تفسير ما أمر الله به الرجال من حسن صحبة النساء

قوله في سورة النساء( الآية 19):

(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) يعني: فصاحبوا النساء بإحسان ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) يعني: في الكره ( خيراً كثيراً، وذلك أن الرجل عسى أن يكره امرأته فيمسكها وهو كاره لها، ثم يرزقه الله منها ولداً يعطّفه عليها بعد كرهها، أو يطلقها فيتزوجها غيره فيجعلها الله له، ذلك الذي يتزوجها خيراً كثيراً.

 

وقوله (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) يعني: الجهال، النساء وابنك تعلم أنه سفيه، وأخوك، فنهى الله أن تُملِّكه مالك فيفسده أو ينفقه فيما لا يحل له، ولكن أحسن خزانتهم وأنفق عليهم منه، وقال: ما لكم الذي لكم احفظوه.

عن ابن عباس أنه قال: النساء أكثرهن أسفه السفهاء.

 

وقوله في سورة البقرة( الآية 228) (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )، يقول: وللنساء على أزواجهن من الحق ما لأزواجهن عليهن، ( وَلِلرِّجَالِ عليهنَّ دَرَجَة ) يعني: فضيلة.

 

فمن حق المرأة على زوجها أن يطعمها مما يأكل، ويكسوها مما يكتسي، ويوفيها كل حق هو لها ولا يضربها، ومن حق الرجل على زوجته ألا تخونه في نفسه وماله، وتسعى عليه بالطشت والمنديل والسراج، ولا تعصيه في معروف، يعني: في شيء من الأشياء في الخدمة وغيرها ولو على ظهر بعير، ولا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، فإن فعلت ذلك لعنتها الملائكة حتى ترجع عن تلك المعصية وتتوب إلى الله .

 

تفسير ما أمر الله الزوج أن يفعل بامرأته إذا نشزت عليه

قوله في سورة النساء( الآية 34):

( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) وذلك أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لطم امرأته فأتت أهلها، فانطلق أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبوها: أنكحته وفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تقتص من زوجها ) ، فانصرفت لتقتص من زوجها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللطمة ليس فيها قصاص بين الزوجين وغيرها، وإنما فيها الدية ) فانصرفت لتقتص منه، ثم قال النبي: ( ارجعوا، هذا جبريل قد أتاني ) فنزلت هذه الآية ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) يعني: مسلطين على النساء ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) وذلك أن الرجل له فل على امرأته في الحق، وفضلوا ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) يعني: بما ساقوا من المهر، فهم مسلطون على نسائهم في الأدب، والأخذ على أيديهن، وليس بين الرجل وبين امرأته قصاص إلا في النفس والجراحة.

 

ثم نعتهن فقال: ( فَالصَّالِحَاتُ ) يعني: في الدين ( قَانِتَاتٌ ) يعني: مطيعات لله ولأزواجهن ( حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ) لغيبة أزواجهن في فروجهن وأموالهم ( بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) يعني: حفظ الله لهن.

 

ثم قال: ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) يعني: تعلمون عصيانهن لأزواجهن ( فَعِظُوهُنَّ ) بالله، فإن لم يقبلن العظة ( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ) يعني: فلا تقربها للجماع، فإن رجعت إلى طاعة الله وطاعة زوجها بالعظة والهجران ( وَاضْرِبُوهُنَّ ) يعني: ضرباً غير مبرح ولا شائن ( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ) يعني: عِللاً، يعني: لا تكلفوهن من الحب ما لم يطقن ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا )، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أردنا أمراً وأراد الله أمراً، فالذي أراد الله خير ).

 

قال: قال الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ).

وقال لنبيه: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ).

 

وقال: ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ )، فاتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وعَمِلَ بما أمر به، وقال: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ).

 

فمضى موقناً بعهد ربه- صلوات الله عليه ورحمته- فالحلال اليوم هو الحلال يومئذٍ، والحرام هو الحرام يومئذٍ، والسنة اليوم سنته التي توفي عليها النبي صلى الله عليه وسلم (لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).

 

( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ )، قال الله: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ).

 

قال أبو الحواري: الذي عرفنا من فقهاء المسلمين، لا قصاص بين الزوجين، وإنما القصاص بينهما في النفس إذا قتلها أو قتلته.

 

تفسير الحكم بين الرجل وامرأتــه:

 

قوله في سورة النساء(الآية 35):

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) يعني: وإن علمتم اختلافاً بين الرجل وامرأته ، فلم يتفقا، ولم يدر من قبل الرجل النشوز أو من قبل المرأة (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ ) يعني: رجلاَ عدلاَ من أهل الزوج ( وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا) يعني: رجلاَ عدلاَ من أهل المرأة ينظران في النصيحة لهما، فيعلمان الظالم ، ويأمران بالمعروف. وذلك أن يخلوا [ حَكَمُ ]الزوج بالزوج، فيقول:

أخبرني بما في نفسك فإني لا أستطيع أن أفرق ولا أجمع إلا بأمرك ، فإن كان الزوج هو الناشز الظالم قال : فرّق بيني وبينها فلا حاجة فيها، ولولا المهر لطلقتها ، فارضها من مالي بشيء .

 

وإن لم يكن هي الناشز يقول: أرضيها من مالي بما أحببت ولا تفرق بيني وبينها.

 

ويخلوا حكم المرأة بالمرأة فيقول :

أخبريني بما في نفسك ، فإن كانت هي الناشزة العاصية لزوجها تقول : أعطه من مالي ما يشاء ، ويفرق بيني وبينه ، وإن لم تكن هي الناشزة قالت : لا تفرق بيني وبينه ، ولكن استزد لي في النفقة ، وأمره أن يحسن إلي .

 

ثم يلتقي الحكمان ، وقد علم كل واحد منهما ما قد قيل لهما ، فإن أرادا إصلاحاَ بين الرجل والمرأة أخذ كل واحد منهما ميثاقا على صاحبه لتصدقني وأصدقك .

 

فإذا صدق كلُ منهما صاحبة عرفا من أين النشوز :

فإن كان من قبل الرجل , قالا له : اتق الله فإنك الناشز فارجع إلى امرأتك ، ويأمرانه بالعدل .

 

وإن كانت المرأة هي الناشز [ قالا لها: أنت ] الناشزة الظالمة لزوجك ، فليس لك عليه نفقة حتى ترجعي إلى طاعة زوجك ويأمرانها بالعدل ، ولعل الله أن يصلح أمرهما على أيديهما .

 

فذلك قوله ( إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً ) يعني الحكمين ( إصلاحا) نقول بين الرجل وامرأته ( يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) يعني : للصلح إذا صدق كل واحد منهما صاحبه ، وإن لم يتفق الرجل وامرأته وظنا أن الفرقة خير لها في دينهما فرق بينهما برضا منهما .

. ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) يعني : لنصحتهما ......

 

تفسير نشوز الزوج على المرأة ، وما أمرهما الله من الصلح :

 

قوله في سورة النساء(الآية128-130 ) :

( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ ) يعني: علمت ( مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً ) يعني: إثارة أن يؤثر عليها غيرها ( أَوْ إِعْرَاضاً) . وذلك أن الرجل تكون عنده امرأة فتكبر عنده ، فيتزوج عليها غيرها أشب منها ، فيؤثر الشابة عليها في القسمة فلا ترضى الكبيرة بذلك .

فعلمهم الله كيف يصنعون ، قال : ( فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا ) يعني : فلا جناح على الزوج والمرأة الكبيـرة ( أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ) يعني : بالمال ( صلحاً ) فتطيب نفس الكبيرة أن يكون الزوج عند الشابة أكثر مما يكون عندها .

 

ثم قال ( وَالصُّلْحُ خير ) من غير أن لا تكون الفرقة والإثم .

 

( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) يعني : الحرص على المال .

يعني : الكبيرة تحرص على المال فترضى أن تعطى نصيبها من زوجها ( وَإِنْ تُحْسِنُوا ) يعني : العقل ( وَتَتَّقُوا) الميل والجور .

 

( فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا ً) يعني : في أمر النساء من الجور ، ثم قال : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ ) يعني : في الحب ، أن يستوي حبهن في قلوبكم ( وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) لا تقدروا عليه . ( فَلا تَمِيلُوا ) يعني : [ إلى ] التي تحب ( كُلَّ الْمَيْلِ ) في القسمة والنفقة ، فتأتي الشابة التـي تعجبـك ( فَتَذَرُوهَا ) أي الأخرى ( كَالْمُعَلَّقَةِ ) لا أيم ولا ذات بعل ولكن اعـدلوا .

 

ثم قـال : ( وَإِنْ تُصْلِحُوا ) يعني : العمل ( وَتَتَّقُوا ) يعني : الجور والميل ( فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ) يعني : لمّا ملت إلى التي تحب ( رحيماً ) بعد التوبة حين رخص في الصلح .

 

فإن أبت الكبيرة إلا أن يسوى بينها وبين الشابة يفرق بينهما ، وذلك قوله ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ) يعني : فيطلقها الزوج ( يُغْنِ اللَّه ) الزوج والمرأة التي طلقت ( كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ ) يعني : من فضله ، ( وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً ) لهما، يعني: في الرزق ( حَكِيماً) يعني: حكم فرقتهما.

 

قال : نزلت في رافع بن صبيح وفي امرأته خويلة بنت محمد ابن مسلمة وهما من الأنصار، ثم هي للعامة .