طباعة
المجموعة: مع حفظة القرآن
الزيارات: 1937

خرجنا بالسيارة إلى البلدة التي يقطنها صاحبنا، ونحن نفكّر في هذا الابن الذي شدّ سمع العمانيين في شهر رمضان المبارك لهذا العام، حيث كان المتسابق الأول في حفظ القرآن كاملا على مستوى السلطنة في مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم مع أن سنّه تنطق بأنه من أصغر المتسابقين.

 

قصدناه إلى بلدته، ولمّا سألنا عنه دلّونا على المسجد، فالمسجد بيته، والمصحف أنيسه، وأما والده فقد وجدناه في محله التجاري الذي يملكه، فذهبنا جميعا إلى أحد بيوت أقاربه ليكون هذا اللقاء المبارك.

 

فهل عرفتم من هو؟ إنه الولد

 

عاصم بن سيف البوسعيدي أحد حفظة كتاب الله تعالى ، فإلى ذلك اللقاء:

 

المحاور: لو تعرّفنا بشيء من سيرتك أخي عاصم؟

عاصم: اسمي عاصم بن سيف بن محمد البوسعيدي؛ من سكّان بلدة ضيان آلبوسعيد من ولاية السويق، وقد ولدت في سنة 1993م (عمره الآن 14 سنة)، وأنا الآن أدرس في مدرسة ابن دريد في الصف الثامن (الثاني الاعدادي).

وأما ترتيبي بين إخوتي الخلّص فهو الثالث.

 

المحاور: بارك الله فيك، طيب أخي عاصم نحن نعلم بأن وقت الإنسان وترتيبه له طريق إلى النجاح، ولا شكّ أن حفظ كتاب الله تعالى نجاح ما بعده نجاح، فهلا بيّنتم لنا وللإخوة برنامجكم اليومي حتى يستفيد منه الجميع؟

عاصم: يبدأ برنامجي اليومي بصلاة الفجر في جماعة، ثم أقوم بتسميع جزء كامل مع والدي بعد الصلاة، ثم أصلي صلاة الشروق ، بعدها أستعدّ وأذهب للمدرسة، فإذا رجعت منها عند صلاة الظهر صليت وتناولت وجبة الغداء، بعدها أخلد للنوم والراحة إلى صلاة العصر، وبعد صلاة العصر مباشرة نجتمع مع من حضر من جماعة المسجد في حلقة ليقرأ كل واحد منّا صفحة من كتاب الله تعالى ، ثم أذهب إلى اللعب إلى قبيل صلاة المغرب، وبعد الصلاة أذاكر دروسي المدرسية إلى وقت صلاة العشاء، وبعد الصلاة أتناول وجبة العشاء ، وأنام في حدود الساعة التاسعة أو العاشرة.

 

المحاور: ما شاء الله، جدول عامر !! حسناً أخي عاصم لو جئنا إلى رحلتك مع كتاب الله تعالى، متى بدأت؟

عاصم: بدأت المسيرة ـ والحمد لله ـ مع كتاب الله منذ الصغر ، فقد كان للبيت والمدرسة دور في تحفيزي وتوجيهي نحو حفظ كتاب الله تعالى، فما وصلت الصف الخامس الابتدائي إلا وأنا أحفظ جزئي عم وتبارك، ثم التحقت بمركز دبي لتحفيظ القرآن الكريم ..

 

المحاور (قاطعته قائلا): هذه نقطة مهمة تحتاج إلى أن نطيل الوقفة عندها، فتوجهنا بالسؤال إلى والده: من أين كانت الفكرة؟ وكيف حدثت؟.

والد عاصم: أنا ـ والحمد لله ـ كنت حريصا على تحفيظ كتاب الله تعالى لأولادي وأبناء مجتمعي منذ فترة طويلة، ومنهم الآن من تلاوته رائعة جدّا تفوق قراءة كثير من المدرسين. وأنا كانت لي رغبة متأصلة في أن يحفظ أولادي كتاب الله، فما إن سمعت عن هذا المركز الذي تكفّل بكلّ شيء من غذاء وسكن حتى لاحت أمام عيني الأمنية، فأخذت ابني عاصما ـ رغم معارضة الكثيرين ـ إلى هذا المركز، فألحقته به في سنة 2003م ، فأمضى فيه ثلاث سنوات، ولم تفته دراسته في عمان إلا السنة الأولى من التحاقه، أما ما تلاها من السنوات فقد كان يدرس دراسة حرة ويمتحن في نهاية كلّ فصل.

 

المحاور: جزاك الله خيرا أبا عاصم على هذه العناية الرائعة وهذا الحرص الجادّ على خدمة كتاب الله تعالى. أخي عاصم لو جئنا إلى دراستك في هذا المركز، هل لك أن تعطينا نبذة مختصرة عنها؟

عاصم: مكثت في هذا المركز ثلاث سنوات، فحفظت في السنة الأولى من آخر المصحف إلى سورة يس، وفي السنة الثانية إلى سورة الكهف، وفي السنة الثالثة إلى سورة البقرة بالإضافة إلى شهر للتمكن في حفظ كتاب الله تعالى، وفي السنة الأولى درست التجويد بالإضافة إلى الحفظ.

 

أحد الحاضرين: ما شاء الله، يعني حفظت نصف القرآن في أقل من سنة!!!

 

المحاور: طيب أخي عاصم، ماذا كان برنامجك اليومي في هذا المركز؟

عاصم: نستيقظ قبل الفجر بثلث ساعة تقريبا استعدادا لتسميع ما حفظناه بالأمس ، حيث نقوم بتسميعه بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، حيث نصلي الشروق، ثم الإفطار ، ومن الساعة الثامنة إلى الساعة العاشرة نراجع ما حفظناه من كتاب الله تعالى، وأنا كنت أراجع ثلاثة أجزاء في هذا الوقت ، ثم بعدها إلى الساعة الثانية عشرة ( قبيل صلاة الظهر) نوم إجباري، وبعد صلاة الظهر نتناول الغداء ، ثم أراجع ثلاثة أجزاء إلى صلاة العصر، وبعد صلاة العصر إلى قبيل المغرب فترة لعب وراحة، وبعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء ( التي كنّا نؤخرها عن بداية وقتها قليلا) أحفظ مقرّري اليومي وهو خمس صفحات، وقبيل صلاة العشاء نتناول وجبة العشاء، وبعد الصلاة نستمع لقصة من قصص الصحابة لمدة خمس دقائق، ثم بعدها نخلد للنوم.

 

المحاور: طيب، أنت الآن والحمد لله أنهيت حفظ كتاب الله تعالى، وهو درة نورانية، فكيف تحافظ على هذه الدرة من الضياع؟

عاصم: أراجع ثلاثة أجزاء يوميا، جزء بعد الفجر، والأخريان أراجعهما قبل إقامة الصلوت الخمس، وأراجع مع إمام مسجد مصريّ الجنسية في الأسبوع مرتين، وآخذ عنه شيئا من التجويد.

 

المحاور: طيب، ما هي أمنيتك أخي عاصم وأنت تحمل بين جنبيك هذا الوحي الرباني؟ وما هي نصيحتك لإخوانك؟

عاصم: أمنيتي بأن يكون حفظي وتلاوتي للقرآن العظيم خالصا ليس فيه سمعة ولا رياء، ونصيحتي لإخواني بأن يحرصوا على حفظ كتاب الله تعالى.

 

المحاور (متوجها بالسؤال إلى والد عاصم): ما شعورك وأنت ترى ابنك عاصم قد حفظ كتاب الله تعالى؟ وما هي نصيحتك للآباء؟

والد عاصم: أنا سعيد غاية السعادة، وهذه أمنية كنت أتمناها منذ زمن، وما زالت تتردّد في خاطري حتى شاء الله تحقيقها لي في ابني عاصم.

وأما نصيحتي للآباء فهي أن يحرصوا على تحفيظ أولادهم كتاب الله تعالى، فهو نور وهداية.

 

وفي نهاية اللقاء شكرناهم على حسن الضيافة، وانطلقنا راجعين وكلّ واحد منّا يفكّر كيف سيكون حال مجتمعنا لو أن هنالك مدارس تعنى بإخراج أولاد كعاصم!! وأين تكون مكانتنا بين الأمم لو أن آباءنا فكّروا كوالد عاصم؟! ودبّروا أولادهم كوالد عاصم؟! وأين هو دور المساجد التي كانت يوما مهدا لانطلاق الدعوة الإسلامية إلى شتى بقاع الأرض، فأضاءت ما بين المشرق والمغرب بنور القرآن العظيم؟! ..وهنا وأنا أسبح في هذا اللجي من الأفكار ـ في عالم بعيد عند بداية الدعوة الإسلامية ـ أسمع صوت الآذان ينطلق من بيوت الله تعالى ليعطّر المكان معلنا أن صوت الحقّ لا يعلو فوقه شيء وأن ذكر الله سكينة وطمأنينة، ونور وضّاء ...