تفسير ما أمر الله المؤمــنين من الأدب الصالـح

والمسارعة إلى المغفرة والجنة بالعمل الصالح :

 

قوله في سورة التحريم :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) يعني : بالأدب الصالح .

وقوله في سورة آل عمران :

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) بالأعمال الصالحة ( إلى مغفرة من ربكم ) لذبوبكم (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) يعني : كعرض سبع سموات ، وسبع أرضين ، لو الزق بعضهن إلى بعض ، فالجنة في عرضهن .

(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) الذين يتقون الكفر والمعصية ، ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) يعني : الذين ينفقون الأموال في طاعة الله في السر (فِي السَّرَّاءِ) في الرخاء (وَالضَّرَّاءِ) يعني : في الشدة ، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) هو الرجل يغضب فيهم بأمر لو فعله لوقع في معصية ، فيعفو ويكظم الغيظ ، (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) يعني : يعفو عمن ظلمة ، فمن فعل ذلك فهو محسن (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .

( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) .

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، )إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) . .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( هؤلاء في أمتي قليل ، وكانوا كثيراً في الأمم الخالية )) .

قال : قال عمر بن الخطاب :

(( عليك باليأس عما في أيدي الناس ، فإنه غنى حاضر ، وإياك والطلب مما في أيدي الناس فإنه فقر فاقر ، وإياك وكل كلام تعتذر منه ، وإذا صليت فصل صلاة مودع ، وكن في اليوم خيراً من الأمس ، وكن غداً خيراً من اليوم )) .

قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام لأصحابه :

(( لا يطيق عبد أن يكون له ربّان ، كذلك عبد لا يطيق أن يكون له خادم للدنيا ويعمل عملاً للآخرة ، فاعتبروا بطير السماء لا يجمع ، ولا يزرع ، ولا يحصد ، وغن ربكم الذي في السماء يجري عليها قوتها يوماً بيوم ، واعتبروا أن الله قدّر الخلق والرزق ، فلا يستطيع الرجل أن يزيد في رزقه درهماً حتى يزيد في أركانه ، لا تهتموا لما تأكلوه ، ولا ما تلبسوه عليكم بما وكلتم به من العمل الصالح ، ودعوا ما كفيتم من الرزق )) .

قال : إن أبا الدرداء ، كتب إلى سلمان الفارسي كتاباً حسناً بليغاً فقال : أما بعد : سلام الله عليك ، فإن الله قد رزقني بعدك مالاً وولداً ، وأسكنني ارض المقدسة .

فكتب سلمان الفارسي إليه كتاباً بليغاً حسناً : [قال فيه ] : أما بعد : سلام الله عليك ، فإنك كتبت إلي تزعم أن الله قد رزقك مالاً وولداً ، فإن الخير ليس في كثرة المال والولد ، إنما الخير أن يعظم حلمك وينفعك علمك . وكتبت تزعم أن الله أسكنك الأرض المقدسة ، فإن الأرض لا تعمل لأحد ، فإذا أتاك كتابي هذا فاعمل لله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، فالحفظة الكرام الكاتبون عندك . (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وعد نفسك في الموتى

(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ . وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ . وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ . لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) .

(عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) .

(يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ . بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) .

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) .

( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) .

( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) .

(وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) .

(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى .

ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن أغبط الناس عند الله يوم القيامة الخفيف الحال ، أُعطي حظاً من اليقين والشكر ، مع الصلاة لله ، وذكر الله كثيراً في السر والعلانية ، وكان في الناس غامضاً لا يشار إليه بالأصابع ، لا في الدين ولا في الدنيا ، وكان عيشه كفافاً )) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( ومن سره أن يكون معي في الجنة فليكثر الذكر ، مع قراءة القرآن ، ويعمل بما في القرآن ، وسنة نبيه صلوات الله عليه )) .

وقال أيضاً :

(( أيسّوا أنفسكم عن طلب ما في أيدي الناس ، وكونوا أغنياء ، من يستغن أغناه الله ، ومن استعفف أعفه الله )) .

وقال أيضاً :

(( قد أفلح من هُدِيَ للإسلام وكان رزقه كفافاً وقنع برزقه )) .

وقال : إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة :

(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ . وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( غنما أتخوف على أمتي ضعف اليقين ....)) .

عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

(( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً ...)) .

قال : قلت للربيع : يا أبا عمر ، رجلان أحدهما طلب الدنيا بحلالها فأصابها ، فوصل منا رحمه ، وقدم منها لنفسه ، وجانب الآخرة الدنيا .

فقال : أحبهما إلي الذي جانب الدنيا ، فأعاد عليه مثلها .

قال : إن رجلاً قال : يا رسول الله ، كيف لي أن أعلم كيف أنا ؟ قال : إذا رأيت كلما طلبت شيئاً من أمر الآخرة ، وابتغيته يُسر لك ، وإذا أردت شيئاً من أمر الدنيا هسّر عليك ، فأنت هلى حالة حسنة . وإذا رأيت كلما طلبت شيئاً من أمر الآخرة

وابتغيته عسّر عليك ، وإذا أردت شيئاً من أمور الدنيا وابتغيته يسر لك ، فأنت على حالة قبيحة ، وخف على نفسك وادع الله وارغب إليه (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) .

قال : كان أبو طلحة يصلي في حائط له ، فطار شيء ، فطفق يتردد يلتمس مخرجاً فلم يجده من التفاف النخل ، فأعجبه ذلك فأتبعه بصره ساعة . فرجع فإذا لا يدري كم صلى ، قال : لقد أصابني من مالي هذا فتنة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هو صدقة فضعه حيث أراك الله ..)) .

وقال : ففعل ذلك أبو طلحة .

قال : وكان جابر يقول : أدركنا قوماً كانت الدنيا تعرض لأحدهم حلالاً فيدعها ، فيقول : والله ما أدري على ما أنا في هذه إذا صارت في يدي ، ما بسطها لأحد إلا إغتراراً ، يعني : الدنيا .

وكان يقال : خير الدنيا لكم ما تبتلون به منها ، وخير ما ابتليتم به منها ن ما خرج من أيديكم ، وصبرتم ، فإن الله وعد الصابرين أجراً عظيماً .

عن أبي دجانة قال : صاحب الدرهمين أشد حساباً من ذي الدرهم .

وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام على المنبر وخطب الناس فقال : (( إني لست أخشى عليكم أن تشركوا ، ولكن أخشى عليكم الدنيا تنافسوها )) .( فقال عقبة : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والدنيا خلفنا ، فلما فقدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلنا هكذا يميناً وشمالاً ، والدنيا بين أيدينا ، والله المستعان .