طباعة
المجموعة: برنامج دين الرحمة
الزيارات: 2058

الاعتذار ج2

بثت في:

2/صفر/1431هـ

18/يناير/2010م

---------------------

 

مقدم البرنامج: أيها الإخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، نُحيِّيكم في حلقةٍ جديدةٍ تجمعنا بكم وبرنامج دين الرحمة، مستمعيَّ الأعزاء في حلقة اليوم معنا الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي.

 

*********************

دكتور مرحباً بك..

 

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بك أخي، وأُحيِّي  الإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، وأرحب بمن سيشارك معنا اليوم بإذن الله تعالى.

 

مقدم البرنامج: دكتور في الأسبوع الماضي وفي الحلقة الماضية كان الحديث عن الاعتذار، ونود منكم أن تلخصوا أهم العناصر والمحاور التي تناولتموها في الجزء الأول من هذا الموضوع في الأسبوع الماضي وفي الحلقة الماضية، وما هو الجديد في حلقتنا لهذا اليوم؛ لنربط المستمع والمتابع بما تم في الحلقة الماضية.

 

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فنسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه تعالى سميعٌ مجيبٌ.

 

موضوع اليوم كما كان موضوع الأسبوع الماضي (الاعتذار)، وقد كانت لنا وقفةٌ مع جملة من المحاور والعناصر في هذا الموضوع، وامتد بنا الحديث إلى حلقة اليوم؛ نظراً لكثرة المشاركات التي تلقينها في الأسبوع الماضي، ولكثرة العناصر التي اقترح الإخوة والأخوات الذين اتصلوا بالبرنامج راغبين أن نتعرض لها أو أن نُلقِي عليها مزيداً من الضوء، وقد تناولنا في الأسبوع الماضي بدايةً تعريف الاعتذار، وباختصارٍ شديدٍ قلنا:

 

بأن الاعتذار هو تعبيرٌ صادقٌ عن شعور المرء بالأسف فيما يُنكَر عليه مما قصَّر فيه أو أخطأ فيه، فهو تعبيرٌ صادقٌ، وقلنا بأنه لا يلزم أن يكون تعبيراً باللسان بل قد يكون بأي نوعٍ من أنواع التعابير.. قد يكون بحالة انكسار تظهر على وجه المعتذِر.. قد تكون بدمعةٍ.. قد تكون بمسحةٍ حانيةٍ من الوالد على ابنه أو بنظرة شفقةٍ وحنانٍ من الزوج لزوجته، الحاصل أنه لا يُشتَرط في الاعتذار أن يكون تعبيراً باللسان، وهو تعبيرٌ صادق فيَخرُج من ذلك ما لا يُقصَدُ منه حقيقة الاعتذار مما يُقصَدُ منه الرياء أو المداهنة والمجاملات، فهذا ليس في حقيقته اعتذاراً، وقلنا بأنه اعتذارٌ صادقٌ أو تعبيرٌ صادقٌ؛ لأن الاعتذار الذي نتحدث عنه هو الاعتذار الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، ويكون أدباً من آداب هذا الدين ينفي عن صاحبه مشاعر الكِبْرِ والأنفة كما أنه يَستَلُّ من قلوب الناس سخيمة الحقد والحسد والتباغض فيما بينهم.

 

وأما في المجالات التي يكون فيها الاعتذار فقلنا بأن الاعتذار غالباً يكون فيما يُنكَر على الإنسان من تصرفات من أقوالٍ أو أفعالٍ أو تعابير قد لا تكون مُرضِية للآخرين سواءً قصَّر هذا الإنسان المُعتذِر أو أنه أخطأ، قد لا يكون قد صَدَرَ منه خطأٌ بيِّنٌ واضح لكن لعله قصَّر أو سها أو غفل عن أمر ما فيَتدارك ذلك بتقديم الاعتذار بأي صيغةٍ كانت أو يمكن أن يكون الاعتذار أحيانا بإظهار الحجَّة.. بإظهار عذره.. ببيان عذره..  

 

مقدم البرنامج: لماذا فعلت كذا؟ لكذا..

 

الشيخ كهلان: نعم..

حتى يُزِيلَ من نفس صاحبه قريباً كان أو بعيداً حبيباً كان أو بغيضاً يُزِيلُ من نفسه ما يمكن أن يُوسوِس به إليه الشيطان من إساءة الظن.

 

وتناولنا أن المقصود بالاعتذار الذي نتحدث عنه في هذا البرنامج هو الاعتذار الذي يكون بين الناس، لا نقصد بالاعتذار هو ما يكون توبةً من العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وإلا فقد تناول القرآن الكريم جملةً من هذه المعاذير أو من هذا النوع من الاعتذار في كتابه الكريم في سياقاتٍ مختلفة ويُقصَدُ منه التوبة والإنابة بطلب المغفرة، وإظهار الندم، وطلب نزول الرحمة من الله سبحانه وتعالى على هذا العبد المُقصِّر المخطئ، ونحن لا نتحدث عن هذا النوع وإنما نتحدث عن الاعتذار باعتباره صفةً خُلُقِيَّةً بين الناس في تصرفاتهم.. في علاقاتهم.. فيما يكون بينهم من التعاملات التي يمكن أن يكون فيها خطأٌ أو تقصير فيما بينهم أو فيها حقوقٌ للآدميين فتأتي هذه الخصلة لكي تكون صفةً مميزةً لمجتمعات المسلمين.

 

تناولنا عناصر أخرى، وكان من أبرزها بعض الأمثلة القرآنية للاعتذار الذي نتحدث عنه، مع أننا تعرضنا إلى الأنواع الأخرى من باب الذكر لبيان أن الاعتذار ورد في القرآن الكريم في سياقاتٍ مختلفة، لكننا ركزنا على قصة إخوة يوسف-عليه السلام-معه حينما تبين لهم أنه أخوهم فقدَّموا له الاعتذار ثم بعد ذلك قَبِلَ يوسف-عليه السلام-منهم اعتذارهم حينما قالوا له: {قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{90} قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} (يوسف:90-91)، هذا اعتذار بيَّنوا فيه ما ناله يوسف-عليه السلام-من فضلٍ عظيم، وبيَّنوا فيه أنهم كانوا مخطئين، فَفَهِمَ يوسف-عليه السلام-أن ذلك اعتذارٌ منهم ولذلك قَبِلَ منهم هذا الاعتذار فقال: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:92).

 

وذكرنا شيئاً من الهدي النبوي وهي قصة غاية في الأهمية أجابت على كثيرٍ من التساؤلات أنه هل يَلزَم أن يكون الاعتذار بناءً على خطأ أو تقصير؟ وقلنا: لا، وإنما قد يقصد المسلم من الاعتذار أن يستل ما يمكن أن يكون في النفوس من إساءة ظن كما هي في قصة السيدة صفية بنت حيي بن أخطب لما كان في نفسها ما كان قبل أن يتزوجها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بعدما قُتِلَ أبوها وزوجها قالت هي بنفسها في الحديث من طريق ابن عمر قالت: "فما كان أبغض إليَّ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قَتَلَ أبي وزوجي ..."، فمازال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يعتذر إليها مع أن قتلهم لم يكن خطأ؛ لأنهم ألَّبوا على المسلمين وحاربوهم وناصبوهم العداء، فإذا برسول الله-صلى الله عليه وسلم-يبادر فيقول لصفية: "يا صفية إن أباك ألَّب عليَّ العرب فعل وفعل وفعل وفعل" قالت السيدة صفية-رضي الله تعالى عنها-: "... حتى ذهب ذلك من نفسي،  فكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أحب الخلق إليَّ"، هنا هذا موقفٌ من جملةٍ من المواقف التي نجد فيها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يُعلِّم أمته هذا الخُلُق الرفيع.

 

بقيت طبعا لا شك جملة من العناصر والمحاور التي سوف نتعرض لها اليوم، وهي ما يتصل بالكثير من الجوانب التطبيقية.. فيما يتصل بما يحتاج إليه المعتذِر مثلاً حتى يتمكن من الاعتذار، هل الاعتذار ضَعف كما يفهمه كثيرٌ من الناس؟  ماذا بالنسبة لمن يُقَدَّم إليه هذا الاعتذار؟ كيف يستقبل هذا الاعتذار؟ وكيف يُفسِّر اعتذار أخيه إليه أو كيف يُفسِّر اعتذار غيره إليه؟ ثم إننا نحتاج  أن نركز على بعض المواضع الاجتماعية التي نحتاج فيها أكثر إلى تعميم ثقافة الاعتذار أو لنقل إلى إتقان فنِّ الاعتذار بين الأزواج.. في داخل الأسرة عموماً بين الآباء والأبناء.. في الدوائر الأوسع مما يمكن أن تتشابك فيه العلاقات بين الناس كعلاقة الطالب بأستاذه أو علاقة الموظف بمديره أو هكذا أو هذا النوع من العلاقات التي يمكن أن تتشابك فتستدعي شيئاً من الفطنة والحكمة والأدب الرفيع في التعامل.

 

ثم سنختم بمشيئة الله تعالى ببيان الآثار على الأفراد وعلى المجتمع الناتجة من الالتزام بهذا الأدب الإسلامي الرفيع.

 

مقدم البرنامج: دكتور بالتأكيد ثمة مواضيع كثر ومداخلات أكثر في هذا الموضوع-في موضوع الاعتذار-، وهو موضوع بالتأكيد يلامس شغاف كل إنسان، قبل أن ندخل إلى تفاصيل هذا الموضوع ننصت إلى هذه الآيات من كتاب الله عز وجل، ثم نشرع في الحوار.

 

*********************

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{33} وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (فصلت:33-36).

 

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

 

مداخلة متصل: لدي بعض النقاط لو تكرمتَ:

بعض الأشخاص ربما يُخطِئ، ويكون من الناس الحريصين على الخير لكن تأبى نفسه أن يبادر بالاعتذار، لكن لو بادر الشخص المُخطَأ عليه سيقوم بالاعتذار وإظهار الندم وما شابه ذلك، فما نصيحة فضيلة الشيخ لمثل هؤلاء الأشخاص؟ وهل يُنصَح الشخص المُخطَأ عليه بأن يبادر؟ خاصة إذا كان الشخص المُخطِئ كثيراً ما يتكرر منه الخطأ.

النقطة الثانية: في بعض الأحيان عندما نسمع العبارة-لعلها تُنسَب إلى الإمام الشافعي-"من اُعْتُذِرَ إليه فلم يَقبَل فهو حمار" فبعض الأحيان ربما شخص لو قُبِلَ عذره مباشرة ربما يستمر في الخطأ ويستسهل ذلك، فهل لو الشخص أُخطِئ عليه ولم يقبل العذر مباشرة وأظهر عدم رضاه عن ذلك الشخص هل في ذلك من محظورٍ شرعي؟ بنية ردعه وخاصة إذا كان قد تتكرر ذلك الخطأ من المُخطِئ، فهل في ذلك من بأس؟

 

مقدم البرنامج: دكتور ندخل من سؤال المتصل؟ أم ننطلق من خلال ما أنصتنا إليها من آياتٍ عطرة، المعاني التي نستفيدها من هذه الآيات الكريمة فيما يخص موضوع الاعتذار المطروح في هذه الحلقة؟

لك الخيار في هذا الأمر.

 

الشيخ كهلان: نعم سوف نحاول أن نبين هذه المعاني، وخلالها سيكون الجواب على مداخلة الأخ المتصل.

هذه الآيات في هذا السياق فيها الكثير من المبادئ والقيم التي تغرسها هذه الشريعة السمحاء في نفس المؤمن، فَتُصَدِّرُ بأن هذه الأخلاق المذكورة هي من صفات المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ويَدْعُونَ إلى الله تعالى، ويعلنون أنهم من فئة المسلمين {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} هؤلاء الذين يتصفون بهذه الصفات، وبالتالي أثنى الله عز وجل عليهم هذا الثناء العاطر يتصفون بجملةٍ من الصفات تلت هذه الآية الكريمة، ذُكِرَتْ بدايةً بقول الله عز وجل: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...}، فإذاً ما يُطلَبُ من المسلم الذي ارتضى لنفسه أن يكون ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين أن يعلَم أن الحسنة والسيئة ليستا سواء، لا في موازين العدل، ولا عند الله سبحانه وتعالى، ولا في معاملات الناس فيما بينهم؛ لكنه مع ذلك وهو قد ارتضى شعار الإسلام والعمل الصالح والدعوة إلى الله عز وجل فإنه مُطالَبٌ بأن يدفع السيئة بالحسنة، وأن يقابل الذي يُكِنُّ له العداوة بالدفع بالتي هي أحسن.. بأحسن ما يمكن أن يُدفَع ذلك الذي بينه وإياه عداوة بحيث يعامله وكأنه وليٌّ حميم.

 

{... وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ...} (المائدة:8)، فإذاً حتى حينما يُخطِئ عليه غيرُه أو يظلمه أو لا يُنصِفُه أو يُكِنُّ له العداوة فإنه مطالبٌ هذا المسلم أن يكون تعامله بالتي هي أحسن، فيسعى إلى أن يستل الحقد من قلب ذلك العدو، وأن يعامله بالرفق واللين؛ لأن القلوب تنجذب إلى القلوب حينما تكون الصلة بينها مبنيةً على الرأفة وعلى ما تقبله هذه القلوب من العطف والحَدَبِ والحنان، وهذا هو ما نفهمه من القاعدة التي قررها لنا حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لكي تكون أساساً في نوع العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم حينما قال: "تَرى المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"؛ فإن التعاطف والتراحم والصلة التي تكون بينهم لا يعني أنهم لن يختلفوا ولن تتعدد آراؤهم ولن تكون بينهم مغاضبة، لكن حتى في هذه الظروف والأحوال فإن السياج الذي يُؤطِّرُهم هو الأخلاق القويمة التي تَستَظِلُّ بِظِلالِ مظلة العطف والرحمة والتواد والمحبة والدفع بالتي هي أحسن.

 

وبالتالي فإن الاعتذار متصلٌ بصفات حُسْنِ القول التي أمرنا بها ربنا في كتابه الكريم لكي تكون شعاراً لنا في تعاملنا مع الناس جميعاً حينما قال: {... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ...} (البقرة:83)، ويَنطلِق من قاعدة قَبُولِ الحق الذي أمرنا به ربنا تبارك وتعالى في الآية التي ذكرتُها  {... وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ...} (المائدة:8)، وفي آيةٍ أخرى قال: {... وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ...} (النساء: 135)، ثم  تندرج في إطار خُلُقِ أن يكون المسلم مُقَدِّماً للأخوة الإيمانية فيحب لأخيه ما يحب لنفسه "والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وأن ينأى بنفسه عن الظلم، والله سبحانه وتعالى لا يرضى له أن يَظلِم لأنه قد حرَّم الظلم، قال: "يا عبادي إني قد حرَّمتُ الظلم بينكم فلا تظالموا".

 

إذاً هذه الأسس كلها كفيلةٌ بأن تدفع المسلم أن يبادر هو إلى أن يعتذر إلى غيره حينما تكون بينه وبين ذلك الغير شيءٌ من المغاضبة أو شيءٌ من الاختلاف بحيث يكون هو المُسارِع إلى هذا الفضل.. المُسارِع إلى رضا ربه تبارك وتعالى، وهذا ما يجعلنا نجيب على سؤال الأخ المتصل حينما قال إن بعضاً من أهل الخير لا يُبادِرون بالاعتذار، وإنما ينتظرون غيرهم ليَفتَحَ لهم الاعتذار فإذا بهم بعد ذلك يعتذرون.. لا، ليس هذا من شِيَمِ المؤمنين.. ليس هذا من شِيَمِ عباد الله الصالحين، بل من صفاتهم أنهم يبادرون متأسين في ذلك برسول الله-صلى الله عليه وسلم-يَعتذِرُ إلى صفية من موقفٍ يزيل من نفسها ما كان فيها وما كانت تَحمِلُهُ من مشاعر مع أنه لم يُخطِئ-عليه الصلاة والسلام-حاشاه وهو المعصوم-صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

فإذاً المسلم الحق ينبغي له أن يتأسى برسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأن يكون هو المبادر إلى الاعتذار حينما يُخطِئ أو يُقصِّر أو حينما يريد أن يُصلِحَ موقفاً، لذلك الرسول-صلى الله عليه وسلم-قال: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، فهو خير المُتَهَاجِرَين، وهكذا ينبغي أن تكون شِيمَةُ المسلم الصالح، وأن تكون خِلالُ المسلمين فيما بينهم، لا أن يَنتَظِرَ غيره ولو كان مُخطَأً عليه حتى يَعتذِرَ إليه.. لا، لا يلزم المُخطَأ عليه أن يَعتذِر، يَعتذِر مماذا وقد وقع عليه الخطأ! ولا يصح.. قلنا بأن الاعتذار يَكسِرُ خصلة الكِبْر من النفوس، ويعلن أن هذا المعتذِر قابلٌ للحق.. لا يأنف من اتباع الصواب.. ولا يأنف من أن يعترف بتقصيره أو خطئه.. وأنه حاديه الذي يسوقه إلى الخير إنما هو ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى بِغَضِّ النظر عن ردت فعل الطرف الآخر، هو يفعل ذلك ابتغاء ما عند الله عز وجل، وتحرياً لما هو صواب، وسعياً للإصلاح بين الناس، وإبراءً لذمته..

 

مقدم البرنامج: قَبِلَ الآخر أم لم يَقْبَل..

 

الشيخ كهلان: قَبِلَ أو لم يَقْبَل..

مع أننا سوف نتعرض إلى الطرف الآخر، وبالتالي سنرجي جواب السؤال الثاني للأخ المتصل إلى أن يحين موعد حديثنا عن الذي يُقَدَّم إليه الاعتذار: كيف يُقابِل هذا الاعتذار؟ لكن عموماً هذه هي المعاني التي نأخذها من هذه الآية الكريمة، وما أحرى المسلمين اليوم إلى أن يتذكروا هذا المبدأ القرآني في خصوماتهم، وفيما يحصل بينهم من نفرةٍ ومغاضبةٍ وخلافات فيتذكر قول الله عز وجل: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.

 

مقدم البرنامج: الشيخ الدكتور كيف يتمكن الإنسان من تطبيق هذا الخُلق الكريم ويعتذر إن وَقَعَ عليه خطأ أو أحس أن هناك خطأً أو أراد أن يبرئ نفسه من شيءٍ ما.. كيف يستطيع أن يُطبِّق هذا الخُلُق الكريم في واقع حياته؟ وما هي الخصال التي يحتاج إليها ليكون الاعتذار سهلاً مستطاعاً غير مُتَكَلَّفاً لا بنطقه ولا منطقه.. لا في ظاهره ولا باطنه؟

 

الشيخ كهلان: نعم أحسنتَ..

وأنتَ في سؤالك تشير إلى نقطة مهمة أخي، ونحن أشرنا إليها سريعاً وأنا أؤكد عليها اليوم أن:

الاعتذار لا يعني المبالغة، وإنما الاعتذار يعني أن يقصد حقيقة إيصال ما تُكِنُّهُ نفسه.. ما تُكِنُّهُ خلجات نفسه من شعوره بعدم الرضا عما بَدَرَ منه ويريد أن يستل من نفس أخيه.. من نفس الغير ما يمكن أن يكون قد داخلها مما فيه إساءة ظنٍّ به أو فيه شيءٌ من الإشكال أو يمكن أن يَحْمِلَهُ من الكراهية أو الغضب أو الحَنَقِ فهو يريد أن يُوصِل هذه، أما المَلَقُ بالاعتذار.. بالمبالغة فيه وبتزيين العبارات حتى ولو لم يكن نابعاً من القلب فهذا غير مقصود، قلنا إن الاعتذار قد لا يكون تعبيراً باللسان، وقد يكون تعبيراً لكنه بكلمةٍ أو حتى بنصف كلمة أو حتى بإشارة..

 

مقدم البرنامج: بصمت..

 

الشيخ كهلان: أنا أَذكُر بعد الأسبوع الماضي.. بعدما تحدثنا الحلقة الماضية كنتُ أقود السيارة في الشارع، وأخطأ عليَّ-أنا متأكد-سائقٌ آخر دخل أمامي خطأً وأشار إليَّ بيده معتذراً، أنا أحمل تفسير حركته تلك على أنه كان يعتذر..

 

مقدم البرنامج: ما استطاع بلسانه..

 

الشيخ كهلان: نعم، كان يقود سيارته وأنا كنتُ أقود سيارتي، لكن واضح أنه كان بإشارة يده يقصد الاعتذار.

 

مقدم البرنامج: أو بنظرةٍ من عينه..

 

الشيخ كهلان: نعم..

فإذاً الاعتذار لا يعني المبالغة، والمبالغة غير محمودة أبداً، في المقابل  الظن بأن الآخرين ليسوا بحاجةٍ إلى أن يسمعوا أو أن يروا تعبير اعتذار ليس بصحيح؛ لأنه كما قلنا النفوس يمكن أن يوسوس إليها الشيطان.. يمكن أن يوسوس فيها المُغْرِضُون بما يجلب الضرر لهذا الإنسان أو للمجتمع بأسره؛ ولذلك نجد أن هذه المبادرة تُحَقِّقُ من المنافع كما هو الشكر على الإحسان الذي تحدثنا عنه  في هذا البرنامج أنه يقول لك: (لا ما بينا نحن شكر).. لا، الدعاء بالخير.. يدعو له بأن يجزيه الله خيراً.. أن يكافئه على إحسانه، كذلك الحال بالنسبة للاعتذار، هَبْ أن زوجين حصلت بينهما مغاضبة وما أكثر ما تحصل في البيوت..

 

مقدم البرنامج: اختلاف وجهات نظر معينة..

 

الشيخ كهلان: نعم..

فتأتي الزوجة وتقول: لا زوجي لا يحتاج إلى أن أعتذر إليه، ويأتي الزوج  ويقول: لا حاجة إلى أن أعتذر لزوجتي..

 

مقدم البرنامج: وإذا كان هذا الاعتذار دكتور سواءً بين الزوجين أو بين طرفين أيّاً كان هذين الطرفين اعتذاراً متكلفاً بمعنى ليس بنابعٍ من القلب، أنا أقول له: أنا أعتذر لك.. أنا آسف، فيسمع هذه الكلمة ويرضى، وأنا مازلت على موقفي..

 

الشيخ كهلان: هو بالنسبة للمعتذَر إليه.. لا، ينبغي له أن يَحمِل الأمور على أحسن محاملها، أما بالنسبة للمعتذِر الذي لم يقصد حقيقة ذلك الاعتذار البتة فهذا بينه وبين الله سبحانه وتعالى؛ لكن مع ذلك نقول بأنه قد أحسن بأن حَمَلَ نفسه وتَلَفَّظَ أو حَمَلَ نفسه وعَبَّرَ عن اعتذاره، وهذا خيرٌ ممن لا يعتذر أصلاً؛ لكن ينبغي له أن يجرد نيته، وأن يُصلِح قصده، وأن يراقب نفسه، قد لا يَقصِد.. كما إني أريد أن أؤكد على أن الاعتذار لا يعني بالضرورة أن يكون المعتذِرُ مخطئاً، لكنه يريد أن يَحُوزَ فضل السَّبق إلى إطفاء أُوار خلافٍ يمكن أن ينشب، وأن يُطفِئَ هذه الفتنة في مهدها، فيبادر هو إلى تصفية النفوس، وإلى إزالة الشحناء بين النفوس بمثل ما يتوقعه، مما سيكون له أثرٌ لدى الآخرين بإذن الله تعالى.

 

مقدم البرنامج: دائما حسن الظن في الأمر.. للمعتذِر والمعتذَر إليه..

 

الشيخ كهلان: نعم وهو مهم مهم جداً..

ونحن نجد حتى فيما ذَكَرَهُ لنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم من تشريعاتٍ يُفهَم منه أن إزالة ما في النفوس بترضيتها ولو بشيءٍ رمزي أنه مَقْصِدٌ من مقاصد هذه الشريعة، لنأتي مثلاً إلى دِيَة القتل الخطأ، الدِّية في القتل الخطأ ذلك المبلغ الذي يدفعه القاتل خطأً إلى أهل المقتول إنما فيه من الترضية، وإلا فهو عليه كفارة، وتوبة وقد يتكلف في ذلك..

 

مقدم البرنامج: متعلقات بينه وبين ربه..

 

الشيخ كهلان: بين ربه سبحانه وتعالى، ولكن مع ذلك شُرِعَتْ الدِّية حتى تكون بمثابة اعتذارٍ بسيط لأهل ذلك المقتول، وترضيةً لنفوسهم، وإلا فكثير من الناس في غنى من تلك الدِّية أو من ذلك المبلغ.

 

كذلك مثلاً فيما يتصل أحياناً بالأَيمان.. الأَيمان المرسلة على سبيل المثال خاصةً حينما تتصل بآخرين نجد أن فيها  كفارات، ومن هذه الكفَّارات ما فيه منفعةٌ للآخرين، وكأن  إزالة ما يمكن أن يكون في نفوس الفقراء من مشاعر ونظراتٍ ِتجاه الأغنياء ينبغي أن يتظافر المجتمع وكأنه يعتذِر.. المجتمع بأسره يعتذِر إلى المحرومين من الفقراء والمساكين في المجتمع فيتلقون هذه الكفَّارات، ويتلقون هذه الصدقات الواجبة منها والمستحبة، هذه كلها تدل على أن هذه الخصلة أصيلة في هذا التشريع.

 

طيب الآن نأتي إلى القضية التي ذكرتَها في السؤال، وهي مسألة الجانب العملي: كيف يمكن أن يَحْمِلَ الواحد منا نفسه ليعتذر؟

أولاً الإيقان بأن على المسلم أن يتبع الحق، وأن يتحمل تبعات تصرفاته، فيَعلَم أنه باعتذاره قويٌّ لأنه يعمل عملاً يرضاه الله سبحانه وتعالى ويحبه، ويَتأسَّى فيه برسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولأنه تمكن من التغلب على نفسه هذه التي تأمره وتوسوس إليه أن في اعتذاره ضعفاً، وأن ذلك يتعارض مع كبرياء نفسه، ومع معالم شخصيته التي يريدها لنفسه، وأن الآخرين سوف يستضعفونه ويتقوون عليه..لا، هو يتغلب على هذه الوساوس فيعتذِر، فإذا به يزداد رفعةً وشرفاً.

 

 يتدرب على الاعتذار بتدربه على التواضع.. بتدربه على قبول الحق، وعدم الأنفة من اتباع الصواب مهما كانت النتائج، لابد أن يعزز في نفسه الشعور برغبته في إصلاح ذات البين، وقلنا في حلقاتٍ متتالية أهمية إصلاح ذات البين، ويتذكر قول الله سبحانه وتعالى في الآيات التي أنصتنا إليها {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}،  لابد له أن يستحضِر روح الأُخوَّة، فيَعلَم أن الله سبحانه وتعالى يُقرِّر هذه القاعدة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ...} (الحجرات:10).

 

مقدم البرنامج: "كلكم لآدم، وآدم من تراب".

 

الشيخ كهلان: نعم، والرسول-صلى الله عليه وسلم-في الحديث الذي ذكرناه "مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد"، ويقول  "... وكونوا عباد الله إخوانا" "لا تنازعوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا"،  ينبغي له أن يتمثل حقيقة المحبة التي تكون بينه وبين إخوانه فتمثله لذلك يُمكِّنُهُ من قبول أن يعتذِر، وأن يحمِل نفسه على الاعتذار كما في الحديث كما قلنا: "والله لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه"، فإن كان هو يرضيه حينما يُخطِئ غيره في حقه أن يُعتَذَرُ إليه فإذاً ينبغي له أن يَعلَم أن الآخرين  يحتاجون إلى أن يُعتَذَرُ إليهم حينما يصدر منه هو خطأٌ أو تقصيرٌ أو حينما يُرى منه ما يُنكَر أو يُكرَه.

 

مقدم البرنامج: كل ذلك كان فيما يتعلق بالمعتذِر.. الذي يُقدِّم الاعتذار، إلى جانب آخر ماذا عن من يُعتذَر إليه؟ كيف يُلاقِي اعتذار الآخر إليه، وما هي الأدلة في ذلك؟

 

الشيخ كهلان: نعم هذه النقطة غاية في الأهمية،  أنا أستنتج من نقطة ذكرتَها أخي في السؤال السابق: أن بعض الناس ليس فقط في الجانب النفسي أو ليست مسألة الشعور بالكبرياء هي التي تمنعهم من الاعتذار، أحياناً الجهل.. أحياناً الخوف، نعم الجهل.. لا يعلم، ينبغي لنا نحن  أن نَحمِل الناس على أحسن المحامل، فلا نعمم ونقول بأن كل من لم يعتذِر فإن ذلك علامة على الكِبْر.. لا، قد يكون أحياناً بسبب الجهل.. قد يكون أحياناً  بسبب الخوف من العواقب..

 

مقدم البرنامج: حتى لا يؤخذ بجريرة شيءٍ لم يفعله..

 

الشيخ كهلان: نعم..

أما الجهل فآفة الجهل آفةٌ لا شك خطيرة؛ لكن علاج الجهل أن يَتعلم، وأن يَعلم فضل الاعتذار، وفضل قبول الحق، وفضل السعي إلى مثل هذه المبادرات التي هي مَرضِيةٌ مقبولةٌ عند الله سبحانه وتعالى، يَعلَم أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وأن في الاعتراف بالخطأ والسعي إلى تصحيحه وإقامة أَوَدِ ما نتج من آثار خطئه خيرٌ من التمادي في الخطأ؛ لأن ذلك هو معالجةٌ لجرحٍ يمكن أن يتسع شيئاً فشيئاً حتى يحتاج إلى أن يُستأصَل ذلك العضو في حين أن علاجه كان يمكن أن يكون علاجاً بسيطاً.

 

كذا الحال بالنسبة  للخوف، بعض الناس لا يخاف فقط من نتائج الاعتذار قد يخاف من النقد.. من أن يُنتَقَد فيقال بأن نفسيته ضعيفة.. لا، فليس كذلك هو الواقع، على أننا قلنا بأنه يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله عز وجل، والاعتذار دليل قوة وليس دليل ضعف؛ لأنه دليل قوة دليلٌ على أن صاحبه تمكن من التغلب على نفسه واعترف بخطئه، فهو شخصٌ مسؤولٌ عن تصرفاته، وبالتالي هو مستعدٌ لتحمُّل مسؤولية تصرفاته، ومع ذلك قلنا بأنه لا يَلزَم أن يكون الاعتذار اعتذاراً صريحاً أن تُذكَر تفاصيل الخطأ، بل يُكتَفَى بالمقدار الذي يُحقِّق الغرض، وقلنا إن بعض العلماء يرى أن من الاعتذار الواجب الاعتذار في حق من قذفهم أو تحدث في عرضِهم أو اغتابهم لكنه لا يَلْزَمُ حينما يعتذر أن يقول له بأني قد تحدثت فيك بكيت وكيت وكيت.. لا، بل يُكتَفَى فيه بحتى العمومات التي تَفِي بالغرض، وتُحقِّقُ المقصود، وفي ذلك كفاية حتى لا يكون الاعتذار ذاته سبباً لمزيدٍ من الشحناء في نفس الآخر؛ لذلك قلنا إن الاعتذار فنٌّ وثقافة ينبغي  أن يُتَدرَّب عليها.

 

مقدم البرنامج: والمعتذَر إليه يزداد تواضعاً وتَقَبُّلاً لاعتذار المُخطِئ.

 

الشيخ كهلان: أحسنتَ نعم، وبالتالي هذا ينقلنا إلى: كيف يَتلقَّى الاعتذار؟ ينبغي له أن يُكبِر في صاحبه أنه اعتذر إليه، وأن يلاقي ذلك بالاحترام، والتقدير، وبالشكر، كما قلنا إن الحسن بن علي-عليه السلام-كان يقول: "لو سبَّني أَحَدٌ في أذن واعتذر إليَّ في الأذن الأخرى لقبلتُ عذره".

 

فإذاً بالنسبة للمتلقي أولاً: ينبغي له أن يتلقى اعتذار صاحبه إليه بالاحترام والشكر والثناء، وأن يكون ذلك موضع رضا لديه، ينبغي له أن يحمله على أحسن المحامل.. أن يحمله على أحسن الوجوه، وأن لا يسيء به الظن، وأن يَقبَل منه ظاهره فلا يحتاج إلى أن يغوص في باطنه؛ لأن ذلك لا سبيل إليه، والله سبحانه وتعالى لم يكلف الناس بذلك، كذلك ينبغي له هو أن يدرك أن الاعتذار بين الناس هو خلقٌ رفيعٌ وأدبٌ قويمٌ فله آثارٌ إيجابيةٌ في المجتمع، وبالتالي هذا يدفعه إلى أن يَقبَل اعتذار صاحبه، وأن لا يكلفه  شططاً بل ينبغي له أن يقابله كما قلتُ بالقبول، وفتح صفحةٍ جديدةٍ كما يقال، ونحن على ثقةٍ أنه متى ما وُجِدت مثل هذه المشاعر بين الطرفين فإن الكثير من المشكلات والخصومات سوف تختفي، وسوف لا يحتاج الناس إلى كثيرٍ من الإطالة في قضايا صغيرة؛ لأنها يمكن أن تُحَلَّ-كما قلتُ-بنصف كلمةٍ أو بإشارةٍ أو بابتسامةٍ أو بدمعةٍ أو بغير ذلك من وسائل التعبير.

 

مداخلة متصل آخر: عندي مداخلة لو سمحتم: بالنسبة للاعتذار حقيقةً ثقافة الاعتذار هذه مهمةٌ وجديرٌ بإشاعتها في المجتمع، خاصةً فيما يتعلق بالمعاملات بين الناس: المعاملات الاجتماعية والمالية، ومداخلتي هذه حول المعاملات المالية إذ إن الإنسان حينما يَحمِل هذه الثقافة-ثقافة الاعتذار-ويبادر معتذراً إلى من يتعامل معهم بشتى المعاملات المالية فإن ذلك يمثل رسالةً دعوية لهذا الإنسان، خاصةً إذا ما كان يحمل صفة الاستقامة، وهذه تكون رسالةً دعويةً بالأحرى.. رسالةً واقعيةً تطبيقيةً تؤثر في نفوس الآخرين.

 

وسؤالي إلى الشيخ الفاضل الدكتور كهلان في أن الاعتذار حينما يكون الإنسان طبعاً يتعامل ويتعاطى مع المعاملات المالية هذه ربما يتخوف من أن يُظَن به بأنه قصَّر-وهو قد أشار إلى هذا، وفَنَّدَ هذه المسألة-ولكن عالَم اليوم المعاصر حين يَتَعَامَل بالمعاملات المالية ربما أحياناً يضطر اضطراراً إلى أن يقف موقفاً متصلباً مضطراً إلى أن يقف هذا الموقف حتى ربما لا يُغمَط حقه من قِبَلِ الآخرين؛ لأنه يتذكر بأن هناك من يَستَغِلُّ الذين هم طيبون أو يَعتذِرون أو يتنازلون عن حقوقهم، فربما يؤثر هذا على ربما نشاطه المالي أو نشاطه التجاري مع غيره، كيف يتعامل الشخص إذا ما أراد أن يتمسك بهذه الثقافة؟ وكيف يحافظ عليها في تعامله مع الآخرين بالأخص المعاملات المالية؟

 

الشيخ كهلان: مداخلة قيمة من الأخ المتصل، ونحن نؤيده في المقدمة التي ذَكَرَها حول أهمية الاعتذار أو ثقافة الاعتذار في الجوانب الاجتماعية وفي جوانب المعاملات المالية؛ لكن فيما يخص النقطة التي ذكرها في سؤاله: نحن حينما نتحدث عن الاعتذار وثقافة الاعتذار وأن الاعتذار قيمة من قيم هذا الدين لا يعني أن يكون الاعتذار مما يلوكه المسلم صباح مساء أو مما يتردد في لسانه في كل مناسبةٍ أو حتى في غير ما مناسبة..لا، ليس هكذا الذي نتحدث عنه، حينما يكون المسلم واثقاً من نفسه ولم يَظهَر له شيءٌ من الخطأ ولا حاجة أصلاً.. ليس هناك شيءٌ من الخصومة التي يمكن أن تُستَل بالاعتذار فإنه لا حاجة له إلى أن يعتذر، فإذا كان فيما يتصل بالمعاملات المالية مثلاً إذا كان بعيداً عن الغش وعن الغرر وعن أن يغبن غيره أو يقع في شيءٍ مما فيه ظلمٌ للآخرين فلا حاجة له إلى الاعتذار، أما إذا كان عن شيءٍ هو كان جاهلاً به مثلاً هناك عيب في سلعةٍ ما هو نفسه البائع أو المتعاقد كان جاهلاً به لكنه تأكد له بعد ذلك فإذاً هنا ينبغي له أن يعتذر، أما إن كان لم يُقصِّر ولم يخطئ ولا حاجة إلى ذلك أصلاً فإنه لا حاجة إلى الاعتذار؛ لذلك الرسول-صلى الله عليه وسلم-نهى عن كثرة الحَلف في البيع والشراء؛ حتى لا يُظَنَّ به ظَنّ سوء حتى ولو كان صادقاً، يُفهَم من كثيرٍ من الروايات ذلك.

 

أما نفس الاعتذار فله مناسباته وله أحواله، قلنا المرة الماضية أن بعض المناسبات لا يصح فيها الاعتذار أصلاً، وهذه سواءً كان المقصد منها الرياء والنفاق هذا لا يجوز أو كان  الاعتذار بقبول الظلم هذا لا يصح.. لا يجوز؛ لكنه قد يعتذرُ لغيره حتى يَرفَعَ عنه الظلم وبالتالي فيؤجر على ذلك، هذا يدخل في إصلاح ذات البين، أما إذا كان خالياً من شيءٍ من هذه الظروف والمناسبات والأحوال فلا حاجة إلى ذلك.

 

مقدم البرنامج: ليس هناك فسحة للاعتذار في هذه الحالة..

 

الشيخ كهلان: لا حاجة أصلاً نعم..

لكن نحن نتحدث عن مناسباتٍ وأحوال تكون الحاجة داعية لكن الناس للأسف الشديد يأنفون من ذلك، ويرون أن الاعتذار منقصةً في أخلاقهم وفي شخصياتهم كما يتصورون، وأنه يتعارض مع إبائهم وكبريائهم، وليس الأمر كذلك، بل الاعتذار في مَحِلِّهِ وبطريقته وأسلوبه يُدَرِّبُ هذه النفس على أن تكون قابلةً للحق.. بعيدةً عن الكِبْرِ، وعن الإضرار بالآخرين، هذا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حينما أكثر عليه المشركون وآذوه وتكلموا فيه فيقول له أصحابه: ادعُ الله على المشركين والعنهم. فقال: "إنما بعثتُ رحمة ولم أبعث لعَّاناً"، وهذا يذكرنا  بنقطة كيف يَستَقبِل الاعتذار؟ إذاً فهو الذي يُقدَّم إليه الاعتذار حينما يزداد الإيمان في قلبه فإن ذلك يربي في نفسه السماحة، وتقديم الأخوة والمحبة، وحَمْلِ الناس على أحسن المحامل، ويزداد حلماً، ويزداد صفحاً عن غيره، ويُقَرِّبُ الناس إليه، وهكذا هي شيمة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ...} (آل عمران:159).

 

أما أن يكون موقفه صحيحاً ويُراد أن يُستَغَل.. هو يرى أنه سوف يُسعَى إلى أن يُستَغَل وكما يقال بالتعبير المعاصر تُستَغَل طيبته للوصول إلى مطالباتٍ ودعاوى وغير ذلك.. فلا، المسلم كيِّسٌ فَطِن.. لا ينبغي له في مثل هذه الحالة أن يزجي الاعتذارات على غير شيء، وهذا الذي يسأل عنه الأخ المتصل الثاني-في ظني أنه يريد أن يُوصِل هذه الرسالة-، فبمقدار ما يُطلَبُ من المسلم أن يَكظِم غيظه وأن يَضبَط تصرفاته وأن يَتجاوز عن الهفوات وأن يكون مبادراً إلى الخير فإنه مطلوبٌ منه أن يكون فطناً كيِّساً حاذقاً ذا نظرٍ وبصيرة.

 

مقدم البرنامج: قبل أن نتابع الحوار ونتحدث كثيراً عن موضوع الاعتذار ننصت إلى آياتٍ كريمةٍ من المصحف الشريف حول هذا الموضوع.

 

*********************

{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:133-134).

 

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

 

مداخلة متصل ثالث: عندي ثلاثة أسئلة الشيخ، سؤالي الأول: ما هي الطريقة المُثلى للرد على المُعتَذَرِ منه بحيث تكون العبارة لا تَمسُّ العلاقة الودية بين المُعتَذِرِ والمُعتَذَرِ منه؟

السؤال الثاني: ما هو الحدُّ المقبول لاعتذار الابن لوالديه؟

السؤال الثالث: هل يَلزَم أن يكون الاعتذار باللفظ دائماً أو أنه قد يكون بإصلاح الخطأ أو مثلاً ردُّ الجميل فذلك كله لأجل ترضية النفوس فيما بينها؟

 

مداخلة متصل رابع: طبعاً الاعتذار من السمات الحميدة لدى الناس ولاسيما لدى المسلمين منهم خاصة، ولكن ينبغي من الشخص خاصة المؤمن أن يغتنم فرصة حميدة يعتذر فيها، ونضرب مثال على ذلك: مثل ذلك الشخص الذي اتصل بسماحة الشيخ فاعتذر له في البرنامج وهو من خارج السلطنة، اغتنم هذه الفرصة-فرصة البرنامج المباشر-ليعتذر لسماحة الشيخ، وسماحة الشيخ سامحه-جزاه الله خيراً-، ربما أخطأ كان في حقه وسامحه وبابتسامة عريضة ربما بثت السرور للمشاهدين جميعاً.

 

الشيخ كهلان: الرسالة التي يريد أن يوصلها الأخ المتصل رسالة مهمة، وهي مسألة اغتنام الفرصة للاعتذار، واغتنام الفرصة هي مسألة هامة في فنِّ الاعتذار، وهناك الكثير من المواقف التي تفُوت ثم بعد ذلك يندم الناس في أنهم لم يستغلوها.

 

أُجيب على سؤال الأخ المتصل الثالث في الاعتذار من الابن لوالديه، ينبغي للابن أن يُبادِر إلى الاعتذار إلى والديه، ولا مبالغة إذا قلتُ بأنه لا حدَّ لذلك اللهم إلا إن كان أمراً فيه معصيةٌ لله عز وجل، أما فيما سوى ذلك مما لا يخالف أمر الله سبحانه وتعالى فهذا من البرِّ بالوالدين، ونحن نعلَم المنزلة التي يتبوأها الوالدان في كتاب الله عز وجل {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ...} (الإسراء:23).

 

صحيح هي رسالة نبعثها للوالدين بأن يُحسِنوا تربية أولادهم، وأن يُنشِّئوهم على خِلال الخير، وأن يعاملوهم بالحسنى؛ فالقسوة في المعاملة قد يندم عليها الآباء لاحقاً، أنا وصلتني رسالة بالبريد الإلكتروني حول قصة والدٍ قسا على ولده وعنَّفه تعنيفاً شديداً، ثم شعر بخطئه ولكن أجَّل الاعتذار.. كانوا في طريق في السيارة فقال ريثما نصل إلى وجهتنا وأشتري له هدية وأعتذر وأراضيه هناك، وإذا بالأقدار أنهم تعرضوا لحادثٍ فانتقل ذلك الطفل إلى الله سبحانه وتعالى وقد كان في حالةٍ من عدم الرضا على والده، فظل ذلك الوالد عشر سنوات كلما تذكَّر ولده ذلك بعد وفاته سالت الدموع من عينيه، لماذا؟! لأنه فَوَّتَ فرصة الاعتذار، هذا ما نتحدث عنه.

 

لنتصور العكس أن ولداً عاقاً بوالده.. أغصب والديه أو أحدهما ثم أدرك ولكنه لم ينتهز الفرصة ولم يبادر، ثم قضى الله سبحانه وتعالى بوفاتهما أو وفاة أحدهما، كيف تكون حالته النفسية حينما يتذكر والديه؟! كيف يلاقي ربه تبارك وتعالى؟! كيف يمكن له أن يُعَوِّض؟ وكذا الحال بالنسبة للزوجين.. كذا الحال بالنسبة لسائر الناس، من ذا الذي يريد أن يَفِدَ على ربه سبحانه وتعالى وفي رقبته حقوقٌ للآخرين عليه؟! ألا يكفيه ذنوبه وأخطاؤه في نفسه التي يمكن له أو عسى أن يَمُدَّ الله سبحانه وتعالى له في العمر وأن تسنح له الأقدار بفرصةٍ يتوب فيها ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى لكن كيف بحقوق الآخرين؟! كيف بنفوس الآخرين؟! لذلك ينبغي للمسلم أن يبادر، ولذلك هذا يجيب على سؤال  من أسئلة الأخ المتصل الثالث.

 

أما مسألة الاعتذار برد الجميل هذا اعتذار؛ لكن كما صدَّرنا الحديث أنه لا يَلزم أن يكون الاعتذار بالتعبير باللسان، قد مثلاً يُخطِئ الزوج في حقِّ زوجته وإذا به يأتي لها بهديةٍ يُفهَم منها أن هذا اعتذار.. واضح؛ بل هو أبلغ اعتذار، قد يكون أو العكس قد يحصل من الزوجة شيءٌ من المغاضبة لزوجها وإذا بها تبادر إلى عملٍ يرضيه وتعلم أن فيه سعادةً له حتى يكون ذلك بمثابة الاعتذار إليه، وهذا يقودنا إلى نقطته الأولى التي سأل عنها وهي العبارة اللائقة التي يمكن أن تكون من المعتذَر إليه في حقِّ المعتذِر: الأدب القرآني يوسف-عليه السلام-: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ...} (يوسف:92)، فإذاً عبارةٌ قليلة المبنى جزيلة المعنى تكفي لذلك، كأن يقول: (لا حرج عليك) (لا تثريب عليك) (قبلتُ اعتذارك) (لا بأس عليك)،  ثم بعد ذلك يمدان حبل الوداد، وتتصافى النفوس، وتُستَل تلك السخيمة، فتعود العلاقة إلى سابق مجاريها من الصفاء والمودة والمحبة بإذن الله تعالى.

 

مقدم البرنامج: قبل هذه الأسئلة وهذه المداخلات أنصتنا إلى آياتٍ كريمةٍ من كتاب الله الحكيم {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ...} (آل عمران:133).

 

الشيخ كهلان: نعم هذه الآيات التي أنصتنا إليها تؤكد لنا جملةً من القيم والمبادئ التي نحتاج إليها حتى نُطَبِّقَ هذه القيمة في واقعنا معتذرين أو قابلين للاعتذار، فالله سبحانه وتعالى يبين أن من صفات المؤمنين الموعودين الذين وعدهم بالمغفرة وبجنةٍ عرضها السموات والأرض أنهم يكظمون غيظهم، ويعفونَ عن الناس؛ لذلك جاءت هذه الآية هنا لأننا نتحدث عن المعتذَر إليه، فهو يعفو عن غيره، وفي ذلك من الشواهد والقصص والأمثال الكثيرة التي يَعلَمُها  المستمعون؛ لكن هو بحاجةٍ إلى أن يكظم غيظه، وأن يَحمِل الآخرين على أحسن المحامل وأفضل الوجوه، ثم أن يتجاوز ذلك إلى العفو عنهم، وما أجمل هذا التذييل في هذه الآية الكريمة {... وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أن يَتبَع حتى ذلك العفو بشيءٍ من مزيدٍ من الإحسان حتى لا يبقى إلا العلاقة القوية المتينة بين الناس وبين المسلمين.

 

مقدم البرنامج: في عجالة في الثواني المتبقية دكتور هل من كلمة حول الآثار الناتجة عن الاعتذار؟

 

الشيخ كهلان: نعم..

الاعتذار يؤدي إلى تعزيز الألفة والمودة بين الناس، وإلى تعويدهم على قبول الحق، والسعي إلى الإصلاح بين الناس.. يدربهم  على كظم الغيظ، وعلى السعي إلى أجمل أو أعلى المراتب عند الله سبحانه وتعالى، والاعتذار يؤدي إلى إطفاء أُوَارِ الخصومات داخل الأسر.. بين الأزواج.. بين الأولاد وآبائهم، كما أن الاعتذار حينما يكون سجيةً لدى المربين والآباء والمشرفين على التربية في المجتمع فإنه سوف ينعكس على الجيل الجديد.. سوف ينعكس على أطفالنا، وبالتالي يصبح  فيهم خُلُقاً قويماً بالطبيعة؛ لأنهم يقتدون بآبائهم وبمربيهم وبأساتذتهم.

 

والاعتذار يؤدي إلى نجاح العمل؛ لأنه حينما تسود هذه الثقافة بين الموظف ومديره.. بين الطالب وأستاذه.. بين المريض وطبيبه.. وهكذا في سائر المِهن والحِرَف والوظائف، وتكون في مَحِلِّهَا وفي موضعها وبعباراتها المناسبة فإن ذلك سوف يؤدي إلى مزيدٍ من التعاون على البرِّ والتقوى، وهذا قلنا بأنه يؤدي إلى نجاح الأعمال والمهن والحِرف، أما إذا سادت النفرة والبغضاء بين الناس وكلٌّ يأبى أن يكون هو صاحب المبادرة فإن ذلك لا شك سوف يؤدي إلى تقطع الوشائج بين الناس، وإلى المغاضبة التي تصل إلى الخصومات، وإلى القطيعة التي يمكن أن تَمتَد، وفي ذلك من تفويت المصالح والمنافع والخيرِ الكثيرِ ما لا يخفى.

 

مقدم البرنامج: شكراً لكم الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي على هذا الحديث، وموضوع الحلقة كان عن الاعتذار للحلقة الثانية على التوالي، شكراً لكم مستمعينا الكرام على تواصلكم معنا، السلام عليكم.

 

انتهت الحلقة