عنوان الحلقة " الرحمة بالصغير"

 

مقدم البرنامج: مستمعينا الكرام أهلاً وسهلاً بكم في حلقةٍ جديدة من برنامج "دين الرحمة"، وطبعاً كالمعتاد يصحبكم في هذا البرنامج الشيخ " كهلان بن نبهان الخروصي " المستشار الشرعي بمكتب المفتي العام.

 

الشيخ كهلان طبعاً مع المستمع الكريم لقاءنا اليوم حول الطفل، وما للطفل، وما على الطفل، وبالتحديد عن حقوق الطفل والرحمة بالصغير هذا هو موضوع لقائنا، وأبعاد هذا الموضوع طبعاً كثيرة ومتشعبة.

 

الرحمة بالصغير كلمة جميلة.. وكلمة رائعة تنطلق منها الكثير أيضاً من الكلمات.

 

أي – هي متفرعة، وتحمل مضامين كثيرة -.

 

 

*********************

 

 

مقدم البرنامج: شيخ كهلان نحن كالعادة نسأل عن سبب اختيار هذا الموضوع، والعناصر التي سوف نتحدث فيها.

 

 وما هي أيضاً المجالات التي يمكن للمستمع الكريم أن يشاركنا بها في هذا اللقاء؟؟

 

 

 

الشيخ كهلان: هذا الموضوع ينبع اختياره من كون قضية الطفل هي من الأولويات التي عُني بها الإسلام عنايةً فائقة، ونحن في هذا البرنامج نتناول قيماً إنسانيةً توجد في هذا الدين الحنيف، ولعلها ساعدت في تشكيل وصياغة حضارته الإنسانية الممتدة عبر التأريخ، فنريد أن نُذَّكر بهذه القيم، وأن نُعرف بها، وأن نتناولها نظراً في الواقع الذي نعايشه تصحيحاً لبعض المفاهيم، وتنبيهاً أيضاً إلى بعض التطبيقات التي ينبغي أن يُحث عليها الناس.

 

وموضوع الصغار، والرحمة بالصغير هي شديدة الصلة بدين الرحمة، فحينما نتحدث عن القيم في هذا الدين في ظل هذا العنوان الواسع الشامل " دين الرحمة" فلا بد لنا أن نتعرض إلى قضية الرحمة بالصغار.

 

ماذا تعني الرحمة بالصغير؟؟

 

وما هي أوجه هذه الرحمة؟؟

 

وكيف يمكن لنا أن  نطبقها في واقع الحياة؟؟

 

 حينما نقول: الرحمة بالصغير فإننا نتحدث عن حقوقٍ لهذا الصغير، وهذه الحقوق لا تختص بالوالدين فقط كما يظن كثيرٌ من الناس، بل إنها تمتد لتشمل المجتمع بأسره.

 

ولا نتناول الجوانب الفطرية في ذلك الشعور الدافق نحو الصغار، وإنما نتناول تطبيقات هذا الشعور، وكيف يمكن أن يُزكَّى إلى ما فيه صلاح أطفال اليوم الذين هم رجال الغد، والذين بهم تبنى الحضارات، وتُشاد الدول.

 

 

 

مقدم البرنامج: نعم وخاصةً ونحن في أمس الحاجة في هذا الوقت بالتحديد بأن نمر بنقطة تحول من وإلى، فأعتقد أنه ينبغي أن نقف هذه الوقفة لكي نعين.

 

الكلمة طبعاً متشعبة، وتحتاج الكثير من الخطوط، نحتاج فعلاً أن نكون مع بعضنا البعض مع أطفالنا في هذا الوقت بالتحديد.

 

 

 

الشيخ كهلان: بالضبط، فعلاً هذه من أهم الأسباب التي دعتنا إلى معالجة هذا الموضوع والتعرض له، وبالتالي هي دعوة أيضاً لكي يشاركنا الإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، وطالما شاركوا فيه، وطالما أغنوه أيضاً بمشاركاتهم إلى أن يتكرموا أيضاً بمداخلاتهم..بآرائهم حول هذا الموضوع.

 

وأنبه إلى أننا لا نتحدث عن حقوق الأولاد على أوليائهم..على آبائهم، وإنما نتحدث عن حق الصغير، عن الحقوق التي يمكن أن يوفرها المجتمع للصغير.

 

ونحن جميعاً كلنا يعلم، والمستمع الكريم يعلم بأن هناك اتفاقيات عالمية كاتفاقية حقوق الطفل، وهناك مواثيق لرعاية حقوق الطفل،كل هذه المحاولات إنما هي في الحقيقة وُجدت في هذا الدين من منطلق وأساس الرحمة بالصغير سوف نتعرض لكل ذلك.

 

ونريد أيضاً أن نستطلع آراءهم في واقع هذا الطفل، وما يرون من احتياجات هذا الطفل، وكيف يمكن أن يحققها المجتمع بما فيه من آباء وأمهات، ومن مسئولين عن التربية، وكل المعنيين بصياغة شخصية هذا الطفل وبتربيته حتى يغدو فرداً رجلاً أو امرأةً نافعاً في المجتمع..صالحاً لنفسه ولأهله ولذويه. 

 

 

*********************

 

 

 " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً" (الكهف:46)

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ بعد أن أنصتنا إلى هذه الآية الكريمة  " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..." الخ الآية، ما الذي نستفيده منها أولاً فيما يتصل بموضوع البرنامج؟؟

 

 

الشيخ كهلان: بالمناسبة سوف نحاول أن نختصر اليوم في الإجابات؛ لأن هذا الموضوع – كما تفضلت – موضوعٌ طويل، ولازلنا ننتظر أيضاً مشاركات من الإخوة والأخوات.

 

هذه الآية الكريمة التي استمعنا إليها تُذَّكر الناس بأن من نعم الله عز وجل عليهم نعمة الأولاد، وبناءً على ذلك فشأن سائر النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده تفضلاً منه عز وجل ومِنَّة ينبغي أن تُقابل هذه النعمة بالشكر، وشكر هذه النعمة إنما يكون بحسبها، فيكون شكر نعمة الأولاد بحسن تربية هؤلاء الأولاد، يكون بأداء حقوقهم كاملة، يكون بعونهم على أن يصبحوا صالحين نافعين لأنفسهم في دينهم وفي دنياهم.

 

هذا الأساس الذي ينبغي أن لا يعزب قيد أنملة عن أذهان الناس حينما يكرمهم الله عز وجل بنعمة البنين.

 

نحن نجد في سورة الشورى أيضاً يمتن الله على عباده بنعمة الأولاد، سواءً وهبهم الإناث، أو وهبهم الذكور، أو لحكمةٍ أرادها الله عز وجل جعل من شاء من عباده عقيماً حينما قال: "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" (الشورى: 49-50).

 

في هذه الآية أيضاً يُذكِّر الله تعالى عباده بهذه النعمة العظيمة عليهم.

 

ونجد في سورةٍ أخرى أن الله تعالى يبين لعباده كيف يشكرونه على هذه النعمة، فهي كسائر النعم يمكن أن تفتن العباد؛ ولذلك فينبغي أن يتنبه إلى أن هذه النعمة عليه أن يؤدي حقها بما يرضي الله سبحانه وتعالى، وألا يشغله فرحه بها عن أداء حقوق الله عز وجل، وإنما ينطلق من شكره لله عز وجل بحسن أداء حقوق الله تعالى المنعم المتفضل عليه، كيف ونحن نعلم أن حسن أدائه لواجب شكر هذه النعمة إنما يعود بالنفع أيضاً على نفسه وعلى بنيه كما يقال في سورة الكهف أيضاً "... وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً..." (الكهف: 82) قيل: بأنه كان الجد السادس أو السابع بعض أهل التفسير يقولون كذلك، فإذا بحفظ الله تعالى لهذه الذرية الطيبة يمتد حتى النسل السادس أو السابع.

 

*********************

 

مداخلة متصل: أردت المشاركة بخصوص موضوع الرحمة بالصغير خاصةً المراحل المبكرة – ما دون سن خمس سنوات -، أليس من الرحمة العناية بالجانب الفكري للأطفال، خاصةً وأن الدراسات الأكاديمية الحديثة تُعنى بهذه المرحلة، ونجد أن هناك مدارس نموذجية في بعض بلدان العالم وخاصةً لهذه المرحلة؟؟

 

عندما نظرنا الآن في الواقع معنا سواءً في مؤسساتنا التعليمية نجد قصوراً في العناية بهؤلاء الأطفال.

 

 

مقدم البرنامج: قصور في الجانب الفكري تقصد؟؟

 

 

المتصل: ليس في الجانب الفكري فقط، وإنما من يعتني بهؤلاء الأطفال في هذه المرحلة، أي – ما دون الصف الأول..ما دون ست سنوات -، من يعتني بهؤلاء؟؟! مع أن الدراسات تقول بأن الطفل تتشكل شخصيته أو معظم معالمها في هذه الفترة، الفترة الأولى المبكرة، خاصةً من سن الثلاث السنوات إلى سن الخمس سنوات.

 

أليس من الرحمة أن تتوجه المؤسسات الأكاديمية المتخصصة وخاصةً في وزارة التربية والتعليم ونحوها لتخصيص برامج متخصصة، ويكون هناك كوادر مؤهلة لطرح هذه البرنامج والتعامل مع هؤلاء الأطفال؟؟!

 

أريد تعليق الشيخ على هذا الموضوع.

 

 

الشيخ كهلان: نشكر الأخ المتصل على هذه المداخلة، وهي لا شك إضافة، ونقول له جواباً على تساؤله بلى هي من الرحمة.

 

أي – أن يعتنى بالأطفال في السنين التي تعُرف بما قبل المدرسة هو من مسؤولية المجتمع من مؤسساتٍ رسمية، ومن مؤسساتٍ أهلية، ومن أولياء أمور..من آباء وأمهات أيضاً، لا ينبغي أن تُحمل المسؤولية جهة معينة.

 

 لكن أيضاً ما أشار إليه من أن هذه الرحمة بالصغار في هذا الجانب تحتاج إلى كوادر مؤهلة، ليس كل أحدٍ مؤهلاً لكي يتفاهم ويستطيع أن يوصل ما ينمي فكر هذا الطفل ومهاراته العقلية، وإنما يحتاج إلى أناس أكفاء.

 

وأنا حسب علمي بأن هناك برامج ودورات تقام رسمية وغير رسمية، أي – منها قطاعات رسمية ومنها قطاعات مجتمعية – للعناية بإعداد الكوادر اللازمة، وهذه خطوة في الطريق الصحيح، والخطوة الأهم هي مسألة الوعي، أي – أن نجد أن هناك وعياً بأن من الرحمة بالصغار أن يُعان هؤلاء الصغار على تشكيل شخصيتهم العقلية والفكرية كما الروحية، والنفسية، والدينية، والخُلقية في هذه المرحلة المبكرة هذا أمر غاية في الأهمية -.

 

 

مقدم البرنامج: وطبعاً يمكن أن ينطلق هذا – كما ذكر الأخ المتصل – من المؤسسات وحتى المجتمع بشكلٍ عام، وأيضاً البيت – الأب والأم – قد يلعبوا هذا الدور في المرحلة الأولى-.

 

 

الشيخ كهلان: ونحن سوف نتعرض لمزيد مما يؤكد هذا، ومما يضع أيضاً بعض الخطوات العملية التي تتناول هذا الجانب.

 

*********************

 

 

متصلة أخرى: أردت أن أشارك بمداخلة بسيطة في هذا الموضوع، عندي حديث شريف فيما يخص موضوع الرحمة بالصغير وهو قوله – عليه الصلاة والسلام – " ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا".

 

فالرسول الكريم بين للأمة كيف ترحم الصغير في هذه المرحلة لكي تعينه على توقير الكبير بعد ذلك.

 

فهناك رباط بين الرحمة بالطفل وتوقير الطفل لمن يعامله برحمة من الكبار، فهذه الرحمة تؤدي إلى توقير الطفل للكبار وطاعة أمرهم.

 

فالوالدان عندما يعتنون بأولادهم في هذه المرحلة، ويعاملونهم برحمة، ويعطونهم الحنان فإنه في المقابل هذا الطفل سوف يحترم والديه ويطيع أمرهما.

 

 

روى الإمام الربيع بن حبيبٍ في مسنده عن أبي عبيدة، عن جابرٍ، عن ابن عباسٍ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " ألا ومن غشنا فليس منا، ومن لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا فليس منا".

 

 

مقدم البرنامج: هذا هو الحديث الذي ذكرته المتصلة الثانية قبل قليل، ويمكن أنا أمزج سؤالين مع بعض ( سؤالها، وأيضاً سؤال فيما يتعلق بما ذكرته أنت قبل قليل وهو: أن هناك توجه عالمي للعناية بالطفولة، أي – الموضوع لم يعد موضوع عادي- ، هناك اهتمام كبير، واتفاقيات في مجال حقوق الطفل، وأعتقد أننا توقفنا حول هذه الاتفاقية أكثر من مرة في حلقات أخرى، فموضوع حقوق الطفل موضوعٌ طويلٌ ومتشعب، ما الذي يتميز به ديننا الحنيف في نظرته للطفولة وحقوق الطفولة؟؟

 

و فيما يخص أيضاً أنه دين الرحمة ، ومن لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا فليس منا؟؟)

 

 

 

الشيخ كهلان: أولاً: الجزئية الأولى من السؤال فعلاً هذا صحيح وهذه ظاهرة إيجابية بأن هناك توجهاً عالمياً للعناية بالطفل، وهذا مما يؤكد على ما طرحناه بدايةً من أن كثيراً من القيم في هذا الدين الحنيف هي قيمٌ إنسانيةٌ عالمية، وفي الحقيقة كان ينبغي للمسلمين أن يبادروا إلى طرح مثل هذه المواثيق التي يسهل استنباطها من هذا الدين الحنيف؛ لأنها موجودة أصلاً، وفعلاً هذا مما يميز هذا الدين أن العناية بالطفولة ليست أمراً فرضته ظروفٌ محيطة، وإنما هو أمرٌ نابعٌ من أساس هذا الدين.

 

أي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم – حينما قال في هذا الحديث "... ومن لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا فليس منا"، هو يضع أساساً خُلقياً اجتماعياً غايةً في الأهمية للمجتمعات الإنسانية.

 

لم تؤدِ إلى هذا الأساس ظروفٌ اجتماعية، ومعيشية، واقتصادية، أو سياسية أو غير ذلك، وإنما هو من التعاليم التي جاء بها هذا الدين الحنيف.

 

فإذاً مما يتميز به موضوع عناية الإسلام بالصغار، ورحمة هذا الدين بالصغير أنه ينطلق من مبدأ هذا الدين، ثم إنه أيضاً لا يراعي الجوانب المادية التي يحتاج إليها هذا الطفل فقط ، ونقصد بالمادية هنا ما كان منها متعلقاً بماديات هذه الحياة، أو حتى بالجوانب العقلية والفكرية، بل إنه يمتد ليغطي أيضاً الجوانب الخُلقية والجوانب المعنوية، وهذا أمر جوهري فيما يميز هذا الدين في نظرته..في رحمته بالصغير عن غيره.

 

كذلك لا ينفصل موضوع رعاية الصغير والرحمة بالصغير عن منظومة القيم التي أوجدها هذا الدين، فلا يمكن لك أن تُخرج ما يتعلق برحمة الصغير عن باقي جزئيات وكليات منظومة القيم والأخلاق من إنشاء الأسرة، ومن أساسيات هذه الأسرة، ومن حقوق الزوجين، وأيضاًُ من واجبات التربية، ومن مسؤولية الوالدين تجاه أولادهم، ومن مسؤولية المجتمع كما نجد في قوله تعالى: "... قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..." (التحريم:6) هذه الآية القرآنية لم تأت من فراغ، وإنما جاءت لتضع أساساً للناس في أن يضعوا نصب أعينهم كيف يمكن لهم في أن يسعوا إلى أن يقوا ويحصنوا أهليهم وأنفسهم، وبالتالي بما في ذلك الأولاد الصغار مما يمكن أن يؤدي إلى الهلكة في الآخرة والعياذ بالله، وهذا يعني إصلاح أحوالهم في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة.

 

فإذاً الانطلاق إنما هو من مبدأ وقيم أو الأساس وليس ردة فعلٍ لظروفٍ معينة، ثم إنه يغطي كل جوانب ما يحتاج إليه الطفل من جوانب معنويةٍ، ومن جوانب روحيةٍ، وخُلقيةٍ ، ومادية طبعاً، مادية – حق الحياة، والصحة، والتغذية، والدراسة، وغير ذلك -.

 

كما أنه لا ينفك عن باقي القيم والأخلاق التي ينبغي أن تُغرس، وأن يُحافظ عليها المجتمع.

 

في هذا الإطار أنا لا أشك بأن المستمع الكريم يستحضر حديث: " علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

 

آداب الاستئذان التي وردت أيضاً في كتاب الله بالتفصيل..الأوقات التي يُعلم فيها الأطفال متى يستأذنون على آبائهم وأمهاتهم حينما يدخلون عليهم في غرفهم ( هذه الآداب – آداب الاستئذان - هي قمة في السلوك الحضاري الذي ينشده الناس الآن في أن يُعلّم لأولادهم حتى يكون سلوكاً لهم في حياتهم حينما يكونون رجالاً ونساءً في المجتمع).

 

 

مقدم البرنامج: لكن هناك أحياناً يحصل من الأسرة – وللأسف الشديد – نوع من عدم الإدراك في هذا الموضوع، أي – نوع من التغافل عن هذه الجوانب، يعتقد الوالدان في قرارة أنفسهم أنه سيأتي يوم ويكبر هذا الولد وسيفهم الحياة، وينطلق من بعض الأسس التي تربى منها في المدرسة، أي هناك مؤسسات ربما تقومه، وينسى أنه ربما ينحرف أحياناً سلوك هذا الولد، وأنه يمر بعدة زوايا، وقد تدخله هذه الزوايا في متاهات هو في غنى عنها -.

 

 

 

الشيخ كهلان: هذا صحيح،وللأسف الشديد أن هذا تصورٌ خاطئ وينبغي أن يصحح، وهذا مما دعانا إلى طرح هذا الموضوع أن هناك بعض الناس من يوجد لديه مثل هذه الأفكار، ويُحتاج أن يوقف معه وقفات حتى يعيد النظر.

 

هذا الحديث مثلاً الذي استمعنا إليه لا يتحدث عن شيءٍ من فواضل الأعمال.

 

 أي الحديث أولاً السياق الذي ورد فيه قال:" ألا ومن غشنا فليس منا..."، ثم قال: "...ومن لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا فليس منا"، أن يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن هذا ليس منا، أي – ينفي أن يكون هذا شأن من ينتسب إلى الإسلام والمسلمين -، وأن يقترن بغش الأمة..غش المجتمع يكون في نفس السياق، " ألا ومن غشنا فليس منا، ومن لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا فليس منا" هذا فيه نذير للأولياء..للآباء..للمجتمع إلى أن يعطوا هذا الموضوع حقه من العناية والاهتمام – موضوع الرحمة بالصغير -، نحن نتناول هذه الجزئية الآن وإلا فموضوع توقير الكبير أيضاً هو موضوع آخر.

 

 

 

مقدم البرنامج: نعم هو موضوع آخر وقد يكون هو مرتبط بهذا الموضوع لكنه يحتاج فعلاً إلى كلام كثير.

 

وكلمة الرحمة ليست بمفهومها الذي يمكن أن يفهمه الإنسان من أول وهلة، لكن هي تحمل في طياتها الكثير من المضامين.. من الرعاية..من الاهتمام..من الوقفة.

 

 

*********************

 

 

متصل ثالث: بخصوص موضوع الرحمة بالصغير هناك عدة عناصر تتصل بهذا الموضوع، فمن هذه العناصر الوالدان، فالوالدان عنصر أساس في المنزل، وهم يمثلون القدوة الأولى لأولادهم، فالابن يقتدي بأبيه، والبنت تقتدي بأمها، فإن كان الوالدان مستقيمين في سلوكهما سيكون الأولاد مستقيمين.

 

والعنصر الثاني الذي يؤثر على الطفل المجتمع بما فيه من أخلاقيات وعادات وسلوك.

 

كذلك العنصر الثالث الأصدقاء، فالأصدقاء يؤثرون بشكل كبير على الطفل، كذلك فإن المدرسة تؤثر تأثيراً كبيراً في سلوك الصغار.

 

 

 

الشيخ كهلان: أشكر الأخ المتصل على مداخلته، وأنا فعلاً كنت أريد أن أنطلق من هذا الذي ذكره، أن هذا الخطاب في هذا الحديث وفي كثيرٍ من الأحاديث لا يقتصر على الآباء والأمهات، هو لم يوجه إلى الوالدين فقط، وبالتالي من الخطأ أن يظن الناس أن حقوق الصغار في مجتمعاتهم إنما تقع على عواتق والديهم، وإنما هي مسؤولية الجميع، ومن مزايا هذا الدين أن لكل شيءٍ في هذا الوجود حقوقاً.

 

نحن في حلقةٍ ماضية كنا نتحدث عن الإتقان، وذكرت أن للصنعة حقاً على الصانع – الصنعة ذاتها لها حق على الصانع- ، وحقها أن يتقنها بغض النظر عن العوائد التي تترتب على حسن أداء الفرد للعمل، لكن ذات الصنعة لها حقوق، وينبغي أن تؤدى هذه الحقوق، وحق الصنعة أن تتقن.

 

 كذلك للصغير حقٌ على المجتمع وحقه أن تؤدى إليه حقوق التربية، والنصح والتوجيه باعتدالٍ ووسطية؛ لأن الرحمة التي نصَّ عليها حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا تعني الإفراط في التدليل، كما أنها تنفي أيضاً القسوة والعنف الذي يمكن أن ينال الأطفال من أوليائهم..من المجتمع فهي في ذات الوقت تدعو إلى أن يُتوسط في معاملة هذا الصغير بحيث لا يؤدي به التدليل إلى الترف، كما لا يؤدي به العنف والقسوة في المعاملة إلى الجفاء، لا بد من الوسط.

 

لا بد من الاعتدال وهذا ما يدعو إليه أيضاً الحديث، أي – الرحمة بالصغير لا تعني أبداً الإفراط في التدليل، أو ما يسمى الآن بالتدليع، لا، وإنما يراد منه أن تكون رحمة توجيه..رحمة تربيةٍ ونصح، وبالتالي أيضاً هذا ينفي ما أشرت إليه من قضية القسوة والعنف والجفاء -.

 

قصة الأقرع بن حابس لما دخل صبي (وقيل إنه الحسن أو الحسين – عليهما السلام -) على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقبلهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلت واحداً منهم.

 

فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " لا أم لك، وما أفعل بك إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك؟؟!، من لا يرحم لم يُرحم".

 

فأمر غاية في الأهمية أن الخطاب هنا ليس للأولياء فقط، وإنما هو للمجتمع بمختلف شرائحه، وبالتالي لا بد لنا أن نعي بأنه ينبغي أن نكون قدوةً في أنفسنا سواءً كنا آباءً، أو أعماماً، أو رجالاً في المجتمع؛ لأن أطفالنا ، أي – أطفال المجتمع – إنما يقتدون بنا نحن.

 

لا بد أن نحرص على أن نكون القدوة الحسنة للصغار، وأن نربيهم أيضاً على الاقتداء بالأمثلة الحسنة من تاريخنا ومن واقعنا أيضاً.

 

مقدم البرنامج: ومن تراثنا أيضاً.

 

 

الشيخ كهلان: نعم.

كنت أريد أن أعلق تعليقاً أيضاً على الحديث ( بعض روايات الحديث من طريق جابر بن زيد، أي – لنتأمل السياق الذي وردت فيه هذه الجملة، جملة "ومن لم يرحم صغيرنا"، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا، ومن انتهب مالنا فليس منا، ومن لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا فيس منا، ومن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية فليس منا".

 

 أي - نتأمل هذا السياق الذي وردت فيه هذه الأصناف ونجد فيها أن من لم يرحم صغيرنا فليس منا -.

 

*********************

 

متصل آخر: طبعاً رحمة الإسلام ورحمة النبي – صلى الله عليه وسلم – على وجه الخصوص تتجلى في كثيرٍ من مواقفه – صلى الله عليه وسلم – من ضمنها أنه عندما كان في الصلاة فامتطاه أحد أحفاده إما أن يكون الحسن أو الحسين فأطال النبي – صلى الله عليه وسلم – في السجود، فعندما سئل عن ذلك، قال: "امتطاني ولدي أو ارتحلني ولدي فخشيت أن أشق عليه"، وكذلك عندما كان النبي في صلاة الجماعة إماماً فسمع صوت طفلٍ يبكي فأسرع النبي – صلى الله عليه وسلم - في الصلاة حتى تذهب إليه أمه وتسكته.

 

وكذلك الكثير من العلماء يفتون بأن المرأة إذا كانت وحيدة في مكان وكان طفلها يبكي فلها أن ترضعه في صلاتها من دون أن تقطع صلاتها، ومن دون أن يؤثر ذلك في صلاتها.

 

 

 

متصل خامس: ما هي نصيحة الشيخ للآباء الذين يتركون الأطفال يتابعون أفلام الرعب والقتل؟؟

 

كذلك أردت أن أداخل بهذه المشاركة: هناك مفارقة عظيمة في رحمة الأطفال فما حدث لمحمد الدرة ولأطفال آخرين ولا سيما في فلسطين، ولما حدث مع النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما زار الطفل اليهودي وهو في سكرات الموت، ودعاه إلى الإسلام فأسلم ذلك الطفل ونجا من النار من بعد ما قال له والده: أطع أبا القاسم يا بني.

هنا مفارقة عظيمة في الحقيقة نرجو من الشيخ أن يوضحها لنا.

 

 

مقدم البرنامج: أولا نبدأ بوقفة المتصل الرابع، والأمثلة التي ذكرها.

 

 

الشيخ كهلان: نعم الأمثلة التي ذكرها قيمة جداً، وكنت أنا أتوقع أن يشاركنا الإخوة والأخوات بعرضها؛ ولذلك لم أتعرض لها فسحةً لهم في هذا المجال.

 

هذه الأمثلة تؤكد تطبيقات الرسول – صلى الله عليه وسلم – العملية لما دعا إليه من الرحمة بالصغير.

 

أي ( كيف كان حتى في أمر إمامته بالناس في الجماعة وكان يراعي الصغار في إمامته سواء كان بإطالة السجود؛ لأن أحد الصبية امتطاه – عليه أفضل الصلاة والسلام -، أو بالإسراع في الصلاة حينما سمع طفلاً يبكي ).

 

هذه هي أمثلة وقلنا قبل ذلك أيضاً تقبيل الرسول – صلى الله عليه وسلم – للأطفال.

 

 ممازحة الرسول – صلى الله عليه وسلم – للأطفال كما فعل مع ذلك الطفل الذي كان لديه عصفور صغير يلاعبه يسمى النغير، فكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يكني أولاً هذا الطفل يقول: يا أبا عمير ما فعل النغير؟؟

لأن النغير كان طائراً يحبه وتوفي، فالنبي – عليه الصلاة والسلام – كان يلاطفه بمشاركته في حزنه، أو يُظهر له أنه يشاركه في حزنه، فهذه الأمثلة نحتاج إليها اليوم؛ لأن هناك كما يعلم المستمعون الكرام طبائع الناس تختلف لكن مع اختلاف طبائعهم ينبغي أن يكون هناك اعتدالٌ في معاملتنا للأطفال.

 

هذه الأمثلة تؤكد على أهمية مراعاة جوانب الرحمة واللطف واللين في معاملة الأطفال، وبالتالي تأمر بالابتعاد عن كل ما فيه عنف وقسوة.

 

المقدار المسموح به هو مقدار التأديب وله شروط وضعها أهل العلم، بالنسبة للوالد مثلاً حينما تعرض الفقهاء لحديث " واضربوهم عليها لعشر..." الحديث،  قالوا: لا ينبغي له أن يضربه وهو غضبان، ومن منا في سورة الغضب يتذكر قدرة الله تعالى عليه فيكف عن الضرب؛ لأنه حينما يضرب في ساعتها لن يضرب ضرب تأديب وإنما ضرب تشفي بسبب حالة الغضب التي هو فيها، وبالتالي ينبغي له أن لا يضرب – كما قال أهل العلم – أن لا يضرب وهو غضبان، وأن يكون بمقدارٍ، هذا من الوالد في تأديب ولده في أمرٍ جليل أيضاً، وإلا فالأصل أن يُتولى ذلك بالوسائل المختلفة التي عليه أن يراعيها.

 

 

 

مقدم البرنامج: نعم.

هناك طبعاً النقطة التي ذكرها المتصل الخامس يمكن تجرني إلى سؤال سألته، لكن أريد أن أوضحه أكثر لك.

 

الآن نحن في حيرة من أمرنا وخاصةً المجتمع بكل شرائحه ( أين نقف مع هذا الطفل إذا كان في كل ركن، وفي كل زاوية حتى من خلال الهاتف أحياناً الآن لا تستطيع أن تقول لولدك: لا تستعمل الهاتف إذا كان في سن معينة مثلاً، ولكن أنت قد تذهب للنوم ويأتي الطفل ويفتح جهاز الهاتف ويرى ما يرى، وطبعاً الكثير من الأمور والناس أدرى بهذا، كيف يستطيع فعلاً المجتمع بشكلٍ عام أن يقف وقفة توجيهية إرشادية لما ينفعه ولما يضره؟؟)

 

 

الشيخ كهلان: أولا: الوعي، لا بد لنا من أن نغرس الوعي لدى الأولياء ولدى المجتمع بأهمية هذه المرحلة العمرية في سن هذا الكائن البشري؛ لأنها مرحلةٌ هامة، والطبائع فيها أيضاً تتفاوت وتتباين، لكن بعد هذا الوعي بأهمية هذه المرحلة، وبأنها مرحلةٌ تتشكل فيها الأخلاق، وتتشكل فيها شخصية الإنسان.. هذا الكائن البشري لا بد لنا أيضاً من العلم.

 

هناك بحمد الله تعالى خاصةً في هذا الوقت الكثير من الوسائل التربوية التي أصبحت متاحةً للجميع، فلا ضير في أن يلجأ إليها الأولياء والمهتمون – فيها المختصرات، فيها المطولات، فيها بمختلف اللغات حتى، ومنها البسيط ومنها المعقد... إلى غير ذلك – لكن لا ضير بل ينبغي أن يحرص الأولياء والمشتغلون بالتربية إلى أن يستعينوا بهذه الكتب والمؤلفات التي وضعها مختصون لمعالجة أوضاع مختلفة مما يمر به الأطفال في أغلب سنين طفولتهم.

 

أيضاً هناك التوجيه الذي لا بد أن يحرص عليه الآباء والأولياء والمجتمع بشكلٍ عام وهو أن يعي الجميع بأن سلوك الكل ينعكس على أجيالهم، فإذاً أنت حينما تعامل والديك معاملةً حسنة فإن هذا ينعكس على الأطفال، حينما يتعامل الجيران فيما بينهم بالحسنى تجد أن أولاد الجيران يتصادقون أيضاً وهذا ملاحظ، وإن اختصم أيضاً الجيران اختصم أبناءهم.. نُقلت الخصومة إليهم للأسف الشديد، وبالتالي حينما تتكاتف الجهود لأجل تصحيح بعض السلوكيات الخاطئة بوعيٍ وبمعرفةٍ وبعلم أنا أضع الأسس – أنا غير مختص، وهذا لا بد أن أعترف بذلك في الحديث عن تفاصيل التربية الصحيحة – لكن أنا أدرك بأن هذا الدين الحنيف اشتمل على المراشد التي توجه الناس في معالجة مثل هذه المواقف التي تشير إليها، والتي يعاني منها كثيرٌ من الآباء والأمهات.

 

 

مقدم البرنامج: وكلما عاد الإنسان إلى فحوى هذا الدين، وإلى منهاجه القويم أعتقد أنه سيكون بخير.

 

 

الشيخ كهلان: لا شك.

 

 

مقدم البرنامج: الكثير من الباحثين والعلماء يتحدث عن تربية الطفل الصغير، ولا يتعرضون لمن جاوز مرحلة الطفولة لكنه لم يبلغ سن الرشد بعد، أي – ما يُعرف بمرحلة المراهقة – أليس للمراهق حقوق تندرج في رعاية الطفولة؟؟

 

وما هي أبرز هذه الحقوق في الإسلام؟؟

 

 

الشيخ كهلان: فعلاً هذا حاصل للأسف الشديد أن كثيراً من أهل العلم ومن يتناولون موضوع التربية وموضوع الأطفال يركزون على المراحل الأولى من الطفولة، بل حتى ما قبل وجود هذا الطفل من اختيار الزوجين، من الأسرة وما ينبغي أن يقوم بين الزوجين من المودة والرحمة، ثم بعد ذلك أيضاً السنوات الأولى حتى بل الأشهر الأولى من الآداب التي دعا إليها هذا الدين، ثم يغفلون بعد ذلك عن ما أتى به هذا الدين من مراشد وهدايات  للمراحل المتأخرة من الطفولة وهي مناهزة البلوغ كما يعبر عنها الفقهاء، وهي مرحلة غاية في الأهمية، ونحن نجد أن كثيراً من الأولياء والمسئولين عن التربية لا يولون قضية هذا التغير الفطري الذي يحصل في هذه المرحلة من مراحل نشأة هذا الإنسان لا يولونها العناية اللازمة فعلاً هذا واضح.

 

مرحلة المراهقة تحديداً تختلف عن ما قبلها من مراحل الطفولة، هي مرحلة انتقالية بين الطفولة إلى ما بعدها وهو أن يكون رجلاً أو أن تصبح امرأةً.

 

تصاحبها الكثير من التغيرات الجسدية..الكثير من التغيرات الجسمانية، ولهذا الدين الحنيف دعا أتباعه إلى أن يعلموا أولادهم كيف يتعاملون مع هذه التغيرات، وبالتالي لا بد للأولياء أيضاً أن يعرفوا.. أن يعوا أهمية عنايتهم بأولادهم في هذه المرحلة، وأن يكونوا صرحاء معهم بحسب اللغة والواقع الذي يوجد معهم، أي – أن الإسلام لم يحدد لغةً معينة لإيضاح ما يحصل من تغييراتٍ جسمانيةٍ لدى الولد أو البنت، وإنما بين أن هناك تغيرات علامات للبلوغ ينبغي أن يُتعامل معها -، فينبغي مثلاً للأم أن تعلم ابنتها أن هناك تغيرات في جسمها، هذه التغييرات تنقلها إلى مرحلة أن تصبح امرأةً، وبالتالي تدعوها إلى أن لا تستحي من هذه التغييرات؛ لأن هذا الحياء سوف يمنعها بعد ذلك من السؤال عما يصاحب التغيرات التي تحصل في بدنها من المحيض ومن آلام المحيض ومن التغييرات الجسدية، وبالتالي لن تتعلم الأحكام الشرعية التي تنتج من هذه التغيرات، أما إذا جعلت الأمر أمراً طبيعياً ، أي – بينت أن هذا التغير هو من الأمور الطبيعية التي أصابت النساء جميعاً وتصيب النساء الآن، وتصيب الفتيات في مرحلةٍ ما، وأنه ينبغي أن يُتعامل معها بكيت كيت من التصرف فإن هذا سوف يكسر الكثير من الحواجز لدى هذه البنت في هذه المرحلة.

 

 وكذا الشأن بالنسبة أيضاً للولد ينبغي لوالده وهما على انفراد أن يعامله بحسب ما تقتضيه هذه المرحلة، وأن يبين له أن هناك تغيراتٍ جسمانية، وأن هذه التغيرات الجسمانية يصاحبها تغيرات أيضاً في المشاعر.. في الأحاسيس، وأن هناك أحكاماً شرعية تنتج أيضاً وينبغي له أن يدركها: كالاحتلام وبالتالي الاغتسال من الجنابة، وكيف يغتسل، وأن هذا يعني أنه انتقل فصار رجلاً الآن، وأنه يمكن أن يتحمل مسؤوليات أكثر، في هذا الجو الإسلام يحث الناس على أن يعلموا أولادهم، إذا كان هذا الدين يعلم أتباعه كيف يغتسلون..كيف يتطهرون، فكيف لا يُعلم أتباعه ما يتعلق بالانتقال من سن الطفولة إلى  تخطي مرحلة المراهقة، وبلوغ سن الرشد؟؟!

 

 

مقدم البرنامج: وطبعاً الإسلام لم يترك أي مرحلة من هذه المراحل إلا أوجد لها الكثير من القواعد.

 

 

 

مداخلة متصل: أنا أردت فقط أن أستفسر عن تربية الأطفال المشاغبين الذين لا يسمعون الكلام، كيف تتم تربيتهم؟؟

 

استخدمنا الصراخ لم ينفع معه!! استخدمنا الضرب لم ينفع معه كذلك، فما الحل؟؟

 

 

 

الشيخ كهلان: نحن لا ننصح بالضرب والصراخ، هذا ما ننبه إليه الآن.

 

 

مقدم البرنامج: هذه يمكن النقطة التي تحدثنا عنها قبل قليل.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، أنا قلت وأؤكد أنني لست من أهل الاختصاص فيما يتعلق بهذه الجوانب، وأنا سعيد بأن الإخوة في الجهات الرسمية المعنية كوزارة التنمية أيضاً الآن في طور دراسة مشاريع مثل: مشروع الخط الساخن للإرشاد الأسري، هذا مشروع لا شك رائد.

 

هناك أيضاً من يتولى الإرشاد الأسري التربوي سواء من خلال مؤلفاتهم.. من خلال دورات.. من خلال برامج تطرح فيمكن اللجوء إليهم وأنا أنصح باللجوء إليهم، لكن بشكلٍ أساسي أنا أنبه إلى أنه ينبغي للأولياء.. ينبغي للمجتمع أن يدرك أن هذا الطفل هو غير مكتمل الملكات العقلية، هو لا يزال طفلاً.

 

المشكلة أننا نحسب أن الطفل كالرجل في تفكيره، أي – كالبالغ في تفكيره، وإدراكه، ومطالبه، ورغباته – فيعامل على هذا الأساس.

 

أنه يُتصور أنه حينما يُنصح بشيء أنه سوف ينتصح هكذا فوراً، وليس الأمر كذلك لا، هو مداركه مدارك طفل، عقله محدود، نفسيته..مطالبه..رغباته وعواطفه أيضاً مختلفة.

 

تجده يبكي حيناً وإذا به بعد ذلك يضحك.

 

وإذا به يخاصم صديقاً أو طفلاً آخر، ثم بعد ذلك يلعب معه، هكذا هي الطفولة، أي – هي براءة..شفافية -، وينبغي أن يُتعامل معها بناءً على قاعدة " الرحمة بالصغير".

 

أنا كنت أردت أن أعود إلى..

 

 

مقدم البرنامج: موضوع المتصل الخامس؟؟

 

 

الشيخ كهلان: سوف نأتي لموضوع المتصل الخامس ومشاهدة الأطفال لأفلام الرعب والعنف وغير ذلك لكن موضوع فترة المراهقة نجد أن هناك عناية أيضاً أنا أنبه مثلاً الشيخ السالمي – رحمه الله – حينما ألف كتابه سماه " تلقين الصبيان" هو يقصد به هذه المرحلة ( المرحلة الانتقالية من الطفولة – مرحلة المراهقة – إلى سن التكليف الشرعي -).

 

 

ويُخاطب الأولياء كما يُخاطب أيضاً المتعلمين المراهقين بالواجبات والمسؤوليات التي عليهم.

 

فإذاً هناك جهد، وكثير من الناس للأسف الشديد لا يدرك أنه ينبغي له فعلاً أن يُعلم أطفاله وأن ينبههم إلى هذه المرحلة – مرحلة المراهقة – وما يترتب عليها من تكاليف شرعية، ما يترتب عليها من تغيرات – كما قلت – لكن هي ليست مسؤولية جهة واحدة مرةً أخرى أكرر، وهذا ما يميز أيضاً هذا الدين، والقيم التي يدعو إليها أن هذه المرحلة تناولها هذا الدين بالعلاج، وبالتوجيه أيضاً بتوسطٍ واعتدال، فلا يُقال لهذا المراهق بأن ينفلت في كبح جماح شهواته كيف ما شاء، ولا أيضاً يُغلق هذا الموضوع ولا يُذكَر ولا يُعرَّف به لا، هي مسؤولية مشتركة مؤسسات تربوية.. مؤسسات صحية..طبية..جهات معينة، أي – يمكن أن توزع آليات تعريف المراهقين بهذه التغييرات التي تحصل في حياتهم، مثلاً يمكن أن يكون من خلال مناهج العلوم..مناهج الأحياء، كما يمكن أن يكون من خلال دروس التربية الإسلامية.. من خلال أيضاً خطب الجمعة.. من خلال دور الآباء في البيت بحسب أيضاً ما يفهمه الأطفال..بحسب ما يفهمه المراهقون -.

 

مع أنه حتى اتفاقيات حقوق الطفل مثلاً تُعرف الطفل أو مرحلة الطفولة بأنها كل إنسان لم يتجاوز الثامن عشرة من العمر، فنجد أنها مرحلة ممتدة فعلاً، وبالتالي هذه الحقوق التي نتحدث عنها حقوق مصاحبة له طيلة هذه السنوات، لا شك الطفل الصغير تختلف احتياجاته وبالتالي تختلف حقوقه عن من اقترب من سن البلوغ، والقرآن الكريم نفسه أشار إلى هذا عندما ذكر أموال اليتامى قال: "... فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...: (النساء:6) فإذا أونس الرشد – ليس فقط أن يبلغ سناً معينة وإنما أن يُرى عليه علامات العقل، والحكمة، وحسن التدبير – ساعتها يُدفع إليه المال الذي يستحقه حتى يتصرف فيه كما يشاء.

 

*********************

 

مقدم البرنامج: كثير من أولياء الأمور يعولون على التوجه العام للمجتمع في تحمل أداء حقوق الطفل بمعنى: أنهم يرون أن المجتمع بشكلٍ عام محافظ، وهناك المسجد والمدرسة، وهناك الأعراف والتقاليد الحسنة، وباجتماع كل هذه شيخ كهلان لا حاجة إلى إعطاء الموضوع كل هذه العناية والاهتمام، فإلى أي حد يُعتبر هذا الكلام صحيحاً؟؟؟  

 

 

 

الشيخ كهلان: هذا الكلام للأسف الشديد مع انتشاره عند بعض الناس لكنه غير صحيح؛ أولاً: نحن نتمنى لا شك هذه الصورة المثالية للمجتمعات، نتمنى أن تكون المجتمعات فعلاً على هذه الصورة المثالية، لكن الواقع ليس كذلك.

 

ليس هناك مجتمع كله مثاليٌ في أخلاقه.. في سلوكه.. في سلوك أتباعه لا، وبالتالي ينبغي للناس أن تدرك هذا الشيء، وهذه النظرة تؤدي إلى نتائج سلبية؛ لأن موقف الولي.. موقف الفرد في أدائه لحقوق الصغار..في رحمته بالصغار بالمعنى الذي تحدثنا عنه سوف يكون موقفاً سلبياً.

 

أي – لن يكون عاملاً مساعداً في إيصال الحقوق لهؤلاء الصغار، وبالتالي سوف يُفَوت فرص بناء مجتمعٍ تسوده القيم والأخلاق -.

 

هناك عوامل تغيرت.. هناك عوامل خارجية يعرفها الجميع تُشكل لنا أطفالنا في المجتمع، أي – لا يخفى على الجميع هذه المؤثرات من قنواتٍ فضائية.. من الشبكة العالمية للمعلومات.. من ألعاب الحاسوب.. من مربيات وعاملات – هذا واقع ينبغي لنا أن ندركه.

 

أيضاً من مشكلات اجتماعية توجد في المجتمعات، هذه المشكلات أيضاً لها أسبابها، ولها دواعيها لكن كل ذلك لا يكاد يخلو منه مجتمع، صحيح تتفاوت نسبته من مجتمعٍ إلى آخر ونحن بحمد الله تعالى في خيرٍ كثير، لكن لا ينبغي لنا أيضاً أن نتعامل مع قضايا التربية، وحقوق الأطفال، والرحمة بالصغار بسلبية، ينبغي لنا أن نتفاعل وأن نتعاون حتى نصل بهذا الصغير إلى ما ترتجيه منه أمته ومجتمعه، فلا يكون موقفنا سلبياً ونكل هذا الطفل إلى الشارع، وإلى المجتمع لا، هذا موقفٌ سلبي، بل قد يكون – وهذه قضية يناقشها الآن عددٌ من التربويين في الحقيقة، ومن علماء الاجتماع – يتحدثون عن مجتمعات المسلمين يقولون: هل آن الأوان أن يُعلَّم الطفل أن يكون أول ما يُعلّم إياه هو أن يقول: " قل لا للغرباء"، هذه موجودة في بعض المجتمعات.

 

أي – أول ما يُعلّم إياه الطفل هو أن يقول: لا للغرباء -، لماذا؟؟

 

لوجود ظواهر غير طيبة أبداً في حقوق الأطفال في هذه المجتمعات مما دعا القائمين على التربية إلى أن يغرسوا في الأطفال هذا المبدأ.

 

وتجدها على جدران المدارس..على أبواب المدارس للأطفال يخاطبون هكذا " قل لا للغرباء".

 

طبعاً لا شك أن هذه المرحلة بحمد الله تعالى نحن لم نصل إليها، لكن – كما قلت – لا ينبغي لنا أن نتعامل مع الواقع بسذاجةٍ وبسطحيةٍ، بل ينبغي لنا أن نكون حريصين وحذرين.

 

مقدم البرنامج: هو نوع من الحذر.

 

 

الشيخ كهلان: نوع من الحذر؛ لأن التربية تقتضيه، هذه من مسؤولياتنا حينما يخاطبنا الله عز وجل "...قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً..." (التحريم:6) ، والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: " كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته".

 

هذه من الرعية التي حملنا إياه الله سبحانه وتعالى، هي من الأمانات التي في أعناقنا وينبغي لنا أن نحسن أداء هذه الأمانة، وأن ندرك حقيقة المجتمع، أي – أن نتعرف على المجتمع- لا يعني ذلك التفتيش عن عيوبه وسلبياته، لكن يعني أن نعرف فعلاً الواقع الذي نحن فيه، ونتعامل معه بما يحتاج إليه من إيجابيةٍ ومن تصحيحٍ ومن تنبهٍ ومن توجيهٍ وإرشاد.

 

*********************

 

خاتمة الحلقة

 

روى ابن ماجة في سننه أن الحارث بن النعمان قال: سمعت أنس بن مالك يُحدِّث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم".

 

وورد في المستدرك على الصحيحين وعند الترمذي والبيهقي عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدبٍ حسن".

 

مقدم البرنامج: وقت البرنامج يدركنا، ونريد منكم فضيلة الشيخ في هذه الدقائق المتبقية الرسالة التي يمكن أن نقولها للمجتمع بشكلٍ عام من خلال طبعاً حقوق الطفل والرحمة بالصغير.

 

 

الشيخ كهلان: مما استمعنا إليه من هذه الأحاديث النبوية الشريفة، وفيما تبقى لنا من الوقت أنا أريد أن أؤكد على أمرين:

 

الأمر الأول وبه أبدأ يتعلق بحقوق الأيتام ( نحن حينما نتحدث عن الصغار في مجتمعاتنا لا ينبغي لنا أن ننسى تلك الفئة من الصغار الذين لا يُعرف أولياؤهم، أي – من مجهولي الأبوين، أو مجهولي أحد الأبوين – وموضوع هؤلاء الأيتام، أو هؤلاء في المجتمعات ينبغي أن لا يُنسى؛ لأنهم في مجتمعاتنا، ومن أطفالنا.. من صغارنا الذين لهم حقوقٌ علينا – كما قلنا –

 

للطفولة نفسها حقوق علينا، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيَّن منزلة كافل اليتيم، وقال: " أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين..."، وهذه منزلة رفيعة يكاد لا تجد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قرَّب منه في الآخرة أحداً كما قرب كافل اليتيم إليه.

 

وهو - عليه الصلاة والسلام – كفل من الأيتام كما هو معروفٌ في سيرته.

 

البلدان الإسلامية في اتفاقيات حقوق الطفل لا شك تحفظت على قضية التبني لكن لدينا نحن الحضانة والكفالة الاجتماعية – هناك مثلاً موضوع الأسر البديلة، وأرشد الفقهاء إلى أن ترضع الزوجة هذا الطفل حتى يكون ابنها من الرضاع وبالتالي ترتفع قيود معاملة الأجنبي للمرأة فيكون ابنها من الرضاع، وتنبني علاقات أسرية حميمة، هذا فيه أجرٌ عظيم وينبغي للناس أن لا تُفرط في هذا الباب -.

 

نحن نسمع في مجتمعاتنا أو بعض الناس يشتكي من أن الله تعالى لم يرزقه الولد مع قدرته المالية، وحسن أوضاعه فلماذا لا يلجأ إلى كفالة الأيتام؟؟!

 

وهذا الأمر بين فيه حتى سماحة الشيخ لما سئل عن هذا الموضوع قال: إنه من أعظم أبواب الأجر والثواب؛ لأن فيه كفالةً لليتيم، واستدل بهذا الحديث عن الرسول – صلى الله عليه  وسلم -.

 

الأمر الثاني الذي يمكن أن نختم به بعد أن استمعنا إلى هذه الأحاديث النبوية الشريفة هو: ما يتعلق بهذه التقنيات المعاصرة التي أشرنا إليها، أي – الواقع الذي نحن فيه من فضائيات مفتوحة، ومن شبكة عالمية للمعلومات، ومن ألعاب حاسوب – حان الوقت لكي يتنبه الأولياء، ومسئولو التربية عما يشاهده أطفالنا..عما يعايشه أطفالنا؛ لأن ذلك من الرحمة بهم، وأن نكون على مستوى هذه المسئولية؛ لأن كلما يتلقونه يؤثر فيهم.. في صحتهم.. في عقولهم.. في نفسياتهم، وبالتالي هو من صميم مسئوليتنا التربوية ومن رحمتنا بالصغار أن نُعطي هذا الموضوع حقه، وأن نتعاون على أن نستفيد من هذه الوسائل والنعم التي أتاحها الله سبحانه وتعالى لنا فيما فيه صلاح الصغار، وفيما فيه قوام المجتمعات بإذن الله تعالى.

 

 

 

انتهت الحلقة