بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) الشهادة إخبار عم علم؛ من الشهود، وهو: الحضور والاطلاع؛ ولذلك صدق المشهود به، وكذبهم في الشهادة بقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1 )لأنهم لم يعتقدوا ذلك، لإضمارهم خلاف ما أظهروا. قال الغزالي: وهذا صدق، ولكن كذبهم لا من حيث النطق باللسان، بل من حيث ضمير القلب. (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ) حلفهم الكاذب، أو شهادتهم هذه، فإنها مجرى الحلف في التوكيد، (جُنَّةً) وقاية عن القتل والسبي، (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 2) من نفاقهم وصدهم.

 

(ذَلِكَ) إشارة إلى الكلام المتقدم؛ أي: ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم، أو إلى الحال المذكور من النفاق والكذب، (بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) ارتدوا، أو آمنوا إذا رأوا آية، ثم كفروا حيث سمعوا من شياطينهم شبهة، (فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) حتى تمرنوا على الكفر، واستحكم فيهم، (فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ 3) حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحته. (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) بصباحتهم ومعروفهم الظاهر.

 

(وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لذلاقتهم وحلاوة كلامهم، (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) مشبهين بأخشاب منصوبة، مسندة إلى الحائط، في كونهم أشباح خالية لعله عن الأرواح، ]و[ عن العلم والنظر، (يَحْسَبُونَ) لعله من خبثهم وسوء ظنهم، (كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أي: واقعة عليهم لجنبهم واتهامهم فعليهم ...(هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) لعله ولا تأمنهم، (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ) دعاء عليهم، وشهادة منه عليهم بالهلاك؛ وهو طلب من ذاته أن يلعنهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك، (أَنَّى يُؤْفَكُونَ 4 ) كيف يصرفون عن الحق.

 

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ) بأن تدخلوا في طا]عته[ محققين فتستحقوا الاستغفار منه، ثقل ذلك عليهم، لقوله: (لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) عطفوها إعراضا واستكبارا عن ذلك، (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) عن طاعته (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ 5) عتوا وعنادا. (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ)  ما داموا على حالهم، (أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) لرسوخهم في الكفر، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ 6) عن مظنة الإصلاح، لانهماكهم في الكفر والنفاق.

 

(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) أي: للأنصار: (لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ) يعنون فقراء المهاجرين (حَتَّى يَنْفَضُّوا) لعله يتفرقوا عنه، (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بيده الأرزاق والقسم، (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ 7) ذلك، لجهلهم بالله، إذ يرون الأسباب دون مسببها.

 

(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ) لعله لفقرهم، ولم يعلموا أن العزة كلها في الطاعة، (مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) لله الغلبة والقوة، ولمن أعزة من رسوله والمؤمنين، (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ 8)من فرط جهلهم وغرورهم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن أداء فرائضه تلهيا وتفرحا، ولا تكتسبوها بغير طاعته، فتشغلكم عن أداء فرائضه، ولا تعصوا الله بسببها فتخسروا الدارين، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 9)لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.

 

(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ) بعض أموالكم ادخارا للآخرة، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي: يرى دلائله، (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي) هلا أمهلتني (إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) يسأل الرجعة إلى الدنيا، وما قصر أحد في الواجب إلا يسأل الرجعة إلى الدنيا، (فَأَصَّدَّقَ) لعله لأنه ضيع فرائض الصدقة، (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ 10)  بالتدارك، (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا) ولن يمهلها (إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 11) فيجازيكم عليه.