* مقدمة الشيخ ناصر المرموري لهذا الملخص من تفسير الشيخ بيوض

بسم الله الرحمن الرحيم

وصَلَّى الله على سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأيده بنصره وبالمؤمنين أهل الصدق، وجعل علماء أمته ورثة الأنبياء ذوي الدرجات والسبق، أحمده وهو أهل الحمد والثناء، وأشكره ولا أحصي ثناءً عليه، وأصلِّي وأسلِّم على من أمرنا بالصلاة عليه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ـ وعلى آله وصحابته نجوم الهدى ومصابيح الدُّجى وسرج الاهتداء.

 

وبعد.. فقد سألني من لا أرد قوله أن أضع تلخيصًا لدروس شيخنا وأستاذنا الشيخ بَيُّوض رحمه الله وذلك في حياته، وبعد إتمام دروس تفسير كتاب الله في مسجد القرارة الكبير فساعفتهم إلى ما طلبوا، واستعنت بالله العلِّي الكبير وهو حسبي ونعم المعين ونعم المولى ونعم النصير.

 

فرجعت إلى ما انتقش في ذكراتي من مواظبتي على حضور دروسه وحسن استماعي وانتباهي لما يلقيه علينا من درره الغالية، مما يفتح الله عليه في تفسير كلامه العزيز، واستعنت بالأشرطة التي حفظت هذه الدروس منه، وقد ابتدأ التسجيل وذلك عند وصوله في قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (الإسراء:70).

 

وقد كفاني مؤونة السَماع من الأشرطة ابن خالتي وتلميذي الأستاذ عيسى بن مُحَمَّد الشيخ بالحاج، فأخرج الكلام المسجل إلى الكتابة فكنت ألخص من الكتابة عوض السماع، جزاه الله خيراً، وكان ذلك قبل أن يخرجه مهذَّباً على النحو الذي طبعه ونشره.

 

وقد ابتدأت تلخيصي من أول سُورَة الكَهف واختصرته بعض الاختصار، وقد عرضت باكورة عملي على الشيخ ـ رحمه الله ـ فارتضاه وقال لي: "انح هذا النحو واجتهد أعانك الله"، وأول ما لخصته من تفسيره تفسير سُورَة النور، عسى الله أن يفيض عليَّ من نوره وعلى أستاذي وعلى من أعانني في هذا الأمر العظيم وعلى كل من استفاد منه وقرأه ونشره.. آمين.

 

{ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير} (التحريم:08).

 

منهجي في التلخيص:

وكنت أراعي في التلخيص الاختصار وأحافظ ما استطعت على روح المعنى وربما أمر على آية أو آيات لم تأخذها المسجلة فأجتهد في تفسير معناها وأرجع إلى ما بقي في ذاكرتي من تفسير الشيخ، وكذلك صنعت في تفسير جزء من سُورَة الأنبياء، فإن لم أعثر حتى الآن على تسجيلها كاملة في الأشرطة، فاجتهدت ورجعت إلى مذكرتي وكتبت تفسيره على النمط والوِجهة التي كان يوليها الشيخ رحمه الله.

 

وكان غرض الشيخ من التفسير تركيز الوعي الديني في النفوس وغرس عقيدة التوحيد الخالص في القلوب وتهذيب النفوس بالوعظ والتذكير، فلنستمع إليه يقول في أثناء تفسيره لسُورَة النجم:

"وتفسيرنا إنما هو للاتعاظ والاعتبار، ولا ندخل إلاَّ بمقدار الضرورة الملحة في تقرير معنى كلمة لغوية أو ربما إشارة إلى إعراب أو إلى تصريف كلمة عندما تلح الحاجة، وإلاَّ فأصل التفسير المراد هو هداية الناس".

وكانت دروسه في التفسير وعظاً بليغاً وتوعية صادقة للأفراد والمجتمعات وقد ظهر أثره والحمد لله في نفوس وأخلاق المستمعين والمستمعات، وانصهر به المجتمع في بوتقة الوحدة الإيمانية والأخوة الإسلامية.

 

ولعلَّ الذي أقول في تفسير الشيخ ـ رحمه الله ـ واختصاري له لا يبعد عن قول الخازن في اختصاره لتفسير البغوي، يقول الخازن: "إن تفسيري هو اختصار لكتاب: (معالم التنزيل) للإمام البغوي رحمه الله، الذي هو أجلّ المصنفات في علم التفسير، وأعلاها وأنبلها وأسناها جامعاً للصحيح من الأقاويل، عارياً من الشبه والتصحيف والتبديل، محلّى بالأحاديث النبوية، مطرزاً بالأحكام الشرعية، موشى بالقصص الغريبة وأخبار الماضين العجيبة، مرصّعاً بأحسن الإشارات، مخرّجاً بأوضح العبارات، مفرغاً في قالب الجمال بأفصح مقال..".

 

ثم يقول الخازن في تعليل اختصاره له: "ولما كان الكتاب كما وصفت أحببت أن أنتخب من غرر فوائده ودرر فرائده، وزواهر نصوصه، وجواهر فصوصه جامعاً لمعاني التفسير ولباب التأويل والتعبير حاوياً لخلاصة منقولة، متضمناً لنكته وأصوله".. ثم يقول: "إلاَّ أنه رحمه الله طبع الكتاب بطابع آخر وزاد عليه زيادات وكان الأولى في نظرنا أن تُفرد في سفرٍ خاص".. أ هـ.

 

وأنا أقول: "إني أجد في استعراضي لتفسير الشيخ مواضيع في إصلاح العقيدة والمجتمع توسع فيها وكان الأولى في نظري أن تفرد بسفرٍ خاص أو أسفار، وقد كتبت قائمة لتلك المواضيع المهمة والمفيدة أشرت فيها إلى المناسبات والآيات التي تطرق في تفسيرها إلى هذه المواضيع".

 

ولعل الله يُهَيِّئ من تلاميذ الشيخ من يفرد لهذه المواضيع الموسعة كتابات توفي بحقها فتكون خير خدمة في توعية المجتمع المسلم.

 

والله أسأل أن يجعل عملي هذا ومن سلك طريق الوعظ والإرشاد بالتدريس أو الكتابة في ميزان حسناتنا ورفعاً لدرجاتنا، ويرحم مشائخنا الذِّينَ تركوا لنا هذا التراث الضخم، ويرفع درجاتهم في علِّيِّين، ويجمع بيننا وبينهم في جنات النعيم، مع الذِّينَ أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً، ذلك الفضل من الله.. وكفى بالله عليماً، وأن يغفر لنا ما كان من التقصير في حق كلامه العزيز..

آمين.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

الناصر بن مُحَمَّد المرموري

القرارة يوم الثلاثاء: 22 - 02 - 1416هـ

الموافق لـ: 20 - 07 - 1995م.