عنوان الحلقة " الإنصاف"

 

مقدم البرنامج: مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد الذي سوف نتحدث فيه بإذن الله تعالى عن جملةٍ من الأمور الطيبة التي أعلنا عنها، لكن هذه الأمور تجتمع كلها في قيمةٍ نبيلةٍ وهي قيمة " الإنصاف".

 

هذه القيمة سوف تستمعون بإذن الله تعالى إلى الكثير من تفاصيلها، سوف يتبين لكم في هذا الحوار الذي نجريه مع فضيلة الشيخ الدكتور " كهلان بن نبهان الخروصي" إلى الكثير من التفاصيل المتعلقة بها.

 

ربما يظن الناس أن الإنصاف يتجه في اتجاهٍ واحدٍ فقط، لكننا من خلال هذا الحوار سيتبين لنا أن الإنصاف يدخل في الكثير من الأمور، وأنه ليس خاصاً فقط بجانب العدالة والقضاء، إنما هو يدخل في مفردات تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان، وتعامل الإنسان مع مفردات هذا الكون.

 

*********************

 

مقدم البرنامج: الآن فضيلة الشيخ نحتاج منك أن تضعنا على سبب الاختيار لهذا الموضوع.

وما هي صلته بالإطار العام لبرنامج "دين الرحمة"؟؟

وما يمكن أن يشارك به الإخوة أيضاً كما اعتدنا أن نضع لهم النقاط التي يشاركون فيها؟؟

 

 

الشيخ كهلان: إن موضوع الإنصاف من الموضوعات التي تستحق العناية كل العناية، ذلك أن الإنصاف من القيم النبيلة التي يدعو إليها هذا الدين الحنيف، وعلى الإنصاف ومرادفات الإنصاف من القسط والعدل والعدالة تقوم الحياة الهانئة المطمئنة، ويستقر الناس، ويقوم العمران، وتُشاد الحضارات، وتسود القيم الحميدة وخصال الخير بين الناس؛ فلذلك كان حرياً بنا أن نقف مع هذا الموضوع وقفةً نتأمل فيها شتى جوانبه.. نعرِّف بالمضامين والمعاني والدلالات التي تكتنف هذه الكلمة المحببة إلى النفوس، ونحاول أن نُجلِّي أيضاً بعض غوامض هذا الموضوع مما نحتاج إليه في واقع حياتنا اليوم.

 

وطالما أننا نتحدث عن دين الرحمة فإنه لا محال من أن نتعرض إلى قيمة العدالة والإنصاف والقسط في هذا الدين، فإن من رحمة الله عز وجل بعباده أن أنصفهم جل وعلا بما شرعه لهم من أحكام هذا الدين، وأنه سوف يحاسبهم بالقسط يوم القيامة، وأمرهم بالقسط فيما بين مبتدئهم ومنتهاهم؛ ولذلك فنحن نريد أن نلتمس اليوم هذه المعاني والدلالات التي تكتنف هذا المعنى، وبالتالي سوف نتعرض – مع أن العنوان هو الإنصاف – لكننا سوف نتعرض للمرادفات قريبة المعنى بهذه الكلمة وهي العدالة والقسط.

 

سوف نتعرض أيضاً بمشيئة الله تعالى وأنا هنا أفتح بعض النوافذ للإخوة والأخوات الذين يرغبون في المشاركة.

 

سوف نفتح بعض النوافذ التي تتعلق بأهمية هذه القيمة في ديننا الإسلامي الحنيف، وبتطبيقاتها المختلفة في شتى مناحي الحياة ( كيف يتصور الناس الإنصاف في واقع حياتهم؟؟

 

ما هي المجالات التي ينبغي أن تسود فيها قيم الإنصاف والعدالة؟؟

 

وكيف يتمكنون فعلاً من تعويد أنفسهم على تطبيق هذا المبدأ راسخاً في واقع حياتهم؟؟

 

كل هذه القضايا – كما قلت – مع الأمثلة التي يمتلأ بها أيضاً تأريخنا، وتأريخ حضارتنا، وواقع المجتمعات الإسلامية سوف يكون محور الحديث اليوم بمشيئة الله تعالى).

 

 

مقدم البرنامج: ألاحظ في كلامكم أنكم ذكرتم مجموعةً من المترادفات حول موضوع الإنصاف كالعدالة والقسط والعدل، ولكن ذكرتم في ثنايا كلامكم أنها مترادفات قريبة المعنى من موضوع الإنصاف وليست مطابقة له تماماً؛ ولذلك أنتم اخترتم موضوع الإنصاف وليس العدالة أو العدل أو القسط لماذا؟؟

 

 

الشيخ كهلان: هذا سؤالٌ وجيه، ومع أنها فعلاً قريبة المعنى، شديدة الترابط، بل متماسكة الترابط بحيث لا يكاد تُفرِّق بين دلالتها ومعانيها إلا أن ما نريد أن نركز عليه هنا هو ما يبادر به الواحد منا لإعطاء الآخر ما يستحق.. لإعطاء الآخر ما عليه تجاهه من حقوق، فهو ذلك الذي يتعلق بمبادرة الواحد منا لإنصاف الآخرين منه، وهذا لا شك أنه من العدالة ومن القسط، لكن مفهوم العدالة أوسع مما يُبادر إليه الفرد الواحد.

 

العدالة هي قيمةٌ يُخاطب بها المسلمون جميعاً.. يُخاطب بها الناس، فهناك مؤسسات.. هناك المجتمع.. هناك أصحاب الولايات العامة في المجتمع.. هناك المربون.. المعلمون.. المؤدبون... الخ ذوي المسؤوليات الذين عليهم رعاية مسؤولياتهم، وكلٌ له نصيبٌ من إرساء قواعد العدالة في المجتمع.

 

ونحن لن نتعرض، ولا يمكن لنا أن نتعرض لكل هذه الجوانب، أي – موضوع العدالة، ومرادفات العدالة ورد في القرآن الكريم صريحاً وكنايةً ما يقترب من ألف موضع؛ وبالتالي لا يمكن لنا أن نغطي كل هذه الجوانب).

 

 لكن نريد أن نركز على الفرد اليوم.. نريد أن نتناول كيف يمكن للواحد منا.. للفرد أن يعين على إرساء العدالة بمفهومها الواسع، أي – أن ينصف الآخرين.. أن ينصف الناس.. أن ينصف نفسه من نفسه، وأن ينصف الآخرين من نفسه -.

 

بعض أهل اللغة حاول إعطاء بعض الفروق، وسوف أذكرها من باب العلم بالشيء، وإلا فهي في استعمالاتها الشرعية.. وحتى في استعمالاتها العرفية متقاربة إلى حدٍ بعيد، وكما قلت: يكاد أنها مترادفة.

 

لكن صاحب الفروق اللغوية أبا هلال العسكري ذكر فرقاً قال: الإنصاف الأصل فيه أنه إعطاء النَّصَف، أما العدل فيكون بذلك، أي – يكون بإعطاء النصف للآخرين -، ويكون بغير ذلك، قد يُفرض فرضاً كالعقوبة التي تكون على الجاني إقامةً للعدل (هذه لم تكن بمبادرةٍ منه وإنما بالسلطة – سلطة القضاء، وسلطة القانون – هي التي أرست العدالة وإن كان إرساؤها فيه إيقاع عقوبة على مرتكبي جريمةٍ أو جنايةٍ ما).

 

فإذاً هذا يعطينا شيئاً من الفارق بين الإنصاف والعدالة، وإن كان هنا يقال: أُنصف المظلوم من الظالم لكن بسلطة القانون.. بسلطة القضاء.. بسلطة الحكم الذي يكون بين الناس.

 

فإذاً الأصل في الإنصاف هو الإنصاف من النصف، بمعنى – أن تعطيه نصف الشيء -، وهذا أيضاً هو نفس معنى العدل حينما يُشَبَّه العدل بالميزان – الميزان الذي له كفتان متساويتان- فهما كالنصفين المتساويين، أي – لا ترجح كفةٌ على أخرى -.

 

إذاً هي من حيث هذا المعنى اللغوي يكاد تكون متقاربة.

 

الإنصاف من العدالة، لكن يقال: أيضاً أنصفه إذا أعطاه العدل له من نفسه، ويمكن أن يتضح الفرق في فارقٍ آخر أيضاً ذكره ( أن نقيض هاتين الكلمتين – نقيض العدل والإنصاف نقيضاهما إلى حدٍ ما مختلفان – فهناك ظلمٌ وهناك جور.

 

الجور هو نقيض العدل، والظلم هو نقيض الإنصاف، أي – لا يلزم من الظلم أن يكون فيه جور على الغير، قد يكون فيه ظلم لكن هذا الظلم قد يكون حتى في استعمال الحق.. أن يتعدى في استعمال الحق..، أما الجور فلا حق هناك البتة؛ ولذلك الظلم في استعمال الحق يسمى عند علماء الأصول التعسف في استعمال الحق).

 

فخلاصة ما أريد أن أقول: إن هذه الكلمات متقاربة المعنى، وسوف نتعرض لها إن كان ذلك من خلال الأدلة الشرعية، أو من خلال الأمثلة التي سوف نذكرها؛ لأنها فعلاً هي متقاربة، لكن نريد أن نركز على ما يكون من الفرد مما يمكن أن يعطيه للآخرين، فإذا كانت العدالة هي إعطاء كل ذي حقٍ حقه، فما الذي يمكن للفرد أن يسعى إليه لإعطاء الآخرين حقوقهم قبل أن يطالبهم بحقوقه عليهم؟؟

 

 

مقدم البرنامج: وهو يقبل منهم كذلك الحق الذي لهم عليه.

 

*********************

 

مداخلة متصل: بخصوص الإنصاف يقابله الظلم، ونحن نجد في مجتمعنا بعض صور الظلم مثل ظلم العمال الوافدين، فنجد بعض العاملات يقع عليهن من الظلم ما يؤدي إلى ضياع حقوقهن، وحرمانهن من أجورهن.

 

وتجد أيضاً بعض النساء تعامل الخادمة كأنها آلة، ولا تعاملها كأنها بشر، ولأبسط الأسباب تحرمها من حقوقها، ولا تراعي ما على تلك الخادمة من التزاماتٍ مادية، كذلك البعض يعاقب العمال بالضرب، وهناك من يسخر من هؤلاء العمال، ولا يحترمهم كبشر فنريد من فضيلة الشيخ توجيه نصيحة لهؤلاء الذين يظنون أنهم يفعلون الصواب.

 

*********************

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ{1} الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ{2} وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{3} أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ{4} لِيَوْمٍ عَظِيمٍ{5} يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين:1-6).

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ ذكرتم أنتم قبل هذه الآية القرآنية الكريمة أن القرآن الكريم تناول موضوع العدل والمفردات المتعلقة بالقسط والإنصاف وغيرها، وقلتم حتى موضوع العدل ورد أكثر من ألف مرة، الآن نريد منكم تلخيصاً كيف عرض القرآن الكريم هذا المبدأ.

 

وما هي الدلالات التي نقرأها في ذلك؟؟

 

 

الشيخ كهلان: تناوُل القرآن الكريم لموضوع العدل والعدالة والقسط والإنصاف السياقات التي وردت سواء كانت بالأمر بالعدل والقسط، أو كانت بمعالجة قضايا الظلم والجور والحيف وصلت إلى ألف سياق كما عدها بعض العلماء، وليس فقط من خلال ذكر كلمة العدل في القرآن الكريم، حتى لا يُفهم أن كلمة العدل وردت في القرآن الكريم هذا العدد، لا.

 

إنما السياقات والمناسبات التي يمكن أن يُنظر إليها على أنها معالجةٌ وتتناولٌ لقضايا العدل بالأمر به، أو بالنهي عن نقيضه وضده أو أضداده يكاد تصل إلى ألف سياق وموضع.

 

وطبعاً لن نستعرض هذه المواضع لكن باختصارٍ شديد سوف نستعرض أهمها تلخيصاً أيضاً.

 

أولاً: أهم سياقٍ يرد فيه القسط والعدل هو أن الله عز وجل وصف به نفسه في قوله تعالى { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (آل عمران:18)، فهو تعالى الحكم العدل القسط، الذي لا يجور أبداً، والذي لا يقبل ظلماً، والذي حرَّم على نفسه الظلم وحرَّمه على عباده.

 

فهذا في مقام وصف الله عز وجل نفسه بأنه عدلٌ وبأنه قائمٌ بالقسط.

 

أيضاً وصف الله عز وجل – هذا سياق آخر – دينه بأنه عدلٌ وبأنه قسط، وبأنه ميزان ( هذا الدين تمثل وصفه في القرآن بهذه الصفات بوصف الرسالات التي بعث الله تعالى بها رسله وأنزل بها كتبه، فالله تعالى يقول في سورة الشورى:  { اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ...} (الشورى:17)،  أي وأنزل الميزان {...وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ }، والميزان المقصود هنا هو العدل والقسط بدليل أنه معطوفٌ على أنزل الكتاب، والذي أنزله الله عز وجل هو هذا الدين للعباد).

 

نجد أيضا في سورة الرحمن {الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4} الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ{5} وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ{6} وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ{7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ{8} وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } ( الرحمن:1-9)

 

فإذاً { وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ{7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } هو دعوة الله عز وجل عباده إلى سبيل الهداية المتمثلة في الدين، فالدين موصوف بأنه ميزان، وبأنه الوزن القسط.

 

كذلك أصرح من هذا كله ما ورد في سور الحديد { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ...} (الحديد:25).

 

فإذاً السياقات الأولى، أو أول السياقات التي يرد فيها القسط، أو يُعالَج فيها القسط والعدل نجدها صفةً لله تعالى، ثم نجد القسط والعدل والإنصاف صفةً للرسالة.. للدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده في رسالات كل الأنبياء، ومع كل الكتب التي أُنزلت مع هؤلاء الأنبياء للناس كافة.

 

ثم بعد ذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده بالقسط.. يأمرهم بالعدل.. يأمرهم بالإنصاف – بإنصاف الآخرين – أمراً صريحاً، وينهاهم عن كل أضداد ونقائض العدالة والقسط سواء كان ذلك أمراً منفرداً، أو كان مع أوامر أخرى.

 

مع أوامر أخرى { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى...} ( النحل:90)، وفي قوله أيضاً سبحانه وتعالى { ِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ...} (النساء:58)

 

وفي قوله – منفرداً – { ...وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (الحجرات:9)

 

تعد هذه الأوامر العامة التي تقر العدل والقسط مبدأً وقاعدةً في المجتمع أيضاً خوطب بها الناس ليقيموها مبدأً وقاعدةً ولتكون راسخةً في المجتمع، مطبقةً في واقعه وإن كان على حساب الأنفس والأقربين والذين يحبهم المرء، ولو كان في إقامة القسط ما يظهر من أنه مجانفة للرابطة العاطفية، أو الآصرة التي تصل الفرد بهؤلاء.

 

 

مقدم البرنامج: تؤدي إلى مشكلاتٍ عائلية، ومشكلاتٍ مع الأقارب.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، وسوف نتعرض لدلالات هذه الآيات التي سأذكرها الآن لمزيدٍ من التفصيل، لكن أبرز هذا ما ورد في سورة النساء، وما تكرر أيضاً في سورة المائدة في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } (النساء:135)

 

في سورة المائدة قدَّم الأمر بأن يكونوا قوامين لله، ولكلٍ حكمة أيضاً لن نتعرض لها هنا، أي – سبب التقديم والتأخير بين الآيتين -، لكن آية المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (المائدة:8)، والآية السابقة كان تذييلها أيضاً {...فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } آية سورة النساء، وآية المائدة {... وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }، وصف أيضاً الله عز وجل على لسان رسله أن ما جاؤوا به حينما خاطبوا أقوامهم إنما هو إقامة الوزن والقسط في واقع حياة الناس ( حينما تحدث عن بني إسرائيل ووصفهم { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ...} (المائدة:42)، ثم قال: {...فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (المائدة:42)

 

 

مقدم البرنامج: على الرغم من تلك الصفات المتقدمة.

 

 

الشيخ كهلان: نعم على الرغم مما تقدم.

 

 وحينما أيضاً تحدث عن الضروريات التي جاءت الشرائع لحفظها ( حفظ الدين، وحفظ النفس والمال) عقَّب ذلك بالأمر بإقامة الوزن، وإقامة الكيل ( في سورة الإسراء تحدث عن حفظ النفس في النهي عن القتل، وعن حفظ العرض في النهي عن قربان الزنا، في حفظ المال.. في حفظ مال اليتيم { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ...} (الإسراء:34)، ثم قال: { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ...} (الإسراء:35).

 

أمرٌ صريح { ... وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (الإسراء:35)، حتى استخدام كلمة القسطاس كثيرٌ من المفسرين يقول بأنها معربة – نُقلت إلى العربية -، واستخدمها القرآن الكريم، وأن أصلها من الرومية؛ وذلك لأن دلالتها أوسع من دلالة كلمة العدل التي كانت مألوفةً لدى العرب؛ لأن العدل عندهم كان في التحاكم حينما خاطبهم القرآن الكريم، فاستخدم الله عز وجل كلمة القسطاس لأنها تعطي معنىً أوسع.

 

إذاً هذه هي السياقات.. إجمالا هذه السياقات التي ورد فيها الأمر بالقسط، وبإنصاف الآخرين، وبإعطاء كل ذي حقٍ حقه.

 

 

مقدم البرنامج: إذاً في الآيتين المتقابلتين في سورة النساء وفي سورة المائدة الأولى تتعلق بالجانب العاطفي، والثانية تتعلق بجانب الغيظ والحقد وشفاء الغليل، في كل هاتين الحالتين مُطالَب الإنسان بالإنصاف.

 

 

الشيخ كهلان: نعم أحسنت، هذا ما يتعلق بما تلا الأمر بالعدل في الآيات القرآنية، ومع ذلك حتى ما تقدم، أي – ما تقدم أيضاً في آية سورة المائدة، أي - الله سبحانه وتعالى ذكر ذلك عقب قصة أسرة بني الأُبيرق، وأمْر الله رسوله بأن يحكم بالعدل، وأن لا يتبع الخائنين، وأن لا يميل في الحكم.

 

فإذاً هي في سياق بيان ما يقيم العدل من خلال التحاكم والتقاضي؛ ولذلك قُدِّم في هذه الآية – نحن نتحدث عن آية سورة النساء – قُدِّم {... كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ...}؛ لأن السياق يتحدث عن التقاضي، وكان تأخير الشهادة لما تقدم من بيان يؤدي أصلاً ويُقيم شأن العدالة في المجتمع.

 

 أما آية المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ...} فإن السياق كان سياقاً مختلفاً .. كان سياق الحديث المتقدم في سياق غير سياق إقامة العدل؛ ولذلك ابتدأت هذه الآية الكريمة بخطاب الله عز وجل عباده إلى أن يكونوا قوامين لله.. أن يكون فعلهم وإقامتهم للعدل إنما هو لابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، والتجرد من كل علائق الهوى والشنآن والبغضاء التي يمكن أن تحيف بهم عن جادة الحق والعدل.

 

*********************

 

 

 

مقدم البرنامج: هناك نوافذ كثيرة يمكن أن يطل من خلالها المستمع والمستمعة علينا في هذا البرنامج ( كيف ينصف الإنسان الآخرين من نفسه.. كيف ينصف أسرته.. ينصف زوجته.. ينصف أبناءه.. كيف ينصف الذي يعمل معه – كما قال المتصل الأول قبل قليل في مكالمته -).

 

هناك الكثير مما يتعلق بالإنصاف في حياة الإنسان، أنا أذكر مثلاً – هذا من باب التشجيع للإخوة للاتصال والمشاركة – أن سعد بن معاذ – رضي الله عنه – عندما ذهب إلى مصعب بن عمير وهو يدعو إلى الإسلام في المدينة، وكان في بداية الأمر متشنجاً غَضِباً يريد من مصعب وجماعته أن يخرجوا من المدينة، فطلب منه مصعب أن يستمع إليه أولاً، ثم بعد ذلك يحكم.

 

قال له: أنصفت، فلما سمع من مصعب بعد ذلك تبين له صواب ما جاء به، وهداه الله.

 

إذاً الإنصاف أمرٌ مهمٌ جداً نحتاج إلى أن نطبقه في واقع حياتنا.

 

 

مداخلة متصل: عندي ثلاثة استفسارات إذا تكرمتم.

السؤال الأول: نجد علماء التزكية المسلمين يختلفون في تصورهم لما يجب أن يكون عليه الإنسان عند معاملته لنفسه، فنجد بعضهم يقول أنه يجب أن لا يُحسن الظن بها أبداً، بل يسيء الظن؛ لأنها لا تأمر إلا بالشر، بينما نجد بعضهم يقول من كان في نظرته لنفسه غير منصف فهو لغيره أظلم، فكيف يستطيع الواحد منا أن يتعامل مع نفسه تزكيةً وإصلاحاً من منظورٍ إسلاميٍ صحيح؟؟

 

السؤال الثاني: نلاحظ كثيراً من المسلمين عندما يقع الظلم على الآخرين يسارعون في التنديد بذلك الظلم، ولكن عندما يقع الظلم على المسلمين أنفسهم نادراً مايتكلم أحد، وحتى المسلمون فإن تكلموا تكلموا كردة فعل أولى وعلى استحياء وكأنهم يمتصون غضب الجماهير، ثم سرعان ما ينسون ذلك الظلم الواقع على إخوانهم قبل أن ينساه غيرهم، فما توجيهكم في هذا الموضوع؟؟

 

السؤال الأخير: نرى بعض كُتَّاب الفرق، وبعض المسلمين الذين يتعرضون لمناقشة بعض الفرق والنظريات التربوية والنفسية وغيرها من المجالات يشددون الكلام في رد كل ما جاءت به تلك الفرق أو النظريات لمخالفة كثير من مبادئ تلك النظريات أو الفرق لمبادئ الإسلام وكأنها لا خير فيها كلها، بينما يتجاهلون ويتعامون عن الحسنات التي تحملها بعض تلك النظريات، فيسبب ذلك نظرةً سيئة للمسلمين في تطبيقهم للعدل، ومن ناحيةٍ أخرى يخسر المسلمون أنفسهم الاستفادة من تلك الحسنات.

 

فكيف يجب أن يتعامل هؤلاء الكُتَّاب؟؟

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ قبل أن نأتي إلى السؤال التالي نعطي للمكالمات التي جاءتنا قبل قليل شيئاً من الوقت، المتصل الأول يقول: هناك صورٌ من الظلم التي تقابل بطبيعة الحال – كما قلتم هي ضد الإنصاف – تُرتَكب ضد بعض العمال أو بعض العاملات الذين يعملون في خدمة الإنسان أياً كان، لكن التعامل معهم في كثيرٍ من الأحيان يتجاوز قدراتهم، أي – يُطلب منهم أن يقوموا بأعمال تتجاوز قدراتهم -، تصرفات ربما يراها الأخ المتصل لا تدخل ضمن الإنصاف -.

 

 

الشيخ كهلان: وهي كذلك لا تدخل فعلاً.

إن كان الحال كما وصف فهي لا تدخل ضمن الإنصاف، وهذا من الظلم الذي لا يجوز في أحكام هذا الدين الحنيف.

 

وهناك أحكام خاصة وردت تتناول العلاقة مع الأجراء الذين يتعاقد معهم الناس للقيام بأعمالٍ ما، هذه إنما تنضبط بوفق أخلاق الإسلام، والأحكام الواردة فيه.

 

إذا كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " إخوانكم خولكم، أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم عناء العمل، ولا..."، أي – حتى أنه نهى عن تكليفهم العمل بعد العشاء، فما بالك بالأجراء الذين هم أحرار، وبيننا وبينهم عقود عملٍ فقط؟؟!

 

لكن أنا لن أتحدث عن هذه الأحكام؛ لأن هذا ليس هو مجالها، لكن سوف أتحدث عن المبدأ، وهو يصلح أيضاً لبعض ما ورد في اتصال المتصل الثاني.

 

المبدأ هنا؛ - ولذلك قلنا: إن الموضوع هو موضوع الإنصاف – ليجعل نفسه مكان الآخر، ما الذي يريده لنفسه من حقوق أن لو كان هو في مكان المستقبِل لهذه الحقوق..المستقبل لهذه المعاملة؟؟

 

هل يريد أن يُعامَل هو بهذه الطريقة أن لو كان هو العامل، وكان أجيراً عند غيره؟؟

 

كيف يريد أن يُعامَل؟؟

 

هل يريد أن يُعامَل بظلم وأن يُجار عليه، أم يريد أن يعامل بعدلٍ وإنصاف؟؟

 

ليجعل نفسه مكان الآخر، وهذا هو المبدأ الذي نريد أن ندعوا إليه.. هذا هو معنى الإنصاف ( أن تنصف غيرك، بمعنى أن تعطيه حقوقه عليك قبل أن تطالبه بأداء ما عليه من حقوقٍ لك)؛ ولذلك هذا هو المبدأ الذي ينبغي أن يراعيه الناس.

 

قد يكون ذلك في الجوانب المادية، وقد يكون في الجوانب المعنوية، لكن الأساس الذي ننطلق منه في معاملة الأجراء عمالاً كانوا أو صناعاً، أو أياً كانت نوع العلاقة التي بيننا وإياهم ينبغي أن تقوم على هذا الأساس.

 

 كيف إذا اقترن بذلك أننا نحن هنا في مقام أن نُظهر جوهر ديننا في معاملتنا لغيرنا، ونريد فعلاً أن نبين أن هذه الرسالة التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم بما وصفه بها من كونها رحمةً للعالمين، ومن كونها دعوةٌ جاءت لإقامة القسط بين الناس، ولإعطاء كل ذي حقٍ حقه؟؟

 

لا بد لنا أن نري الناس واقع هذه الرسالة من خلال سلوكنا وأخلاقنا وتعاملنا معهم، وذلك بأن نتمثل نحن، وأن ننصف الآخرين قبل أن نطالبهم بإنصاف أنفسنا منهم.

 

 

مقدم البرنامج: ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوةٌ حسنة كما قال أنس بن مالك: خدمت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشر سنين فما قال لي لشيءٍ فعلته لما فعلته، ولا لشيءٍ لم أفعله لمَ لمْ تفعله.

 

*********************

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ أنتم ذكرتم موضوع القضاء، وما تختص به بعض المفردات.

 

القضاء يتكفل بإرساء العدل في المجتمع، لكن هناك حقوق معنوية يصعب الوصول إليها عن طريق التقاضي ومحاكمة القانون طبعاً، كيف يكون الإنصاف في الحقوق المعنوية في معاملات الناس لبعضهم البعض؟؟

 

 

الشيخ كهلان: الجانب المعنوي، وأداء الحقوق التي تُبنى على هذه المعنويات لا يقل أثراً من جانب الماديات.

 

لا يظن ظان أن إرساء العدالة وإقامة القسط إنما يكون فقط في المعاملات المالية التي تكون بين الناس، أو في بعض قضايا الأحوال الشخصية، أو في بعض قضايا النظم الاجتماعية أو السياسية أو غيرها، لا.

 

هناك جوانب في المعاملة.. هناك حتى في المخالقة بين الناس لا بد من الإنصاف، حينما تطالب الآخرين بأن يكونوا ناصحين صادقين أوفياء لك فلا بد أن تكون أنت كذلك حينما تعاملهم.

 

ليس من العدالة.. وليس من الإنصاف في شيء أن تطالب الآخرين بأن يكونوا أوفياء يؤدون إليك حقوقك، وأن يكونوا صادقين معك لا يكذبونك حديثاً، ولا يدلسون عليك، ولا يزورون عليك حقاً ولا حقيقة، حينما تطالب الآخرين أن يعاملوك باحترام وأن يحترموا آراءك فإنه لا بد لك أن توفي أنت لهم قبلاً هذه الحقوق.

 

لا بد لك أن تكون صادقاً معهم.. أن تكون وفياً.. أن تحترم لهم آراءهم.. أن تُقدِّر لهم منزلتهم.

 

هنا لا بد أن يلتفت الناس إلى هذه المعاني والدلالات؛ لأنها غايةٌ في الأهمية، ولأنها بالغة الأثر في إقامة العدل، وسبحان الله في دقة هذا التعبير – تعبير إقامة العدل، وإقامة القسط – لأن الإقامة– كما قلنا في الأمانة، وكما قلنا أيضاً في إقامة الصلاة، وكما يقال في الكثير من ما وردت فيه هذه الكلمة.. هذا التصريف "الإقامة" – أنه ليس فقط الفعل، وإنما هو الأداء على أحسن وجه، إنما هو كالتشييد الذي ينبغي أن يُقام فعلاً؛ فلذلك هذه الجوانب المعنوية.. وهذه الجوانب الخُلقية أيضاً في معاملة الناس لبعضهم البعض لا بد من مراعاتها.

 

لنأخذ ما ذكره المتصل الثاني في اتصاله مثلاً من موضوع آراء الآخرين سواء تمثل ذلك في آراء مدارس فكرية، أو في آراء مذاهب أو فرق معينة تجد أن كثيراً من الناس يدعو إلى السعة في الرأي، وإلى التسامح مع الآخرين، وإلى المرونة في فقه الاختلاف، لكن في الحقيقة هو يطالب بذلك لنفسه.. لتُحترم آراؤه، وليُقبل رأيه وإن كان بعيداً عن أدلة الحق والصواب، ولئلا يُعنَّف أيضاً في الرد عليه.

 

 أما هو فتجد معاملته علامة على أنه لا يُنصف الآخرين من نفسه.. يبيح لنفسه أن يصف آراء الآخرين بالتشدد والمغالاة – قد يصل الأمر على أن يصفهم بالمغالاة وبالتطرف وبالتزمت –، أو أن يصفهم أيضاً بالانحلال وبالإسفاف وبغير ذلك من الصفات، ويطالبهم في ذات الوقت بأن يقبلوا رأيه، وأن يتقبلوا منه، وأن تكون محاورتهم له إنما هي على أساس الحسنى والقول الحسن والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وهذا قائم لا يمكن لنا أيضاً أن نغطي على هذا الجانب في تراث المسلمين ولا حتى في واقعهم؛ ولذلك كان من الواجب أن نتنبه لهذه القضية.

 

كيف يمكن أن تُرسى دعائم العدل بالتقاضي في هذه الأمور؟؟

 

هي ليست بماديات حتى تقام فيها دعاوى، ويؤتى فيها ببينات وأدلة، ويُنتصف منها بالحكم للآخر بشيء، لا، هي في أغلبها معنويات، وهي في أغلبها أخلاقٌ وآداب فينبغي أن ننصف الآخرين من أنفسنا قبل أن نطالبهم بإنصافنا من أنفسهم، هذا أمر غايةٌ في الأهمية.

 

مقدم البرنامج: ولكن لماذا يحدث هذا من هذا الشخص الذي يطالب الآخرين أن ينصفوه وهو لا ينصفهم؟؟

 

هل إنه وصيٌ عليهم؟؟

 

 

الشيخ كهلان: لا، هناك خللٌ في فهم موضوع هذه القواعد والمبادئ، وهناك أحياناً خللٌ في التطبيق قد لا يكون منتبهاً، نحن نحسن بالكثير منهم الظن، والبعض يظن أن في ذلك انتصاراً للحق، وهذا لا ريب مقصدٌ حسن، لكن إن حمل في طياته اتهام آخرين بسوء المقصد، وبأنهم لا يقصدون نشدان الحق فهذا من الخطر العظيم الذي يقع فيه هذا، كل هذه الأسباب تجتمع وتجعل حاله كما وصفنا.

 

مقدم البرنامج: جيد، لكن هل يجب علينا أن نحسن الظن دائماً؛ لأن الموضع إذا تعدى إلى الكتابة وإلى تدوين كلمات غير طيبة عن ذلك الفريق الذي يتناوله بكتاباته، وتبقى تلك الكتابات خالدة، هل مثل هذا يُحسن به الظن، أم يُنظر إليه على أنه عنده خلل.

 

الشيخ كهلان: لا شك بأن المواقف تختلف بحسب قرائنها، وبحسب ما يحتف بها أيضاً من أوضاع ومن أدلة ومن سياقات تُعامَل.

 

لكن كمبدأ لا بد من التزام هذا المبدأ، لنأخذ مثلاً موضوع العلاقة بين الزوجين ( موضوع العلاقة بين الزوجين للأسف الشديد كثيرٌ من الرجال يطالبون أزواجهم– زوجاتهم– بإنصافهم في المعاملة، أي– يطالبون بحقوقهم وينسون الواجبات التي عليهم تجاه زوجاتهم– وهذا أيضاً من الخطأ، أي– يقول: أنا الرجل ويجب أن تحترمي آرائي.. أنا الرجل ويجب أن تحسني معاملتي وعشرتي.. أنا الزوج وأنا صاحب القرار ويجب أن يُسمع قراري – وليس هذا من الإنصاف.

 

إذا كانت المرأة مخاطبة بطاعة زوجها في غير معصية الله عز وجل فهو مخاطبٌ بإحسان العشرة إليها.

 

وفي الحقيقة خطابه حتى في الأدلة الشرعية ليس بأقل من خطابها هي بطاعته.

 

الرسول – صلى الله عليه وسلم –يقول: " فإنكم استحللتم فروجهن بكلمة الله" هذه كلمة غاية في الدلالة على الكثير من المعاني والدلالات؛ وبالتالي ينبغي أن تقوم العلاقة بين الزوجين على أساس المناصفة في إعطاء الحقوق وفي العشرة، أي على أساس أن ينصف كلٌ منهما صاحبه.

 

حينما يجد الرجل أن زوجته تبادر إلى إعطائه حقوقه كيف يكون أثر ذلك عليه؟؟

 

لا شك أنه سوف يكون أثراً إيجابياً، وحينما تجد المرأة أن زوجها يسعى إلى إعطائها حقوقها، وإلى إنصافها من نفسه.. فإن أخطأ اعتذر إليها، وإن هي أخطأت بادرت بالاعتذار، لا شك سوف يسود الحياة الوئام والرحمة والمودة المطلوبة؛ وبالتالي سوف تظهر آثر الإنصاف في واقع حياة الناس.

 

هذه هي الجوانب المعنوية التي نتحدث عنها.

 

 

مقدم البرنامج: وكذلك في ممارسة الولاية– ولاية الأب على ابنته مثلاً– في موضوع التزويج يفرض عليها في بعض الأحيان رأيه الخاص.. قلَّ ما يلتفت إلى رأيها.

 

قد يحدث هذا.

 

*********************

 

مقدم البرنامج: لننتقل الآن فضيلة الشيخ إلى شيءٍ من الجوانب العملية التطبيقية في هذا الموضوع.

 

إرساء مبدأ الإنصاف بين الناس يحتاج إلى أسسٍ يقوم عليها، هل يمكن أن نتعرض لهذه الأسس والقواعد؟؟

 

 

 

الشيخ كهلان: نعم، نحن نتحدث الآن عن ما يعين على إرساء وتطبيق هذه القواعد في الواقع.

 

أولاً: أن يجعل المرء نفسه في موضع الآخر؛ وبالتالي لينظر ما الذي يريد أن يُعامَل به، حينما يضع نفسه في موضع الآخر سوف يسهل عليه أن يتصور الحقوق التي يمكن أن يعطيها للآخر.. سوف يتصور نوع المعاملة التي ينبغي أن يعطيها للآخر أيضاً، هذا من الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها ابتداءً .

 

ثانياً: عليه دائماً أن يسأل نفسه ( كيف هو إنصافي أنا للآخرين؟ ) نحن نجد في كتاب الله عز وجل أنه حتى في الحساب في الآخرة يقول الله عز وجل: { اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }(الإسراء:14) –، ليس هناك إنصافٌ أبلغ من هذا الإنصاف، أن يكون المرء على قاعدة: {...كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }.

 

هذا كتابك مدونٌ فيه ما أتيت من أعمال، أنت حاسب نفسك، أنصف نفسك ، هذا غاية الإنصاف كما يقول أهل التفسير.

 

حينما يتذكر الإنسان المصير الذي ينقلب إليه، وأنه سوف يوفى ما عمله في هذه الحياة الدنيا سوف يعينه ذلك أيضاً على أن يكون حريصاً على إنصاف الآخرين في هذه الحياة الدنيا.

 

ومن أهم الأسس أيضاً – وهذا أمرٌ لا ينفك عن باقي القيم التي تحدثنا عنها، والتي سوف نتحدث عنها- أن هذه المبادئ هي لا تنفصل عن عقيدتنا.. هي من العقيدة، لا يمكن لك أن تفصلها وأن تقول: إن إقامة العدل هذا شأن فئةٍ ما من الناس، أو أنه أمرٌ لا يختص بعبادتي لله تعالى، وأنه أمرٌ خاضعٌ لموازين بشريةٍ ويمكن أن يتغير، ويمكن أن ...، لا، هو كمبدأٍ وكقاعدة لا يمكن أن يتغير، قد تتغير التطبيقات.. قد تتغير التفسيرات في بعض الأحيان لكن كمبدأ وكأساس هو راسخٌ وهو أصلٌ أصيل في هذا الدين.

 

إذا كان الله سبحانه وتعالى قد وصف دينه بهذه الصفة، الدين ذاته موصوفٌ بهذه الصفة، والدعوة التي أتى بها الأنبياء والرسل إنما غايتها ليقوم الناس بالقسط.

 

*********************

 

متصلٌ آخر: عن الإنصاف أخي الكريم نماذج كثيرة لكن أشارك بهذه المداخلة فالله تعالى– في سورة النساء يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ...} (النساء:135) إلى آخر الآيات، وهناك أيضاً آيةٌ أخرى في سورة المائدة عن أهل الكتاب يقول الله فيها:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...} (المائدة:8) أيضاً هذا من الإنصاف، ومن الإنصاف أيضاً عندما ذكر بني إسرائيل، وذكر منهم أكالي السحت قال هناك في الآية { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة:42)

 

على كل حال الإسلام بلا شك هو دين الإنصاف ودين الرحمة، لكن نحن نتحول من التنظير الموجود في الكتاب العزيز، وموجود أيضاً في كتب الكثير من المفسرين والفقهاء إلى الواقع.

 

ثمة خلل في عملية الترجمة من التنظير وترجمة النظريات إلى واقع ( هناك مثلاً عملية تصادم بين مسألة كبيرة وهي - ركن الولاية والبراءة كمثال – وكيف أنه ربما تجد بسبب هذا الركن عدم إنصاف .

 

قد يكون عدم الإنصاف، وأضرب على ذلك مثال بسيط، مثلاً: عندما يسلم علينا الآخرون – مع تقديري للآراء الأخرى – لكن قد يأخذها الآخرون غير إنصاف منا عندما يسلم علينا بالسلام عليكم مهما كان دينه ومتجه ومذهبه ما دام أنه في سلامٍ معنا ونحن لا نرد عليه الرد الكامل وعليكم السلام ورحمة الله، قد لا يراها إنصافاً، ونحن نجد في الكتاب العزيز{ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ...} نحن المؤمنون { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } (النساء:86) الخطاب واضح، فهناك عملية لا أدري فضيلة الشيخ كيف يمكن أن تُحل هذه المسألة.

 

هناك عناوين ما شاء الله نؤمن بها جميعاً.. عناوين رائعة في سماء الإسلام، لكن هناك ربما ترجمات بين بين.. هناك أشياء أخرى تحط أو أنها تؤثر في العنوان العام.

 

 *********************

 

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رجلاً تقاضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال صلى الله عليه وسلم: " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، واشتروا له بعيراً فأعطوه إياه".

 

وقالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه.

 

قال:" اشتروه فأعطوه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاء".

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ المتصل الأخير طرح الموضوع الذي استمعتم إليه فيما يتعلق بجانب التنظير،أو المثاليات والواقعيات.

 

هناك مثاليات.. هناك تنظير للكثير من المبادئ، لكن الرصيد الواقي قد تشوبه في بعض الأحيان – كما يرى هو – خللٌ في الترجمة.

 

 

الشيخ كهلان: بطبيعة الحال من أسباب تعرضنا واختيارنا نحن للموضوعات التي نتناولها في برنامج " دين الرحمة" هو ما نحتاج إليه فعلاً من – كما قلت – تصحيحٍ للواقع، أو ظاهرة أو لنقل خللاً ما في شيءٍ من هذه المفاهيم نحتاج إلى تصحيحه، وتصحيحنا إنما يعوِّل على التنظير.. على القواعد والأسس الموجودة في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأجل تصحيح الترجمة الخاطئة.. لأجل تصحيح الواقع الذي يقع فيه بعض الناس قصداً أو من غير قصد فيؤدي إلى الوقوع في الأخطاء.

 

فإذاً من أسباب تعرضنا واختيارنا نحن للموضوعات محاولةٌ للسعي إلى الإصلاح قدر المستطاع؛ ولذلك نتشارك نحن والإخوة الذين يتصلون بالبرنامج في استعراض بعض هذه الأمور، وفي اقتراح ما يمكن أن نصحح به الأفهام أو نصحح به الترجمة، لكن الأمثلة التي ذكرها من مبادئ وقيم إنما أريد بها إقامة العدل، فإذا كانت تطبقها إتباعاً للهوى فهذه مجانفةٌ للحق، ومجانفةٌ للقسط والإنصاف، وينبغي أن يعاد النظر في تطبيقها، وأن يراجع الإنسان نفسه.

 

أي ما ذكره هو– مثلاً- من موضوع الولاية والبراءة وما يتعلق بها، أو ما ذكره أيضاً المتصل الثاني من قضية التنديد حينما يقع ظلم والمبادرة إلى التنديد به نحن هنا نضع أساساً نقول فيه: بأن الإنصاف ينبغي أن يكون مبدأً ينطلق من قول الله تعالى{... شُهَدَاء لِلّهِ...} (النساء:135) أن يكون لله عز وجل خالصاً، بأن يكون مقصوداً منه مجانبة الهوى، وإتباع الحق، وإقامة القسطاس المستقيم، وليس مقصوداً منه الإقصاء أو التقريب لأجل إتباع الهوى؛ لأن الآيات صريحة في ذلك– كما قلنا– آية سورة النساء، وآية سورة المائدة -وكما ذكر الإخوة-هي آياتٌ صريحة الدلالة في مخاطبة الناس بإقامة العدل ولو كان على حساب أنفسهم.

 

فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث الذي استمعنا إليه في الفاصل قال: " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا..." مع أن ذلك الرجل أغلظ القول على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مطالبته بحقه.. أغلظ القول حتى همَّ أصحابه الكرام– رضوان الله عليهم – بضربه وتأديبه، لكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخُلقه وبسماحته وبإدراكه بمبادئ الإنصاف والقسط قال : " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا..."، وقضاه بأحسن مما له فكان ذلك أدعى إلى حسن استقامة ذلك الرجل وصلاحه، وإلى نتائج خير.

 

مقدم البرنامج: طيب، لكن الجزئية التي ذكرها المتصل الأخير مهمة جداً في الحقيقة ( هو يرى مثلاً أن الله سبحانه وتعالى يقول:{ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا...} (النساء:86)، هذا قمة الإنصاف لكن في الواقع تجد مثلاً رجلاً غير مسلم–أياً كان– يلقي على المسلم السلام، ويطمع من خلال إلقائه السلام أن يرد عليه بالمثل.

 

هم الآن أصبحوا يقيمون تعامل المسلم معهم من خلال رده على السلام، فإذا وجدوا أنه لا يرد التحية بمثلها معنى ذلك أنه لديه شيءٌ من البغض أو الكره...).

 

 

الشيخ كهلان: لا، نحن تعرضنا في ثنايا البرنامج لأن الله سبحانه وتعالى حينما خاطب المسلمين بالأخلاق القويمة ما خاطبهم بها ليتعاملوا بها مع إخوانهم المسلمين، وإنما خاطبهم بها ليتعاملوا بها مع سائر الناس؛ ولذلك قال: {...وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً...} (البقرة:83)

 

فإذا كان– طبعاً نحن نعرف بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بإلقاء السلام– لكن إذا كان من ألقى السلام ألقاه سلاماً صحيحاً فهذا مما صرَّح أهل العلم على أنه يرد عليه، أما إذا كان كما ورد أن اليهود الذين كانوا في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا يقولون " السام عليكم" يلوون ألسنتهم وهم يدعون بالهلاك والموت فهذا مما حذّر منه، على أن هذا لا يعني – كما تعرضنا في موضوع الحياء، وفي موضوع العزة – أن المسلم مطلوبٌ منه أن يُجامل الآخرين على حساب دينه ، لا، هو من الإنصاف أن ينصف نفسه بإتباع أوامر الله تعالى.

 

 

مقدم البرنامج: إذاً هناك خللٌ في الفهم وليس خللٌ في التطبيق.

 

 

الشيخ كهلان: أحياناً خللٌ في التطبيق أيضاً.

أضرب مثالاً سريعاً – قوله تعالى { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (ص:26) هذا الخطاب خوطب به من؟؟

 

داوود– عليه السلام -.

 وخوطب بماذا؟؟

{...إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ...}، ثم قال: {...فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ...}، ولم يكتفِ الله عز وجل بذلك بل قال: {... وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى...}.

 

خاتمة الحلقة

 

مقدم البرنامج: طيب، إذاً الدقيقة الأخيرة نستمع فيها إلى السيد أبي الحسن الندوي الذي يصف حال المسلمين وهم يطبقون هذا المبدأ العظيم – مبدأ الإنصاف – وكيف أدى إلى نتيجةٍ حميدة.

 

وصف السيد أبو الحسن الندوي ما صار إليه حال المسلمين فقال: لقد دخلوا في السلم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، ولا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى، ولا يكون لهم الخيَرة من بعد ما أمر أو نهى، حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم، بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم، وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم، وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة، وفي اليوم رجال الغد، لا تُفزعهم مصيبة، ولا تُبطرهم نعمة، ولا يشغلهم فقر، ولا يُطغيهم غنى، ولا تلهيهم تجارة، ولا تستَخِفَّهم قوة، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً.

 

وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم، قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسهم أو الوالدين والأقربين، وطَّأ لهم أكناف الأرض، وأصبحوا عصمةً للبشرية، ووقايةً للعالم، وداعيةً إلى دين الله.

انتهت الحلقة