أو تابوا بعد المعصية فهم في أحسن تقويم كما وصفهم، ( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ 6) لا ينقطع، أو لا يمن به عليهم.

(فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ 7) الخطاب للإنسان على طريقة الالتفات، أي: فما جعلك كاذبا بسبب الدين؛ وإنكاره بعد هذا الدليل، يعني: إنك تكذب إذا كذبت بالجزاء، فإن كل مكذب بالحق كاذب لا محالة، ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ 8)؟ تحيق لما سبق ، أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد بأحكم الحاكمين، صنعا وتدبيرا؛ ومن كان كذلك كان قادرا على الإعادة والجزاء.