عنوان الحلقة " حب الوطن "

بثت في:

19 / ذو القعدة / 1429هـ

17 / نوفمبر / 2008 م

 

مقدم البرنامج: أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد من برنامجكم " دين الرحمة".

 

هذا البرنامج أيها الإخوة الكرام يتحدث دائماً عن القيم الإنسانية التي تنضح بالرحمة على الناس، وقد جاء الإسلام بترسيخها وتدعيمها من خلال جملةٍ من التعاليم المعلومة، فإننا سنتحدث اليوم بإذن الله تعالى عن "حب الوطن".

 

راجين منكم جميعاً أن يكون لديكم مساهمةٌ فاعلة من خلال الاتصال والمشاركة بما يثري أو بما يغني هذا البرنامج، ويدفعه إلى تقديم الكثير من العطاءات حول هذا الموضوع.

 

لا شك أيها الإخوة الكرام أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبِل الإنسان عليها، فليس غريباً أبداً أن يحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه وشب على ثراه، وترعرع بين جنباته، كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء، وكما قال أحدهم:

 

نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب إلا للحبيب الأولِ

كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منــزلِ.

 

ومن خلال هذا اللقاء مع الشيخ الدكتور " كهلان بن نبهان الخروصي" سيتبين لكم بإذن الله تعالى أن الإسلام قد عزز هذا الجانب في نفسية الإنسان، ودعا إلى أن تكون هذه الفطرة راسخةً لا تتحرك عن موقعها لكن كيف ذلك؟؟

 

هذا ستستمعون إليه بإذن الله تعالى من خلال هذا الحوار مع الشيخ الدكتور.

 

*********************

 

 

مقدم البرنامج: الآن فضيلة الشيخ كما استمعنا في هذه المقدمة برنامجنا طبعاً اسمه " دين الرحمة " واعتدنا أن نُذَّكر الإخوة الكرام بالصلة التي تربط الموضوع الذي نتناوله بالإطار العام للبرنامج.

 

 

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

 

فكما تفضلتَ في المقدمة فإن حب الناس أوطانهم فطرةٌ متأَّصلةٌ في النفوس، فوطن الإنسان هو مسقط رأسه، وهو المكان الذي يترعرع بين جنباته..

 

كرامة الإنسان من كرامة وطنه وعزه من عز وطنه وشرفه من شرف وطنه، وكما تمثلت أيضاً بالأبيات التي ذكرتها، فلما كان الأمر كذلك، وكان حب الوطن فطرةً متأصلةً لدى النفوس، ونحن كررنا في هذا البرنامج أن الإسلام كما ذكر الله تعالى هو دين الفطرة الذي أتى موافقاً لهذه الفطرة، وآخذاً بها إلى كل ما فيه خيرها وصلاحها كانت الصلة بين حب الأوطان وحقوق هذه الأوطان وبين الإطار العام لبرنامجنا " دين الرحمة" صلةً ظاهرةً جلية، فنحن نتحدث عن دينٍ يوافق هذه الفطرة ويوجهها صوب كل ما فيه خيرها وصلاحها.. يبين لها كل ما يؤدي إلى تهذيب هذه الفطرة بغرس خصال الخير فيها، ونزع خصال الشر والفساد عنها وتوجيهها نحو الصراط المستقيم؛ ولذلك فإننا سوف نتناول في هذا الموضوع الذي نتحدث عنه اليوم جملةً من القضايا التي تتعلق بحب الأوطان وحقوق هذه الأوطان، ولا ريب أن الحديث عن الوطن حديثٌ ذو شجون لكننا في الطريقة التي تناولناها في هذا البرنامج نركز أولاً على الجوانب الشرعية المتعلقة بالموضوع.

 

فإذاً نحن لن نتحدث من زوايا اجتماعيةٍ وإنسانيةٍ عامةٍ، ولا من جوانب تتعلق بمجرد عاطفة يمكن أن توجد في نفس الإنسان تجاه وطنه، وأيضاً حتى في هذا الإطار الشرعي نحاول أن نتصل بالإطار العام للبرنامج الذي هو " دين الرحمة"، ولعلي أستشف أنك تريد أن تسأل عن الموضوعات التي يمكن أن يشارك بها الإخوة.

 

 

مقدم البرنامج: نعم، هكذا كالعادة.

 

قد تأتي المكالمات سريعة كما يبدو هذه المرة.

 

الشيخ كهلان: نعم حتى ننبه أيضاً لأن هذا الموضوع جذابٌ بذاته، وهو حري أن يكون كذلك، وهو يستحق هذه العناية وأكثر من هذه العناية لكن حتى نركز الحديث أن ما يتصل بهذا الإطار الذي وصفته سابقاً.. الجوانب الشرعية أي ( إن استحضروا آياتٍ قرآنية أو أحاديث نبوية أو شيء من سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام ومن بعدهم مما يتعلق بكيفية نظرتهم إلى أوطانهم.. حقوق هذه الأوطان علينا..

 

ما الذي ينبغي لنا أن نقدمه لأوطاننا؟؟

 

إذا كنا ننتظر من أوطاننا أن تُقدم لنا فما الذي يُطلب منا أن نقدمه لأوطاننا – كما قلت - من خلال الجوانب الشرعية الدينية لهذا الموضوع في ظلال دين الرحمة).

 

*********************

 

 

مداخلة متصلة: قال الجاحظ في " رسالة الحنين للأوطان" : كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه.

 

 فأكدوا أن الوطن يبقى أولاً تحت أي سماء، وفي أي أرض، وأن الوطنية أسمى من انتماء دون تضحية ورؤية مسؤولية لمعطيات الماضي والمستقبل.

 

وطبعاً الوطنية فطرة عظمها الإسلام ورفع من شأنها؛ ولذلك اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام يكون قتاله فرض عين على كل مسلم، ويؤكد ذلك التقدير والتعظيم حنين الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما خرج من مكة مكرهاً فقال بعد التفت إليها: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت"، وطبعاً الكلام يطول عن حب الوطن.

 

 

مقدم البرنامج: شيخ كهلان إذاً نبدأ في سؤالنا الأول عن مفهوم الوطن.

 

طبعاً يكاد يكون من المُسلَّمات التي لا يحتاج الناس إلى أن يزدادوا بها تعريفا، لكن هل للوطن بما تحويه كلمة الوطن من دلالات نعرفها اليوم هل له ذكرٌ أو اعتبار في الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة؟؟

 

نعم الإنسان ربما عندما يطالع الأمور الشرعية دائماً ما يركز على جوانب محددة لكن قضية حب الوطن يحتاج فيها كما يبدو إلى أن يُنَبَّه على هذه القضية، وأن يذَّكر بمواضعها وأين توجد.

 

 

الشيخ كهلان: صحيح وكذلك في المقابل نجد أن كثيراً ممن حباهم الله سبحانه وتعالى بالتضلع في علوم الشريعة حينما يتناولون أيضاً موضوع حب الأوطان لا يكاد تُميز بين تناولهم هم كونهم علماء للشريعة وبين تناول غيرهم؛ ولذلك أحب فعلاً أن ألفت أنظار الإخوة والأخوات الذين يتابعون إلى بعض الأدلة الشرعية التي نقرأها في كتاب الله عز وجل وقد لا ننتبه إلى أن لها صلةً بموضوع حب الأوطان.

 

خذ على سبيل المثال قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ...} (النساء:66).

 

هذه الآية مما نجد فيها أن الله عز وجل قرن بين حب الأرض.. حب الوطن وبين حب النفس بحيث كان عقوبة الإكراه على قتل النفس كعقوبة الإخراج من الأوطان، وهذا أيضاً ما أشارت إليه المتصلة الأولى في اتصالها حينما أُخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من مكة فقال ما قاله مما سوف نتعرض له بمشيئة الله تعالى.

 

أيضاً ننظر كيف أن الله عز وجل في كتابه الكريم أيضاً عندما تحدث عن موضوع أن الخروج من الوطن قاسٍ على النفس وأنه صعبٌ عليها عدَّ ذلك من فضائل المهاجرين.

 

حينما وصف المهاجرين كان من أبرز الصفات التي وصفهم بها أنهم أُخرجوا من ديارهم قال: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (الحشر:8).

 

نُصرة الله ورسوله أُخِّرت.. قدَّم الله عز وجل هذه الميزة.. هذه الخصيصة التي كانت للمهاجرين على الأنصار وهي أنهم أُخرجوا من ديارهم.. أخرجوا.. أوذوا بالإخراج من ديارهم وأموالهم، بل نجد في القرآن الكريم ما هو أبعد من ذلك.

 

نجد أن حب الوطن اقترن بالدين في الآية التي كثيراً ما تلوناها في هذا البرنامج؛ لأنها تتعلق بكثير من الصفات الإنسانية التي نحتاج أن نتعرف عليها وأن نُعرّف بها غيرنا يقول الله عز وجل : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ...} (الممتحنة:8)، سوَّى الله عز وجل هنا بين الدين والوطن فيما رتَّب من أحكام { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ...} أي بسبب الدين، {...وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ...}

 

مثل هذا المعنى أيضاً نجده متحققاً عقوبةً مساويةً لعقوبة القتل حينما يستحق القتل بنصٍ شرعي.. بحكمٍ من ولي الأمر – من الحاكم – يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ...} (المائدة:33)، أي – من الأرض التي يسكنون فيها – يُنفون بمعنى يُطردون منها.. النفي معروف الإبعاد عن الوطن نظراً لمشقة ذلك على النفوس.. هناك قتل أي ( كان من ضمن العقوبات المشرعة للمحاربين الذين ينشرون في الأرض الفساد ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّلوا، ويُقابل ذلك إن رأى ولي الأمر أن المصلحة في عدم قتلهم أن تكون العقوبة بنفيهم من الأرض).

 

هذا دليلٌ مكانة حب الأوطان وحب الناس للأرض التي ترعرعوا فيها؛ ولذلك اعتُبر أيضاً - كما أشار الاتصال الأول – اعتُبر من مبررات الدفاع عن النفس.. من مبررات الدفاع بالقتال هو الإخراج من الأرض ( لما قص الله سبحانه وتعالى لنا قصة القوم من بني إسرائيل مع نبيهم {... قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا...} (البقرة:246) وكأنه مستساغ، أي – كأنه أمرٌ عادي ينبهون نبيهم إليه ويعتبرونه من محفزات أن يقاتلوا أنهم أُخرجوا {...وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا...} (البقرة:246).

 

 

مقدم البرنامج: وقد بعث الله تعالى إليهم ذلك الملك ليعيدهم إلى أوطانهم.

 

 

الشيخ كهلان: نعم.

 

 

مقدم البرنامج: وأيضاً قضية العقوبة – كما تفضلتم فضيلة الشيخ – تتكرر في بعض العقوبات أيضاً.. قضية النزع من الوطن وإخراج الإنسان تكررت مثلاً في عقوبات متعددة.

 

 

 

الشيخ كهلان: نعم، النفي والتغريب.

 

 

مقدم البرنامج: نعم النفي والتغريب كأن فيه تعذيبٍ نفسيٍ له.

 

 

الشيخ كهلان: بالغاً، أي – سُووِي بين هذا التعذيب وبين القتل.. بين إزهاق الأرواح.

 

كذلك نجد استطراداً لحديث أين نجد المكانة – مكانة الأوطان – في الأدلة الشرعية نجد أن هناك الكثير من الأحكام الشرعية التي رُتِّبت على الأوطان في الصلاة.. في الزكاة أيضاً – نجد أن الزكاة الأصل فيها ألا تُخرج (من مكان المزكي إلى غيره من الأماكن إلا إن لم يوجد فقراء في بلد المزكي) ، أي أن الإسلام راعى مسألة الوطن في كثيرٍ من أحكامه – كما قلت - في الصلاة.. في الزكاة.. في موضوع الأهلة واستطلاع بدايات الأشهر القمرية واختلاف الأهلة باختلاف المطالع من وطنٍ إلى آخر.. من مكانٍ إلى آخر، وهذا يترتب عليه أيضاً الكثير من العبادات.. من الأوقاف.. من النذور... إلى غير ذلك.

 

هذه كلها روعيت فيها الأوطان.

 

مقدم البرنامج: هل يمكن أن نقول شيخ كهلان أيضاً أن الدين كله دعوةٌ إلى عودة الإنسان إلى وطنه الأول.

 

مثلاً نقول: إن وطن الإنسان الأول هي الجنة, فهناك خُلق.. وهناك تفسَّح وتمَّشى ، ثم هبط إلى الأرض.

 

الآن الدعوة موجهة إليه ليعود كما قال أحدهم:

 

فحيِّ على جنات عدنٍ فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المُخيَّمُ.

 

 

الشيخ كهلان: أحسنت، نعم هذا ملحظ فلسفيٌ يحمل كبير المعاني.

 

 

مقدم البرنامج: نحاول أن نقارن.

 

 

الشيخ كهلان: بارك الله فيك.

 

 

مقدم البرنامج: طيب الآن نستمع فضيلة الشيخ الدكتور إلى هذه الآية القرآنية التي أيضاً تتضمن شيئاً من هذه المعاني التي تفضلت بها قبل قليل.

 

 

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة:40).

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ هذه الآية القرآنية تتضمن جملةً من المعاني يلمح فيها الإنسان موضوع الوطن ظاهراً.

 

نريد أن نسألك عن بعض معانيها ولكن بعد هذه المكالمة إن شاء الله.

 

 

متصلة ثانية: الوطن عزيز وكريم على نفس كل إنسان، وأذكر موقفا بسيطا على هذا وهو أنني في مرة من المرات ذهبت إلى بيت الله الحرام، وبمجرد أدائي للعمرة شعرت بحنين وشوق كبير إلى وطني بالرغم أنها كانت أياماً معدودة لكن الوطن شيءٌ لا يُقّدر بثمن أولاً، وثانياً نحن في وطننا الغالي "عُمان" نعيش في نعم عظيمة وأجل هذه النعم نعمة الأمن والأمان، ونهضة عظيمة مباركة تحت قيادة صاحب الجلالة – حفظه الله -.

 

 

مقدم البرنامج: الحمد لله، حفظه الله ورعاه.

 

 

المتصلة: فالاحساس بالنعمة أمر لا يعترف به الإنسان، والحقيقة نحن نرفل في نعمة عظيمة في ظل هذا الوطن العزيز..

 

الحقيقة لا أستطيع أن أصف ما أشعر به ولكن كلمة وطن تشتمل على معاني عظيمة ومعاني كبيرة يكاد الإنسان أن يصفها في عبارة أو يصفها في نص أو يصفها حتى في كتاب.

 

 

مقدم البرنامج: جيد، ونحن أختي سنتحدث بإذن الله تعالى عن موضوع حقوق هذا الوطن، وواجبنا تجاهه خاصةً ونحن نرفل فيه في خيرٍ ورحمة.

 

 

المتصلة: نعم، وإذا نظرنا حقيقةً إلى أوطانٍ أخرى.. إذا قارنا مقارنة بسيطة فقط نجد أن هناك فارقا كبيرا في الحقيقة بيننا وبينهم، أذكر أحد الإخوة وكان وفد زائر للسلطنة وهو من دولة الكويت الشقيقة كان يقول لأحد الإخوة العمانيين نحن لاحظنا شيء في بلدكم لا يوجد معنا.

 

فقال العماني: ما هو هذا الشيء؟

 

فقال: تنعمون بأمنٍ رائع، حتى أن الواحد يمكن أن يخرج في أي ساعة متأخرة من الليل.

 

مقدم البرنامج: أختي الكريمة نحن نشكرك على كل حال على هذه المشاركة الطيبة وعلى هذا الشعور والإحساس الذي يتدفق في كلماتك الطيبة.

 

كل الدول الصديقة والشقيقة تنعم بالأمن والأمان، وكل دولة فيها هذا الخير وفيها هذه البركة وإنما يبقى مسألة حب الإنسان لوطنه مركوزةً وفطرة إنسانية كما تحدثنا، ووطننا بالإضافة إلى هذا الحب وإلى هذه الفطرة فيه من الخيرات ما يدفع الإنسان إلى أن يلهج بالشكر والثناء لقائد هذه المسيرة المباركة.

 

وعلى كل حال نحن نريد من الإخوة أن يشاركوا هذه المرة من منطلقٍ ديني.

 

كيف يحبون هذا الوطن؟؟

 

كيف يعمقون حب الوطن في نفوسهم من خلال ما يوجبه عليهم دينه.. ما يدفعهم إليه إسلامهم؟؟

 

نريد أن نسمع مشاركاتٍ من هذا النوع.

 

 

شيخ كهلان نحن تحدثنا عن موضوع الآية القرآنية التي استمع إليها الإخوة الكرام قبل قليل نريد تعليقاً عليها أيضاً.

 

 

الشيخ كهلان: الآية القرآنية التي استمعنا إليها تحكي قصة هجرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من مكة إلى المدينة، وهذه القصة تحمل الكثير من المضامين ذات الصلة بهذا الموضوع الذي نتحدث عنه، فإن خروج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من مكة وطنه الأول إلى المدينة ما كان إلا عن اضطرارٍ وإكراه، ونحن لو تحدثنا إلى أوائل قصة البعثة حينما كان الرسول – صلى الله عليه وسلم –   مع السيدة خديجة فعرضته على عمها ورقة بن نوفل في أوائل البعثة فالنبي – صلى الله عليه وسلم – عندما كان يسمع من ورقة ما كان يخبره عن ما سوف يتعرض له استوقفتْه كلمة، عندما قال ورقة: إن قومه سوف يخرجونه.

 

فالنبي – صلى الله عليه وسلم استوقفته هذه الكلمة وقال: " أومخرجيَّ هم؟!"

 

لم يعلق على موضوع الإيذاء والتكذيب الذي سيتعرض له كما تعرض من قبله ممن أوحى إليهم الله سبحانه وتعالى وإنما استوقفته هذه الكلمة وقال: " أومخرجيَّ هم؟!" ؛ ولذلك لما كان في قصة الهجرة هذه الآية التي استمعنا إليها كان النبي – صلى الله عليه وسلم – مُكرهاً، ونستشف ذلك عندما التفت إلى مكة المكرمة وكله مشاعر فياضة تجاهها وقال: " ما أطيبك من بلد، وما أحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك"، وسوف نتعرض لاحقاً إن شاء الله تعالى ما الذي واجهه هو وأصحابه – رضوان الله تعالى عليهم المهاجرون – حينما وصلوا إلى المدينة، وكيف تصرفوا حيال ذلك مما يتصل أيضاً بموضوعنا اتصالاً سوف نبينه بمشيئة الله تعالى.

 

هذا ما نفهمه من الآية، فهي إشارة إلى هذا الذي نتحدث عنه، وأما ما ذكرته المتصلة الثانية مشكورة في اتصالها فأيضاً يستحق التعليق.

 

هي – بارك الله فيها – تشير إلى موضوع الحنين إلى الأوطان وهذا أمر أيضاً لاحظته الشريعة.

 

حينما نتذكر – هي ذكرت موضوع العمرة – حينما نتذكر بعض الآيات الواردة في مناسك الحج فالله تعالى يقول: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً...} (البقرة:200).

 

كثير من المفسرين يقولون {...كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ...} أن الحاج بعد أن يؤدي المناسك يشتد شوقه إلى وطنه؛ فلذلك يذكر وطنه ويذكر آباءه.. يذكر أهله وأقاربه، فهذا الملحظ في هذه الآية الكريمة {... فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً...} دليل على أن الشوق يستبد بالإنسان حتى بعد أدائه لهذه الفريضة؛ ولذلك جاءت أيضاً التوجيهات النبوية بأن يُعجِّل " إذا قضى أحدكم نهمته فليعجِّل عودته إلى أهله".

 

 

مقدم البرنامج: بالفعل هكذا، والحقيقة قضية الحنين إلى الوطن تغنى بها الشعراء منذ زمنٍ طويل حتى في زمن الجاهلية قبل الإسلام كانوا يتكلمون مع الحمام ومع الطيور ومع كل الذي يرونه في طريقهم.. يبثون إليه أشواقهم.

 

 

الشيخ كهلان: نعم صحيح.

 

 

مقدم البرنامج: على كل حال الآن نعود شيخ كهلان إلى الموضوع...

 

 

الشيخ كهلان: وأيضاً إذا أذنت الموضوع الذي أشارت إليه المتصلة الثانية وهو موضوع النعم التي يزخر بها وطننا بحمد الله تعالى واستشعار هذه النعم الزاخرة الوافرة التي نسأل الله تعالى أن يديمها وأن يبارك فيها وأن يزيدها هو أيضاً في الحقيقة من صلب هذا الموضوع الذي نتحدث عنه؛ لأن من حقوق الوطن علينا أن نشكر الله تعالى على النعم التي وهبها لنا، ومن شكر هذه النعم أن نشكر لمن قام بهذه النعم.. لمن تسبب في هذه النعم وأن نتحدث تحدث الشاكر لا تحدث المغرور بهذه النعم.

 

 

مقدم البرنامج: وعندما نتحدث أيضاً عن دولٍ أخرى يبقى حب الوطن على كل حال ماثلاً في نفسية كل إنسان.

 

كلٌ يحب وطنه:

بلدي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ، فلا ينبغي أيضاً أن يُفصَل الإنسان عن وطنه بناءً على اعتباراتٍ معينة.

 

الآن نأتي شيخ كهلان إلى سؤال نقول: هل يتعارض حب الناس لأوطانهم مع شيءٍ من قواعد الدين؟؟

 

هذا نحتاج فيه إلى شيءٍ من التفصيل حتى لا يظن الناس أن المسألة ليست واضحة.

 

 

الشيخ كهلان: نعم جيد، هذا السؤال يعود بنا إلى ما تحدثنا عنه مراراً وتكراراً من موضوع الاعتدال والوسطية؛ لأنه فعلاً حتى في موضوع حب الأوطان نجد أن الناس سلكوا مناحي متعددة، فمنهم من بالغ وغالى في تقديس الوطن على حساب الدين وهذا أمرٌ غير محمود؛ لأن مكانة الوطن وحب الأوطان وأداء حقوق الأوطان إنما ينبع من صميم الدين، فديننا الإسلامي الحنيف يوجه هذا الشعور الفطري الذي يوجد لدى الإنسان صوب ما هو خير لهذا الإنسان، وصوب ما هو خير للوطن.. للأرض التي يعيش عليها هذا الإنسان؛ فبتالي لا ينبغي أيضاً أن يُغالى في تقديس الأوطان على حساب الدين والمعتقد والواجبات والفروض؛ في الأساس ليس هناك تعارض – هناك حقوق.. هناك واجبات.. هناك عطاء بين هذا الفرد وبين وطنه.. عطاءٌ متبادل بين الإنسان وبين الوطن الذي ينتمي إليه لكن لا بد أن توجه هذه العاطفة وجهةً صحيحة.

 

في المقابل أيضاً هناك من اعتبر أن قضية حب الوطن هي قضية لا مكان لها في الدين وهذا أيضاً موجود، وألغى حب الوطن وحقوق الأوطان واعتبر موضوع الوطن موضوعاً خارجاً عن الدين.. موضوعاً لا يتناسب مع الحديث عن قضايا الدين، وليس الأمر كذلك كما بينا سابقاً فيما مضى من أدلةٍ شرعية وكما سيتبين الآن في الإجابة على هذه النقطة التي ذكرتها.

 

لنأخذ قصة إبراهيم الخليل – عليه السلام -.

 

دعاء إبراهيم الخليل نقرأ منه الكثير من المعاني المتعلقة بهذا الموضوع.. عندما يقول الله تعالى على لسان إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } (إبراهيم:35).

 

 في سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } (البقرة:126).

 

هذا الدعاء من إبراهيم – عليه السلام – إنما هو دعاءٌ للوطن، ودعاءٌ بالأمن.. بسعة الرزق.. بالثمرات الوفيرة للوطن، وبتجنيب الوطن أن يوجد فيه من يفسد على الناس.. من يعبد الأصنام.. من ينحرف عن الفطرة المستقيمة.

 

أي – في مجموع الآيتين نستشف هذه الأشياء التي دعا بها إبراهيم لوطنه -.

 

لو لم تكن للوطن مكانة لما كان إبراهيم وهو خليل الرحمن يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء للمكان الذي اختاره له الله سبحانه وتعالى ليُسكن فيه ذريته).

 

 

مقدم البرنامج: نعم، وقدَّم موضوع الأمن في البداية {... بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...}

 

 

الشيخ كهلان: نعم، هذا الدعاء – كما يعرف الجميع – أنت تدعو لمن؟؟

لا تدعو إلا لمن تحب، ولا تدعو إلا لما تحب ( الدعاء بالخير.. بالأمن.. بالرزق.. بالسعة في الثمرات.. بالاطمئنان لا يكون إلا لما تحب؛ ولذلك إبراهيم الخليل دعا لمكة).

 

 هذا أيضاً يُذكرنا لو وصلنا حلقات التأريخ بعضها ببعض لتذكرنا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لجأ إلى ربه متضرعاً ودعا للمدينة وقال حتى في دعائه يذكر أن إبراهيم دعا لمكة، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك وإني عبدك ورسولك، وإن إبراهيم قد دعا لمكة وإني أدعو للمدينة بمثل ما دعا لمكة ومثله معه"، فننظر هذه الصلة بين إبراهيم الخليل وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وحتى النبي – عليه الصلاة والسلام – في دعائه للمدينة يذكر ما يكون فيه.. ما هو مدعاةٌ إلى أن يُجاب دعاؤه.

 

 

مقدم البرنامج: طيب شيخ كهلان ألا يُظن من خلال هذه السياقات القرآنية أو في الحديث النبوي الشريف أن الموضوع عبادي، بمعنى ( أن إبراهيم – عليه السلام – دعا لمكة لأنها محضن عباد الله وفيها بيت الله تعالى الحرام وإليها يحج الناس، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد أن يجعل من المدينة موطناً مشابهاً أيضاً يحج إليه الناس من خلال زيارة المسجد النبوي الشريف الذي تُشد إليه الرحال؟)

 

 

الشيخ كهلان: لا ليست المسألة بهذه الطريقة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لو كان الأمر كذلك لاقتصر في دعائه للمدينة على الجوانب العبادية الخالصة، لكن حينما نقرأ السيرة نجد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أولاً أراد لأصحابه.. لو كانت المسألة مسألة تجرد عبادي محض خالص لما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ليدعو للمدينة بما دعا به حينما قال: " اللهم اجعل في المدينة من البركة ضعفي ما في مكة من البركة"، وكذلك لما قال: " اللهم بارك لنا في مُدِّنا وصاعنا" وهو يدعو للمدينة.

 

فإذاً هو يدعو بالرزق الوفير.. يدعو بالخيرات للوطن الذي استقروا فيه.

 

 كذلك فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لو كان الأمر كذلك لما نزع وطنه من مكة المكرمة؛ لأننا نعرف مكانة مكة وأنها خير البلاد عند الله تعالى على الإطلاق ولكن النبي – عليه الصلاة والسلام – لما عاد فاتحاً كان يقصر الصلاة في مكة؛ لأنه قد تركها.. هاجر منها إلى المدينة المنورة.

 

 

مقدم البرنامج: صحيح؛ لأن الموضوع بالفعل - كما تفضلتم فضيلة الشيخ – ليس موضوع عبادة فقط إنما هو موضوع وطن أيضاً.

 

 

الشيخ كهلان: نعم.

 

 

مقدم البرنامج:  لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضاً عندما أثنى على الحبشة وانطلق إليها مجموعةٌ من المسلمين مهاجرين فارين بدينهم عندما علموا فقط خبراً هو في الحقيقة خبر كإشاعة... وليس خبراً صحيحاً أن مكة تحقق فيها شيءٌ من الأمن عادوا مباشرةً على الرغم من أن الحبشة وفَّرت لهم أرضيةً كافية لممارسة العبادة لكن المسألة ليست عبادةً فقط إنما هي وطنٌ أيضاً.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، وهذا ما قلناه من أنه لا تعارض أساساً، أي – حينما نفهم فهماً صحيحاً ندرك أنه لا تعارض -، حتى التعلق الشعوري الذي يوجد أحياناً بين الإنسان وبين الجماد في وطنه هو أيضاً موجود، أي ( نجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم - عندما قال عن أحد " أُحد جبلٌ يحبنا ونحبه" )

 

الآن نتصور أنك تحب شيئاً من الجمادات.. من المناظر الطبيعية الخلابة لكن من يعرف أُحد يعرف أولاً أنه جبل أصم أسود.. سلسلة من الجبال الشاقة، أيضاً هو مرتبط بواقعة لم يكن النصر فيها للمسلمين.. مع ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: " أُحد جبلٌ يحبنا ونحبه" ، فيشعر هذه العلاقة المتينة في داخل نفسه التي يكنها ضميره تجاه أُحد للكثير من الاعتبارات، أيضاً بما ارتبط من معاني نفسية لدى المسلمين حول أحد وما يحمله أيضاً من دلالات في نفوسهم، ولكن الغريب أيضاً أن يتمثل أن هذا الجبل يبادله نفس هذا الشعور.

 

هذا أدعى إلى الغرابة أيضاً.

 

 

مقدم البرنامج: نعم؛ ولذلك حار مفسرو الأحاديث في تبيين معنى هذا الحديث والوصول إلى عمقه.

 

 

الشيخ كهلان: نعم.. صحيح.

 

 

مقدم البرنامج: هو أيضاً موقع ونقطة حماية للمدينة.

 

 

الشيخ كهلان: حصن نعم.

 

 

مقدم البرنامج: وهو موقع استراتيجي مهم للمدينة؛ ولذلك فحبه يأتي من حب المدينة نفسها.

 

*********************

 

 

مداخلة متصل: الحقيقة رغبت من الشيخ أن يحدد الحدود الجغرافية للوطن كما يحددها الدين؛ لأنه قد تختلف عن الحدود الجغرافية المعروفة للوطن، ربما الشيخ وضع هذا في اعتباره أصلاً، فإذا كان كذلك فيمكن أن يرجئها إلى أن يحين الوقت للحديث عنها، هذا فقط من باب التذكير.

 

 

مقدم البرنامج: نحن كما قلنا في البداية هناك فاصلٌ هو تأكيدٌ طبعاً لكلامكم، ويتضمن شيئاً من الهدي النبوي الشريف نستمع إليه بإذن الله تعالى ثم نناقش أيضاً الموضوع الذي ذكره المتصل الثالث وبعض المواضيع الأخرى.

 

 

الشيخ كهلان: إن شاء الله تعالى.

 

 

أخرج الإمام البخاري وغيره عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا قدِم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته وإن كانت دابةً حركها.

 والمقصود بدرجات المدينة: طرقها المرتفعة.

 

 وأوضع ناقته: أي حملها على السير السريع.

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ المتصل الثالث طرح سؤالاً قبل الفاصل يطلب منكم الحديث فيه عن الحدود الجغرافية للوطن كما يحددها الدين.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، هو – بارك الله فيه – يريد أن يلفت الانتباه إلى هذه القضية.

 

نحن هنا لسنا في سياق رسم حدودٍ جغرافية ولا هذا من عملنا ولا هو من عمل البرنامج، وليس هو - كما أظن - مقصد الأخ المتصل، وإنما يريد أن نتعرض لقضية أنه في الأدلة الشرعية التي تعرضنا لها حتى الآن سواءً كانت من الآيات القرآنية أو من أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسيرته العطرة، وهذا ما نريد أن نقوله أن للوطن مكانةً واعتباراً في الشرع، ليس فقط في جانب الفطرة التي توجد لدى الإنسان وإنما من حيث مراعاة الشرع.. اعتبار الشرع لهذه الفطرة وتوجيهها الوجهة السليمة، ويتبين ذلك من خلال المواقف التي حكيناها عن رسل الله تعالى وأنبيائه، وهذا نجده ليس فقط لدى إبراهيم الخليل ولدى رسولنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -.

 

نجد مثل ذلك في قصة نوح.. في قصة أيوب.. في قصة موسى – عليه السلام -، نجدها في قصة لوط – عليه السلام-، أيضاً نجدها واضحة في قصة يوسف – عليه السلام- ،أي (قلَّ ما تقرأ في قصص الأنبياء وسيرهم إلا وتجد أن للوطن مكانةً في قصصهم، فالمقدار الذي نأخذه من ذلك أن هناك اعتباراَ شرعياً.. هناك مكانةً للأوطان يترتب عليها حقوقٌ وواجبات، هذه الحقوق والواجبات هي ما نحاول أن نتعرف عليها بغض النظر - صغرت هذه الحدود الجغرافية أم كبرت هي لا تغير من حقيقة الموضوع شيئاً -)، وبحسب الموضوع الذي نتحدث فيه تكون الحدود الجغرافية الشرعية – إن صح التعبير -، أي – حينما نتحدث على موضوع الصلاة.. القصر في الصلاة، مسافة القصر هي موضوع آراءٍ ونظرٍ عند فقهاء الإسلام لكن الكل متفق على أن هناك وطناً هو مستقر الإنسان، فيه تطمئن نفسه وتسكن كما يقول الشيخ السالمي – رحمه الله -:

 

ووطن الإنسان حيث يسكنُ *** وتطمئن نفسه وتسكنُ

 

ولا يخرجه منه إلا مُكره.. شيءٌ يضطره إلى الخروج منه، هذا مقدار مشترك بين أهل العلم لكن ما هي المسافة؟. ما هي الحدود الجغرافية لهذا الوطن الذي رُتِّب عليه حكم شرعي وهو القصر في الصلاة؟ هذا موضوع خلاف – كما قلت – لا يغير من حقيقة الأمر شيئا.

 

كذلك حينما نأتي إلى الزكاة على سبيل المثال ( أن الأصل في الزكاة أن تكون في أهل البلدة التي تُخرج منها الزكاة، ولا تُنقل إلى غيرها إلا إذا استغنى ذلك البلد).

 

طيب ما هي حدود هذا البلد؟؟

 

 هذا أيضاً موضوعٌ آخر تفاصيله في كتب الفقه، لكنها لا تغير من حقيقة المضمون الذي تحدثنا عنه شيئاً، فلعل في ذلك إجابة على ما طرحه المتصل الثالث في اتصاله من تساؤل.

 

 

مقدم البرنامج: بالفعل.

 

إذاً نأتي الآن أيضاً إلى سؤالٍ آخر فضيلة الشيخ وكان لي أيضاً بعض الأشياء التي تتعلق بموضوع المتصل الثالث لكن سنرجئها إن شاء الله فيما بعد .

 

 

الشيخ كهلان: أنا ذكرت أمثلة.. عندما نتحدث عن الأهلة.. عندما نتحدث عن الدفاع.. عن العقوبات.. عن غيرها ودَخْل الأوطان فيها (في كل سياق هذا الجانب الجغرافي بحسبه يكون ذلك السياق).

 

 

مقدم البرنامج: نعم، والدين أيضاً - لعل مما يدخل في موضوع المتصل الثالث – الدين يدعو إلى أن يحب الإنسان وطنه وإلى أن يحب أوطان الآخرين، بمعنى ( أنه لا يعني حبه لوطنه أن يتعدى على أوطان الآخرين.. أن يسيء إليهم فيها).

 

 

الشيخ كهلان: هناك نقطة، نعم أحسنت إذ ذكرتها.

 

 بعض الناس يجهل كيف يوازن بين (المواطنة) وبين شعوره بالانتماء للأمة، وأحياناً لا يكون...أي (نحن في البلدان الإسلامية لدينا مثلا هذا الطرح في هذه القضية – الموازنة بين المواطنة وبين حقوق الأمة -، أو عند البعض.

 

 في حين أنه – كما قدمت– أساساً لا يوجد هذا الإشكال.. ليس هناك أي تعارض).

 

أيضاً لدى المسلمين الذين يعيشون خارج الحدود المعروفة للبلاد الإسلامية هناك إشكالية المواطنة والانتماء للدين.

 

هذا موضوع آخر...

 

 

مقدم البرنامج: هذا موضوع واسع في الساحة الفكرية.

 

 

الشيخ كهلان: نعم.. نعم.

 

*********************

 

 

مداخلة متصل: أطلب من الشيخ أن يوجه نصيحة للإخوة المتقاعسين والمتكاسلين عن الواجبات المناطة إليهم.

 

فهذه تدخل في حب الوطن أيضاً ( الإخلاص في العمل من الطبيب والمدرس وجميع الموظفين).

 

 

مقدم البرنامج: هذا الموضوع الذي ذكره المتصل الرابع سيدخل في سؤال إن شاء الله تعالى، فضيلة الشيخ وإن كان موضوع الشعور بالانتماء والمواطنة يحتاج أيضاً إلى بعض التفصيل ولكن في وقتٍ آخر إن شاء الله.

 

هذا سؤال المتصل الرابع ( للوطن طبعاً علينا حقوق، وبرنامجنا " دين الرحمة – كما تفضلنا في بداية المقدمة – قبل أن نتعرف على حقوق الوطن علينا نسأل عن المدخل أو الأساس الشرعي الذي يتناول حقوق الوطن علينا).

 

 

الشيخ كهلان: أولاً قول الله تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } (الضحى:11)، فبشكرها تدوم النعم {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } (إبراهيم:7)، فليس بِدْعاً أن يتغنى المرء بحب وطنه وأن يذكر النعم التي يزخر بها وطنه؛ لأنه بذلك إن كان المقصد من ذلك شكر الله عز وجل والتحدث بنعمه وآلائه على الإنسان بذلك تدوم النعم {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ...}، ولا شك أن الشكر بحسبه، فلا يكون الشكر باللسان فقط وإنما أيضاً بأداء الحقوق والواجبات والقيام بالواجب، ونحن لازلنا نتحدث فقط عن المدخل الذي يمكننا من الحديث عن الحقوق والواجبات، فالله تعالى أيضاً يقول: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } (النحل:53).

 

إذاً حينما نتحدث عن الآلاء والنعم التي أسبغا الله تعالى على أوطاننا إنما نتحدث على ما أنعم به علينا ربنا سبحانه وتعالى حينما أخذنا بالأسباب؛ وبالتالي نحن بحاجةٍِ إلى أن نتعرف على هذه الأسباب حتى نأخذ بها أكثر فتزداد الآلاء والنعم من عند الله تعالى.

 

أيضاً ما قصه لنا الله تعالى في كتابه الكريم من قصة أهل سبأ.. أصحاب سبأ أيضاً هو مدخلٌ يدفعنا إلى أن نتحدث {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } (سبأ:15)، ثم لما قص الله تعالى لنا ما وصل إليه حال أهل هذه القرية وما آلت إليه النتيجة في ذلك أيضاً مدخل يجعلنا نفكر في حقوق الوطن علينا.. كيف يكون تعاملنا مع أوطاننا.. ما الذي ينبغي أن نأديه لأوطاننا حتى تدوم علينا نعم الله تعالى وآلائه.

 

أيضاً حينما نتأمل في ما قصه لنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه من قصة القرية.. المثل الذي ضربه {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } (النحل:112).

 

هذه الآية أيضاً مدخل.. مدعاة تجعلنا نتأمل نحن.. نستفيد من هذا المثل الذي ضربه لنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حتى نأخذ العبرة والعظة في تعاملنا مع أوطاننا.

 

هذه هي المداخل.. هذه أهم المداخل التي نتمكن من خلالها من الولوج إلى الحديث عن التكييف الشرعي لحقوق الوطن وواجباته.

 

 

مقدم البرنامج: الآن شيخ كهلان هذا الكلام الذي قاله المتصل الرابع يتضمن سؤالاً مهماً..

 

هو يلْحَظ أو يقول (ان الإنسان عندما يخلص في عمله فذلك يدل على أنه يحب وطنه، وعندما يقصر في عمله فإنه يبعث رسالةً سيئةً إلى الآخرين عن وطنه.. يدل على أنه ليس مخلصاً لهذا الوطن).

 

سؤالنا الآن هل يمكن أن نتعرف على بعض هذه الحقوق بشيءٍ من التفصيل؟؟

 

أقصد من حقوق الوطن والحقوق المتعلقة بولي الأمر والمجتمع.

 

 

الشيخ كهلان: أولاً حينما نحاول أن نتعرف من كل ما تقدم عن تعريفٍ للوطنية في هذه الظلال التي تحدثنا عنها – في ظلال دين الرحمة – يتبين أن الوطنية لا تعني فقط مجرد الشعور الدافق الذي يوجد لدى الإنسان، وإنما هي تلك المحبة – محبة الفرد لأرضه.. لوطنه.. بلده – مع قيامه بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، فالقيام بهذه الحقوق هو من الوطنية كما نفهم.

 

الوفاء بهذه الحقوق التي من أهمها – لا شك – الحفاظ على الآصرة التي تربط بين أبناء المجتمع.. التي هي آصرة الأخوة في الدين قبل كل شيء وفي الوطن بعد ذلك.

 

فإذاً الحفاظ على هذه الآصرة هي من أهم الأمور.. من أهم الواجبات التي تستتبع حب الوطن علينا.

 

الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...} (الحجرات:10)، ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – يقول: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

 

هي كما تصدق على الأمة في مجموعها تصدق على المؤمنين في أوطانهم أيضاً، فهذه الآصرة هي من أهم الروابط التي ينبغي أن يُحافَظ عليها؛ لأنها السياج الذي يحفظ للمجتمع وحدته.. يحفظ للوطن كيانه المتماسك؛ وبالتالي حينما تُقدَّم هذه الأخوة في الدين تذوب معها سائر الفوارق التي يمكن أن تكون سبباً في نتائج غير حميدة من تشتتٍ ومن تفرق، سواءً كان لأسبابٍ اجتماعية.. اقتصادية، أو مذهبية فكرية... الخ.

 

رابطة الأخوة الإيمانية هي التي جمعت بين المهاجرين والأنصار.. هي التي أيضاً ألفت قبلاً بين الأنصار أنفسهم بعد أن كانوا يتنازعون وهم أبناء عمومة لعقودٍ من الزمن، ثم جاء هذا الإيمان فخالطت بشاشته قلوبهم فإذا بهم يتحولون إلى إخوةٍ متحابين.. يسعى الواحد منهم في ذمة أخيه، ثم كذلك كان الحال بينهم عندما آووا إليهم المهاجرين.. عندما استقبلوا المهاجرين وبالتالي تماسك المجتمع، وهكذا ينبغي أن يكون الناس في أوطانهم.

 

أيضاً السعي إلى كل ما فيه مصلحة الوطن هو من حقوق الوطن علينا.

 

حينما نتذكر الآن الآيات التي قدمنا بها الحديث على موضوع البغي في الأرض ونشر الفساد هذا مما حذر منه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وجعل عقوبته من أشد العقوبات في هذا الدين لماذا؟؟

 

لأن فيه هدماً لمقومات الناس في أوطانهم؛ وبالتالي فهي مسؤولية الفرد كما هي مسؤولية الجماعة أن يسعى كلٌ منهم لأجل الحفاظ على رفعة أوطانهم، وعلى علو أقدار أوطانهم.

 

كذلك من أهم الحقوق التي نستنبطها من كل ما تقدم المحافظة على مرافق الوطن وعلى موارده.

 

نحن تحدثنا في المرة الماضية.. في الحلقة الماضية في " مقاصد الشريعة" على أن من مقاصد الشريعة.. من المقاصد التي راعاها الإسلام الضرورات والحاجيات والتحسينيات، وقلنا إن من التحسينيات هذه المرافق التي ينتفع منها الناس كافة.

 

فإذاً لا بد أن يسعى الفرد أصلاً إلى أن يحافظ عليها لأنها من المنافع العامة التي تعود على المسلمين جميعاً بالنفع، هذا إن لم يكن قادراً على أن يشارك في بنائها وفي تشييدها – سواءً كان ذلك بالعمل التطوعي المباشر أو كان بالأوقاف الخيرية التي يعم نفعها للمجتمع، وكم رأينا من نماذج رائعة في تأريخنا الإسلامي لهذا النوع من الأوقاف التي يعود خيرها ونفعها للأجيال المتعاقبة من الناس في المجتمعات – أو إن لم يستطع هو ذلك فلا أقل من المحافظة على هذه المُقدَّرات.. المحافظة على هذه الموارد.

 

 

مقدم البرنامج: وهي واجهة حضارية أيضاً يفتخر بها ويعتز، كما أنها توفر له الكثير من الاستقرار والراحة.

 

 

الشيخ كهلان: نعم هذا كلام سليم وهو – كما قلنا – مُستَنبطٌ من كل الأدلة التي تعرضنا لها.

 

تعرَّض الإخوة لموضوع الدفاع عن الوطن والحرص على كل ما فيه صلاح هذا الوطن وصلاح أهله.

 

من ضمن حقوق الوطن علينا أيضاً النصح لأهله، والنصح إنما يكون بحسبه، أي - بحسب ما يحتاج إلى نصح، وأيضاً بالأسلوب الذي يؤدي إلى المنفعة.. إلى الخير – كالتعبير الذي استعملناه سابقاً بما يسمى الآن بـ "النقد البناء" الذي يُقصد منه الخير، ويأتي من بابه ومن طريقته -.

 

يدخل في هذا موضوع التقيد بالأنظمة التي فيها صلاح الناس جميعاً، حتى الأنظمة المرورية فإن المحافظة عليها هي أيضاً من صميم حقوق الوطن لماذا؟؟

 

لأن الإهمال فيها يؤدي إلى إزهاق الأرواح.. إلى استنزاف الثروات المالية.. إلى هدر الكثير من الموارد لماذا؟؟

 

لأن التفريط كان في شيءٍ قد يراه بعض الناس شيئاً يسيراً وهو أنظمة المرور، وقد لا يحسب أيضاً بعض الناس أن المحافظة على ذلك هي من صميم هذا الدين.

 

يظن أنها أمور تعورف عليها في المجتمع فقط ولا دخل للثواب والعقاب فيها، وليس الأمر كذلك.

 

طالما الأمر يؤدي إلى إزهاق أرواح وإلى استنزاف أموال كان ينبغي أن تُصرف في البناء والتشييد وفي موارد أخرى فإذاً لا ريب أن للثواب والعقاب دخلاً في هذا الموضوع.

 

 

مقدم البرنامج: هي ليست مصلحة مُرسلة فقط بل هي مصلحة مُعتبرة شرعاً.

 

 

الشيخ كهلان: معتبرة شرعاً نعم.

 

 

مقدم البرنامج: نعم لها أدلتها، والإنسان مطالَب أن يتقيد بها وكأنها جزءٌ من دينه لا ينفصل.

 

 

الشيخ كهلان: كذلك مما يتصل بهذا – والحديث ذو شجون قد لا ينتهي- لكن نحن نضع  عناوين، وأحسب أنها ستكون إن شاء الله تعالى كافية للكثير من الموضوعات التي يمكن أن ترد على أذهان الإخوة والأخوات المستمعين – لكن من الأمور المهمة أيضاً الحد من الإشاعات والفتن ومنع العصبيات والخلافات التي يمكن أن تُفرق أبناء المجتمع، فهذه أيضاً من ضمن حقوق الوطن علينا، فبمقدار ما نحن مطالبون بالبناء نحن علينا مسؤولية أن نمنع كل ما يؤدي إلى الهدم، ومن ذلك الإشاعات بطرقها وأنواعها.. التصدي للفتن التي يمكن أن تفت في وحدة المجتمع هي أيضاً من صميم هذا الدين، هذا كله يرد في جملةٍ من الاعتبارات الشرعية وأهمها قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ...} (النساء:59).

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ الموضوع الذي ذكره المتصل الرابع الحقيقة له وجاهته وله اعتباره؛ لأن أي وطن يُعرف من خلال أهله.. يوصف بأعمال أهله إن كان خيراً وإن كان – والعياذ بالله – شراً، فأهله هم الذين يظهرون صورته للآخرين.. هم الذين يبعثون رسالةً عن أوطانهم للآخرين.

 

*********************

 

 

خاتمة الحلقة

 

 

مقدم البرنامج: نستمع لهذا الفاصل الذي يتحدث عن بلدنا "عُمان" ، وكيف عُرف أهلها عند النبي – صلى الله عليه وسلم – بسماحتهم ولطفهم مما يؤيد كلامنا هذا.

 

 

روى الإمام مسلم في صحيحه تحت عنوان " باب فضل أهل عُمان" من طريق جابر بن عمرو الراسبي قال: سمعت أبا برزة يقول: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجلاً إلى حيٍ من أحياء العرب فسبوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك".

 

 

مداخلة متصل: طلَبنا حقيقةً من فضيلة الشيخ أن يوضح لنا ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – الحديث " من أصبح آمناً في سربه، معافاً في جسده، عنده قوت يومه كان كمن حيزت له الدنيا بحذافيرها"، فنود توضيح لهذا الحديث وما يعايشه الإنسان في هذا الوطن الغالي من نعمة الأمن والسلامة، وتوفر الخدمات الصحية في هذا البلد العزيز، وكيف أن هذا الحديث أيضاً يزيد من الإنسان حباً لوطنه وارتباطاً بالمقارنة مع الأوطان الأخرى والبلدان الأخرى التي تنعدم فيها نعمة الأمن والسلامة وكذلك قلة فرص العمل مثلاً.

 

فأردنا توضيح لهذا الحديث من فضيلة الشيخ، وجزاكم الله خيرا.

 

 

مقدم البرنامج: نحن كان لدينا طمعٌ أن يكون هناك تعليقٌ على الحديث الذي استمعنا إليه قبل قليل في الفاصل وهو يصف أهل عُمان بالسماحة واللطف، واستقبالهم للغريب وعدم إيذائهم للآخرين ولا يمنع أن نستمع أيضاً إلى تعليقكم على كلام المتصل الأخير لتمزجوا إن شاء الله بين الجانبين.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، كلام الأخ الكريم كله يجيب على سؤاله..

 

البرنامج كله تعليقٌ وشرحٌ لهذا الحديث الذي ذكرنا هو به – بارك الله فيه-.

 

أي (كل ما ذكرناه من النعم والآلاء التي في مقدمتها الأمن، ومن الحقوق التي علينا في أن ندعوا أيضاً لأوطاننا بالأمن وسعة الرزق والخيرات والبركات، ولا يتحقق القيام بهذه الحقوق إلا بالصحة وبأن يكون الناس أقوياء في أبدانهم.. أقوياء في عقولهم وتفكيرهم، الذي أشار إليه الحديث "...معافى في بدنه..."

 

"...معه قوت يومه..." سعة الرزق لدى الناس، "...فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"

 

فإذاً حديثنا المتقدم كله في الحقيقة هو يدور حول معاني هذا الحديث الذي ذكرنا به المتصل الأخير.

 

حتى الحديث الذي استمعنا إليه في الفاصل عن فضل أهل عُمان، وقد وردت أيضاً جملةٌ أخرى من الأحاديث التي تؤكد هذا المعنى وتعرضنا لطرفٍ منها في هذا البرنامج، لكن تعليقنا باختصار على ذلك أن هذه الصفات التي أشار إليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي من الصفات والسمات التي عُرفت عن أهل عُمان قديماً، هذه الصفات التي منها – كما أشرت – الحكمة والتعقل الذي وصف بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أهل عُمان حينما قال: " لو أهل عُمان أتيت ما رموك ولا سبوك" .

 

الحكمة.. التعقل.. وزن الأمور بالميزان الصحيح.. حسن معاملة الآخرين.. الأخلاق الفاضلة التي كانوا عليها، وشهد بهذا جملة كما يقول القرطبي في تفسيره أنه قال: فإن أهل عُمان من ألين الناس قلوباً وأوسعهم عاطفة.

 

هذه الصفات ينبغي أن تنمَّى ونحن نتحدث عن حقوق الأوطان، تشترك في ذلك الأسرة.. المدرسة.. المسجد.. الإذاعة.. الإعلام بمختلف وسائله (المقروء والمسموع والمرئي).

 

 أيضاً كل ما تقدم فيما مضى مما تحدثنا عنه نحن هنا من صلة الأرحام.. من الأخلاق.. من جوانب اجتماعية.. من جوانب فيها دعوة إلى حسن الخُلق كلها تؤدي إلى أن يقوم المرء ببعض حقوق الوطن عليه.

 

أيضاً النصح البنَّاء.. سعة الصدر في التعامل مع الآخرين.. عدم التعصب للآراء إلى آخر هذه المجالات كلها من حقوق الوطن.

 

 

 

انتهت الحلقة