السؤال:

 

سألت عن الوسيلة في قوله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (المائدة:35) .

 

الجواب:

 

اعلم أن الصحابة، والتابعين وكبار المفسرين، وأمة الفقه في الدين مجمعون على أن الوسيلة في الآية إنما هي طلب رضا الله، والتقرب إليه بتقواه، فهو يأمر بالتقوى ثم يقول: "وابتغوا إليه الوسيلة" أي بتقواكم، والتقوى كما هو معلوم امتثال الأمر، واجتناب النهي، فلا وسيلة للعبد إلى ربه إلا عمله الصالح، وكل قول يخالف ذلك فهو باطل لا دليل عليه في كتاب، ولا سنة، فلا ينفع عاصياً مقصراً في حق الله أن يقول: ربي أغفر لي و ارحمني ببركة فلان، أو بجاه فلان أو حرمة فلان، وكذلك معني الوسيلة في آية الإسراء، فإنما هي التقرب إلى الله بما شرعه ولم يرد في أدعية الكتاب، والسنة، توسل بمخلوق مطلقاً بشر، أو ملكا أو غيرهما من سائر المخلوقات فالتوسل بالموتى كيفما كانت منزلتهم ممنوع مطلقاً، وغير جائز، فإنهم قد انقطعت أعمالهم فلا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم بشيء ما، وأما الأحياء فإنه يجوز التوسل بدعائهم بأن تقول لأخيك المسلم: ادع الله لي، فإن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب يرجى قبوله، سواء أكان المدعو له حيا أو ميتا، وفي أدعية المؤمنين، والملائكة و النبيئين الواردة في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، أقطع دليل على ذلك، هذا فقط هو الجائز، بل المطلوب شرعاً مما يمكن أن يسمى - تجوزا - وسيلة بمخلوق، ولا يجوز مطلقا أن تفسر به الوسيلة في آيتي المائدة، والإسراء.

 

وما ورد من توسل الصحابة رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنما هو بدعائه وهو حي، ولذلك توسل سيدنا عمر بن الخطاب في استسقائه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعمه العباس بن عبد المطلب، أي بدعائه كما هو مشهور، وقد قال النبيء صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب وهو يودعه قاصداً العمرة: "لا تنسنا يا أخي من دعائك" فلا معنى ولا فائدة مطلقاً في قول القائل: اللهم إني أسألك بحرمة كذا، أو بحق كذا، أو بجاه كذا، فإنه لغو من القول لا أثر له فإن التوسل إلى الله وطلب القرب منه، ورضاه لا يكون إلا بتقواه، واتباع ما شرعه، ومما شرعه أن تدعوه متجها إليه وحده مخلصا دعاءك بغير واسطة فإنه يقول لك: "أدعوني أستجب لكم" ويقول: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" أمعن النظر في قوله (( إذا دعاني )) و تأمل هذا الشرط، ثم أمعن النظر في قوله: (( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )) وتأمل جيداً هذا التفريغ بالفاء يظهر لك فقه واسع دقيق في المسألة فتدرك أنه لا حاجة بالمسلم إلى أن يستعين في دعائه إلا بالتوجه الخالص إلى الله وحده معرضاً عن كل ما سواه، ثم يشرك إخوانه المؤمنين أحياء، وأمواتا في دعائه بالخير، والمغفرة، والرحمة، ويطلب من الأحياء منهم أن يدعوا له بالخير، والمغفرة، والرحمة، ولو كان في التوسل بالجاه، والحرمة، والحق، والبركة لبعض المخلوقات لورد شيء منه في أدعية الكتاب، والسنة الكثيرة، ولم يرد شيء من ذلك مطلقاً وإنه ليشبه أن يكون شركاً.

 فإنه دعوة لما لا يملك ضراً، ولا نفعاً، ومن لم يغنه دعاء الكتاب، والسنة، وما كان على غراره فلا أغناه شيء، هذا ما أمكن تحريره الآن، وعليك بالاطلاع على ما كتبه الإمام الحجة الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار في آية المائدة: "اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة" فإنك تجد فيه ما يشفي غليلك في مسألة الوسيلة، وتجد فيه بيان ما اشتبه عليه أمره في المسألة مما أشرت إليه في كتابك.