تفسير الجهـاد في سبيل الله :
قوله في سورة البقرة :
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ....) وذلك أن الله أمر النبي والمؤمنين بمكة بتوحيد الله وأن يبرؤوا من جميع الأصنام والأنداد ، وأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن يكفوا عن القتال ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، نزل سائل الفرائض وأذن لهم بالقتال ، فقال في سورة الحج :
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ) يعني : النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
(بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) يعني : ظلمهم أهل مكة حين أخرجوهم من ديارهم .
(وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ) فلما كتب عليهم القتال شق على أناس من المسلمين ، فنزلت ( كتب عليكم القتال ) فأذن لهم بعدما كان نهاهم عنه .
(وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) يعني : القتال مشقة عليكم .
( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) يعني : الجهاد وقتال المشركين .
(وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) فجعل الله عاقبته فتحاً وغنيمة وشهادة .
(وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) يعني : القعود عن الجهاد .
(وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) فتكون عاقبته شراً لكم ، فلا يصيبون فتحاً ولا غنيمة .
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ورغّب المسلمين في الجهاد فقال في
سورة الصف .
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً) يعني : المشركين من أهل الحرب ، في طاعة الله ، صفاً .
(كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ملتزق بعضهم ببعض في الصف في القتال ،
هذا تعليم من الله للمؤمنين .
وقال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم .
وقال في آية أخرى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .
قال ك لما نزلت هذه الآية ن قال المسلمون : لوعلمنا هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال ، والأعلين ، والأنفس . فبين لهم التجارة قال :
(تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعني : بتوحيد الله ن وجميع ما أمر الله ورسوله وتصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي رسول . (وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يعني : تجاهدون العدو من المشركين في طاعة الله .
(بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) يعني : الإيمان والجهاد .
(ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) من غيره (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .
(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) يقول : إذا فعلتم ذلك يغفر لكم ذنوبكم .
(وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) يعني : الأنهار تحت الشجر في البساتين .
(وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ) يعني : منازل الجنة .
(فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) قال : جنة عدن ن وهي اشرف المنازل .
([ذَلِكَ]) يعني : هذا الثواب الذي ذكر (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
(وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) يعني : ونصراً عاجلاً في الدنيا (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة .
عن عمر بن الخطاب رحمة الله أنه قال :
(( حجة قبل غزوة ــ يعني حجة الإسلام ــ أفضل من عشر غزوات ، وغزوة بعد حجة الإسلام أفضل من عشر حجات ، لأن الله قد أوجب الفرائض على المسلمين ، فمن ضيّع الفريضة فلا يقبل منه التطوع )) .
تفسير فضل المجاهدين على القاعدين :
قوله في سورة النساء :
(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَر) يعني : أهل الزمانة .
(وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يقول : لا يستوي في الفضل القاعد عن الغزو ( من المؤمنين ) والمجاهدون .
( [ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ] فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) يعني : فضيلة .
(وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) يعني : المجاهد والقاعد والمعذور ، ( وعد الله الحسنى ) يعني الجنة .
(وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ) الذين لا عذر لهم .
(أَجْراً عَظِيماً . دَرَجَاتٍ مِنْهُ) يعني : فضائل منه .
(وَمَغْفِرَةً ) يعني : ومغفرة لذنوبهم (وَرَحْمَةً ) لهم .
(وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) يفضل بسبعين درجة أو ما شاء الله .
تفســير القــاتل والمقتـــول من المجاهدين في الآخرة :
قوله في سورة البقرة :
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يعني : الذين يُقتلون في طاعة الله في قتال المشركين والكافرين .
(أَمْوَاتٌ ) يقول : لا تحسبهم أمواتا .
(بَلْ أَحْيَاءٌ ) يعني : أرواح الشهداء أحياء (وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) .
وقوله في سورة آل عمران :
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يعني : في طاعة الله في جهاد المشركين والكافرين .
(أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ) يعني : الشهداء أحياء .
(عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قال : جعل الله أرواح الشهداء يوم بدر في حواصل طيور خضر يرعون في الجنة حيث شاءوا ويأكلون من ثمارها وتأوى إلى قناديل تحت العرش ، وهم في كرامة الله والخير .
فذلك قوله ( أحياء عند ربهم يرزقون ) .
(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) . وأما قوله :
(وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ) قال : لما دخلوا الجنة ورأوا فيها من الكرامة للشهداء قالوا :
يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما نحن فيه من الكرامة . فإذا شهدوا القتال بشروهم بأنفسهم حتى يستشهدوا ويصيبوا ما أصبنا .
فأخبر الله النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم ، وما هم فيه من الكرامة وأخبرهم أني قد أنزلت على نبيكم ، وأخبرته بأمركم وما انتم فيه .
فاستبشروا بذلك ن وذلك قوله : (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) يعني : إخوانهم من أهل الدنيا ، أنهم سَيُحرّضُون على الجهاد
(أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) الموت .
( طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) .
تفسير الرباط في سبيل الله :
قوله في سورة آل عمران :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ) يعني : على الفرائض .
(وَصَابِرُوا) مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع إمام عدل في المواطن .
(وَرَابِطُوا) يعني : [ ضد ] العدو من المشركين وغيرهم ، حتى يتركوا دينهم الشرك وغيره من الباطل ، لدين الإسلام .
(وَاتَّقُوا اللَّهَ ) يعني : فيما أمركم ونهاكم .
(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يعني : لكي تفلحوا .
قال : من رابط المشركين في نفر من المسلمين ن حيث يخاف العدو ويخافونه أربعين يوماً ، فهو عظيم الأجر ، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجرى الله له أجر رباطه إلى يوم يلقى الله .
قال : لأن أقوم مقاماً حيث أخاف العدو ، ويخافوني ، لا أضرب فيه بالسيف ، ولا أطعن فيه بالرمح ، ولا أرمي فيه بالسهم ن وأرجع سالماً أحب إلي من عبادة ستين سنه غير الفرائض إذا كان موافقاً للسنة .
68- تفسير آيات قتال المشركين وتقسيم الغنيمة والغلول في غنيمة الحرب
تفسير ما كان الله شدد على المسلمين في قتال المشركين ثم رخص لهم :
قوله في سورة الأنفال :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) يعني : يوم بدر .
(فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) كناية عن الفرار .
(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) يعني : يوم بدر خاصة .
(إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ ) يعني : مستطرداً ، يريد الكرة على المشركين .
(أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ ) يعني : أو متجاوزاً إلى أصحابه من غير هزيمة ، فمن انهزم يومئذ حتى يجاوز صف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هارباً (فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) يعني : فقد استوجب غضب الله .
(وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) فكان هذا يوم بدر خاصة ن كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين ، وهو قتال قاتل فيه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين من أهل مكة .
قال أبو الحواري :
من قتل مدبراً مولياً عن القتال ، فليس يقول : إنه شهيد ، ولقد يقال : إن الآية التي في سورة الأنفال محكمة ليست بمنسوخة ( ومن يولهم يومئذٍ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) . وقال في آية أخرى :
(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) يعني : يقاتلوا مائتين من المشركين .
(وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا ) يعني : يقاتلوا .
(أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) . فكان جعل الله على المسلمين يوم بدر أن يقاتل الرجلُ منهم عشرةً من المشركين ليقطع دابراهم ، فلما هزم الله المشركين يوم بدر وقطع دابرهم ، خفف على المسلمين بعد ذلك فنزلت : (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ) يعني : يعد قتال بدر .
(وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا) يعني : يقاتلون (مِائَتَيْنِ) من المشركين .
([وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا] أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ) تعالى .
(وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) يعني: من المسلمين ، في النصر لهم . فجعل يوم بدر على الرجل الواحد من المسلمين أن يقاتل رجلين من المشركين ، ونزلت بعد قتال بدر بسنة في أمر قتال أحد ، في سورة آل عمران حين انهزم المسلمون يوم أحد حين التقى الجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين ، فانهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم وثمانية عشر رجلاً فقال :
( إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ) حين تركوا المراكز وعصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال للرماة يوم أحد لا تبرحوا مكانكم ، فترك بعضهم المركز . (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) حين لم يعاقبهم فيستأصلهم جميعاً .
(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ [ حَلِيمٌ]) . فلم يجعل لمن انهزم يوم أحد بعد قتال بدر النار كما جعل يوم بدر ، وهذه ، رخصة بعد التشريد .
قال : وانهزم المسلمون يوم حنين فذلك قوله :
( إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) . منهزمين عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ، فلم يجعل الله لهم النار ، فهذا بعد قتال أحد .
قال : ومن قتل اليوم في الجهاد مقبلاً أو مدبراً فله الجنة وهو شهيد إذا كان موافقاً للسنة ، ولكن سبق المقُبل المدبر إلى الجنة .
قال : وانهزم على عهد عمر بن الخطاب رحمه الله ، جيش من المسلمين بالشام ، فقتل عامتهم وعمر يومئذٍ بالمدينة ، فقال : رحمهم الله ليتني كنت معهم .
قال : فينبغي للمسلمين اليوم أن يقاتلوا الضّعف من المشركين إلى يوم القيامة ، فمن أعطى بيده من غير عذر حتى أسره المشركون إذا كانوا مثل المؤمنين ، فإنه لا يفادى من بيت المال ، إلاّ أن يفدي الأسير بنفسه من ماله . وإن كانوا أكثر من الضعّف فإنه يفادى من بيت المال .
عن أبي قتادة : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه سلم فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله محتسباً مقبلاً غير مدبر أيكفر الله خطاياي ؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر كفر الله خطاياك إلا الدّين ، كذلك قال لي جبريل عليه السلام ..)) .
قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الزحفان صار النبي صلى الله عليه وسلم على فرسه بين الصفيّن ، المسلمين والمشركين ، يحض الناس على القتال ، حتى إذا بالغ في الأمرين في الاجتهاد والجهاد فاشتاق الناس إلى الحمل على العدو ناشدهم الله : لا تحملوا حتى يحمل هو ، فيدعو الله بيديه كلتيهما ن قد رفعهما إلى الله ، فإذا فرغ من الدعاء قال :
اللهم أنت مولانا ولا مولى لهم ، اللهم إياك نعبد ، ولا يعبدونك ، ونشكرك ويكفرونك . اللهم أيدنا بنصرك ، وأمددنا بملائكتك يضربون وجوههم وأدبارهم وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين . أهيا شرا هياً ، يا حي يا قيوم ن دعوتك باسمك الحي القيوم ، فيحمل الناس على أثره ، فهو أول من يخالطهم صلى الله عليه وسلم .
تفسير قســمة الغنيمة من فيء المشــركين من أهل الحــرب :
قوله في السورة التي يذكر فيها الأنفال :
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) يعني: الضيف النازل عليكم .
(إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ) وكان المسلمون إذا غنموا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجوا خمسه ، فجعلوا ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع ، فربع لله وللرسول ولقرابة النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مثل نصيب رجل من القرابة ن والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل ويعمدون إلى التي بقيت فيقسموها على المسلمين ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ردّ أبو بكر رضي الله عنه نصيب القرابة فجعل يعمل به في سبيل الله ، فانطلق علي بن أبي طالب إليه يطلب نصيب القرابة .
فقال له أبو بكر رحمه الله ن سمعت عائشة تقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( عن النبي صلى الله عليه سلم لا يورث )) .
فانطلق إلى عائشة قال : أأنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث )) ؟ قالت : نعم .
فرضي بذلك علي بن أبي طالب ، فجعل أبو بكر وعمر يحملون به في سبيل الله ، وبقي نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل .
تفسـير مـن يغل في الغنيمة :
قوله في السورة التي يذكر فيها آل عمران :
(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعني : يغل ما أفاء الله على المسلمين من فيء المشركين قليلاً أو كثيراً ( يأت بما غل يوم القيامة ) قد حمله في عنقه .
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ) يعني : كل بارٍ وفاجر ( بما كسبت ) يعني : بما عملت من خير أو شر .
(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) يعني : في أعمالهم ، ثم قال :
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) فلم يغلل الغنيمة .
(كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ) كمن استوجب سخطاً من الله في الغلول ، فقال : ليسوا سواء ، ثم بيّن مستقرها فقال للذي يغل .
(وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) يعني : مصير أهل الغلول .
ثم ذكر مستقر من لا يغل فقال :
( [هُمْ ] دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) بصير بمن يغل منكم ومن لم يغلل .
عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً قال :
أيما عبد يأتي يوم القيامة وعلى عنقه جمل له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة لها أعار ، أو بغل أو فرس له حمحمة .. اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت ؟
[ فقالوا : هل لرجل أن يحمل على عنقه جملاً ؟ !
فقال : أرأيتم من كان طوله مسيرة شهر ، ورأسه مثل الأقرع ، وهو جبل بالشام ، وحدقته مثل حراء ، وفخذه مثل ورمان ، هل يستطيع في حمل ذلك ؟
قالوا : نعم ومائة معه ..] .