سورة الكافرون مكية وآياتها 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ (1)

 

نداء للعموم أو لكفار مخصوصين أعلمه الله تعالى أنهم أشقياء لا يؤمنون، الوليد بن المغيرة والحارث بن قيس والأسود بن عبد يغوث والعاصي بن وائل والأَسود بن المطلب بن أسد وأُمية بن خلف قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد، فيشفع الصالح عند الله منك أو منا في المبطل وأخذ حظه مما أصاب من العبادة الحقة عند الله عز وجل، أو قالت عتاة من قريش من المستهزئين وأبى جهل ومن لم يؤمن: اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فقال معاذ الله أن أعبد غير الله تعالى فقالوا استلم بعض آلهتنا نعبد إلهك فقال لا، ومن قال مال النبي إلى مسحها ليسلموا فنهاه الله تعالى فترك فقد كفر.

 

وفي رواية استلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك قال حتى أنظر ما أتى من ربى فأَنزل الله تعالى: قل يا أيها.. الخ وقوله حتى أنظر ما يأتيني من ربى موضوع إذ لا يتوقف حاشاه في منع المسح ولذلك أسقط في بعض الروايات كما سقط في رواية أنهم قالوا للعباس لو استلم ابن أخيك بعض آلهتنا لصدقناه وآمنا بإلهه.

 

وعلى كل حال في ذلك نزلت السورة أو كان ذلك جميعاً فنزلت وعلى كل حال لما نزلت غدا إلى المسجد فقرأها عليهم وهم مجتمعون لم يخفهم ولم يكترث بهم بإذن الله عز وجل، فأيسوا واشتد إيذاؤهم للمؤمنين ولا مانع من أن يقع أحد الخبرين قبل الآخر فتنزل ويعاند أصحاب الخبر الآخر أو يرجعون أن يقبل رأيهم وكان خطابهم بالنداءِ أولاً ليقبلوا عليه ولا يفوتهم شيء مما يقول وكان النداء بالكافرون لا بمن كفروا أو يا أيها الذين كفروا لأن الكفر فيهم قديم راسخ.

 

أو لأَن المراد أشقياء مخصوصون لا يؤمنون أو للاختصار ليصل بسرعة إلى لفظ لا أعبد...الخ الذي هو المقصود بالذات ولأن الكفر كله ملة واحدة في البطلان ولو قال يا أيها المشركون لاختص اللفظ على حسب الظاهر وعلى حسب الحال بمن يعبد الأصنام ولأن اسم الكفر أشد في نفسه وأشد عليهم في التعميم وفي عدم الاكتراث بالكافرين مطلقاً وفي الإياس منه.

 

لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ (3) وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ (5)

 

القرآن مشتمل على الأمر والنهى وكل يتعلق بالقلب أو بالجارحة وذلك أربعة فكانت السورة بربع القرآن كما رواه الترمذي وأنس وفيه أن إذا زلزلت نصف وقل هو الله أحد ثلث والمعنى لا أعبد في المستقبل ما تعبدون الآن من الأَصنام ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد الآن وقبل وبعد فهو للاستمرار ولا أنا عابد فيما مضى ما عبدتم فيما مضى وما عبدتم في وقت ما من الأَوقات ما أنا لم أزل عابداً له في الماضي والحال والاستقبال ولم يعد طوافهم وحجهم وعمرتهم واستغفارهم عبادة لأَنها مصاحبة بالإشراك مخلوطة به ولا النافية مختصة بالاستقبال وما للحال لكن هذا غالب لا يطرد فقد تكون لا للحال ولا للاستقبال لقرينة.

 

وقيل لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد للاستقبال ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد للحال وعكس الزجاج وقيل لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد للماضي وما بعده للمستقبل.

 

وقيل لنفي ما اعتبره الكافرون وما بعده للنفي على العموم أي لا أعبد ما تعبدون رجاءَ أن تعبدوا الله تعالى ولا أنتم عابدون الله رجاءَ أن أعبد أصنامكم ولا أنا عابد أصنامكم لغرض ما ولا أنتم تعبدون الله لغرض ما أو المعنى ولا أعبد الأصنام التي تعبدون ولا أنتم عابدون الله هكذا وكأنهم قالوا نحن نعبد الله لكن مع غيره فقال ولا أنا عابد ما عبدتم...الخ، أي ولا أنا عابد في وقت ما الإله الحق الخالص الذي أعبده.

 

وهذا أنكى لهم من أن يقتصر على قوله لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد وعلى كل وجه لا تكرير في الآية وذكر الله تعالى بلفظ ما اسماً موصولاً أو نكرة موصوفة إشارة إلى الصفة بل قد تكون ما للعالم بلا تأويل كما حكي عن سيبويه وقيل مشتركة بين العالم وغيره وضعا، وقيل في الأوليين بمعنى الذي أو نكرة موصوفة وفي الأُخريين مصدرية أي لا أعبد الذي تعبدونه أو إلهاً تعبدونه ولا أنتم عابدون الذي أعبده أو إلهاً أعبده ولا أنا عابد عبادتكم، أي مثلها في الشك أو الشرك، لا أنتم عابدون عبادتي أي مثل عبادتي في اليقين والتوحيد.

 

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)

 

{ لَكُمْ دِينُكُمْ } الذي هو الإشراك لا يتجاوز إليَّ.

 

{ وَلِيَ دِين } تقرير لقوله ولا أنتم عابدون ما أعبد أي لي خاصة ديني الذي هو التوحيد لا يتجاوز إليكم لقضاء الله عز وجل بشقوتكم لسوء استعدادكم ولتعليقكم إياه بالمحال وهو عبادتي لأصنامكم أو مسحي عليها ولأن ما وعدتموه عين الإشراك أو هذا تقرير لقوله عز وجل: ولا أنا عابد ما عبدتم والقصر قصر إفراد في الموضعين.

 

وروي أن ابن مسعود رضي الله عز وجل عنه دخل المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس فقال له نابذنا يا ابن مسعود فقرأ: قل يا أيها الكافرون ثم قال له في الركعة الثانية أخلص فقرأ: قل هو الله أحد فلما سلم قال له يا ابن مسعود سل تجب، ومعنى السورة مأمور به قبل القتال وبعد القتال ولا حاجة إلى جعله أمراً بترك القتال ثم نسخ بالقتال اللهم ببركة ما هو اسمك الأعظم عندك استجب دعائي واجعل لي الخير فيه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.