تفسير ما حرم الله من الزنا والجلد على من زنا من الحرائر:

قوله في سورة بني إسرائيل(الآية:32): { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } يعني: معصية لله { وَسَاءَ سَبِيلاً } يعني: وبئس المسلك.

 

قوله في سورة الأعراف(الآية33): { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ } يعني: الزنا { مَا ظَهَرَ مِنْهَا } في العلانية { وَمَا بَطَنَ } في [ السر] وذلك أن مشركي العرب كانوا يكرهون الزنا في العلانية, ولا يرون به بأساً في السر، نظيرها في سورة الأنعام .

 

وقوله في سورة النساء(الآية:15-16): { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ } يعني: المعصية, وهو الزنا { من نسائكم } يعني : المرأة الثيب من أهل التوحيد قال: { فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا } عليهن بالزنا { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ } يعني: احبسوهن في السجون.

 

قال: كان هذا في أول الإسلام, وكانت المرأة الثيب إذا شهد عليها أربعة من المسلمين عدول بالزنا تحبس في السجن، فإن كان لها زوج أخذ المهر ولكنه ينفق عليها ولا يجامعها أبداً ونكاحها حرام بعد, ولكن يحبسها في السجن { حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ } يعني: حتى تموت المرأة وهي على ذلك الحال { أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } يعني: مخرجاً من الحبس، والمخرج الحد على الزنا.

 

ثم ذكر البكرين اللذين لم يحصنا فقال: { واللذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ } يعني: البكرين { يتيانها } بمعنى: الفاحشة, وهو الزنا { منكم } يعني: أهل التوحيد { فَآذُوهُمَا } يعني: باللسان, بالتعزير والكلام القبيح لهما بما عملا, وليس عليهما حبس؛ لأنهما بكران, ولكن يعزَّران ليتوبا ويندما { فَإِنْ تَابَا } يعني: من الفاحشة { وَأَصْلَحَا } يعني: العمل { فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا } يعني: لا تسوبهما بعد التوبة { إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً } فكان هذا ما يفعل في البكر والثيب في أول الإسلام.

 

ثم أنزل الله حد الزاني فصار الحبس والأذى كله للزاني منسوخاً نسخته هذه الآية في سورة النور(الآية:2) قوله { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } يعني: إذا كانا بكرين لم يحصنا, يجلدهما الحاكم إذا رفع إليه, وشهد أربعة من المسلمين أحراراً عدولاً أنهم نظروا العورتين, ثم قال: { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } يعني: في ضربهما { رَأْفَةٌ } يعني: في تعطيل الحدود { فِي دِينِ اللَّهِ } يعني: في حكم الله , الذي جعل على الزاني { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } يقول: يعني للحاكم إن كنتم تصدقون بتوحيد الله { وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }يعني : تصدقون بالغيب الذي فيه جزاء الأعمال, فأقيموا الحدود التي حكم الله, كما أمركم الله.

 

ثم قال: { وَلْيَشْهَدْ } يعني: وليحضر { عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يعني: يشهد حدَّهما رجلان فصاعداً.

 

قال: لما نزلت آية الحدود في الزنا, قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر الله أكبر جاء الله بالسبيل، الله أكبر جاء الله بالسبيل، الله أكبر جاء الله بالسبيل", والسبيل البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة, والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة, فإن كان الزنا البكر بالثيب فعلى البكر جلد مائة ونفي سنة, وعلى الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة.

 

وقال علي بن أبي طالب- جلد امرأة من همدان يقال لها سراحة جلدها يوم الخميس في الزنا مائة, ورجمها يوم الجمعة [ لأنها } كانت محصنة- فقال: الجلد بكتاب, والرجم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وقال في ثلاثة نفر شهدوا على رجل الزنا [ والرابع ] غائب قال: يجلد الثلاثة إذا لم يشهدوا أربعتهم جميعاً.

 

فإن جلد الثلاثة [ كل واحد ] ثمانين, وجاء الرابع فشهد أيضاً مع الثلاثة يجلد ثمانين.

فإن حدَّ [ الثلاثة ] جلد ثمانين غير سوط أو سوطين, ثم جاء الرابع فشهد أجزيت شهادتهم.

 

فإن جلد اثنان من الثلاثة ثم جاء من شهد مع الذين لم يجلدوا فصاروا أربعة شهود قبلت شهادته.

 

قال: وأما الحد, قال: فإنه يبدأ بالشاهد الأول فيرمى الزاني إذا كان محصناً فيقول: أشهد بالله إنك لزاني.

 

قال: ويبدأ الشهود فيرمون الزاني إذا كان محصناً فيقول: أشهد بالله إنك لزاني, ثم يرميه الثالث ثم الرابع, ثم الإمام, ثم الناس.

 

قال: وإن جاء الزاني معترفاً, فاعترف عند الحاكم أربع مرات أنه قد زنا, أو امرأة حرة تحبل من الزنا فعليهما الرجم إذا كانا محصنين, ويبدأ برجمهما الإمام ثم الناس.

 

وأما الحبلى: فإذا وضعت ولدها ثم أرضعته حولين رجمت بعد ذلك، فإن كان لها زوج مفقود أو غائب فقالت: إني حبلى من زوجي فإنها لا ترجم.

 

قال: ورفع إلى عمر بن الخطاب رحمه الله امرأة حبلى لم يقربها زوجها قبل سنتين, فأراد عمر رضي الله عنه أن يرجمها فقال معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين؛ إن كان لك على المرأة سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل, فتركها عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى ولدت، فإذا ولدها قد نبتت أسنانه في بطنها, وهو ابن سنتين من زوج لها, فلما استبان ذلك للناس قال عمر بن الخطاب: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ بن جبل، ولولا معاذ بن جبل لهلك عمر, فلم ترجم.

 

وكانت النجاة من الله لعمر بن الخطاب رحمه الله على لسان معاذ بن جبل رحمه الله.

 

[ وكان عمر رحمه الله يكثر أن يشكر الله على النجاة الذي نجاه الله على لسان معاذ بن جبل ].

 

وقال: في غلام لم يحتلم وتزوج حرة ودخل بها, أو جارية لم تبلغ المحيض فتزوجت حراً ودخل بها زوجها فزنيا ليس عليهما رجم لأنهما لم يبلغا وعليهما جلد مائة.

 

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه رفع إليه رجل قد بلغ الحلم, وتزوج امرأة لم يدخل بها فزنا فجلده ولم يرجمه.

 

وقالوا: في الحر المسلم يتزوج يهودية أو نصرانية أو مملوكة فيجامعهن فليس بمحصن، والحرة يتزوجها المملوك فيجامعها ليست بمحصنة.

 

وقال: المحصن الرجل المسلم الذي قد احتلم وتزوج حرة مسلمة فدخل بها ثم زنا وكذلك المحصنة.

 

فإذا أحصن الحر المسلم, فإن زنا بوليدة بعد ذلك أو مشركة فعليه الرجم ولا يصلى عليه لأنه خلع منه الإيمان وزال عنه اسم الإيمان والإسلام، وصار اسمه حين زنا فاسقاً ومنافقاً, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني وهو مؤمن, ولا يسرق السارق وهو مؤمن" ولا تقر المشركة على دينها [ قسراً ] إذا كانت من أهل الكتاب تحت مسلم، ولا ترجم الوليدة وابن المشركة على دينها.

 

ومن تزوج امرأة في عدتها, أو تزوج ما لا يحل له من النساء والصهر فدخل بهن فلا يحصنه ذلك بعد التزويج؛ لأن الله قد حرمها عليه, ويفترقان ولا يجتمعان أبداً.

 

عن ابن مسعود أنه قال: ألا فادرؤوا الحدود ما استطعتم, فإذا وجدتم منها مخرجاً فخلوا عنها فإنه إن يخطأ الإمام في العفو عن الحد في الشبهة خير من أن يخطأ في العقوبة, ألا فادرؤوا الحدود ما استطعتم على البصيرة.

 

قال: وإن المسلمين كانوا يتعافون الحدود فيما بينهم ما لم يرفعوها إلى الحكام, فإذا رفع عليهم إلى الحاكم [ فلا تعطل الحدود على أهلها ].

 

وقال: يجلد الرجل في الزنا على بشرته, وعليه إزاره وهو قائم.

وتجلد المرأة جالسة وعليها درع خمار ضربا شديداً, فإن آنس منهما رشداً بعد ذلك قبلت توبتهما وشهادتهما.

 

قال أبو الحواري: ليس النفي من قول المسلمين, ولا يجلد المحصن إنما عليه الرجم، والمشركة عليها مثل ما على الحرة المسلمة, وكذلك المشركة.

 

وقد قال بعض الفقهاء: إن نساء أهل الكتاب يحصن المسلمين ويحصنوهن.