السؤال:

ما معني ما نسب لبعض المشايخ: يجوز أن يكلف الله عباده بالإلهام من غير كتاب، ولا رسول مستدلين بقوله تعالى: ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (الشمس:8) .

الجواب:

اعلم أيها الأخ الكريم أن هذا القول لا تصح نسبته إلى أهل الحق، و الاستقامة المتمسكين بكتاب الله، وسنة رسوله؛ لأنه مخالف لصريح كتاب الله الكريم فإن الله تبارك وتعالى يصرح في كتاب الكريم القرآن العظيم بما لا يدع مجالا للشك، و الارتياب، بأنه تبارك وتعالى لم يقم الحجة على عباده إلا بالرسل وما جاءوا به من البينات، كما قال في حقهم في سورة الحديد ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(الحديد: من الآية25).

ودونك بعض الآيات الصريحة الواضحة في شأن قيام الحجة على العباد، قال في سورة القصص "وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا" وقال في سورة الإسراء: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" وقال في سورة النساء "إنا أو حينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيئين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما، رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيما" وقال في سورة طه: "ولو أنا أهلكنا بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونجزى" وقال في سورة القصص "ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيدهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسول فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين" وقال في شأن أهل النار في سورة غافر: "وقال الذين في النار لخزنة جهنم أدعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب، قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى، قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال" وقال في سورة الملك: "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير، قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء" .

فأنت ترى إذا تأملت هذه الآيات البينات الصريحة، الواضحة، القطعية الدلالة أن الله تبارك وتعالى لم يقم الحجة على عباده المكلفين إلا بالرسل، وما جاؤوا به من البينات فلا يبقى في قلب مؤمن شك، ولا ارتياب في أن الله أقام حجته على عباده بالرسل، والكتب، التي جاؤوا بها من عنده، فلا يجوز القول بغير هذا، ومن شك فيه، أو ارتاب، أو قال بغيره، فقد كفر، ومرق من الدين، فإن دلالة هذه الآيات وما أشبهها في القرآن قطعية الدلالة لا تأويل لها إلا ما يدل عليه صريح لفظها. وأما قوله تبارك وتعالى: "فألهمها فجورها وتقواها" وما أشبه ذلك من قوله: "وهديناه النجدين" وقوله: "إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا" فإنها لا تفسر إلا بما يوافق ويطابق صريح الآيات المتقدمة، ولا يجوز أن تفسر بما يناقض تلك الآيات، أو يخالفها؛ لأنها محكمة، صريحة قطعة الدلالة كما قدمنا والقرآن لا يتناقض فيه، ولا اختلاف، وهو يفسر بعضه بعضاً ويرد متشابهه إلى محكمه، "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً" فتمسكوا أيها الأخوان بالعقيدة الحقة الصحيحة الصريحة، من أن حجة الله لم يقمها على عباده المكلفين إلا برسالة، وكتبه التي جاؤوا بها من عنده وفقنا الله وإياكم جميعا إلى ما يحبه ويرضاه، وحفظ قلوبنا من الزيغ والزلل، وعقائدنا مما قد يلابسها من باطل، إنه سميع قريب مجيب. حفظ الله لأخيكم الفقير إلى مولاه الغني.