بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

 (عَبَسَ )بوجهه، (وَتَوَلَّى 1) أعرض بحاله، أو بشخصه، ( أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى 2) روي أن ابن أم مكتوم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أحد من الأغنياء يتصدى له ليعلمه، فكأنه عاتبه الله على ذلك، وكان بعد ذلك يكرمه، ويقول إذا رآه: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى 3)؟ لعله أي: قامت عليك الدلائل فيه، لأن مراده التطهر من آثامه وسوء أخلاقه، لأنه قيل: كلما جاء في القرآن: ( وَمَا يُدريك)  فهو يدريه، (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى 4)؟ أي:تتعرض بالإقبال عليه، ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى 5 فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى 6) أي: تتعرض بالإقبال عليه، ( وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى 7) أي: لا وجوب عليك تزكيته بالإسلام إن أبى، (إن عليك الإ البلاغ).( وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى 8) يسرع طالبا للخير ( وَهُوَ يَخْشَى 9) الله، ( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى 10) تتشاغل لعله بما لا معنىله، عن معنى مهم، ولعل ذكره بالتصدي والتلهي، للإشعار بأن العتاب على اهتمام قلبه بالغني، وتلهيه عن الفقير؛ وسماه الله تعالى تلهيا من حيث لعله إنه شغله عما هو أنفع منه: تذكر من تنفعه الذكرى، لعله والاشتغال بما لا معنى له. اشتغال عن معنى. ولعله قد قامت عليه الإمارات بذلك: أن هذا تنفعه، وذاك لا تنفعه، فلذلك عاتبه، لأنه لو كانا عنده بمثابة واحدة، لم يستحق عنابا بعد، والله أعلم.

 

(كَلَّا) ردع عن معاودة مثله، ( إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ 11 فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ 12) حفظه أو اتعظ به، والضميران للقرآن، أو العتاب المذكور ( فِي صُحُفٍ) مثبتة، فيها صفـة التذكـرة، ( مُكَرَّمَةٍ 13) عند الله وعنـد أوليـائه؛ ( مَرْفُوعَةٍ) ]مرفوعة[ القدر عن حزب الشيطان، كقوله: (سَأَصْرِفُ عَن آياتي الذِينَ يتَكَّبرون فيِ الأَرْض بغير الحَقِّ)، ( مُطَهَّرَةٍ 14) منزهة عنهم، ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ 15) كتبه من الملائكة، أو الأنبياء ينسخون الكتب من اللوح، أو الوحي، أو سفراء يسفرون بالوحي بين الله ورسوله أو الأمة، جمع سافر، من السفر، أو السفارة والتركيب للكشف، يقال: سفرت المرأة: إذا كشفت وجهها، (كِرَامٍ) أعزاء على الله، أو متعطفين على المؤمنين، ( بَرَرَةٍ 16) أتقياء.

 

(قُتِلَ) أي: نابذناه القتال بعدما نابذنا؛ وهو كقوله: (قاَتلَهم الله)، (  الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ 17)؟ لعله ما أشد كفره؛ وذلك بمعنى الدعاء عليه، دعا عليه بأشنع الدعوات، وتعجب من إفراطه في الكفران، وهو مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ، لعله والتعريف للجنس، وكأن جنسه أسرع إلى الكفر من غيره؛ (  مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ 18)؟ بيان لما أنعم عليه، خصوصا من مبدإ حدوثه؛ والاستفهام للتحقير، ولذلك أجاب عنه بقوله: ( مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ 19) فهيأ له ما يصلحه من الأعضاء والأشكال، أو فقدره أطوارا إلى أن أتم خلقته؛ ( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ 20) سبيل الخير والشر؛ وفيه إيماء بأن الدنيا طريق، والمقصد غيرها، ولذلك عقبه بقوله: ( ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ 21 ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ 22) جعل الإماتة والإقبار من النعم، لأن الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية، واللذات الخالصة؛ والأمر بالقبر تكرمه وصيانة؛ وفي إذا شاء إشعار بأن وقت النشور غير متعين في نفسه، وإنما هو موكول إلى مشيئته. ( كَلَّا) ردع للإنسان عما هو عليه، ( لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ 23) لم يقض ما أمره الله من الأمر والنهي. لما ذكر خلق ابن آدم، ذكر رزقه ليعتبر فقال: ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ 24) إتباع للنعم الذاتية بالنعم الخارجية، ( أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا 25 ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا 26 فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا 27 وَعِنَبًا وَقَضْبًا 28) قيل: القت ( وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا 29 وَحَدَائِقَ غُلْبًا 30) عظاما؛ وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها، أو لأنها ذات أشجار غلاظ، ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا 31) ومرعى، من أب: إذا أم، لأنه يؤم وينتجع؛ أو من أب لكذا: إذا تهيأ له، لأنه متهيء للرعي؛ أو فاكهة يابسة تؤب للشتاء؛ ( مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ 32) فإن الأنواع المذكورة بعضها طعام، وبعضها علف.

 

(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ 33) حالة الهلاك، أي: يصخ المرء لها؛ لعله أو يصخ منها، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ) من المحبة الدنيوية عند انكشاف الحقائق، فيفر ( مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36) لعله لا يلتفت إلى ]أي[ واحد منهم لاشتغاله بشأنه، وعلمه بأنهم لا ينفعونه؛ ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) من صالح  وطالح (يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 37) يكفيه في الاهتمام، لعله ويشغله عن شغل غيره، وهكذا العاقل في الدنيا له شغل من نفسه يغنيه عن الاشتغال بغيره، فيبغي له الفرار والهجرة إلى الله لعله من كل شيء على سبيل الاختيار، قبل الحيلولة عن ذلك.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ 38) لعله مضيئة مشـرقة، من إسفـار الــصبح، (ضَاحِكَةٌ) بالسرور، ( مُسْتَبْشِرَةٌ 39) بما ترى من البشارة.

 

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ 40) كسوف ودورة، ( تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ 41) يغشاها سواد وظلمة وكسوف؛ قيل: الفرق بين الغبرة والقترة: ما ارتفع من الغبار فحلق ]في[ السماء، والغبرة: ما كان أسفل، ( أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ 42) الذين جمعوا إلى الكفر الفجور.