طباعة
المجموعة: برنامج دين الرحمة
الزيارات: 2152

الإصلاح في الأرض ج2

بثت في:

18/جمادى الأول/1431هـ

3/مايو/2010م

----------------------------

 

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد الذي قررنا أن نواصل فيه موضوع الإصلاح في الأرض.

سنوسع اليوم بإذن الله تعالى دائرة الحوار حول موضوع الإصلاح لنقف على مزيدٍ من النقاط المهمة، ونطرح مجموعةً من العناصر المتعلقة كذلك بما يقابل الإصلاح وهو الإفساد، كل ذلك ونرجو منكم مشاركةً بما ترونه داخلاً حقيقةً أو ضمناً في موضوع الإصلاح حتى فيما يتعلق بالنظام الإصلاحي داخل الأسرة، وأماكن العمل، وفي مجموعة الأصدقاء، وكذلك ما يتعلق بالشبهات المتعلقة بدعاوى الإصلاح وما يناقضها؛ طمعاً في أن نَخلُصَ من خلال هذا الحوار إلى المفهوم الذي ينبع من روح الشريعة وسماحة الإسلام ورحمة الله تعالى الغامرة بالعالَمين، إذاً نحن اليوم في هذا الحوار نتحدث عن موضوع الإصلاح في الأرض، ويسرني الآن أن أرحب بضيفي المُعِد والمقدم لهذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة.

 

*********************

أهلاً ومرحباً بكم..

 

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بكم، وبالإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، وأسأل الله عز وجل في بدايته أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه تعالى سميعٌ مجيبٌ.

 

مقدم البرنامج: آمين..

فضيلة الشيخ حتى نربط هذه النقاط التي نتناولها اليوم بالنقاط السابقة في نفس الموضوع نريدكم أن تضعوا لنا ملخصاً-وباختصارٍ طبعاً-عن ما تناولناه في الحلقة الماضية وما سنتناوله في حلقة اليوم بإذن الله.

 

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن موضوع الإصلاح في الأرض كما تبين في الجزء الأول من هذا الموضوع هو من ضمن الموضوعات الجديرة بأن يتأمل فيها المسلم، وأن يقف عندها؛ وذلك لما لهذا الموضوع من أهميةٍ بالغة، وهذه الأهمية تكمن في كثرة ورود الإصلاح والصلاح وضد الصلاح والإصلاح من الفساد والإفساد في كتاب الله عز وجل بمشتقاتٍ مختلفةٍ متعددة، مما يَشِي بأهمية موضوع الصلاح والإصلاح في الأرض، وبخطورة مخالفة منهج الإصلاح؛ لأنه يؤدي إلى فساد السموات والأرض، ويؤدي إلى الإفساد في الأرض، ويؤدي إلى الفساد بين الناس؛ ولذلك كان حديثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع مُعَرِّفاً بدايةً بمعنى الإصلاح الذي نتحدث عنه، وقد قلنا بأن الإصلاح يُقصَد به: كل ما كان فيه صلاح حالٍ، وأننا نتناول بذلك كل أنواع الإصلاح؛ لكننا لا نركز حديثنا على الإصلاح بين الناس أو إصلاح ذات البين باعتبار أن هذه إنما هي جزءٌ من الإصلاح العام الذي نتحدث عنه..

 

وقلنا بأن بواعث الإصلاح التي جاء بها هذا الدين إنما تنطلق بدايةً من صدق الإيمان.. من العقيدة الراسخة التي تصل هذا العبد المخلوق بربه الخالق القادر الرازق الذي إليه المنقلب.. منه المبدأ وإليه الرجعى، وأن صدق الإيمان سوف يتجلى بعد ذلك في اتباع ما جاءت به الأنبياء والرسل من عند ربهم تبارك وتعالى هدايةً للبشر، وإخراجاً لهم من الظلمات إلى النور، وأمراً لهم بعبادة الله عز وجل، وتحقيق معنى استخلافهم في هذه الأرض، وبياناً لمعنى عمارة هذه الأرض بما يرضي الله تبارك وتعالى، وأن ذلك يشمل ما تشتمل عليه هذه المِلل، وما يشتمل عليه الدين من شرائع.. من أحكامٍ تشريعيةٍ سواءً كان ذلك في العبادات أو المعاملات أو في دوائر الأحوال الشخصية أو العقوبات والحدود والجنايات أو ما يتصل بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية وغيرها مما تشمله تشريعات الدين أو كان ذلك من خلال الأخلاق التي يدعو إليها الدين تزكيةً للنفوس، وسمواً بها وارتقاءً بها نحو مدارج الكمال، كل ذلك يُحَقِّقُ سواءً نُظِرَ إليه من خلال الفرد أو الجماعة يُحَقِّقُ إصلاحاً في هذه الأرض، وتظهر آثار الإصلاح في الروابط بين الناس، وفي حسن سلوكهم في هذه الحياة، وفي تآخيهم وتآزرهم، ويظهر في عمارة هذه الأرض، والحفاظ على مواردها الطبيعية، والانتفاع بما سخره الله عز وجل للناس انتفاعاً قويماً معتدلاً لا شطط فيه ولا إجحاف، وأن كل ذلك يؤدي  إلى تسخير الملكات التي وهبها الله عز وجل لعباده من عقولٍ سويةٍ، ومن طاقاتٍ وقدراتٍ ومُكُنات تسخير كل ذلك لأجل ما فيه صلاح الإنسان وصلاح هذه الحياة التي يعيش فيها هذا الإنسان..

 

ويوم أن يَعِيَ المسلمون هذه المسؤولية ويفهموا جوهر ومضمون هذه الحقائق من دينهم فإنهم لا شك سوف يسعون في الأرض إصلاحاً، وسوف يؤدون ما عليهم من مسؤولياتٍ وأمانات فيما يتصل بهذا الموضوع الذي نتحدث عنه، هذه كانت خلاصة ما تعرضنا له في الحلقة الماضية، ونرى أن تمام الموضوع لا يكون إلا ببيان بعض أوجه الإصلاح التي جاء بها هذا الدين الحنيف، ثم إننا نريد أن ننتقل  إلى التعرض لبيان الفساد والإفساد التي جاء هذا الدين لمحاربتها، ولنهي الناس عنها، ونَهْنَهَةِ سلوكهم عن إتيانها..

 

ثم إننا نريد أن نُطِلَّ إطلالةً على بعض الأمثلة التطبيقية سواءً كان فيها إصلاحٌ ظاهر أو كان فيها نهيٌ عن فسادٍ في الأرض، وسوف  نَمُرُّ بإذن الله عز وجل على بعض ما يحمي الناس وما يعصمهم من الوقوع في هلكة الفساد إذا انتشر وعمَّ، وكيف يمكن لهم أن يتقوا ذلك ويتجنبوه، ثم معالم أو ملامح الإفساد إجمالاً التي ركز الإسلام كثيراً على التحذير منها في كتابه الكريم، وسنحاول-بمشيئة الله تعالى- أن نُقَلِّبَ بعض صفحات سيرة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وهديه الشريف لكي نأخذ الدروس المستفادة من سيرته ومن أقواله وأفعاله فيما يتصل بموضوع الإصلاح في الأرض.

 

مقدم البرنامج: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، نبقى الآن مع هذه الآية القرآنية، ثم نعود للحوار بإذن الله.

 

*********************

{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (الأعراف:54-57).

 

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

فضيلة الشيخ قبل أن نسألكم عن موضوع أوجه الإصلاح في الأرض في هذه الآيات التي تُلِيَتْ علينا قبل قليل يمتنُّ الله تعالى على عباده بخلق السموات والأرض وما فيهما، ويبسط قدرته العجيبة في إبداع هذا الخلق، ثم تلتفتُ الآيات إلى تنبيه الناس أن هذا النسق الجميل وهذا الإبداع العظيم في الخَلقِ على الناس أن لا يفسدوا فيه، ثم تعود الآيات مرةً أخرى إلى موضوع الخَلقِ نفسه من إرسال الرياح وغيرها من الأمور، ما حكمة توسط النهي عن الإفساد في الأرض بين هذه الآيات التي تتحدث عن الإبداع في الخَلقِ؟

 

الشيخ كهلان: الصلة واضحةٌ جليَّة؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض وسخَّر كل ما في السموات والأرض لهذا الإنسان المكرم المخلوق في أحسن تقويم الذي امتاز عن غيره من المخلوقات بنفخة الروح فيه خَلَقَ كل ذلك على سواء، وخَلَقَ كل ذلك على صلاحٍ، وعلى أحكم ما يمكن أن تكون عليه، وعلى أحسن ما يمكن أن تكون عليه؛ ولذلك-وقد قلنا هذا الكلام في الجزء الأول-أن أمر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بالتوجه إليه بالدعاء تضرعاً وخُفيَة متبوعاً ببيان أنه جلَّ وعلا لا يحب المعتدين بعد بيان آياته في الكون والإبداع الحكيم في خلق هذا الكون بما فيه من سمواتٍ وأَرَضِين وما بثَّ الله عز وجل فيه من آيات ويأتي الأمر بالدعاء، وقلنا بأن الدعاء هو خلاصة العبادة، فإن الدعاء لا يكون إلا حينما يعترف الداعي الذي هو المخلوق بقدرة المدعو الذي هو الرب الخالق جلَّ وعلا وباحتياج هذا الداعي المخلوق لخالقه المدعو؛ ولذلك قلنا في حلقة الدعاء بأن الدعاء هو العبادة كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ثم يأتي التحذير {... إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ...}، وقلنا بأن إصلاحها وأن كلمة الإصلاح عند كثيرٍ من المفسرين هي لفظٌ مشتركٌ في المعْنيين أي لفظٌ مشتركٌ في إصلاح ما هو فاسد أو للتعبير عن صلاح ما وُجِدَ صالحاً أصلاً، فلذلك خلق الله سبحانه وتعالى السموات والأرض على صلاحٍ ولكنه عَبَّرَ في هذه الآية بقوله: {... بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ...} للإشارة إلى أنها خُلِقَت على صلاح، وأن إفساد الأرض.. إفساد الإنسان فيها سوف يؤدي إلى خللٍ في ذلك النظام، وإلى فسادٍ في ذلك الصلاح الذي كانت عليه، ويعود مرةً أخرى جلَّ وعلا ويُذكِّرُ الناس بآياته وبرحمته بهم بعد نهيه عن الإفساد في الأرض وتذكيره بأهمية المحافظة على الصلاح الذي أوجد الله تعالى عليه ما خلقه في السموات والأرض فيقول: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

 

مداخلة متصل: عندي سؤال:

هل يعتبر-مثلاً-نقل الطالب من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ-مثلاً نقل الطالب من المرحلة الإعدادية إلى الثانوية-من ضروب الإفساد في الأرض، مع أن هذا الطالب يُنقَل لا يُجيد القراءة ولا الكتابة، وربما يتخرج من الثانوية بشهادةٍ وهو لا يجيد القراءة والكتابة.. هل تعتبر هذه من ضروب الإفساد في الأرض؟

 

الشيخ كهلان: عفواً أخي؛ لكن هناك أنظمة لانتقال الطلاب من مرحلةٍ إلى أخرى، ونحن نتحدث الآن عن موضوع الإصلاح في الأرض-سوف نأتي إلى ما يتصل بالإفساد، وبعض التصرفات المنهي عنها، وما تؤدي إليه من إفساد-، الآن كيف يمكن.. كيف يَسُوغ أن يُنقَل طالب من مرحلةٍ إلى أخرى دون أن يتمكن من تجاوزها بحسب الأنظمة المعتاد عليها عادةً؟

 

المتصل: مثلاً في المدارس الآن إذا الطالب رسب في أربع مواد أساسية يُجتَمع له لجنة وينجح على أنه سيتعلم لاحقاً.

 

مقدم البرنامج: طيب فضيلة الشيخ نحن نعود مرةً أخرى إلى موضوع السؤال..

السؤال الأول: هل هناك ارتباط بين جمال الخَلق والإفساد في الأرض؟ أي هذه الآيات هل يمكن أن نقول أنها  تُنَبِّه إلى أن الإفساد في الأرض يمكن أن يؤدي إلى تخريب هذا الجمال العجيب في خَلقِ الكون تماماً كثور أُطلِقَ على متحفٍ من الخزف؟ أم أن الإفساد فقط يتعلق بالسلوكيات-بدأنا طبعا موضوع الإفساد قبل الإصلاح-بالسلوكيات فقط والظلم والتعدي والغصب وغيرها؟

 

الشيخ كهلان: أنا قلتُ بأن الإفساد في الأرض يؤدي إلى خللٍ في نظام هذا الكون ذلك أن كل ذرةٍ في هذا الكون إنما تُسبِّح بحمد الله عز وجل وتخضع لملكوته، فحينما يشذ شاذٌّ في هذا الكون عن هذا النسق وهذا السَّنَن فإن لذلك الكثير من الآثار التي تؤدي فعلاً إلى اختلال نظامه، وإلى انفراط عِقْدِ جمال هذا الكون الذي أبدعه الله سبحانه وتعالى وأحسن خلقه، وإذا كان من أبسط ما يُحذِّرُ منه الله سبحانه وتعالى جلياً في كتابه الكريم وهو اتباع الأهواء لكنه-جلَّ وعلا-حينما يبين للناس آثار اتباع الأهواء لا يَذْكُر أن أثر ذلك يقتصر على الفساد في الأرض، وإنما يقول سبحانه وتعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ...} (المؤمنون:71).

 

وفي ذلك من الدلالة على أن إفساد هذا الإنسان في هذه الأرض باتباع الهوى ومجانبة الحق والبُعد عن العدل والإنصاف لا تتأذى منها الأرض التي يعيش فيها هذا الإنسان فقط وإنما ينال ضرر فساده حتى السموات والأرض، وهذا يمكن أن يُفهَم في ظل كثيرٍ من التصرفات التي يقوم بها هؤلاء المفسدون في الأرض من محاولة التعدي على ما سخَّره الله سبحانه وتعالى دون اعتبار للآخرين.. لحقوق الآخرين أو لحقوق الكائنات التي تعيش في هذا الكون؛ فحينما يَظلِمُ الإنسان أخاه الإنسان فيسعى إلى تدمير ما في الأرض وباطنها وما فوق سطحها فلا شك أن جمال هذا الكون ونظامه سوف يختل تبعاً لذلك، وما هذه الظواهر التي يتحدث عنها عالَم اليوم من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تؤدي إليه من ذوبان جبال الجليد التي هي أكنانٌ للمياه العذبة في هذا الكون.. ومن تغيُّر أنظمة المناخ في العالم.. أعاصير في مناطق.. وجفاف في مناطق أخرى.. براكين وأحداثٌ في هذا الكون إنما هي حسب قول أهل العلم آثارٌ لبعض صُنعِ الإنسان وإفساده في هذه الأرض، وعدم اكتراثه بهذه البيئة التي يعيش فيها، لا ريب أن ذلك سوف يؤدي إلى انفراط عِقْدِ جمال هذا الكون واختلال نظامه.

 

مقدم البرنامج: وهذا ما ذكرتموه هو الذي تؤيده آية سبأ أنهم كانوا في جنتين وبسبب إفسادهم أبدلهم الله تعالى بجنتين ذواتي أُكُلٍ خمط..

طيب فضيلة الشيخ الآن ندخل مباشرةً في موضوع أوجه الإصلاح في الأرض، ما هي أوجه الإصلاح في الأرض التي دَعَتْ إليها آيات القرآن الكريم؟

 

الشيخ كهلان: أوجه الإصلاح في الأرض التي جاء هذا الدين لأجل إقامتها كثيرة، وهي أولاً لابد أن نَعِيَ وأن نؤكد أنما تنطلق من العقيدة الراسخة التي تصل المؤمن بربه إيماناً به جلَّ وعلا، وتصديقاً به، وبكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ثم بعد ذلك اتباع الشرائع التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على هؤلاء الأنبياء والمرسلين لهداية الناس، ولبيان الصراط المستقيم لهم، ولدعوتهم إلى الحق، وإلى إقامة العدل والقسط؛ ولذلك تبعاً لذلك فإن أوجه الإصلاح سوف تتناول كل ذلك، بمعنى أنها تَظْهَر فيما يتصل بإيمان الفرد، فهو إيمانٌ يُحَرِّرُ المسلم-كما قلنا-من الخرافات والأوهام، كما أنه في ذات الوقت لا يجعله يَشطَح به هذا العقل نظراً لأنه عقلٌ محدود.. محدودٌ بظروف الزمان والمكان والبيئة والطاقة والمُكنة التي وهبها الله عز وجل لعباده فيما يتعلق بالتفكير والنظر والتأمل والتدبر..

 

كذلك يَظهَرُ فيما يتصل حينما نتحدث عن جوانب الإيمان يَظهَرُ في إيقاظ الضمائر، ويقظة ضمير بني البشر هي عنوان إنسانيتهم؛ لأن الضمائر حينما تموت فإن البشر سوف يتحولون إلى أجسادٍ خاوية من الضمائر، وعندها تستحيل حياتهم إلى حياة غاب، ولذلك كان من أبرز ما تفعله الشرائع في الناس أنها توقظ فيهم ضمائرهم، وإيقاظ الضمائر هو رَجْعٌ بالإنسان إلى إنسانيته المكرمة المحترمة عند الله سبحانه وتعالى المأمورة بالاستجابة لندائه؛ لأنها تدعو إلى أن تكون هذه الإنسانية سائرةً في الطريق الصحيح.. الإنسانية كل إنسان، ولا أقصد بها الإنسانية في مجموعها في هذا السياق، ثم بعد ذلك تكون الإنسانية جمعاء .. سائرةً في طريق الخير والصلاح حتى وهي تتدافع مع الحق والباطل، وهذا  من قواعد أو من أوجه الإصلاح أن الله عز وجل علَّم المؤمنين علَّم أهل الخير والصلاح أن المدافعة أو التدافع بين الحق والباطل سُنةٌ من سُنن هذه الحياة، لكن الله عز وجل قد تكفل بنصرة الحق وإن طال الزمان، وبتأييد دعوته ودعوة الخير والهدى وإن تكدرت الظروف واحلولك الظلام، حتى لا ييأس أهل الصلاح من سعيهم في الإصلاح في هذه الأرض، وحتى لا يستبد بهم الخَوَرُ والضعف فيتخلوا عن دور الإصلاح فينضووا-والعياذ بالله-تحت رايات الإفساد في الأرض تخلياً عن مبادئهم ومنهجهم الذي دعاهم إليه هذا الدين.

 

مداخلة متصل آخر: حقيقة نرفع الشكر والتقدير للمقام السامي-حفظه الله ورعاه-للمكرمة السامية التي تقدم بها للفقراء والمساكين والمحتاجين حيث تعتبر هذه من ضمن الإصلاح في الأرض، ونريد تعليق الشيخ في هذه المسألة.

السؤال الثاني هو: ما هي طريقة إصلاح الآباء من ناحية استغلالهم لبناتهم اللواتي يعملن في القطاع الخاص أو القطاع العام، حيث إنهم يستغلوا رواتبهن بطريقة ربما هن غير راضيات عنها، فما نصيحة الشيخ لمثل هؤلاء الآباء الذين يقفون عائقاً أمام زواج بناتهم بسبب هذا الراتب؟ والحقيقة أنهم يأخذون شيئاً من الراتب ولكن ربما يكون كرهاً، ويتعللوا: بأننا نحن والله صرفنا على بناتنا.. ودَرَّسناهن ربما في الخارج.. ودَرَّسناهن في الجامعات وكذا.. فهذا حقنا، هم يقولون بأن هذا حقهم، فما هي نصيحة الشيخ؟ جزاكم الله خيراً.

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ تواصلون موضوع أوجه الإصلاح..

 

الشيخ كهلان: نعم أوجه الإصلاح..

وهذا من الأوجه الهامة التي ينبغي أن يعيها المسلمون اليوم لمَسيس حاجتهم إليها وهو العلم؛ فإن من أوجه الإصلاح الظاهرة التي جاء هذا الدين لإقامتها في هذه الأرض أن يدعو أتباعه إلى طلب العلم، ونجد ذلك واضحاً لا يمكن أن يُنكَر في كتاب الله عز وجل من الآيات التي بينت منزلة العلم والعلماء، وعدم مساواتهم للجهلة والجاهلين من خلال الحث على النظر والتأمل والتفكر.. من خلال  بيان أثر العلم في واقع حياة الناس.. من خلال التعليم الذي نجده في كتاب الله عز وجل في الأحكام والتشريعات والأخلاق، وكذا الحال في سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، هذه القضية من القضايا الهامة في موضوع الإصلاح؛ لأن الإصلاح في الأرض لا يمكن أن يكون بجهلٍ، وإنما يقوم على العلم، والمسلم مأمورٌ بأن يتعلم وأن يسعى إلى أن يَجمَع ما يستطيع من العلوم والمعارف سواءً ذلك في مقام عبادته لربه عز وجل أو في إقامته لأَودِ حياته أو ما فيه منافع ومصالح للناس ولهذه الأرض التي يحيا فيها، وإنما يقع الإفساد في الأرض بسبب الجهل، وتفشي إبطال هذه الملكات، وتعطيل العقل، والإعراض عن التعلم، فتقع لذلك كوارث كثيرة في كل الأصعدة، في عبادة الإنسان لربه.. في معرفته بأولوياته.. في حياته.. في علاقاته مع الآخرين، حتى وإن تَعلَّمَ بعيداً عن الإيمان فإنه سوف يُفسِد في الأرض.. لن يراعي حقوق البيئة، ولا الموارد الطبيعية، ولا الاعتبارات الخُلُقيَّة التي يجب أن يقف عندها مهما بَلَغَ في علومه ومعارفه ما بَلَغَ من أوج، فإذاً هذا الجانب غايةٌ في الأهمية وهو موضوع العلم.

 

ثم بعد ذلك نأتي إلى ما يتصل بضبط علاقات الناس ببعضهم البعض، إذاً من أوجه الإصلاح  إقامة علاقات الناس في كل دوائرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية على الصلاح والإصلاح، لنأخذ بعض الأمثلة في الجانب الاجتماعي: فالله سبحانه وتعالى يقول: {... وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة:205)، ويقول: {... لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس:81)، ويقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إذا خَطَبَ إليكم الكفؤ فلا تردوه، فنعوذ بالله من بوار البنات"، وفي آيةٍ أخرى {... تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (الأنفال:73)، في الجانب الاقتصادي نجد أن الله تبارك وتعالى يقول: {... كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ...} (الحشر:7) في توزيع الثروات وما يترتب على ذلك من التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع،  في هذا المجال نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ...} (التوبة:103).

 

ولذلك ما ذكره الأخ المتصل الثاني من المكرمة السامية هو مثالٌ في محله، ولا شك أننا جميعاً نُثنِي على هذه المكرمة، وهي لا شك في محلها، وسوف تؤدي إلى إصلاحٍ في الأرض كبير، ولصاحب المكرمات وللأيادي البيضاء دائما هذا السبق إلى مثل هذه اللفتات واللطائف والمنن التي يُكرِم بها أبناء شعبه، ولا شك أن أكفَّ الضراعة تجأر إلى الباري سبحانه وتعالى بطلب المكافأة والأجر والثواب في مقابل هذا الإحسان البالغ العميم، وهذا مثال..

 

كل ما كان من أوجهٍ فيها نفعٌ للمجتمع وإصلاحٌ لأحوال الفقراء والمساكين لا شك هو من الإصلاح الكبير في المجتمع؛ ذلك أن سنة الله سبحانه وتعالى قد اقتضت أن يكون في الأرض.. أن يكون في هذه الحياة أغنياء وفقراء.. أصحاء ومرضى.. أقوياء وضعفاء لكن التشريعات جاءت لكي يُعِينَ الغني الفقير، ويساعد القوي الضعيف، ويسعى الصحيح في حاجة المريض، ويعين الناس بعضهم بعضاً؛ فإن لم يفعلوا ذلك عمَّ الفساد في الأرض، وتعطلت المصالح، وانتشر ما يُدخِل على الناس العنت والمشقة في حياتهم؛ إذ الغني لا يمكن له أن ينأى بنفسه ولا يحتاج إلى غيره من الفقراء في الأعمال التي يوظفهم فيها.. كيف يمكن له أن يُثمِّرَ أمواله بشركةٍ مثلاً دون أن يكون عنده من العمال والإداريين والمهندسين وغيرهم من الموارد البشرية ما يمكن به أن يُثَمِّرَ ماله ويقيم مشاريعه؟! وهؤلاء ينتفعون قبله بمردود ذلك المشروع، فإن كان يقيم مشروعاً صناعياً كانوا مستحقين لأجورهم قبل أن يقوم هذا المشروع الصناعي بإيراداتٍ أو قبل أن ترد إيراداتٌ ومنافع من جرائه لصاحبه فينتفعون هم قبله في الوقت الذي يَنتَفِعُ هو منهم، فهي إذاً دوائر متداخلة إن لم يعي المسلمون أهمية هذا التآزر والترابط والتآخي بينهم واحتياجهم إلى بعضهم البعض وإسعافهم ليس فقط على قاعدة المصالح وإنما هي امتثال أمر الله عز وجل، وبدافع هذا الإيمان تكون هذه المبادرات كما رأينا في هذا المثال الذي ذكَّرنا به المتصل الثاني التي تكون مبادرةً ابتداءً مكرمة، ويقاس على ذلك-كما قلتُ-ما كان خيره ممتداً نافعاً، وعطاؤه باقياً مستمراً؛ ولذلك كان حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ"، فكيف إذا كانت الأعمال أصلاً جليلةً كبيرةً ويَنتفعُ بها شريحةٌ كبيرةٌ من الناس!

لا يزال هناك جوانب من أوجه الإصلاح مهمة..

 

مداخلة متصل ثالث: لو سمحتَ الشيخ عندي سؤالان، تعزيزاً لمكالمة الأخ المتصل الثاني:

- قوله تعالى: {... وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ...} (النور:33)، فهل هذا داخلٌ ضمن الإصلاح؟ بما أني سمعتُ في الأسبوع الماضي تفسيراً لها على أن الأب يعضل ابنته من الزواج بسبب غلوه في المهر، ويمنعها بسبب ما يحصل عليه من راتبٍ أو نحو ذلك، فهل هذه الآية داخلة في ضمن الإصلاح؟

- من ثم هل من الإصلاح تقديم المشورة لشخصٍ ما ثم من بعد ذلك يترتب على تلك المشورة أو النصيحة قَطْعُ صِلة؟ هذا وشكراً.

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ أنتم لازلتم في موضوع أوجه الإصلاح..

 

الشيخ كهلان: أنا أريد أن أقول-إن كنتَ تريدنا أن نختصر-أقول: تتناول كل جوانب التشريع، حينما نتأمل بعض الأمثلة فيما يتصل بالجوانب الاقتصادية والتشريعات المتصلة بالمال والاقتصاد والكسب والإنفاق حتى التبذير والإسراف.. التبذير والإسراف هي من أوجه الفساد في الأرض؛ لذلك الله سبحانه وتعالى قال: {... وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء:26-27)، وليت هذا الذي يُبَذِّرُ ماله يتأمل في هذا الاقتران أن يكون المُبَذِّر أخاً للشياطين-والعياذ بالله-: {... وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.

 

في الدعاء {... إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (الأعراف:55) هذا في سياق الدعاء، في الجوانب الاجتماعية ذكَرنا  طائفة من الأدلة الشرعية.

 

فيما يتصل بإقامة القِسط في هذه الأرض سواءً كان ذلك في الأنظمة القضائية.. في أنظمة الحكم.. فإن الله سبحانه وتعالى يؤكد في كتابه الكريم على أهمية بسط العدل وإقامة الحق، وقد تَلَوتُ الآية التي أَلْفِتُ إليها الانتباه مرةً أخرى: { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ...} (المؤمنون:71)، كذلك في نفس هذا السياق {... مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ...} (المائدة:32) كلمة {... أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ ...} في هذا السياق تشير أو تؤكد لنا حقيقة أن ما يشرعه الله سبحانه وتعالى من أحكامٍ وحدودٍ إنما يراد به إقامة الحق وبسط العدالة بين الناس؛ لأن ذلك من أوجه الإصلاح في الأرض.

 

مداخلة متصل رابع: هل الإصلاح فقط دور العلماء والفقهاء والدعاة.. مقتصرٌ عليهم أكثر من الناس العامة؟ هذا السؤال الأول.

السؤال الثاني: يروى أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يتوضأ بالمُد، ويغتسل بالصاع، فهل هنا النبي-صلى الله عليه وسلم-يعلمنا فقط عدم الإسراف، وحدد المقياس أم أن من تجاوز هذا المقياس في الوضوء والغُسل يُعَدُّ مسرفاً ومن الإفساد في الأرض؟

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ الآية الأخيرة التي بينتم فيها أنه من يقتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً.. أو أفسد في الأرض.. {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ...} (المائدة:33) .. هل الأرض المقصود بها هنا من باب العموم الذي يراد به الخصوص؟ أم أن الإفساد عموماً يَلُفُّ الأرض كلها؟

 

الشيخ كهلان: الإفساد في جزءٍ من الأرض هو كالإفساد فيها كلها؛ ولذلك في قوله تعالى في خطاب المؤمنين للمنافقين: {... لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} (البقرة:11-12)، المقصود أنهم يفسدون في جزءٍ من الأرض؛ لكن الإفساد في جزءٍ منها يَظهَر أثره في الأرض كلها، يَظهَر أثره حينما ينتشر ويعم.. يَظهَر أثره حتى في تلك البقعة التي هي جزءٌ من الأرض؛ فلذلك كان هذا الموضوع غايةً في الأهمية؛ لأنه في المقابل الإصلاح في الأرض إنما يمكن أن يكون في جزءٍ منها لكنه كالإصلاح في الأرض جميعاً من حيث قبوله عند الله تبارك وتعالى، ومن حيث عموم نفعه، ومن حيث من يمكن أن يتأسى بذلك الإصلاح، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك الفعل الصالح من آثارٍ في عموم هذه البسيطة.

 

مقدم البرنامج: طيب كيف يمكن للفرد الواحد بسلوكه الشخصي أن يكون مفسداً في الأرض بهذه الطريقة الكبيرة التي تحدثتم عنها؟

 

الشيخ كهلان: يقول الله تبارك وتعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:27-28)، هذا التشبيه بين صنفين من الناس { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ...} هؤلاء مجموعة من الأفراد لا يمكن أن يستووا.. لا يمكن أن يكون بينهم تساوٍ عند الله تبارك وتعالى، ولا في موازين الحق والعدل، ولا من حيث الأثر في هذه الأرض؛ فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم مجموعةٌ من الناس؛ لذلك جاء التعبير {... الَّذِينَ آَمَنُوا ...} ليس بين الإيمان وعمل الصالح والفساد في الأرض التشبيه لا.. بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات في جانب والجانب المقابل المفسدون في الأرض.. المتقون في جانب والفجار في جانبٍ آخر.. هؤلاء مجموعة من الأفراد، إذاً سلوك الفرد يمكن أن يمتد لكي يَظهَر أثر فساده أو صلاحه في عموم هذه الأرض..

 

أنت تسأل الآن عن الإفساد في الأرض، لنأخذ بعض الأمثلة ومنها ما ذكره الإخوة في اتصالاتهم: موضوع من أخطر ما يبتلى به الناس التسور على الحق، والتحايل على الحق والعدل، يكون ذلك بالتدليس، والتزوير، والحَلِف الكاذب.. الأيمان الكاذبة-والعياذ بالله-، الغَرر.. التغرير بالناس، الرُّشا.. الرشوة، ولنأخذ مثال الرشوة: حينما تنتشر الرشوة من قِبَلِ أفرادٍ في المجتمع ماذا تكون النتيجة؟ تُعطَّل المصالح، ويختل النظام بأسره، وتعُم المحسوبية والمصالح والأهواء، وتُضيَّع الحقوق على مستحقيها، وبعد ذلك ينتشر الظلم، ولا يكون للناس ضابطٌ ولا نظامٌ يأرزون إليه، ونحن نتحدث عن منهيٍّ عنه واحدٍ فقط وهو الرشوة.

 

كذا الحال حينما نأتي إلى  التطفيف في الموازين، والتطفيف في الموازين لا يُقصَد به فقط في الحقوق المادية للناس، وإنما نقصد به الحقوق المادية والحقوق المعنوية، حينما لا يُنصِف الإنسان الآخرين من نفسه.. حينما يُجحِفُ في حقوق الآخرين ويُطالِب أن يستوفي حقوقه كاملةً منهم.. حينما يدعو إلى أن يُحتَرمَ ولكنه ينتقص من أقدار الآخرين؛ فإن ذلك كله من التطفيف في الكيل الذي حَذَّرَ الله سبحانه وتعالى منه في كتابه الكريم حينما قال: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } (المطففين:1-3)، ويكون  مما حَذَّرَ الله عز وجل منه على لسان شعيب-عليه السلام-حينما قال: {... وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ...} (الأعراف:85)، {... وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ...}  وجاء بعدها {... وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ...}.

 

حينما ننظر إلى موضوع التزوير: تصوَّر أنت أن صاحب شهادة عُليا مزورة، هذا سوف يتحمل مسؤولية بسبب شهادته المزورة.. سوف يُرجَع إليه، ويُستَشار، ويُأخَذ برأيه.. سوف تُحالُ إليه دراساتٌ ومشاريع قد تكون من المشاريع التي تهمُّ عموم الناس.. قد تكون من المشاريع الكبرى التي تقوم بها الدول والأوطان في حين أن شهادته مزورة، وبالتالي هو خاوٍ جاهلٌ جهلاً مركباً فلا شك أن ضرره سوف يكون عامًّا، وسوف يكون-والعياذ بالله-من المفسدين في الأرض، في حين أن سلوكه سلوكٌ فردي.. قد يدَّعي هو بأن هذا سلوك شخصي، وليس الأمر كذلك.

 

لنأخذ ما هو أبسط من ذلك: ترك النهي عن المنكر من قِبَلِ الفرد.. إن لم يقم أفراد المجتمع بالنهي عن المنكر وفقاً للأسس والمناهج والمبادئ التي جاء لإقرارها هذا الدين في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعمَّ الفساد في هذه الأرض؛ ولذلك حذر الله عز وجل عباده المؤمنين أتباع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-من أن يقعوا فيما وَقَعَتْ فيه الأمم السابقة {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة:78-79)، فإذاً النهي عن المنكر مثالٌ آخر من السلوك الفردي الذي يُمكِن أن يُعرِض عنه المسلم، أي يرى المنكر ولا يغيره حتى في أضعف الإيمان الذي هو الإنكار بالقلب.. يستسيغ ذلك ويُسوِّغه في نفسه، فتعم الكارثة، والله عز وجل يقول: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً خَآصَّةً ...} (الأنفال:25).

 

مقدم البرنامج: قبل الفاصل نختم  بالمثال الذي ذكره الإخوة في موضوع العضل.

 

الشيخ كهلان: العضل..، وحتى مثال خيانة الأمانة..

أنا ألخص ما أشار إليه الأخ المتصل الأول أن ينقل طالبٌ لا يحسن القراءة والكتابة إلى مرحلةٍ أرفع: إذا كان ذلك تم من خلال لجنةٍ مشكلة فإن عليهم أن يؤدوا الأمانة التي حُمِّلوا إياها؛ لأن في ذلك مصلحة ذلك الطالب، ومصلحة العلم نفسه، ومصلحة المجتمع لاحقاً؛ لأنها أمانة، ويجب أن تؤدى هذه الأمانة، وأن ترعى حق رعايتها.

 

وكذا الحال بالنسبة لأمانة التزويج، ولاية التزويج هي ليست بتسلطٍ من قِبَلِ الولي على موليَّته، بل هي اختيارٌ للأفضل، وتسديدٌ لرأي البنت حينما ترغب في الزواج فتستصحب رأي وليها، وإنما يكون العقد برضاه وموافقته، حتى تكون العلاقة الناشئة-هذه العلاقة الجديدة بين الأسرتين-تكون علاقةً قويةً متينةً مبنيةً على وئامٍ وتصالحٍ لا على خصامٍ وتنازعٍ، جملة من الحِكم والاعتبارات التي لو لم يؤخذ بها لأدت إلى تخاصمٍ ونزاعٍ، وقد يؤدي-والعياذ بالله-إلى نزاعاتٍ وخصوماتٍ بين أسر، ثم بعد ذلك تتوسع لكي تكون بين قبائل، وقد تؤدي-والعياذ بالله-إلى سفك دماءٍ، وإلى انتقاص حقوقٍ، وإلى مشاحناتٍ غايةٍ في اللدد، وما كان السبب إلا التهاون في إقامة مثل هذه الأحكام الشرعية التي منها ما يتصل بنهي الأولياء عن عضل بناتهم من التزوج بالأكفاء والتي منها  قول الله عز وجل: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ...} (النساء:4)، هذا التحايل الذي يكون من الأولياء.. وهذا التعسير الذي يكون من الأولياء.. وهذا الرضوخ  الذي يكون من المجتمع لا شك سوف يؤدي إلى فتنٍ كبيرة، وسوف يؤدي إلى فسادٍ كبيرٍ، ولابد أن يُؤطَّر سلوك الفرد وسلوك الجماعة لأجل الوقوف أمام مثل هذه الظواهر التي تؤدي إلى الإفساد في الأرض.

 

مقدم البرنامج: والحقيقة الجهل يُوقِع بالمرأة ظلماً كثيراً؛ ولذلك ورد التنويه بذكرها في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف.

هناك شيءٌ آخر فضيلة الشيخ أردتكم أن تتحدثوا فيه: في المقابل هناك شيءٌ ربما لا يُركَّز عليه كثيراً وليس معروفاً بين الناس إلا أن آثاره ظاهرة، طبعا نحن تحدثنا عن موضوع العضل، وأن الأب يمارس سلطته على ابنته فيمنعها من الزواج مقابل أن يبتزها، وأن يأخذ مالها؛ ولكن هناك شيءٌ آخر: مجتمعٌ لا يحترم رأي المرأة في موضوع الزواج.. لا يحترم رضاها.. موافقتها.. قد لا ترضى.. تتقدم إليها أسرة من الأسر والمرأة لا ترضى لأنها لا تريد الزواج من ذلك الشاب، فهؤلاء الذين تقدموا لا يرضون برفضها، ولا يعتبرون ذلك حقًّا من حقوقها، بل تثور من أجل ذلك خصومات، ولربما يؤدي بالأخ إلى أن يقتل أخاه أو أن ينتهك حقوقه أو أن يرتكب شيئاً من المنكرات معه.

 

الشيخ كهلان: صحيح..، وهذه آثار ظاهرة في كثيرٍ من المجتمعات، وللأسف الشديد تكون أسبابها المغالاة أو التفريط، أي بين الغلو والتفريط تقع مثل هذه المظاهر، فكما أن الزواج يُشتَرط فيه إذن الولي فإن رضا المرأة مُقدَّم، والرسول-صلى الله عليه وسلم-يقول: "ألحقوهن بأهوائهن"، ونعلم قصة المرأة التي زوَّجها أبوها دون رضاها فجاءت إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فرد النبي-صلى الله عليه وسلم-تزويجها إلا بإجازتها، فقالت: "قد أجزتُ صنع أبي، وإنما أردتُ أن يعلم النساء أن لهن من الأمر شيئاً"، فإذاً كل هذه الأدلة الشرعية تُحمِّل مسؤولية كبيرة للأولياء، فليس لهم أن يعضلوا بناتهم، كما أن عليهم أن يؤدوا هذه الأمانة، ويراعوا مصلحة البنات، والخِطاب يوجَّه للنساء.. يوجَّه للمرأة: أن تستأنس، وأن تَركَن، وأن لا تتهور فيما يتصل بأمر الزواج، وتُغلِّب عاطفتها فقط دون أن تلتفتَ إلى رأي أوليائها، ولتنظر  في الاعتبارات التي ينصحها بها أو يوجهها إليها أولياؤها، إذاً الخِطاب للجميع أصلاً.

 

مقدم البرنامج: إذاً دوائر الفساد تتسع كلما كثرت المخالفات الشرعية التي ذكرتم، نبقى الآن مع آية قرآنية، ثم نعود إلى الحوار بإذن الله.

 

*********************

{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود:116-117).

 

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

فضيلة الشيخ هذه الآية تضعنا أمام مفهومٍ آخر، هذا المفهوم يستعان به على نفي الفساد ودرئه وهو الاستغفار، كيف يكون أثر الاستغفار؟ وما مصدر تأثيره في هذا؟

 

الشيخ كهلان: هذه الآيات كما أنصتنا إليها تنبه المسلمين إلى أنه ينبغي لهم أن يستعصموا بحبل الله المتين، وأن يجأروا إليه، ويتوجهوا إلى ربهم تبارك وتعالى بكثرة الاستغفار؛ إذ بكثرةٍ الاستغفار يُنزِل الله تعالى على عباده رحمته، وهذا الخطاب الذي نجده في سورة هود هو في الآيتين اللتين أنصتنا إليهما، في البداية { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ...}، هناك فسادٌ في الأرض لكن هناك فئةً تنهى عن الفساد في الأرض {... إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}، وكأن الآية تشير إلى أن من أسباب هذا الفساد المُتَحَدَّث عنه في هذه الأرض هو الترف الذي كان عليه هؤلاء وأدى بهم هذا الترف إلى الابتعاد عن منهج الله سبحانه وتعالى، وإلى الإجرام في الأرض، ثم ينبه الله عز وجل عباده بعد ذلك إلى مبدأً راسخ أنه جلَّ وعلا لا يمكن له أن يؤاخذ العباد إن كانوا له مستغفرين تائبين آيبين { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }.

 

إذاً كيف يكون هذا الإصلاح الذي نتحدث عنه؟

هذا الإصلاح الدافع عن الإهلاك إنما يكون بجملةٍ من الأسباب وفي مقدمتها الاستغفار، والاستغفار نجده في طائفةٍ  من آيات الكتاب الكريم، كقوله سبحانه: {... فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (الأعراف:74) هذا عاصم، أن يتذكر المسلم نِعَمَ الله تبارك وتعالى عليه فينأى بنفسه عن كفران هذه النعم، وبالتالي لا يكون ممن يعيثون في الأرض فساداً، هذا عاصم.

 

العاصم الآخر قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال:33)، {... وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} المقصود حقيقة الاستغفار، والاستغفار كما نعلم يُستَعمل في كتاب الله عز وجل للدلالة على التوبة بكامل شروطها وأركانها بدءًا من الندم والعزم على عدم العودة والاستغفار باللسان وأداء الحقوق، فحينما يظل المسلمون والمجتمع متمسكاً بالاستغفار حقيقةً ويكون المجتمع تائباً توبةً نصوحاً فإن الله عز وجل يعصم هذا المجتمع من الهلكة، ومن الوقوع في آثار الفساد والإفساد.

 

إذاً هناك أمرٌ بمعروفٍ ونهيٌ عن منكرٍ كما في آية سورة هود.. هناك سعيٌ إلى الصلاح والإصلاح، ومن ضمنه الإصلاح بين الناس.. ومن ضمنه الإصلاح بإقامة شرع الله عز وجل، والتمسك بحبله المتين، وهذا نأخذه من قوله  في الآية التي اقتبستها سابقاً وهي قوله تبارك وتعالى في سورة ص: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص:28-29)، ويكون  بالاستغفار-بعد الإصلاح-، كما يكون بشكر نِعَمِ الله عز وجل، وأداء حقوق نعمه تبارك وتعالى على العباد، هذه كلها من العواصم التي أردنا أن يكون الاستغفار إشارةً إلى مجملها.               

 

مقدم البرنامج: وأظن أننا تحدثنا عن الاستغفار في حلقةٍ مستقلة..

كان هناك سؤال ورد من الأخ المتصل الثالث في الحلقة الماضية عن {... مُصْلِحُونَ}، هل هي بمعنى صالحون؟ أم هي على إطلاق لفظها؟

 

الشيخ كهلان: لا هي تطلق على المعنيين؛ لأن الفعل أصلح تطلق على إدخال الصلاح على ما فيه فساد أو على ما كان صالحاً ابتداءً، فهي تطلق على المعنيين، هذا هو الرأي الراجح عند أهل التفسير.

 

مقدم البرنامج: طيب فضيلة الشيخ نحن تحدثنا الآن كثيراً عن موضوع الإصلاح في الأرض، وعن موضوع الفساد وإبعاده عن حياة الناس، هل هذا الأمر يضطلع به العلماء وحدهم كما يقول الأخ المتصل الرابع؟

 

الشيخ كهلان: لا، وإنما هي مسؤولية الجميع، ولا ريب أن للعلماء مسؤوليةً كبيرة؛ لكنها ليست مسؤوليتهم وحدهم فقط، هي مسؤوليتهم لأن الله عز وجل قد أخذ عليهم هذا العهد وهو: البيان للناس، وعدم كتمان العلم، وهي مسؤولية كل من كانت له وَلايةٌ عامة ومسؤوليةٌ في المجتمع وعلى يديه تجرى مصالح الناس فإنها مسؤوليته، ولعل  من أَخَصِّها ذوي المسؤوليات القضائية؛ فإن هؤلاء تقع على عواتقهم مسؤولية كبيرة في الإصلاح في الأرض بإقامة العدل، وعدم المجاملة أو المحاباة في القسط، وبإنصاف الناس، ومراعاة ضوابط وأنظمة العدالة دون محاباةٍ أو هوى أو اتباعٍ أو ميلٍ لأي اعتبارٍ دنيوي، هي مسؤولية كل الجهات ليست فقط  الأفراد.. هي مسؤولية  كل الجهات التي تناط بها مسؤوليات حفظ النظام العام في المجتمعات، ومسؤولية الجهات التي لها دورٌ في توعية الناس، وإرشادهم إلى الخير، وتبصيرهم بالهدى، وتحذيرهم من الفساد وبواعث الفساد وأسباب الفساد في الأرض.

 

مقدم البرنامج: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ على هذا التوضيح الكبير في موضوع الإصلاح في الأرض، نشكركم على هذا العطاء فضيلة الشيخ..

 

الشيخ كهلان: جزاكم الله خيراً.

 

مقدم البرنامج: نشكركم أعزاءنا الكرام على المتابعة، والإنصات، والمشاركة كذلك، ونلقاكم في الحلقة القادمة بإذن الله لتناول موضوعٍ آخر، نرجو منكم أن تشاركوا فيه كما فعلتم اليوم وأكثر، شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

انتهت الحلقة