﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

الأمر المقسم عليه هو أن الإنسان لَفي خسر إلا أولئك الذين استثناهم الله تعالى، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كان الإنسان في خسر وقد ميّزه الله على غيره من الكائنات؟ وجاء القرآن الكريم دالاً على تكريم هذا الإنسان عندما قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾، ومن تفضيل الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان أنْ جعله خليفة في هذه الأرض، ومن تفضيله له أنْ خلق له ما في الأرض جميعاً وسخّر له ما في الكون بأسره، يقول سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾، ويقول تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾، فكيف مع ذلك يكون هذا الإنسان خاسراً؟!

 

والجواب: أن الإنسان إنما يكون خاسراً إن لم يؤدِّ الحقّ فيما استُخلِف فيه، ذلك أنّ الإنسان ليس كغيره من الكائنات التي ينشرها الميلاد ويطويها العدَم، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقه هملاً، ولم يتركه سدى، قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾، وإنما خلقه الله تبارك وتعالى من أجل أن يكون خليفة في هذه الأرض وسيداً في هذا الكون، يضطلع بأمانة الله سبحانه وتعالى ويبوأ بالمسؤولية العظمى التي حملها، وهذه الأمانة عليه أن يضطلع بها بعزم وحزم، وأن يقوم بواجباتها من غير تفريط فيها، فالله سائله عنها، وهي ليست بالأمانة الهينة، فقد أخبر الله عنها أنها ثقُلت على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، يقول تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾، فالإنسان هو الذي يبوء بتبعات هذه الأمانة العظمى، ولذلك كان من الضرورة بمكان أن يعرف معنى وجوده في هذه الحياة، فالإنسان لم يُخلق من أجل أن يتمتع بما يتمتع به من أنواع المُتَع، ومن أجل أن يلد، أو يسود ويتمكن فحسب، بل خُلِق من أجل أن يؤدي ضريبة العبودية لله سبحانه.

 

 كما أنّ عليه أن يكون مُستبصِراً في أمره، مشفقاً على نفسه، مراعياً حقّ مستخلِفه وهو الله سبحانه و تعالى، فليس للإنسان أن يتصرّف في أي شيء كان بموجب ما يُملي عليه هواه، وإنما عليه أن يرعى حقّ مستخلِفه، فإن لم يقُم الإنسان بهذا الواجب على النحو الذي أمره الله به أدّى ذلك إلى عدم الانسجام بينه و بين حركة هذه الأرض التي هو مستخلَفٌ فيها، بل يؤدي ذلك إلى عدم انسجام حركته مع حركة هذا الكون بأسره، فإن هذا الكون كلّه يجري بمشيئة الله على سُننٍ أرادها الله سبحانه وتعالى، وقد أخبر الله عنه بقوله: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾، وأخبر الله عن هذا الكون بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ﴾.

 

فإذاً هذا الكون بأسره يسبِّح بحمد الله، ويخضع ساجداً لجلال الله عزّ وجلّ، لا تخرج حركة ذرة من ذرّاته عن أمر الله سبحانه و تعالى، فإذا أطاع هذا الإنسان ربه، واستجمع هذه الخصال التي جعلها الله سبباً لنجاته من الخسران؛ كان هناك تآلف وتوائم بينه وبين حركة هذا الكون، أمّا إن كان أمره بخلاف ذلك، وذلك أن يشذّ هذا الإنسان عن نظام الكون بحيث يتمرد على ربه، ويتكبّر على طاعته سبحانه؛ فلا ريب أنه يحصل نشاز واضطراب بين حركته وحركة هذا الكون، وهنا يصطدم هذا الإنسان بالكون، ومن أجل ذلك فإننا نشاهد أولئك الذين حُرِموا نعمة الإيمان يحسّون إحساساً من أعماق نفوسهم بهذه العداوة بينهم وبين نظام هذا الكون، ويتجلى ذلك في عباراتهم التي ـ مع الأسف الشديد ـ أصبح المسلمون يتلقّفونها من ألسنتهم ويبادلونها فيما بينهم، من هذه العبارات: (قهْرُ الطبيعة، فيقولون: فلان قَهَرَ الطبيعة! سبحان الله! كيف يستطيع الإنسان أن يقهر الطبيعة والطبيعة طبعها الله تبارك وتعالى! فهذا التعبير يدل على أنهم يحسّون بعداء بينهم وبين الطبيعة، ومن هذه العبارات مثلا: (غزو الفضاء)، يقولون: الإنسان غزا الفضاء! من هو هذا الإنسان حتى يستطيع أن يغزو فضاء نظّمه الله تبارك وتعالى بأمره على حسب ما أراد؟! وإنما عليهم أن يقولوا: خرج هذا الإنسان إلى الفضاء، إلى ما وراء ذلك من العبارات التي يردِّدونها، وما ذلك إلا نتيجةُ عدم رسوخ الإيمان في قرارة نفوسهم، وعدم فهمهم لحقيقة هذا الكون الذي سخّره الله تعالى بأمره.

 

هذا ..وإنّ الخُسْر المذكور في الآية لا ينحصر في دار دون دار، فهو خسر دنيويٌّ وخسر أخرويٌّ إن لم يكن الإنسان من الذين استثناهم الله تعالى، أما الخُسْر الدنيوي فإن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان كائناً اجتماعيّاً، فهو مدني بطبعه اجتماعي بفطرته، يفتقر إلى بني جنسه؛ بحيث لا يستغني فرد عن أيّ فرد من الأفراد، ولا تستغني طبقة من الناس عن الطبقات الأخرى مهما أوتي الإنسان من خيرات في هذه الحياة، ومهما أوتي من سلطة، ومهما مُكِّن له فيها، فالحكّام مثلا ـ مع كونهم ممكّنين أكثر من غيرهم ـ يفتقرون إلى طبقات الناس جميعاً، فهم بحاجة إلى الوزراء والمستشارين، وبحاجة إلى الإداريين ورجال القضاء، وبحاجة إلى الشرطة والجنود والحرس، وبحاجة إلى الصنّاع والخدم، وبحاجة إلى الخبراء في شتى المجالات، وبحاجة إلى كلِّ ذي حِرْفة وكلّ ذي عمل.

 

وكون الناس بعضهم بحاجة إلى بعض أمر يترجِم ما أراده الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان أن تكون حياته حياة اجتماعية؛ بحيث لا يستقلّ كل فرد من أفراد الجنس البشري بمصالحه، إذ لو كان هنالك استقلالٌ من كلّ فرد بمصالحه لأدى ذلك إلى تفكّك هذا الرباط بين الناس، وانحلال هذه الوشائج التي تصل بينهم.

 

ولمّا كانت منافع الناس متداخلة، ومصالحهم متشابكة، وكانوا مجبولين على حبّ الخير لأنفسهم، فكلّ أحد يحب الخير لنفسه؛ كان لا بدّ من أن يكون هنالك تدافع وتجاذب، والإنسان إن لم يكن من جنس الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر؛ لا ريب أن هذا التدافع والتجاذب قد يؤديان إلى مشكلات خطيرة فيما بين البشر حتى تفضيَ إلى حروب طاحنة تُزهَق فيها الأرواح، وتسفك فيها الدماء، وتنتهك فيها الأعراض، ويُباد فيها الأخضر واليابس.

 

 ولكن إن وُجِدت العقيدة الراسخة في النفس، ووَجَّهت الإنسان الوِجهة الصحيحة التي أمره الله عز وجل أن يتجهها؛ استطاع هذا الإنسان أن يستعلي على رغبات نفسه، وأن يسيطر على نزواته، وأن يرعى مصالح الآخرين من جنسه كما يرعى مصلحة نفسه، وبصّرته هذه العقيدة بأنّ مصلحته ليست هي في الاستبداد والأنانية، وإنما مصلحته في أن يحبّ الخير لغيره كما يحبه لنفسه.

 

وأما إذا نظرنا إلى الحياة الأخروية؛ فإن الدنيا لا تساوي شيئاً بجانب الآخرة، فالدنيا ما هي إلا لحظات، ومع ذلك نجد الإنسان يتشبّث بها، بينما هي متاع زائل، وقد ضرب الله سبحانه فيها الأمثال، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾، ويقول عزّ وجلّ: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، فهذه الدنيا كما وصفها الله تعالى وكما نراها سريعة الانقضاء، فكم يفقد الإنسان بين يومه وغده من أحبّهم وألفهم حتى أصبحوا بعد وقت قصيرٍ في خبر كان، وصاروا بعد ذلك من الذين يطويهم النسيان، وهذا شأن الإنسان، فما مثله في حياته هذه إلا كمثل الحلم الذي يغشى الأبصار في المنام.

 

وأما الآخرة فإنها الدار التي لا نهاية لها، ولقد بيّن الله تعالى أنّ الناس في الآخرة لهم مصيران: مصير السعادة، ومصير الشقاوة، فمصير الشقاوة ﴿ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾، وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل النار بأنهم يُسقون من حميمٍ يقطّع أمعاءهم، وأنّ لهم مقامع من حديدٍ، إلى آخر ما وصف من نكالهم وعذابهم الذي يعاقبون به يوم القيامة، فإذاً الذي ينقلب إلى النار والعياذ بالله هو خاسر خسراناً مبيناً.

 

وأما مصير السعادة فهو جنّة عرضها السماوات والأرض أُعدِّت للمتقين، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: ﴿ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ ﴾، ويقول: ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ويقول عزّ مَن قائل: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾.

 

فإذا ما حرص الإنسان على أن يكون من المتقين كان موعوداً بجنة عرضها السموات والأرض، تلك الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وقد جاء في الحديث عن الرسول صلى الله وعليه وسلم في وصفها: «لَموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها»7، مع أنّ سعتها سعةُ السماوات والأرض كما أخبرنا الله تعالى، ومن الذي يستطيع أن يعرف سعة السماوات والأرض؟! لا يستطيع عقلٌ بشري مهما أوتى الإنسان من اكتشاف وقدرات أن يوجد الآلات التي يُمكنه من خلالها أن يقيس أبعاد السماوات والأرض ، فالناس إنما اكتشفوا زاوية صغيرة من هذا الكون، ومع ذلك فهم في اكتشافاتهم هذه تتنامى الحقائق التي يخبرون بها عن أبعاد هذا الكون باستمرار بسبب أنّ الله تعالى يهيئ لكلّ زمان من يكون أكثر اكتشافاً من ذي قبل، وآخر ما وصل إليه الناس من هذه الاكتشافات أنّ مسافة أبعد ما اكتشفوه عنّا مقدار 20 ملياراً من السنين الضوئية، وما هي السنة الضوئية؟! إنما السنة الضوئية هي 600 مليون مليون من الأميال؛ لأنّ الضوء في الثانية الواحدة يقطع 186300 ميل؛ أي أنه يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، ومعنى هذا لو خرج شيء بسرعة الضوء من هذه الأرض إلى أبعد بقعة اكتشفت إنما يصل إلى تلكم البقعة بعد 20 ملياراً من السنين الضوئية إنْ أسرع بسرعة الضوء، ومع ذلك هذه زاوية من زوايا هذا الكون المكتشف.

 

والله تبارك وتعالى أخبر عن الجنة أنّ عرضها السماوات والأرض، فمعنى ذلك أنّ الجنة لا يمكن لأحد أن يقدر قدرها، وأن يقيس أبعادها، إنما نَكِل علم ذلك إلى الله تبارك وتعالى، وقد أعدّها الله لمن كان من المتقين، ومن هم المتقون؟ إنما المتقون ـ كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم في محكم كتابه في آيات متعددة ـ هم من جمعوا بين العقيدة الصحيحة والعمل الصالح والخُلُق الفاضل، وهذا ما يجسِّده قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾.

 

 ويقول سبحانه: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، ثم بيّن من هم هؤلاء الذي اتقوا فقال: ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ﴾، وكذلك في الآية التي يبشّرهم الله سبحانه وتعالى بجنة عرضها السموات والأرض، يقول عزّ وجلّ: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾، فإذاً المتقون هم الذين جمعوا ما بين هذه الأسباب الأربعة التي تؤدي إلى نجاة الإنسان من الخسران، وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي الحق والتواصي بالصبر.

----------------

7-    رواه البخاري (2678)، والترمذي (1572).