تفسير الطلاق ، العدة، والمراجعة في العدة:

 

قوله في سورة الطلاق:

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ) يعني : النبي وأمته ( إذا طلقتم النساء ) ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) يعني : لطهورهن من الحيض ، يعني : تطليقة واحدة قبل الجماع ، ثم قال تعالى ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ) يعني : فلا تعصوه فيما أمركم . ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ) يعني : من قبل أنفسهن مادمن في العدة وعليهن رجعة .

)َ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) يعني : العصيان البين وهو النشوز ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) يعني : سنة الله وأمره ، أن يطلق المرأة للعدة طاهراً في غير حيض قبل الجماع . ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ ) يعني : سنة وأمره ، فيطلق المرأة لغير عدة ( فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ) يعني : بعد التطليقة أو التطليقتين ( أمراً ) يعني : الرجعة . ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) يعني : الرجعة .

( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) يعني : عند انقضاء عدتهن قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) . وإن تراجعتم [ فبالمهر ] الأول فأمسكوهن بطاعة الله وهو الإحسان ( أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) يقول : أو ردوهن إذا انقضت عدتهن من غير ضرار ( بِمَعْرُوفٍ ) يعني : بطاعة وهو الإحسان ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) يقول : فأشهدوا على الطلاق والمراجعة مرضيين عدليين من المسلمين ، ثم قال للشهود ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) يعني : أقيموها على وجهها كما كانت ( ذَلِكُمْ ) يعني : الذي ذكر من الطلاق والمراجعة ( يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ) يعني : يصدق بتوحيد الله ( وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني : ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، فليفعل كما أمره الله .

 

تفسير طلاق السنة ، وما نهى عن الضرار في الطلاق :

 

قوله عزوجل في سورة البقرة :

(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) يعني : تطليقة واحدة .

( فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) يعني : عند انقضاء العدة ، قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة .

( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) يعني : إن راجعتم في العدة فأمسكوهن بإحسان كما أمر الله ( أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) أو ذروهن حتى تنقضي عدتهن بإحسان في وفاء المهر والمتعة .

ثم قال الله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) .وذلك أن الرجل يطلق امرأته واحدة ، فإذا أرادت أن تبين منه عند انقضاء العدة راجعها ثم طلقها أخرى .

فإذا أرادت أن تبين منه عند انقضاء العدة راجعها وليست له فيها حاجة إلا أن يضارها بذلك ليمنعها من الزواج ، أو تفتدي منه ، فنهى الله عن ذلك فقال ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) . فإن ذلك عدوان ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ) يعني : الضرار فـي الطـلاق ( فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه ) يعني : في الإثم .

( وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً ) يعني : ولا تتخذوا ما أمر الله في كتابة من إمساك النساء بمعروف ، أو تسريح بإحسان استهزاء ، يعني لعباً ( وَاذْكُرُوا ) يعني : واحفظوا ( نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) يعني : في الإحسان بالإسلام ، واحفظوا ( وَمَا أَنْزَلَ ) الله ( عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ) يعني : القرآن والحكمة ، يعني : المواعظ التي في القرآن في أمره ونهيه ( يَعِظُكُمْ بِهِ ) يعني : بالـقرآن .

( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) يعني : فلا تعصوه فيما أمركم فيهن ، ثم حذرهم فقال ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).

يعني : من أعمالكم (عَلِيمٌ ) فيجزيكم به .

قال : أفضل الطلاق ، أن يطلق الرجل امرأته إذا اغتسلت من الحيض من قبل أن يجامعها تطليقة واحدة .

فإن شاء راجعها بالمهر الأول ، ويشهد رجلين من المسلمين على أنه قد راجعها . وإن جامعها من قبل أن يشهد ، بانت منه ولا يتزوجها ابداً . وإن لم يرد مجامعتها يكف عنها الجماع ، وتبقى في بيته ونفقته ، فإذا انقضت عدتها بانت منه بتطليقة واحدة ، وحلت للأزواج وهو خاطب من الخطاب ، إن شاءت كانت امرأته بمهر ونكاح جديد على تطليقتين والأمر إليها إن شاءت .

قال : ويطبق الرجل امرأته التي لم يمسها إن شاءت بتطليقة واحدة وليس عليها

عدة . .

قال : ويطلق الحبلى إذا شاء تطليقة واحدة ، فإذا وضعت ما في بطنها انقضت

عدتها .

قال : والمرأة التي أيست من المحيض ، وقد دخل بها زوجها يمسك عنها الجماع شهراً ثم يطلقها واحدة إذا شاء .

قال : وكذلك التي لم تبلغ المحيض ، وقد دخل بها زوجها .

ولا تخرج [ التي ] قد يئست من المحيض ، والتي لم تبلغ المحيض من بيوتهن ثلاثة أشهر .

والمراجعة في العدة في تطليقة واحدة أو اثنتين بمنزلة التي تحيض ، فإن مات أحدهما فالميراث بينهما العدة .

عن ابن مسعود : أنه ورث علقمة بن قيس من امرأته بعد ثمانية عشر شهراً كان دخل بها زوجها فطلقها واحدة فماتت قبل أن تحيض ثلاث حيضات . فقال ابن مسعود لعلقمة بن قيس :

خذ ميراثك منها ، فإن الله حبسه لك .

قال : وليس بين المسلم الحر وبين اليهودية والنصرانية والأمة ميراث ، وليس بين المرأة الحرة وبين زوجها العبد ميراث .

 

تفسير ما نهى الله ولي المرأة أن يمنعها أن ترجع إلى زوجها الذي طلقها واحدة أو اثنتين بعد انقضاء العدة :

 

قوله : في سورة البقرة :

( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ )يقول : فانقضت عدتهن ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) .قيلت في معقل بن يسارالمزني . وأبي البداح الأنصاري وذلك أن أبا البداح بن عاصم الأنصاري كان تزوج أخت معقل فطلقها واحدة ، فبانت منه ، وأراد المراجعة بنكاح جديد ومهر جديد ، فمنع المرأة أخوها معقل بن يسار أن ترجع إلى زوجها ، قال : لئن فعلتِ لا أكلمك أبداً وقال لزوجها :

أنكحتك وألزمتك وآثرتك على قومي ، فطلقتها وأجحفت بها والله لا أزوجكها

أبداً . قال الله ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ) يعني : معقلاً ، لا تمنعوهن ( أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) يعني : أن يرجعن إلى أزواجهن .

) إِذَا تَرَاضـَوْا بَيْـنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) يعني : بمهر جديد ونكاح جديد ( ذَلِكَ ) الذي ذكر الله من النهي ألا يمنعها من الزوج ( يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني : يصدق بالله أنه واحد ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، فليفعل ما أمرالله ، يعني : ماذكر الله في هذه الآية ( ذَلِكُمْ أَزْكَى ) يعني : المراجعة خير لكم من الفرقة (وَأَطْهَر) لقلوبكم من الريبة ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ ) يعني : حقا لقلوبكم كل واحد منهما للآخر ( وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

يعني : ذلك منهما ، فلما نزلت هذه الآية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعقل بن يسار (( إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تمنع أختك من زوجها )) . فقال معقل : (( إني أؤمن بالله واليوم الآخر ، وأشهد أني قد أنكحته ، ولا أمنع منه معرفا )) .

 

تفسير الطـــــــــــلاق الثـــلاث :

 

قوله تبارك وتعالى في سورة البقرة :

( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ) يعني : الولد .

( إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني : أزواجهن ( أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) يعني : برجعتهن ( فِي ذَلِكَ ) يعني : في الحبل .

قال : كان هذا أول الإسلام ، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاث تطليقات وهي حبلى فهو أحق برجعتها مادامت في العدة . ثم صارت ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) الحبل بعدما طلقت ثلاث ، منسوخة نسختها هذه الآية التي تليها :

( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) بعد التطليقتين في العدة ( أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) يعني : أو يطلقها الثالثة بإحسان في غير ضرار كما أمر الله في وفاء المهر والمتعة .

ثم قال في التقديم ( فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يعني : الثالثة بعد التطليقتين ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْد ُ) يعني : هذه التطليقة الثالثة .

( حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) يعني : حنى تزوج زوجا غيره بعد انقضاء العدة ، من غير خداع فيجامعها .

فإن نكحت غيره ودخل بها ( فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يعني : الزوج الأخير ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) فلا حرج على الزوج الأول والمرأة المطلقة .

قال أبو الحواري : قال بعض الفقهاء : إذا طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها بانت بتطليقة واحدة ، وليس له عليها رجعة إلا بنكاح جديد وبهذا نأخذ .

( أَنْ يَتَرَاجَعَا ) بعدما انقضت عدتها من الزوج الأخير . بمهر جديد ونكاح جديد ( إِنْ ظَنَّا ) يعني : إن يتفقا ( أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) يعني : أمر الله فيما أمرهما ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) يعني : من أمر الزوج والمرأة في الطلاق والمراجعة ( يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ

يَعْلَمُونَ ) فمن طلق امرأته ثلاث تطليقات وهي حبلى ، أو غير ذلك فقد بانت منه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

قال فيمن يريد الطلاق لامرأته للسنة : إذا اغتسلت المرأة من الحيض فلا يجامعها حتى يطلقها واحدة ، ثم يكف عنها الجماع .

فإذا حاضت بعد ذلك الحيضة الثالثة ، واغتسلت فكيف عنها أيظا حتى تحيض الثالثة ، وهي في بيته ونفقته فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة حرمت عليه وهي أملك بنفسها.

قال ابن عباس :

من طلق امرأته ثلاثاً في مر واحدة ، إن كان دخل بها أو لم يدخل بها أو كانت [ حبلى ] فقد بانت منه امرأته وعصى ربه ، ويغرم المهر ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وهو ظالم لنفسه .

كما قال الله : ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) .

وقال من طلق امرأته ثلاثاً في مرضه في مرة واحدة ، قال : إن مات الزوج وهي في العدة فإنها ترثه .

وإن ماتت المرأة قبل زوجها فلا يرثها زوجها .

عن أبن عباس :

أنه جاء رجل فقال له : كان بيني وبين عمتي كلام ، فقلت : يوم أتزوج إبنتك فهي طالق ثلاثاً .

قال : فقال له : تزوجها وهي لك حلال ، أما تقرأ هذه الآية حيث بقول الله :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) فجعل النكاح ثم الطلاق .

قال : لا طلاق إلا بعد نكاح ، لا عتق إلا بعد ملك

ويقول فيه قول آخر : إن يصدق الرجل قوله فهو أقرب للتقوى .

قال أبو الحواري : قال بعض الفقهاء : إذا طلقها ثلاثاً من قبل أن يدخل بها بانت منه بتطليقة واحدة ، وليس عليها رجعة إلا بنكاح جديد ، وبهذا نأخذ .

عن عائشة رحمها الله : في رجل طلق امرأته ثلاثاً فتزوجها زوج غيره ، فطلقها قبل أن يجامعها ، فسألت المرأة النبي {صلى الله عليه وسلم} هل لها أن ترجع إلى زوجها الأول ؟ .

قال النبي {صلى الله عليه وسلم} : (( لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ))

 

تفسير ما حرم الله من تحليل المطلقة ثلاثاً أن ترجع إلى زوجها الأول :

 

قال : لعن رسول الله {صلى الله عليه وسلم } المحلل ، والمحلّل له.

وقال : إذا علم أحد الثلاثة بالتحليل فقد فسدت على الأول ، فمن تزوج المطلقة ثلاثاً ليحلها لزوجها الأول ، فدخل بها أو لم يدخل فقد أفسدها على الأول ، فإن علم زوجها الأول أنه دخل بها فهي حرام على زوجها الأول إذا علم بالتحليل ، مع ما جاء في الحديث من اللعنة لهم عن الني { صلى الله عليه وسلم } أنه جاء رجل فقال : يا نبي الله إني طلقت امرأتي ألفاً . قال : بانت منك امرأتك بثلاث وتسع مائة وسبعين ، عليك معصية وأنت ظالم لها وظلمت نفسك .

كما قال الله ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ

أَمْراً ) يعني : الرجعة .