واختلف الناس على أقوال في ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هل هي آية منها أم لا ؟ والحق أنها آية منها ، وأن الصلاة لا تصح على العمل لتركها ، ومختلف في النسيان فيها ولا تنازع في أنها من كلام الله إجماعاً . والباء فيها للاستعانة لكن القول في العبارة عنها في التسمية لها ، فسموها بإضافة وباء استعانة وباء إلصاق ، أي تلصق الأفعال بالأسماء ، وقيل فيها أنها للمصاحبة ، وهي حرف جر يخفض ما بعده ، ولا تصح عند أهل اللسان إلا بها ، ولذلك قالوا إنها مناطة بضمير : ابدأ وقيل اقرأ .

 وقد أجمع الكل فيما نعلم على حذف الهمزة لاشتهارها في القراءة دوما للخفة ، وإنما طولت الباء فيما قيل ، عوضاً منها لتكون كالدليل عليها ، وكأنه في ذلك وفي مد السين تعظيم لشأن المبدأ ، والاسم هو المسمى ، وقيل غيره ، إنه صفة له وتعريف لا غيره والمسمى هو المعنى الذي أريد به الاسم .

  والقول الثالث لا هو ولا غيره ، والأول أصح ، لكن على شريطة إرادة الذات من الشيء المسمى لا اللفظ نفسه مجرداً عن نفس المراد به ، فإن ذلك لا شك فيه فإنه غيره لترادفه وتجزئه وتغايره في الكيفيات ، وتعداده وتقطعه حروفاً في الأصوات ، واختلافه في اللغات ، وتباينه في الهيئات ، وكأنه في نفس البداية بالبسملة تشويق للمريدين ، وترويح لقلوب الخائفين ، وتطميع لأنفس المشتاقين ، واستحثاث للسالكين ، وتنشيط للمقبلين ، واستدعاء للمرتدين ، واستعطاف للمذنبين ، وإشارة لطيفة من الله لأهل الألباب ، على أن الرحمة قريبة ممن تعرض لنفحاتها ، والاستنشاق لمبادئها رجاء أن يغمر أقاصها ، قائلاً في مقاعد شكره ومعاهد ذكره .