سورة الإخلاص مكية وآياتها 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ (1)

 

هو ضمير الشأن يذكر تفخيماً للأَمر على الإجمال والإبهام فيكون الذهن مترقباً لبيانه فيذكر الخبر المفسر له والذهن قد استعد لفهمه فيتمكن من فهمه والجملة خبره وهذا المعنى موجود لو قلنا جرى سؤال ما ربك ومن أي شيءٍ فكان هو الله أحد جوابه إلاَّ أن المتبادر في مراعاة هذا السؤال أن تقول هو عائد إلى الرب المسئول عنه فخبره مفرد هو لفظ الجلالة وأحد خبر ثان ففي البخاري والترمذي عن أبى بن كعب أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - انسب لنا ربك فأَنزل الله تعالى قل هو الله احد الخ.

 

وفي الطبري والطبراني قال له أعرابي انسب لنا ربك فنزلت السورة، ويروى أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة قالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلام تدعونا يا محمد؟ قال إلى الله قال صفة لنا أمن ذهب أو فضة أو حديد أو خشب فنزلت السورة فأَهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامراً بالطاعون.

 

وعن ابن عباس قال كعب بن الأشرف وحيى بن أحطب وغيرهما من اليهود يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فنزلت السورة والله أعلم على واجب الوجود ويقال علم الله نفسه فوضع لفظاً له بخصوصه هذا مذهبنا وهمزة أحد عن واو وقلب الواو المفتوحة همزة شاذ فاللفظ فصيح استعمالاً شاذ قياساً بخلاف أحد الملازم للنفي غالباً فهمزته أصلية وقيل الهمزة في أحد في الآية أصلية والفرق بلزوم النفي وعدمه واللازم للنفي الاستغراق.

 

وقيل أصل أحد في الآية واحد بألف وكسر الحاءِِ قلبت الواو ألفاً فحذفت إحدى الألفين وفتحت الحاء وفرق ثعلب بأَن أحداً لا يبنى عليه العدد ابتداءً فلا يقال أحد واثنان وثلاثة كما يقال واحد واثنان وثلاثة ولا يقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه وتعالى وفرق بعض بأَن الأَحد في النفي نص في العموم بخلاف الواحد فإنه يحتمل العموم وغيره فيقال ما في الدار أحد فيقال بل اثنان ويقال ما في الدار واحد بل اثنان.

 

وقيل الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية لا تحتملهما يقال مائة واحدة وألف واحد ولا يقال مائة أحد ولا ألف أحد فإن قال لأزواجه والله لا أقرب واحدة منكن صار موليا منهن أَوْ لاَ أقرب إحداكن صار مولياً من واحدة فيدين إلى قصده ونيته وقيل الأحدية لتفرد الذات والواحدية لنفي المشاركة في الصفات وقيل بالعكس وكلاهما لله فيقال الواحد الأَحد وهما في حكم اسم واحد.

 

وفسر ابن عباس أحد بالواحد كما قرأ الأعمش قل هو الله الواحد فسر بما لا يتجزأ ولا ينقسم فالله متحد في كل وصف لا يقال جسم ولا عرض ولا جوهر ولا غير ذلك ولا يجمعه وغيره شيء حتى الوجود فوجوده غير وجود غيره فهو واحد من جميع الوجوه ولا يطلق أحد في غير النفي وغير العدد إلا على الله عز وجل والواحد إما حقيقي بأَن امتنع انقسامه بوجه ما كالبارئ سبحانه وتعالى وأما واحد بالشخص بأَن امتنع حمله على متعدد كزيد وإما واحد بالجنس بأَن لم يمتنع حمله على كثيرين كالحيوان فهو واحد من وجه، كثير من وجه وأما واحد بالنوع بأن كان نفس الماهية المعروضة للكثرة كالإنسانية لزيد وعمرو أما واحد بالفصل بأَن كان جزء ماهية واحدة مميزاً لها كالناطق المتحد فيه زيد وعمرو.

 

أما واحد بالعرض وهو قسمان واحد بالمحمول بأن كانت جهة الاتحاد محمولة فيه على متعدد كاتحاد البياض في حمله على الثلج والقطن وواحد بالموضوع بأَن كانت جهة الاتحاد موضوعة للمتعدد الموضوع كاتحاد الإنسان الضاحك والكاتب وحمله عليه ويسمى الأول واحداً بالمحمول والثاني واحداً بالموضوع ثم الواحد بالشخص إن قبل القسمة إما واحد بالاتصال بأن كانت أقسامه متشابهة بالاسم والحد بأن قبل القسمة لذاته كالمقدار أو لغيره كالجسم البسيط فإنه يقبلها بتوسط المقدار وأما واحد بالاجتماع بأَن كانت أقسامه الحاصلة له بوصف أقسام مختلفة كالبدن المنقسم إلى الأعضاءِ المختلفة ويسمى أيضاً واحداً بالتركيب.

 

ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ (2)

 

مبتدأ وخبر بالحصر أي لا صمد إلاَّ الله عز وجل وهو السيد الذي لا أحد فوقه فهو الذي يقصد في الحوائج فهو الذي انتهى إليه السؤدد وكمل في شرفه ولا يحتاج إلى غيره يقال صمده وصمد له وإليه والمعنى الصمود إليه ولا يصح تفسيره بمن لا تعتريه الآفات إلاَّ على معنى أنه فوق كل أحد فكيف يصيبه غيره بضر وإلاَّ فهو تفسير بالواقع لا تفسير باللغة، وقيل الذي لا عيب فيه.

 

وقيل الكامل في جميع أفعاله وصفاته ومن تفسيره بالمعنى الواقع أنه الباقي بعد خلقه وعليه قتادة ومثله قول معمر معناه الدائم، وقول بعض لا يبلى ولا يفنى، وقول بعض أنه الذي لا تعتريه الآفات ولا تغيره الأوقات، وقول بعض أنه الذي ليس له زوال ولا لملكه انتقال.

 

وعن أبى بن كعب الصمد الذي لم يلد ولم يولد لأَن من يولد سيموت ومن يموت يورث منه، وقال ابن عباس في رواية وجماعة الصمد الذي لا جوف له ووجهه أن الصمد الشيء الصلب الذي لا رخاوة فيه ولا رطوبة ولا خلوة فليس بأجوف فلا يأكل ولا يشرب فهو الغنى بخلاف عيسى وأمه فإنهما يأكلان الطعام.

 

وقيل يفعل ما يشاءَ ويحكم ولا معقب لحكمه، والصحيح ما ذكر أولاً ويجوز إطلاق السيد على الله عز وجل، وقيل لا يطلق مضافاً لمخصوص مثل سيد الملائكة ويجوز السيد وسيد الخلق وسيد ما سواه وقال الله الصمد ولم يقل وهو الصمد ليكون المعنى إن لم يتصف بالصمدية لم يستحق اسم الأُلوهية كما تقول العالم هو العامل أي يستحق اسم عالم من يعمل بعلمه لا غيره.

 

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)

 

{ لَمْ يَلِدْ } ليس متصفاً بالولادة فيما مضى كما زعمت اليهود عزير بن الله والنصارى المسيح ابن الله والمشركون الملائكة بنات الله كما لا يتصف بها في الحال أو في المستقبل.

 

{ وَلَمْ يُولَدْ } لا يصح هنا إلاَّ المضي لأَن الموجود لا يتوهم أنه يولد في الحال ولا في المستقبل والمولودية تستدعى الحدوث والانفصال والحدوث وجميع ما مر في الوالدية تعالى الله عنهما ولا مدعى أنه مولود ولكن نفاها استكمالاً لجانب نفي الولادة ولأَن من شأن الوالد أن يكون مولوداً ومن أثبت الوالدية لزم أنه أثبت المولودية ولأن المولودية له والد ولأَن النصارى قالوا المسيح مولود وأنه إله تعالى الله والمولود لا يكون إلهاً.

 

وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)

 

له متعلق بيكن أو بمحذوف حال من كفوا وكفوا خبر مقدم وأحد اسم يكن وآخر أحد للفاصلة ولأن االمقصود بالذات نفي المكافأة عن الله تعالى ولذلك قدم له عن كفوا إذا قلنا إنه حال من كفوا لأن المقصود بالذات النفي عن ذاته تعالى والذي اختاره جواز التعليق بكان وأن لها دلالة على الحدث وإن وقف القارئ على يكن واستأنف له كفواً أحد كان لفظه إشراكاً مرتين مرة بقوله لم يكن فإنه نفي لوجوده تعالى ومرة بقوله له كفواً أحد لأنه إثبات الكفولة تعالى.

 

والكفو المماثل المساوي وكان العطف في الجملتين على التي قبلهما لأن الثلاث لمعنى واحد وهو نفي المماثلة والمناسبة عن الله تعالى بوجه ما نفي ما تضمنته أقسامها أن المماثل إما ولد أو والد أو نظير غيرهما فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسوم ولزم العطف بالواو.

 

وقوله الله أحد الله الصمد بيان للذات الواجب ما هو وقوله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد بيان أنه ليس له ما يساويه من نوعه أو جنسه تعالى عن النوعية والجنسية لا بأن يكون مولدا ولا بأن يكون متولداً عنه ولا بأن يكون مقابلاً في الوجود سبحانه لا إله إلاَّ هو الملك الحي القيوم ذو الجلال والإكرام قال الله جل وعلا " كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأَما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأَهون عليَّ من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ".

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.