تفسير ما أمر الله من الاستئذان في بيوت المسلمين :

 

قوله تبارك وتعالى في سورة النور :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) يعني : بيوتاً ليست لكم

(حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) يعني : حتى تستأذنوا .

( وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ْ) [فيها تقديم يقول : حتى تسلموا ثم تستأذنوا] لأن التسليم قبل الاستئذان (ذَلِكُم) يعني : التسليم والاستئذان (خَيْرٌ لَكُمْ) أفضل من تدخلوا بغير إذن لئلا تأثموا . ويأخذ أهل البيت حذرهم .

(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) لكي تذكروا ، أن التسليم والاستئذان خير لكم فتنفعلوا كما أمر الله .

ثم قال : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) يعني : في الدخول (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) يعني : لا تقعدوا ولا تقوموا على أبواب الناس .

( هُوَ أَزْكَى) يعني : الرجوع خير لكم من القيام والقعود على أبوابهم ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ٌ) يعني : بما ذكرتم (عَلِيم) .

ثم رخص في البيوت التي على الطريق فليس فيها سكان أن تدخلوها بغير إذن ، قال (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) يعني : لا حرج عليكم .

( أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) يعني : ليس فيها ساكنوهي الحانات التي على الطرق للمسافرين ، ليس فيها سكان .

قال : لا جناح عليكم ولا حرج عليكم أن تدخلوها بغير استئذان ولا تسليم ( فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ) يعني : في البيوت التي على الطريق (مَتَاعٌ لَكُمْ) يعني : متاعاً لكم من البرد والحر.

( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ).

قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا أراد أن يدخل دار لبعض المسلمين يسلم ثلاثاً من خارج الدار ، فإذا رُدّ السلام استأذن ، فإن أُذن له دخل ، فإن لم يُردُّ السلام رجع إلى مكانه ولم يزد على ثلاثة تسليمات .

عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

(( يسلم القليل على الكثير، والصغير على الكبير ، والراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والماشيان أيها بدا بالسلام خير )).

قال : وإذا سلم الرجل على الجماعة ، فرد أحدهم فقد أجزى عنهم ، وإذا كانوا جماعة فيسلم أحدهم ، فقد أجزى عنهم .

قال : قال ابن عباس :

انتهوا في التسليم إلى حديث انتهت الملائكة إلى رحمة الله وبركاته .

قال : وإذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ، ولا تسلم على قوم وهم يصلون ، ولا على المشركين ، فإن سلّموا [ فرد عليك ] .

وعن جابر : في الرجل يسلم على أهله فيقول : السلام عليكم إذا دخل فليس بطلاق إن فعل ذلك .

قال : سلموا على صالحكم وطالحكم ، وصلوا على صالحكم وأكثروا له الاستغفار : اللهم اغفر له .

وصلوا على طالحيكم الفساق ، وامنعوا عنهم الاستغفار لأن الله ذكر في كتابه (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً ) إلى قوله : ( وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) فنهى الله النبي وأصحابه المسلمين عن الاستغفار لهم ، من مات منهم من غير توبة .

قال : وعزوا مع صالحكم وطالحكم إذا كان موافقا للسنة .

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( من لم يسلم فلا تأذنوا له ، ومن دخل فلم يسلم فقد عصى ربه ، ويخاف على نفسه ويتوب )) .

قال : من سلم [وقال : السلام] عليكم ، فهو مأجور ، فإن قال : السلام عليكم ورحمة الله فقد إزداد خيراً ، فإن قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهو عظيم الأجر ، فطوبى للمؤمنين .

وكذلك لمن أراد السلام من المؤمنين على من يسلم عليه .

 

تفسير ما أمر الله به المسلمين أن يُستأذن عليهم في بيوتهم :

 

قوله في سورة النور :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) يعني : العبيد والإماء (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا[ الْحُلُمَ] مِنْكُمْ) يعني : الصبيان الذين لم يحتلموا من الأحرار ( ثَلاثَ مَرَّاتٍ)

يقول : ( مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) يعني : نصف النهار (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ) .

فلا ينبغي أن يدخل عليهم في هذه الساعات الثلاث أحد من ألادهم وأقربائهم الصغار ومماليكهم الكبار إلا بإذن .

قال : ( ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ) يعني : ثلاث ساعات غفلة وعرىّ وما يخلوا الرجل إلى أهله .

ثم رخص لهم بعد هذه الساعات الثلاث فقال :

( لَيْسَ عَلَيْكُمْ) جناح ، يعني : على أرباب البيوت .

(وَلا عَلَيْهِمْ) يعني : على الصبيان الصغار والمملوكين الكبار .

( جُنَاحٌ ) يعني : حرجاً (بَعْدَهُنَّ) يعني : بعد العورات الثلاث .

( طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ) يعني بالطّوافين : الدخول والخروج غدوة وعشية بغير إذن

( بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ) في غير العورات الثلاث ( كَذَلِكَ) يعني : هكذا (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعني : ما ذكر من الاستئذان من الصبيان والمملوكين في العورات الثلاث (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعني : ما ذكر في هذه الآية .

ثم ذكر الصبيان والأحرار ، وترك المملوكين على حالهم فقال :

(وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ) يعني : الصغار من أولاد الرجل وأقربائه (منكم) : من الأحرار (الحلم) يعني : إذا احتلموا .

( فَلْيَسْتَأْذِنُوا ) في الساعات الثلاث وغيرها في الليل والنهار وكلما دخلوا على آبائهم وأمهاتهم (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقربائه .

(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ) يعني : ما بين في هذه الآية .

( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعني : حكم الاستئذان .

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)

قال : لا ينبغي أن يدخل على الرجل أحد من ولده إذا احتلموا ، والجواري إذا حضن ليلاً أو نهاراً إلا بأذنه .

ولا ينبغي للصغار من ولهد وأقربائه ، الكبار والمملوكين أن يدخلوا عليه في العورات الثلاث إلا بأذنه .

قال : قال ابن عباس :

ترك الناس آيات من كتاب الله ، لا يعلمون بهذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ ) إل آخر الآية .

والآية في الحجرات :

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )

قال : نزلت في بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ويقال أيضاً في سلمان الفارسي .

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، قال : إياكم والفخر والخيلاء فإن الله لا يحب كل مختالٍ فخور ، ولا يحب كل شيء فيه فخر ولا خيلاء ولا كبرياء ، وكن متواضعاً لله ، عليك وقار الأيمان وسكينته وهديه ، وكن ليّناً لأهلك رحيماً بهم لطفياً بمحسنهم ، شديداً على مسيئهم ، فإنك متى تفعل ذلك يكثر البر والخير في أهلك ، فإن الله ذكر عبداً رضى الله عنه فقال : (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) فإن استطعت ألا يكون في بيتك شيء من سخط الله فافعل فإن كنت ترى أنك ولى الله ، وقد كان يقال : إنه من تشبه بقوم فهو منهم ، فلا يكون شكلك شكل الجاهل السفيه ولا تواليه في سيء من أمرك ، ولا قوة إلا بالله .

فاقصد في مشيك ، وأمرك ، ومنطقك ، ومطعمك ، وهيئتك كلها . وإذا كان عندك متاع الدنيا ، واتخذته للفخر والخيلاء ، فإياك وإياه فإن الله لا يحب كل مختال فخور ، ولا يحب شيئاً فيه فخر وكبرياء وخيلاء .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن التواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعة ، فتواضعوا يرفعكم الله ، وإن العفو لا يزيد العبد إلاّ عزاً ، فأعفوا يعزكم الله ، وإن الصدقة لا تزيد المال إلاّ كثرة ، فتصدقوا يرحكم الله )) .

قال : من التواضع أن يبدأ بالسلام على كل مسلم ، والرضى بالمجلس عن شرف المجالس ، ولا يحب الرياء ولا السمعة ، والمدحة في شيء من عمل الله . فإذا كنت كذلك لزمت التواضع .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( لا تمادحوا ، واحثوا على وجوه المداحين التراب ))

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( الكيس من أدب نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع هوى نفسه وتمنى على الله ........)) .

قال : قال النبي صلى الله [عليه وسلم].

(( كان من حكمة داود عليه السلام أنه قال : لا ينبغي للمرء العاقل أن يشغله عن أربع ساعات من النهار شيء : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بأمر دينه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها مما يجمل ، فإن هذه الساعة عون على تلك الساعات الثلاث وجمام للقلب .

وقال أيضاً :

وعلى العاقل أن يكون عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه ، حفاظاً للسانه مقبلاً على شأنه ، وعلى العاقل ألا يظعن إلاّ في ثلاث : تزود لمعاده ، وحرفة لمعاشه ، ولذة في غير محرّم .

وقال عمر بن الخطاب رحمه الله :

إن المؤمن قوام على نفسه ، يحاسب نفسه لله ، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما سوء الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ، إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن فحال بينهم وبين هلكتهم بشهواتهم ، وإن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله ، لأنه يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ، وفي لسانه ، وفي جوارحه . يعلم أنه مأخوذ عليه في ذلك كله .

قال : قال الربيع إذا فارق ذكر الموت قلبي ساعة أفسد علّي قلبي .

قال : أفضل الذكر ، ذكر الموت ، فأكثر ذكر الموت ساعة بساعة أو لساعة ساعة .

عن أبي العالية أنه قال :

ما تركت قلبي ثلاثة أيام إلاّ أنكرته .

قال : عن من فضل العمل الورع والتفكر إذا كان موافقاً للسنة .

وكان ابن عباس [ يقول ] :

(( ركعتان مقتصدتان في تفكير خير من قيام ليلة والقلب ساه )) .

وقال : ما عبدا لله بمثل طول الحزن والتفكر ، وإنما الحزن والتفكر على قدر النظر .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن أصحاب الكهف كانوا يظهرون الكفر لقومهم ، فيؤجرون على ذلك ، ويسترون الإيمان فيما بينهم فيؤجرون على ذلك ، فيؤتون أجرهم مرتين )) .

قال : والتقية جنة المؤمن ، ولا دين لمن لا تقية له .

 

تفسير ما أمر الله به من التحية بين المسلمين بعضهم على بعض :

 

قال الله تبارك وتعالى في سورة النور :

(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاًًْ) يعني : بيوت المسلمين .

(فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُم) يعني : فيسلم بعضكم على بعض على أهل دينكم .

(تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَة) هي البركة (طَيِّبَة) يعني : حسنة (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعني : ما ذكر من أمر التحية .

( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) .

وأمر برد السلام في سورة النساء قال :

(وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) يعني : إذا قال لك أخوك المسلم : السلام عليكم

فرد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فإن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فردوا : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

ثم قال : (أَوْ رُدُّوهَا) عليهم كما قالوا لكم .

(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مقيتاً ، يعني : من أمر التحية ، وغيرها .

(حَسِيباً) يعني : شهيداً .

قال : من التواضع أن تبدأ بالسلام على أخيك .