بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ 1) أصله عن ما، ومعنى هذا الاستفهام: تفخيم شأن ما يتسألون عنه؛ كأنه لفخامته خفي جنسه، فيسأل عنه، ( عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ 2) بيان لشأن المفخم؛ قيل: هو البعث؛ وقيل: هو القرآن، لقوله: (قل هُوَ نبأٌ عظيم)،( الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ 3) بجزم النفي والشك فيه، أو بالإقرار والإنكار،

 

( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ 4) ردع عن التساؤل ووعيـد عليه، ( ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ 5) تكرير للمبالغة وثم للإشعار بأن الوعيد الثاني أشد؛ وقيل: الأول عند النزع، والثاني في القيامة.

 

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا 6 وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا 7) تذكير ببعض ما عاينوا من عجائب صنعه، الدالة على كمال قدرته، ليستدلوا بذلك على صحة البعث، كما مر تقريره مرارا، (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا 8) ذكرا وأنثى، ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا 9) قطعا عن الإحساس والحركة؛ استراحة للقوى الحيوانية، وإزاحة لكلالها؛ أو موتا، لأنه أحد التوفيين، ومنه المسبوت: للميت، وأصله القطع أيضا.

 

(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا 10) غطاء يستر بظلمته من أراد الاختفاء،( وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا 11) وقت معاش يتقلبون فيه لتحصيل ما يعيشون به؛ أو حياة تبعثون فيها من نومكم، ( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا 12) سبع سماوات أقوياء محكمات، لا يؤثر فيها مرور الدهور، ( وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا 13) متلألئا وقادا من وهجت النار: إذا أضاءت؛ أو بالغا في الحرارة، من الوهج، وهو الحر، والمراد الشمس.

 

(وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَات)ِ السحاب إذا أعصرت، أي: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر؛ أو الرياح ذوات الأعاصير، لأنها تنشئ السحاب، (مَاءً ثَجَّاجًا 14) منصبا بكثرة؛ يقال: ثجة وثج بنفسه، ( لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا 15) ما يقتات به، وما يعتلف من التبن والحشيش، ( وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا 16) ملتفة بعضها ببعض، ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ) كان في علم الله، أو في حكمه (مِيقَاتًا 17) حدا تؤقت به الدنيا.

 

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا 18) جماعات من القبور إلى المحشر؛ أو كل أمة مع إمامهم؛ أو كل أهل فوج يضمهم عملهم؛ والمعنى: أن يحشر كل واحد مع من ينـاسبه في العمل، لأن المتناسبين في العـمل متنـاسبون في الـجزاء، (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ) وشقت، (فَكَانَتْ أَبْوَابًا 19) فصارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبواب.

 

(وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ) في الهواء كالهباء، ( فَكَانَتْ سَرَابًا 20) مثل سراب، إذ ترى على صورة الجبال، ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها وانبثاثها، ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا 21) موضع رصد، يرصد فيه خزنة النار الكفار؛ أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد، ( لِلطَّاغِينَ مَآَبًا 22) مرجعا ومأوى، ( لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا 23) دهورا متتابعة لا تنقضي أبدا، ( لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا 24 إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا 25) والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار، وبالشراب ما يرويهم من لعله العطش؛ وبالغساق: ما يغسق، أي: يسيل من صديدهم، ( جَزَاءً وِفَاقًا 26) ذا وفاق لأعمالهم؛ أو موافقا لها على قدرها؛ لأن الله لا يظلم مثقال ذرة.

 

(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا 27) بيان لما وافقه هذا الجزاء، (وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا 28 وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا 29) للجزاء، ( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا 30) ففي الحديث، هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار.وإذا كان أهل النار في زيادة عذاب، كان أهل الجنة أولى أن يكونوا في زيادة الثواب، وقد قيل بذلك. (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا 31) فوزا أو موضع فوز،( حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا 32) بساتين فيها أنواع الشجرة المثمرة، ( وَكَوَاعِبَ ) نساء تكعب ثديهن، (أَتْرَابًا 33) للذات، لعله مستويات في السن، ( وَكَأْسًا دِهَاقًا 34) ملآنا، وأدهق الحوض: إذا ملأه، ( لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا 35) إذ لا يكذب بعضهم ولا يلغون، واللغو: الباطل، ( جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ) بمقتضى وعده، ( عَطَاءً) تفضلا منه، إذ لا يجب عليه شيء، ( حِسَابًا 36) كافيا من أحسبه: إذا كافأه حتى قال: حسبي؛ أو على حسب أعمالهم.

 

(رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا 37) أي: لا يملكون خطابه، ولا اعتراض عليه لعله ثواب أو عقاب، لأنهم مملوكون له على الإطلاق، فلا يستحقون عليه اعتراضا، وذلك لا ينافي الشفاعة بإذنه.

 

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا 38) يصيب به حقائق الأمور، ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ) الكائن لا محالة، ( فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ) ثوابه (مَآَبًا 39) بالإيمان والطاعة.

 

(إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا) قيل: هو في الدنيا، وذلك إن خالفتم، لأن لكل مخالف عذابا معجلا؛ وقيل: عند خروج الروح؛ وقيل: يوم القيامة، فإن كل ما هو آت قريب؛ ( يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ )يرى ما قدمه، (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا 40) في الدنيا فلم أخلق، ولم أكلف؛ أو في هذا اليوم فلم أبعث.