طباعة
المجموعة: برنامج دين الرحمة
الزيارات: 1781

عنوان الحلقة " تابع حقوق المسنين"

 

 

مقدم البرنامج: أعزائي المستمعين أهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد من برنامجكم المتجدد "دين الرحمة".

 

في حلقة اليوم سوف يمتد حديثنا إن شاء الله تعالى عن حقوق المسنين، وما يجب على الفرد والمجتمع تجاههم.

 

ولربما هذا هو الإطار العام وإلا فإننا سوف نتحدث أيضاً عن احترام الكبير بشكلٍ عام.

 

الكبار هم تلك الفئة التي ظن بعض الناس أنها قد أنهت دورها في الحياة، وما تبقى لها إنما هو لحظات انتظارٍ للرحيل، أو هي استراحةٌ ليس بعدها نشاط.

 

وظن بعض أفراد هذه الفئة أن دورها أيضاً قد انتهى، وليس عليهم فوق ما قدموا شيء، وعلى كل من يلتف حولهم أن ينحني لخدمتهم.

 

فهل هذه الصورة بالفعل كما يظن هؤلاء وهؤلاء؟؟

 

هل هكذا تكون الصورة، أم لا يزال مبدأ لك وعليك قائماً؟؟

 

وهل هو بنفس الكيفية التي يتعامل بها قويٌ مع قوي، أم تغيرت لتتلاءم مع كل مرحلةٍ بما يناسبها؟؟

 

كل هذا سوف تستمعون إليه بإذن الله تعالى من فضيلة الشيخ الدكتور " كهلان بن نبهان الخروصي" الذي يواصل معنا الحديث عن حقوق المسنين.

 

*********************

 

 

مقدم البرنامج: نحن كنا قد وعدنا المستمعين الكرام عموماً أن نتحدث عن الصبر، فلماذا لجأنا إلى هذا الموضوع مرةً أخرى، ورأيتم أن يمتد الحديث فيه؟؟

 

هل هناك عناصر أخرى سنتناولها لم نتناولها في الحلقة الماضية؟؟

 

 

الشيخ كهلان: نعم فقد وعدنا في آخر حلقة الأسبوع الماضي أن يكون موضوع الحديث الصبر في الإسلام، ولكن تلقينا في الحقيقة عدداً من الاتصالات ومن الطلبات من الإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج – بارك الله فيهم - يُبدون فيها رغبتهم في أن نواصل الحديث حول هذا الموضوع، فصادف أننا كنا لم نغطِّ أيضاً في حوارنا سويةً هنا بعض النقاط التي كنا أعددناها، فاجتمعت رغبتهم مع ما تبقى لدينا أيضاً من نقاط وعناصر يمكن أن نتعرض لها؛ فأرجأنا موضوع الصبر إلى الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى، ويسر الله سبحانه وتعالى أن نواصل الحديث في هذا الموضوع الهام، ونتوقع بمشيئة الله تعالى أن تكون هناك مشاركاتٌ أخرى تُغني هذه الحلقة.

 

فهناك فسحةٌ أكبر اليوم للمستمعين والمستمعات الأكارم لكي يدلوا بآرائهم ومشاركاتهم ورآهم في هذا الموضوع الهام الذي هو " توقير الكبير"، أو " حقوق المسنين" بشكلٍ عام، وأما العناصر التي أعددناها نحن لهذا البرنامج فإن من أهم العناصر التي سوف نتعرض لها بيان بعض الجوانب العملية التي أولاها الإسلام للمسنين – سواءً كان ذلك من الأخلاق والذوق الرفيع الذي أرشد إليه هذا الدين الحنيف، أو كان ذلك أيضاً من تخفيفٍ في بعض العبادات والفرائض، أو كان ذلك أيضاً بتشريعاتٍ تتناول المسنين في حقوقهم المادية والمعنوية -، وإن كنا قد تعرضنا أيضاً في الأسبوع الماضي إلى ما ينبغي أن يعامل به المجتمع المسنين، وكيف يمكن أن يقدم لهم حقوقهم فسوف نخص المسنين أنفسهم اليوم أيضاً ببعض ما يُخاطبون به، أو سوف يكون خطابنا للمسلم بشكلٍ عام.. للفرد كيف يمكن أن يهيأ نفسه أيضاً لمرحلة التقدم في العمر.. لمرحلة الكبر (ما الذي يخاطَب به)، فإذا تقدم به العمر ما هي الحقوق التي ينبغي أن يراعيها هو أيضاً للآخرين – كما أشرتم جزاكم الله خيراً في المقدمة أيضاً - مبدأ لك وعليك، ونريد مشاركات في هذا الجانب أيضاً.

 

هل هناك رسائل ونصائح – رسائل محبة لا شك، ونصائح المُودِّ التي يريد المستمعون الأكارم أن يبلغوها إلى المسنين-؟؟

 

هذه نوافذ البرنامج مفتوحة لهم حتى يُبلِّغوا هذه الرسائل.

 

 

مقدم البرنامج: وهناك فئاتٌ كثيرة في المجتمع هي لصيقة الصلة بهذه الفئة – فئة الكبار-، ولربما كان لبعضهم تجارب كثيرة مع المسنين، وما هي الأدوار التي قام بها معهم، وماذا قدم وماذا أخر؟؟

 

قصصٌ واقعية أظن أننا سنحصل عليها أيضاً إن شاء الله في هذه الحلقة.

 

*********************

 

 

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (غافر:67)

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ بعد أن استمعنا إلى هذه الآية الكريمة نريد أن نتعرف الآن أكثر على الجوانب العملية للحقوق والرعاية التي أولاها الإسلام للمسنين.

 

أو بمعنى آخر كيف راعى الإسلام عموم المسنين؟؟

 

 

الشيخ كهلان: أولاً نحن استفتحنا بهذه الآية الكريمة للتأكيد على ما ابتدأنا به أيضاً هذا الموضوع في الأسبوع الماضي وهو التذكير بأن إنساء الله تعالى للناس في أعمارهم هو نعمةٌ من النعم التي ينبغي أن يشكر الإنسان عليها ربه تبارك وتعالى، فحينما يكرم الله تعالى عبداً من عباده بإطالة عمره فإن هذا الإنسان عليه أن يقابل هذه النعمة بشكرها، وشكرها إنما يكون بالإنابة إلى الله عز وجل، وبالإقبال عليه، وبالإكثار قدر المستطاع من الطاعات والنوافل، وبتدارك ما لعله قد قصر فيه في سالف أيامه وفي أيام شهواته وفي أيام شبابه، ذلك أن التقدم في السن هو في الحقيقة علامةٌ على الوقار، وعلى انطفاء جذوة الشهوات، وعلى اشتعال وميض الحكمة والعقل لدى هذا الإنسان؛ ولذلك كان مظنةً للعمل الصالح وللتوبة وللتهيؤ للحياة الآخرة.

 

والله عز وجل جعل هذا التقلب في أطوار الحياة جعل فيه مُعتَبراً لهذا الإنسان، ومن شأن ذوي الألباب أن يعتبروا بهذه الأطوار التي يمرون بها، فلو كانت حياة الإنسان كلها شباباً لطغى هذا الإنسان وتكبر.

 

 لو كانت كلها قوةً وصحيةً وعنفواناً لما اعتبر وما ادكر هذا الإنسان، ولكن هذا التقلب مع التذكير - كما في هذه الآية الكريمة من سورة غافر، وكما نجد هذا المعنى أيضاً في أوائل سورة الحجر - هذا التقلب أولاً التذكير بأن خلق هذا الإنسان إنما كان من تراب، ثم من نطفةٍ مهينةٍ مرت بمراحل حتى أخرج الله تعالى تلك العلقة من تلك النطفة المهينة لتكون طفلاً بعد ذلك وتتدرج السنون مع هذا الطفل.. يشتد عوده، وتنمو ملكاته، وتتسع مداركه حتى يبلغ أشده، ثم بعد ذلك يتحول إلى مرحلة الشيخوخة، ثم بعد ذلك إن أنسأ الله تعالى له في العمر ليبلغ أجله المحتوم، ومنهم من يتوفى قبل ذلك، ومنهم من ينسأ له حتى يُرد إلى أرذل العمر.

 

ويختم الله عز وجل هذه الآية بقول في آخرها {...وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

 

يخاطب الناس بدعوتهم إلى الاعتبار.. إلى إعمال عقولهم في التفكر في هذه المراحل وهذه الأدوار والأطوار التي يمرون بها؛ لأن فيها مُعتَبَراً وفيها ذكرى لا ينبغي للعاقل أن يفوتها، وأن يجعل حياته هكذا تمر سداً.

 

إذا لم يكن في مرور الليالي والأيام عبرةٌ وعظةٌ لهذا الإنسان فبماذا يمكن له أن يعتبر ويتعظ؟؟!

 

من لم تفده عبراً أيامُهُ *** كان العمى أولى به من الهدى.

 

فإذاً نحن استمعنا إلى هذه الآية الكريمة لنؤكد على هذا المعنى، ولكي ندعوا أنفسنا وندعوا إخواننا إلى إدراك هذه الحقيقة، وهي حقيقةٌ لا يتمارى فيها اثنان، ولا يمكن أن ينكرها أحد، وكل الشواهد قائمةٌ على صحتها؛ لأنها تحكي حقيقة هذه الحياة، ولو لم تكن هذه الحقيقة أساس هذه الحياة لما وصلت الحياة إلينا.

 

أما ما سألتَ عنه فسوف أدخل مباشرة في بعض الحقوق التي أولاها الإسلام بالمسنين، وأبدأ بنقطة أنا أشرت إليها في المقدمة وهو موضوع التخفيف ( تخفيف بعض الأحكام الشرعية) فالله تعالى راعى المسنين في صيامهم ولذلك قال: {... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ...} (البقرة:184) وكلام أهل العلم من المفسرين ومن أهل الفقه هنا أن المقصود هم الذين تقدم بهم العمر وضعف حالهم عن الصيام فلا يقدرون على الصيام فإن الله تعالى قد وسع لهم في أن يدفعوا فديةً عن كل يوم بدل صيامهم، فهذه توسعةٌ من الله سبحانه وتعالى ثم إننا نجد هذا التخفيف في دين الرحمة أيضاً للمسنين في أحكام الكفارات، فخصال الكفارات في كثيرٍ من المناسبات وفي كثيرٍ من الموجبات للكفارة يُراعى فيها قدرات الناس، في كثيرٍ منها تكون الكفارة على الترتيب فيُبدأ بالأشد – الأصعب – كصوم شهرين متتابعين، لكن ليس كل الناس يستطيع ذلك فمن كان غير قادرٍ على صيام شهرين متتابعين فإنه سوف ينتقل إلى خصلةٍ أخف وهي الإطعام، وهناك أيضاً العتق.

 

هناك خصال في هذا الشرع الحنيف.. نجد فيها أن ربنا تبارك وتعالى أكرمنا بها مرعاةً لأحوالنا وظروفنا، وخصال الكفارات هذه في الحقيقة حتى في أسباب النزول حينما نتأمل في كفارة الظهار هي في الحقيقة نزلت في شأن شيخٍ مسن، أي ( خولة بنت ثعلبة حينما جاءت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حينما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت وهو شيخ مسن فجاءت تُجادل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولذلك سميت سورة المجادِلة بالنظر إلى المرأة وهكذا هو الأشهر في اسم السورة...).

 

 

مقدم البرنامج: بالكسر.

 

 

الشيخ كهلان: نعم بالكسر، أو على اسم الفاعل.

 

رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعدما أُنزل عيه القرآن ( الآيات الثالثة والرابعة من سورة المجادِلة) لتبين خصال الكفارة الواجبة على المُظاهر قال لخولة: مريه فليعتق رقبة.

خولة نفسها سألت التخفيف عن زوجها، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فليصم شهرين متتابعين.

 

فقالت: والله إنه شيخٌ كبير - وهكذا يكون التشريع يستوعب الحالات جميعاً - فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فليُطعم ستين مسكيناً، فنجد هذا أيضاً مُراعاً ليس فقط في كفارة الظهار بل يكاد في كل الكفارات.

 

فإذاً هناك مراعاة حتى في الأحكام الشرعية.. في الفروض والواجبات.

 

 هناك مراعاة للمسنين من حيث تجنيبهم ويلات الحروب.

 

فمن أخلاق الحروب في الإسلام أن يُجنَّب المسنين القتل، ونجد في وصايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: - أي كان يوصي أصحابه وقادة جيشه – "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً..."

 

أول ما يبدأ به أنه يُذكرهم بأن لا يقتلوا شيخاً فانياً، ونحن نعلم أن الغزوات الأولى كانت مع مشركين، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينهى أصحابه من أن يقتلوا شيخاً فانياً من المشركين، وكذلك الحال "ولا طفلاً صغيراً ولا امرأةً، ولا تغلوا، وأصلحوا وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين" .

 

هذه الوصايا نجدها أيضاً في وصايا الصديق – رضي الله عنه – أيضاً لقادة جنده.

 

نجدها في وصايا الخليفة العادل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-.

 

أيضاً تتكرر نفس هذه الوصايا في الأئمة والخلفاء من بعدهم.

 

كتب الدكتور محمد علي البار كتاباً قيماً درس فيه وصية الإمام الصلت بن مالك في الجيش الذي بعثه لتحرير جزيرة سقطرى، وبين أن الوصية من الإمام الصلت بن مالك لجيشه ولقائد  جيشه هي من أرقى المواثيق الدولية التي يحتاج العالم اليوم لكي يستمد منها دساتير حقوق الإنسان ومعاملة الأسرى ومعاملة المحاربين وغير ذلك؛ لأن من ضمن وصاياها تجنيب غير المقاتلين من الشيوخ والأطفال والنساء ورجال الدين من الرهبان والقسس وغيرهم الحروب قدر المستطاع.

 

 

مقدم البرنامج: وهي مُستوحاة من السيرة الأولى للمسلمين.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، هي امتداد لما كان عليه – رسول الله صلى الله عليه وسلم – ولما وصى به أصحابه وقادة جيشه.

 

أما غيرها من الأحكام فإننا ذكرناها في الحلقة الماضية مما ورد نصاً من توقير الكبير، ومن تقديمه، كما في الحديث " من إجلال الله عز وجل إكرام ذي الشيبة المسلم".

 

هذه الحقوق المعنوية، أو هذا الذوق الرفيع في التعامل مع المسن، أو مع من هو أكبر سناً حتى ولو لم يصل إلى سن الشيخوخة أصلاً وإنما هو أكبر سناً – كما ذكر أيضاً الإخوة المشاركون في مداخلاتهم – فإن من حقه الإكرام والتوقير، فضلاً عن الانتفاع من خبراته ومن رأيه الذي محصته التجارب، والذي عركته الأيام فتولدت – لا شك – الحكمة والخبرة التي يحتاج إليها كل جيلٍ جديد.

 

 

مقدم البرنامج: إذاً معنى ذلك أن المرحلة العمرية المتأخرة التي يصل إليها الإنسان هي مرحلة عظة وتفكر وتدبر.

 

والإنسان كلما تقدم به العمر – كما تفضلتم فضيلة الشيخ – يحتاج إلى وقفةٍ متأنية مع نفسه وما يقدم في هذه المرحلة، وفي هذا العمر المتبقي.

 

*********************

 

 

مداخلة متصل: أردت أن أمر على النقاط التي ذكرتها في الحلقة الماضية سريعاً إن أذنتم لي.

 

كما قلنا فضيلة الشيخ أن عند سماع لفظة الكبير يتبادر إلى الذهن أنه المسن ولكن حتى الذي يكبرنا بيوم نحن نتحاج إلى أن نحترمه.. نحتاج أن نقدره، فإن هذا – كما يقال – غذاء تربوي.

 

 فلو فقدنا هذا الجانب من الاحترام والتوقير والتقدير للكبير لفقدنا جانباً كبيراً من عملية الحياة ذاتها.

 

رسول الله – صلى الله عيه وسلم – في حديثٍ لم يتعرض إليه إلى الآن فضيلة الشيخ ولكن قد يذكرني إذا نسيت بعضه، حديث الإمامة في الصلاة فضيلة الشيخ.

 

 

الشيخ كهلان: " فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة".

 

 

المتصل: هذه واحدة لكن الإمامة في الصلاة من ناحية أنه "ليؤم القوم أكبرهم"

 

 

الشيخ كهلان: " فإن استووا في القراءة فأقدمهم هجرة" أي الأكبر سناً.

 

 

المتصل: أيضاً توجد رواية فيها أكبرهم أم أنا مخطئ؟؟

 

 

الشيخ كهلان: توجد نعم.

 

مقدم البرنامج: على كل حال أخي الكريم في الحلقة الماضية تحدثنا عن موضوع "كَبِّر كَبِّر"، فحتى في موضوع الصلاة وفي موضوع الشرب وغيرها من الأشياء فالكبير يقدم على كل حال.

 

 

المتصل: طيب.

 

فإذاً كما قال الشيخ كهلان أن الكبير مُقدَّم الاحترام في الإسلام.

 

النقطة الأخرى التي أردت التحدث فيها أن توقير الكبير لا يعني موافقته على الخطأ، لكن نقدي للكبير لا يكون بنفس طريقة نقدي لمن هو أصغر مني، لذلك ينبغي للإخوان أن يكونوا على بينة من هذا الأمر، فقد أكون أنا مثلاً في بعض الأحيان ليناً للكبير حتى أمتص بعض الاعتراضات التي قد تطرأ منه تلقائياً لأني أنا أصغر منه، فالاحترام مطلوب حتى أثناء النقد، وإن كان الاحترام مطلوب على الإطلاق لكن صيغته مع الكبير تختلف عن صيغته مع الصغير.

 

مقدم البرنامج: هذا في الأمور العلمية والفقهية وغيرها مثلاً.

 

 

المتصل: هي بشكل عام حتى في الخبرة بعض الأحيان أخي الكريم.

 

بعض الأحيان خبرة الكبير في مجالٍ ما إن أردنا تغييرها لا بد أن نغيرها بالهوينى.. بطريقة سلسة، ولا بد أن يكون فيها احترام وتَفهُّم لتعلق ذاك الكبير بتلك الفكرة.

 

وبعض الأحيان الكبير الذي لا يقرأ تكون لديه خبرة أكبر من الذي يقرأ، والشيخ كهلان يعرف عن الرجل السمائلي صاحب الميراث.

 

 

 

الشيخ كهلان: نعم الفرضي.

 

المتصل: هذا صاحب فقه... ذكرني فضيلة الشيخ.

 

الشيخ كهلان: المُهذّب، هو أستاذ صاحب المهذب، يُعرف بـ " الجبَّاع".

 

 

المتصل: نعم، وهذا الرجل لم يكن قارئاً لكن بخبرته، وسنين خبرته مع ما أنعم الله به عليه كان فاهماً عارفاً؛ حتى خرَّج هو – كما قد يحدثنا الشيخ كهلان لاحقاً عن هذا – علماء، وخرج فقهاء كتبوا عنه بعض المسائل، فالإنسان قد لا يكون قارئاً ولكن بنعمة الله قد يكون خبيراً.

 

نقطة أخيرة أود أن أذكِّر بها – كما قلت – احترام الكبير في السن يستأنس به من احترام الكبير في الوظيفة وفي المقام، لذات الوظيفة، ومن ارتباط الشخص بالوظيفة من ذلك الله سبحانه وتعالى يقول: – كما ذكرنا في المرة الماضية - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ...} (الحجرات:2) لأن عملية التعود على رفع الصوت على الكبير.. عملية التعود على عدم تقدير الكبير، أي – تقدير السن الذي مر به من كان سبقنا في السن -، عملية التعود على أن نكون بين آبائنا كما نكون بين بعضنا تؤدي في النهاية إلى الترهل الذي يؤدي في الخاتمة إلى غياب الكبير تلقائياً عن ذلك الإنسان الذي لا يتعامل مع الكبير المعاملة الصحيحة، وبالتالي في النهاية عندما يكبر وهو لا يشعر بالفرق.

 

 

مقدم البرنامج: الآن فضيلة الشيخ نناقش النقاط التي طرحها الأخ المتصل.

 

 

الشيخ كهلان: نحن نشكره بارك الله فيه لكن أنا لي تعليق على موضوع الإمامة في الصلاة.

 

الروايات والأحاديث التي جاءت بتقديم من هو أحق بالإمامة، مثلاً رواية مسند الإمام الربيع قال: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأكبرهم سناً".

 

فإذاً الحقيقة بمثل هذا اللفظ أيضاً وُجد هذا الحديث عند الإمام مسلم وعند أبي داوود والترمذي وغيرهم.

 

 

مقدم البرنامج: أي السن هنا أُعتبِر في النهاية.

 

 

الشيخ كهلان: نعم أُعتبِر في النهاية، لكن الأحق ابتداءً هو أقرؤهم لكتاب الله؛ وبالتالي كان هذا من ضمن نقاط التي أنا أريد أن أرجئها إلى ما ينبغي للمسن أن يدركه من حقوقٍ للآخرين.

 

فإذاً هو أن يكون أكبر من غيره لا يعني بالضرورة أن يكون أحق من غيره بالتقدم في مثل هذه الأمور الدينية كإمامة الصلاة مثلاً.

 

 

مقدم البرنامج: وحتى الدنيوية أظن فضيلة الشيخ.

 

 

الشيخ كهلان: وحتى في الأمور الدنيوية، وهذا سيُسلمنا إلى أيضاً نقطة أخرى ذكرها الأخ المتصل وأنا على ثقة أنه لا يقصد موضوع الكِبَر في الوظيفة لكن دعنا ننتهي أولاً من قضية الإمامة في الصلاة.

 

فإذاً حتى تكون المسألة واضحة هناك اعتبار للسن حينما تتساوى في الموجودين الشروط التي على أساسها يقدم الفرد أو يصلح أن يكون هو الإمام للصلاة.

 

هذه الشروط لا تبدأ بالسن، تبدأ بالقراءة لكتاب الله عز وجل، فمن كان أقرأ لكتاب الله - واختلف هل القراءة بمعنى التلاوة أو العلم بكتاب الله عز وجل، وفي كل الأحوال لا بد أن يكون فقيهاً ملماً بما تحتاج إليه إمامة الصلاة، وما تحتاج إليه الصلاة من فقه-، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأكبرهم سناً.

 

 

مقدم البرنامج: أقدمهم هجرة هل هذا البند لا يزال قائماً؟؟

 

 

الشيخ كهلان: لا طبعاً، هذا كان في المهاجرين.. في شأن المهاجرين من تقدمت هجرته كان أحق حينما يتساوى أيضاً في القراءة لكتاب الله والعلم بالسنة يكون الأحق هو الأقدم هجرة، ثم يأتي بعد ذلك موضوع السن.

 

 

مقدم البرنامج: يتحول مباشرةً إلى السن.

 

 

الشيخ كهلان: نعم يكون بعد ذلك موضوع السن.

 

رواية الإمام مسلم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سِلماً" – أي من دخل في الإسلام قبلاً – ولم يذكر موضوع السن لكن شرَّاح الحديث ذكروا هذا الاعتبار حينما تتساوى باقي الشروط.

 

 

مقدم البرنامج: إذاً هذا على سبيل الأفضلية وليس على سبيل الشروط.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، أما الشروط الأولى: القراءة والعلم بكتاب الله عز وجل وبسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي الشروط التي تؤهل الفرد لكي يكون إماماً للناس في الصلاة؛ لأن هذه وفادةٌ إلى الله عز وجل، لكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيمن يلي، أي – فيمن يكون خلف الإمام – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " ليلني ذوي الأحلام منكم".

 

مقدم البرنامج: والنُّهى.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، وهو يقصد بذوي الأحلام العقلاء.. ذوي الحجا والعقول الوافرة، وهؤلاء غالباً ما يكونون الأكبر سناً.

 

أما موضوع الوظيفة نحن هنا نتحدث عن قضية الأكبر سناً، أي – حقوق من تقدمت به العمر -، وهذه الآيات والأحاديث التي ذكرناها هي في هذا الشأن.

 

أن يُقاس على ذلك أن هناك حقوقاً لمن هو أكبر وظيفةً وأكبر ولايةً هذه لها مداخل أخرى غير السن، لكن ما يخص السن هنا لو جرَّدنا المسألة من أية اعتباراتٍ أخرى فنقول بأن على من كان أعلى منصباً وهو أصغر سناً أن يراعي من هم دونه منصباً لكنهم أكبر منه سناً.

 

واضح هذه المسألة؟؟

 

 

مقدم البرنامج: ممكن تزيدنا توضيحاً.  

 

 

الشيخ كهلان: أي أننا عندما نتحدث عن موضوع السن نعم نقول بأن من كان له ولايةٌ عامة – وذكرنا هذه في أكثر من مناسبة – من كانت تحته ولايةٌ عامة.. من كانت تحته مسؤوليةٌ كبرى فهو أحق بالاحترام، وأحق لأن المسؤولية التي تحته والولاية التي لديه أهلته لأمانةٍ كبيرة استأهل عليها أن يحظى بتقديرٍ واحترامٍ من الناس، لكن هذا هو مدخل الاحترام والتوقير في مثل هذه المواضع، أما قضية السن وعلاقته بالوظيفة فهنا الخطاب يكون لمن كان أعلى منصباً أو أكثر ولايةً أو كان أقل منصباً وأضيق ولايةً ومسؤولية أن يراعي اعتبارات السن.

 

بمعنى أنه إذا كان في منصبٍ أعلى وهناك موظفون أكبر منه سناً وإن كانوا أقل منصباً عليه أن يراعيهم في تكليفه إياهم.. في مخاطبته لهم.. في الجوانب التي هي من صميم العمل ومن صميم الوظيفة والإدارة وغيرها، هذا شيء، لكن هذا لا يلغي حقوق التوقير والاحترام ومراعاة عامل السن.

 

هذا ما ندعوا إليه حتى يسود الوئام بين الناس، ومن جهة أخرى من كانوا أكبر سناً وأقل منصباً هنا عليهم أن يراعوا ما يشير إليه الأخ المتصل في اتصاله من قضية مراعاة صاحب الولاية الأكبر أو المنصب الأعلى.

 

 

مقدم البرنامج: وهذا أدعى إلى نفي الحسد وغيرها من الضغائن الأخرى التي تنشأ من عدم الاحترام.

 

 

الشيخ كهلان: بالضبط .. تماماً .. أحسنت.

 

 

مقدم البرنامج: هناك نقطة أخرى أخيرة ذكرها الأخ المتصل نريد أن نناقشها أيضاً في موضوع التعامل مع الخطأ.

 

قد يخطئ الكبير ولكن كيف يتعامل معه من هو أصغر منه سناً إذا لم يوافقه على ذلك الرأي الذي أتى به، أو أراد أن يصحح عليه خطأه؟؟

 

الطريقة التي يتبعها في هذا.

 

 

الشيخ كهلان: هو أشار-وكانت نقطة هامة- إلى أنه ينبغي استيعاب هذا الأكبر سناً، فحينما يوجه إليه نصحٌ ما، هذا النصح ينبغي أن يُغلَّف بثوبٍ أكثر أدباً.. أن يكون التأدب مع الأكبر والعبارات التي تُستخدم.. الألفاظ والجمل التي يسوقها وهو في موضع العتاب أو النقد أو النصيحة ينبغي أن تكون منتقاةً.. أن تكون مختارةً.. متناسبةً مع هذا الفارق السني، وذكرنا نحن في الحلقة الماضية من خلال مشاركات الإخوة الذين اتصلوا قصة إبراهيم – عليه السلام – مع والده.

 

هذا الخطاب.. الخطاب الحاني الذي كان يصدر من إبراهيم – عليه السلام – خليل الرحمن لأبيه المشرك فيه من العبر والعظات، وفيه ما يدعو الناس إلى التأمل في كيفية مخاطبة الآخرين حتى وإن كانوا على خطأٍ واضح لا يحتمل أي صواب، فإن أسلوب المخاطبة والتوسعة عليهم وإقامة الحجة التي يفهمون هي من أدب الحوار الذي ينبغي أن يُراعى، وهذا لا يكون بالضرورة مع من هم أصغر سناً؛ لأن الفارق العمري والاعتبارات التي ذكرناها غير موجودة مع من هم أصغر سناً، وإن كان لا ينبغي أن يخرج عن أخلاق وأدب الحوار التي طالما تحدثنا عنها.

 

 

مقدم البرنامج: في الحقيقة إذا كان الإنسان مع أخيه الإنسان الذي يتقارب معه في السن لا يجمل به أن يقول له: أخطأت، أو أنت مخطئ فكيف الأمر مع الكبار الذين يكبرونه سناً؟؟

 

لا شك أنه مُطالب أن يقدم أقصى أنواع الاحترام.

 

 

*********************

 

 

روى الإمام البخاري في صحيحه في باب إكرام الكبير، ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال من طريق نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها، ولا تَحُتُّ ورقها"، فوقع في نفسي أنها النخلة، فكرهت أن أتكلم وثَمَّ أبو بكرٍ وعمر، فلما لم يتكلما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " هي النخلة".

 

فلما خرجت مع أبي قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة.

 

قال: ما منعك أن تقولها؟؟

لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا.

 

قال: ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكرٍ تكلمتما فكرهت أن أتقدمكما.

 

 

مداخلة متصل: الحقيقة نرى أن بعض كبار السن عندما يبلغون من السن عتياً يُحضرون أبناءهم ويقولون لهم: هذا كفني، وهذا مبلغٌ من المال يُدفع لمن يحفر قبري.. وهذا للعزاء.. وكأن هذا هو الزاد، فما هي نصيحة الدكتور لهؤلاء من أجل أن يتهيئوا للرحيل؟؟

 

كذلك بعض الآباء من كبار السن كانوا في شبابهم هم أصحاب الأمر والنهي والسلطة في البيت، فعندما يبلغون من السن عتياً، ويرهقهم المرض ويقعدهم عن الخروج من البيت تجد أصواتهم ترتفع على أبنائهم، ويجعلون السلطة هي مبدأ التعامل مع أبنائهم للسيطرة على القرار الأول والأخير، وربما يستخدمون السب والشتم في بعض الأحيان مع أبنائهم رغم أن أبناءهم أيضاً كبار، فالابن في ذلك الحين يرجو من الله ويطلب من أبيه أن يغير أسلوبه في الحياة لماذا؟؟

 

لأن هذا الابن يحب أباه، ويبره ويريد له الخير، لكن هذا الأب بتصرفاته الخاطئة يؤدي بالولد إلى النفرة منه.

 

النقطة الأخيرة التي أود أن أتحدث عنها هي أننا نرى بعض الشباب الذين يلتزمون بمظاهر الاستقامة وهم في سن مبكر – حاشا الشباب الذين وصلوا إلى مراحل جيدة ومن العمر ما يقارب الثلاثين فما فوق، وتعمقُّوا في مجال الدين والأخلاق – ولكن بعض الشباب الذين هم دون سن الخامسة والعشرين ما إن استقام الواحد منهم والتزم واتصف ببعض صفات أصحاب الحق والاستقامة إلا أتى بالنصائح لكبار السن بأسلوب غير صحيح.

 

فمثلاً أنا رأيت موقفاً أن شاباً أتى إلى رجل كبير في السن يصلي منذ ستين أو سبعين سنة فبسبب طريقة الجلسة قال له بأن صلاتك باطلة، فما هي نصيحة الشيخ للذين يأتون بنصائح قد تؤدي إلى انتكاسة لكبار السن؟؟

 

وما هو الأسلوب الصحيح لنصح كبار السن؟؟

 

 

مقدم البرنامج: النقاط التي ذكرها المتصل الثاني نقاط مهمة لكن أنا أردت فضيلة الشيخ أن أعود إلى الحديث الذي استمعنا إليه قبل قليل فيه صورتان جميلتان جداً.

 

الصورة الأولى هي صورة عبد الله وتعامله مع الكبار – أبو بكر وعمر – رضي الله عنهم أجمعين، وكيف أنه لم يتكلم احتراماً لهم على اعتبار أنهم كبار، والصورة الثانية رغبة عمر – رضي الله عنه – في أن يتقدم ولده بالإجابة ليسر ذلك نفسه، وليفتخر به بين الناس.

 

كيف التوفيق بين الصورتين؟؟

 

ماذا يقول الأب الآن لابنه في مثل هذه الحضرات والجلسات؟؟

 

 

الشيخ كهلان: أحسنت وأنت تشير إلى معادلة قلما يتقنها كثيرٌ من الناس وهي معادلة توقير الكبير من جانب، وتعويد الصغير أيضاً على المشاركة وعلى إبداء الرأي من جانبٍ آخر، وللأسف الشديد يفشل كثيرٌ من الآباء والمربين والقائمين على شؤون التربية في تحقيق تقارب في هذه المعادلة.

 

دعنا ننظر أولاً في الحديث هذا الذي استمعنا إليه.

كما تفضلتم أن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهم – لما طرح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذا المثل شبه فيه المسلم بشجرة وصفها، وسأل أصحابه عن هذه الشجرة.

 

 عبد الله بن عمر وقع في نفسه الجواب الصحيح لكن لما رأى أن في الحضور أبا بكر وعمر لم يشأ أن يتكلم في حضرتهم، فلما سكتوا هم سكت هو احتراماً وتقديراً ومراعاةً لهم؛ لأنهم أكبر منه سناً وصرَّح بذلك.

 

هذا هو الأدب الذي نتحدث عنه مع أنه يعرف الإجابة، ولو كان وُجِّه إليه بعينه السؤال لأجاب، فهو لم يحمل سكوت أبي بكر وعمر على أنهم لا يعرفون الجواب، أو على أنهم لا يريدون أن يجيبوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإنما حملهم على أنهم قد يكونون آثروا السكوت حتى يستخرجوا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كل ما يريد أن يقول.

 

ثم لننظر أيضاً في هذا الخطاب الجميل الذي خاطب به عبد الله والده لما خرجوا من عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عبد الله يقول: قلت يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة.

 

أي ( كلمة: يا أبتاه، عبد الله يقولها لأبيه – نحن اليوم أين هم أبناؤنا الذين يخاطبونا بهذا الخطاب؟؟!-)

 

من الذي عوَّد عبد الله بن عمر بن الخطاب على هذا؟؟

 

لا بد أن هناك تربية.. وأن هناك أخلاقاً نُشِئ عليها المجتمع أثرت في عبد الله حتى يكون هذا خطابه، وهذه هي تربية القرآن، وهذه هي تربية رسول الله – صلى الله عليه وسلم –.

 

حينما كان رسولنا – صلى الله عليه وسلم – يخاطب الصغار كان يقول: يا بني.. يا غلام، وكان يُكني الصغار ويقول لهم يا أبا فلان.

 

هذا عبد الله بن عمر يقول: يا أبتاه.

فإذاً في هذا نفسه ما يعلمنا أدب توقير الكبير، ثم في المقابل – الصورة المقابلة – عمر بن الخطاب يحث ابنه على أن يبدي الرأي، ويبين مدى سروره أن لو أبدى ابنه رأيه في السؤال الذي سأله رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، فيقول له: لو كنت قلتها لكان ذلك خيراً من كذا وكذا، أي – من خيرٍ عظيم يصيبه عمر بن الخطاب -، أي – يريد أن يعوده المشاركة- وفي هذا ما فيه من الآثار النفسية التربوية في نفس عبد الله، وهذا ما نريده.

 

يُنشَّأ الولد على توقير الكبير لكن على الكبير أيضاً أن يراعي أن يعود الصغير على إبداء الرأي وعلى المشاركة، وفي كلا الجانبين هناك أخلاق وآداب ينبغي أن تراعى.

 

حينما نتحدث عن توقير الكبير أن يكون ذلك لا عن خوفٍ ولا عن مبالغةٍ في الهيبة وإنما هو توقير كما وصفه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو الاحترام ومراعاة حقوق الأكبر سناً، وحينما يحث الكبير الصغير على أن يشارك وأن يبدي رأيه ينبغي له أصلاً أن يستخرج رأي الصغير، وأن يستشيرهم وأن يسأل من هم أصغر منه سناً.

 

نحن نعرف أن خروج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في معركة أحد إنما كان بسبب رأي الأحداث من المسلمين، أي – الشباب -؛ لأنهم لم يشهدوا بدراً فأرادوا الخروج وأرادوا المشاركة، فهو – صلى الله عليه وسلم – سألهم ولما كان رأيهم هو الرأي الغالب نزل عند رأيهم.

 

*********************

 

 

متصل ثالث: على الكبار دور عظيم في تحقيق معادلة كيفية الحوار بين الصغار والكبار، فالكبار عليهم مسؤولية عظيمة في أن يتعرفوا على الأدب الإسلامي العظيم الذي هو أدب الحوار ليعطوا الصغار الحرية والأمان والاطمئنان حتى يحاوروهم؛ وبالتالي يكون الصغار مع الكبار في احترامٍ وأدبٍ وتوقيرٍ وإجلال، فهناك في الحقيقة أحياناً نوع من الاستبداد من بعض الكبار بحيث يشعر أنه إذا كبت الصغير يُظهر ما عنده من منزلة، وما عنده من إجلال، بينما العكس – كما ذكر الشيخ جزاه الله خيراً- أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يخاطب الصغار، وهذا كان له دور كبير في إعطاء الصغار الثقة الكاملة في توجيه الحوار نحو الوجهة الصحيحة عندما يحاورون الكبار.

 

 

مقدم البرنامج: الآن بشكلٍ سريع نطوف على موضوع المتصل الثاني، وإن كان سؤاله الأول نعتبره مدخلاً لما باشرتم بالحديث عنه من موضوع الحقوق التي على الكبير، وما ينبغي له أن يقوم به وهو في هذه المرحلة.

 

يقول الأخ المتصل: هناك بعض الناس يفهم المرحلة العمرية المتأخرة التي هو فيها أنها فقط رسم صورة النهاية أمام أبنائه ( هذا كفني، وهذا مبلغٌ لمن يحفر قبري... وهلم جرا) وكأنه يضعهم هكذا في جوٍ حزينٍ دائماً، هل هذا كل ما على الكبير أن يفعله؟؟

 

 

الشيخ كهلان: لا طبعاً، وإن كان هذا أيضاً مما ينبغي له أن يفعله، أي – هذا مما يُحمد حينما ينتبه لهذا الأمر، فهذا يعني أنه متذكرٌ للآخرة، لكن لا يقتصر الإقبال على الله عز وجل والتوبة والإنابة على أن يهيئ كفنه فقط، وإنما هناك حقوق ينبغي له أن يؤديها، عليه أيضاً أن يستغل ما تبقى له من أيام حياته ولا يدري أحدنا متى يفجؤه ريب المنون، فعلى كل أحدٍ أن ينتفع بما أكرمه الله تعالى به من عمر.

 

كم من كبيرٍ عاش عاماً بعد عام، وكم من صغيرٍ تخطفته أيادي الردى.

 

هذه مقادير يدبرها خالق الحياة والموت سبحانه وتعالى، ولكن على المسلم أن يكون دائماً في صلة مع الله سبحانه وتعالى، ونحن قلنا بأن التقدم في العمر هو مظنة للإقبال على الله عز وجل أكثر، وذكرنا الأدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا أن ذلك لا يعني أن ينقطع عن أسباب الرزق، وعن التعلم، وعن السعي في الأرض، وعن أداء دوره ورسالته حتى من حيث نفع المجتمع بخبراته وحكمته وما تولد إليه من تجارب.

 

هذه من مسؤولياته ومن أمانته التي ينبغي له أن يؤديها.

 

أما ما يتعلق بالوصية، وما يتعلق بحقوقه على الآخرين فهذا أيضاً مما لا ينبغي أن يفرط فيه، لكن كيف يتهيأ فعلاً ؟؟

 

السؤال الذي أشرت إليه والذي ذكرته كيف يتهيأ قبل أن يصل إلى هذا المرحلة؟؟

 

التهيؤ الصحيح هو بالاستقامة على دين الله عز وجل.

 

الناس ما مطمح أنظارها الآن؟؟

 

لننظر في عالم اليوم.

كل واحد يبحث في الوسائل التي تطيل العمر.

منهم من يبحث عن الوسائل الصحية البدنية والرياضة.. منهم في التغذية.. منهم في العوامل النفسية...الخ ما يبتكره المبتدعون في هذه المجالات وكلٌ يسعى إلى إطالة العمر، وأن تكون هذه الإطالة في صحةٍ وعافية.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى لنا وللإخوة المستمعين والمستمعات الصحة والعافية، لكن المسلم وضعه مختلف.

 

المسلم ينطلق من مبدأٍ وعقيدة، فهو على يقينٍ بأن ما أكرمه الله سبحانه وتعالى من دين إنما يحمل في طياته ما يمكن أن يعينه حالة الكبر.

 

فالاستقامة على أوامر الله عز وجل هي مما ينفع هذا المرء في كبره.. في صحته.. في بدنه.. في عقله وفي نفسه.

 

أعني أن المحرمات من الخبائث.. من مسكرات.. من مخدرات.. من خمور.. من فواحش إنما كلها لا شك تأكل من صحة هذا الإنسان ومن عقله ومن استقراره النفسي ومن طمأنينته، وليس شأن المسلم أن يتمرغ في أوحال هذه المعاصي والخطايا، بل من شأنه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يستقيم على الصراط المستقيم، وأن ينأى بنفسه عن هذه المحرمات؛ لأن الله عز وجل حرمها عليه، ورتب عليها عقوباتٍ في الدنيا والآخرة والله تعالى يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{4} ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ{5} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...} (التين:4-6) الكثير من المفسرين يحملها على الجانب المادي، أي – { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} في صحته -، ونحن نعرف كم يقضي التدخين على أعمار الشباب..!! كم يورثهم من الأمراض والأسقام، ويحول الشاب إلى كهل، وينقص من أعمار الملايين من البشر سنوياً وهذه آفةٌ واحدة ما بالك بالمخدرات.. بالمسكرات.. بالفواحش التي تؤدي بالآفات التي لم نسمع بها ولم يسمع بها تأريخ الإنسانية فيما مضى؟؟!

 

فلذلك حينما ينأى المسلم بنفسه امتثالاً لأمر الله عز وجل، ووقوفاً عند أوامره وحدوده فإنه لا شك سوف يغني نفسه بمشيئة الله تعالى عن الكثير مما يمكن أن يقع فيه حينما يتقدم به العمر.

 

 

مقدم البرنامج: كما قال أحدهم لرجلٍ قد تجاوز الثمانين وهو على نشاطه الكامل: أراك نشيطاً!!

 

قال: هذه أعضاء حفظتها في الصغر فحفظها الله تعالى لي في الكبر.

 

وكما فسر بعضهم قول الله تعالى {... وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ...} (فاطر:37) بأنه الشيب، كأنه إنذار للإنسان بأن يتهيأ وأن يبتعد عن كل المزالق السيئة.

 

 

*********************

 

خاتمة الحلقة

 

أبصر عمر شيخاً كبيراً من أهل الذمة يسأل فقال له: مالك؟؟

 

قال: ليس لي مال، وأن الجزية تؤخذ مني.

 

فقال له عمر: ما أنصفناك.

أكلنا شيبتك ثم نأخذ منك الجزية، ثم كتب إلى عمَّاله أن لا يأخذوا الجزية من شيخٍ كبير.

 

 

وفي خلافة عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – كتب إلى عدي بن أرطأة " وانظر من قِبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب فأجري عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ الختام الذي تختم به هذه الحلقة إن شاء الله لأنه بقيت معنا دقيقةٌ واحدة فقط.

 

وهناك نقاط ذكرها المتصل الثاني مثلاً عن القرار دائماً يكون للكبير في البيت وقلما يُلتفت إلى الصغار، وأظن أن هذا يتلاقى مع المتصل الأخير في موضوع كبت الصغير، نريد كلام موجز حول هذا الموضوع.

 

 

الشيخ كهلان: هذا الأمر ينبغي أن يُتنبه له، وهذه هي الهمسة التي نريد أن نهمس بها في آذان المسنين أيضاً أن يعوِّدوا الصغار على إبداء الرأي، وأن يستخرجوا منهم الرأي.

 

أي – أن يشركوهم في إبداء الرأي، وأن يفسحوا لهم المجال في جوٍ من العطف وفي جوٍ من الطمأنينة -، وليس مسؤولية الكبير هو أن يتسلط وأن يكبت وأن يعنف الصغار.

 

هذه من العادات الخاطئة ولا تتناسب أبداً مع هدي هذا الدين، وينبغي للناس أن يتنبهوا لها؛ لأن هذه النقطة مهمة وهي أيضاً مما أكد عليه الإخوة – المتصل الثاني والمتصل الأخير – يضاف إلى هذا - حتى نختم الحديث- أن هناك حقوقاً ينبغي للمجتمع أن يحرص عليها تجاه المسنين وهي قضية العلم.

 

لا بد أن يستمر التعليم، ونحن نأسف أن تكون نسبة الأمية حتى في مجتمعنا العماني عالية لدى المسنين.

 

قد تكون هناك عوامل لكن لا بد من تضافر الجهود لأجل تقليص نسبة الأمية لدى المسنين.

 

جانب الاستقرار الاقتصادي أو المعيشي أيضاً من الجوانب المهمة؛ لأن كونه مسناً لا يعني أنه غير قادر على الإنتاج وعلى المشاركة بل كما قلنا هناك جوانب كثيرة جداً ينبغي أن يُستفاد منها من المسنين، وهذه النقطة الأخيرة التي استمعنا إليها في الفاصل تبين أخلاق الإسلام وأخلاق المسلمين في حضارتهم حينما كانوا متمسكين بها مع كل من يتعاملون معهم.

 

 

مقدم البرنامج: نعم، حتى مصطلح التقاعد أظن أنه يحتاج إلى إعادة نظر؛ لأن التقاعد بمعنى أن الإنسان يقعد هي كمصطلح سلبي كما يبدو، وكما يفهمه الإنسان.

 

 

الشيخ كهلان: نعم، ويورث الكثير أيضاً من الآثار النفسية السلبية.

 

 

مقدم البرنامج: لو يسمى فرصة التغيير مثلاً.

 

 

الشيخ كهلان: في بعض البلدان تسميهم كبار المواطنين، أي – تعطيهم تسمية يقولون seenyar sites، ولهم خصوصية معينة في وسائل النقل والمواصلات.. في المقاعد في الأماكن العامة... الخ، وهذا مما يشعرهم بتقدير المجتمع لهم، وحبذا لو وُجدت مثل هذه المصطلحات في مجتمعاتنا.

 

 

مقدم البرنامج: مثل التقاعد المبكر البعض يسميه المغادرة الطوعية...

 

 

الشيخ كهلان: أفضل اسماً.

 

 

مقدم البرنامج: كأنه أفضل نعم.

 

 

انتهت الحلقة