الشيخ أحمد السيابي فى صالون "الرؤية": ختمتُ القرآن في الثامنة

الشيخ أحمد السيابي فى صالون "الرؤية": ختمتُ القرآن في الثامنة.. وتوفر السكن والمكافأة أعانني على مواصلة تعليمي في مسجد الخور

◄ الحياة في القرية كانت تقوم على الثالوث.. النخلة والفلج والحمار

◄ كنتُ ضمن الدفعة الأولى التى نالت الشهادة الإعدادية فى السلطنة

◄ العلاقات الاجتماعية فى السابق كانت أمتن والوشائج أقوى بفضل لقاءات السبلة"

◄ نلت الماجستير من جامعة الزيتونة في "أصول بيت المال فى عُمان وأثرها الحضاري"

الشيخ أحمد بن سعود السيابى أمين عام مكتب المفتى العام للسلطنة.. رجل قهر الصعاب، وسعى جاهدًا لتجاوز التحديات التي كانت تحول بينه وبين تحقيق أهدافه في التحصيل العلمي والارتقاء الوظيفي؛ فكان أن وفقه الله فيهما معًا؛ حيث يتسنَّم حاليًا منصب أمين عام مكتب المفتى العام للسلطنة؛ متدرجًا من أدني درجات السلم الوظيفي إلى أعلاها؛ كاتبًا ثم مساعد أمين مكتبة، وموجه تربية إسلامية، ورئيس قسم العلاقات العامة، ثم مدير دائرة المدارس القرآنية؛ فمدير مكتب المفتي، ومدير عام للشؤون الإسلامية، مدير عام لمكتب الإفتاء، ومستشار للأوقاف والشؤون الإسلامية، وقائم بأعمال وكيل الأوقاف والشئون الإسلامية.

بداية دراسته:

أما مسيرة التحصيل، فقد بدأها بالدراسة التقليدية في مسجد الخور بمسقط في اللغة العربية والشريعة الإسلامية، ومن ثم حصل على ليسانس من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة بيروت العربية، ثم دبلوم عالٍ في الشريعة الإسلامية من دار العلوم-جامعة القاهرة، وماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الزيتونة-بتونس.

إذن.. مسيرة طويلة وشاقة قطعها الشيخ أحمد في رحلتيْ التحصيل والعمل، وقد استحوذتْ تفاصيل هذه الرحلة على حديث الشيخ في صالون "الرؤية"، الذي سعد باستضافته لإضاءة جوانب من مسيرته العلمية والعملية.

النشأة والتكوين العلمي

ويستهل الشيخ أحمد السيابي حديثه بالإشارة إلى بدايات نشأته فى منطقة (نفعا)، والتي بدأت فيها ملامح شخصيته بالتشكُّل بتأثير المجتمع الذى كان يعيش فيه، ودراسة وحفظ القرآن، إضافة إلى ما اتسمت به تلك الفترة من تنقل بين المناطق بحثًا عن العلم.. ويبدو أن التنقل هو قدر شيخنا حيث ظل يلازمه حتى عندما تم توظيفه؛ حيث تنقل كثيرًا بين الوزارات والمؤسسات؛ ومنها وزارتا التربية والأوقاف والشؤون الدينية.

ويقول الشيخ أحمد السيابى: "أبصرت النور فى بلدة نفعا التابعة لولاية بدبد فى العام 1954م حسبما أخبرني والدي، وكانت الحياة فيها بدائية حيث لا علاج ولا مستشفيات ولا مواصلات أو اتصالات، وكانت الحياة قائمة على الثلاثي: النخلة والفلج والحمار. الحمار كوسيلة للتنقل، والفلج كمورد مائي، والنخلة كمصدر للغذاء. ونفعا هى منطقة مكوَّنة من قبيلة واحدة وهي قبيلة "السيابيين"، أو يمكن اعتبارها عاصمة القبيلة أو مقر برلمان القبيلة، إلى جانب انتشار أبناء القبيلة فى ولاية نخل والباطنة، إلا أن مشيخة القبيلة موجودة فى نفعا.

ويمضي الشيخ واصفًا الحياة الاجتماعية وقتئذ: التواصل الاجتماعى كان مزدهرًا؛ نظرًا للبساطة والترابط؛ مما يجعل الجميع على معرفة ببعضهم البعض. ويقول: بالنسبة لى كنت أعرف كل رجل وامراة في نفعا؛ مما يدل على أن التواصل الاجتماعى كان قويًّا جدًّا على عكس الآن.

ويضيف: كانت رعاية النخلة تمثل الاهتمام بالزراعة، وتوسع نطاق المعرفة بالاخرين؛ حيث يتيح التجمعات والزيارات واللقاءات. ويرى الشيخ أحمد أن الزمن الآن اختلف كثيرًا، فلم يعد التواصل كما كان؛ فالفرد الآن لا يعرف أبناء أعمامه؛ بسبب تباعد المساكن والمسافات، وتوزعهم على المناطق، كما أن البيئة لم تعد كسابق عهدها، إضافة إلى أن المنازل أصبحت محصورة فى القوالب الأسمنتية والحديدية. أما فى السابق فالبيوت كانت مفتوحة ومتصلة مع بعضها البعض؛ الرجال لهم أماكن، والنساء أيضًا لهن مواقع يتجمَّعن فيها، وكل هذا يُعزز لُحمة التواصل الاجتماعي ويمتِّن وشائج القربى.

ويستطرد: بعد صلاة الفجر، يكون التجمع فى "السبلة"، ويُعد من العيب ألا يحضر الرجل للسبلة، أو أن يشرب قهوته فى منزله، ولابد أن يتناولها مع المجموعة فى الحارة، وبعد صلاة الفجر وتلاوة القران يتجمَّع الرجال في "السبلة"، وتقدَّم القهوة والتمر، وبعدها يتم التوجه إلى الأعمال، وتكون العودة مرة أخرى عقب تناول وجبة الغداء التي كانت قبل صلاة الظهر، وكانوا يتسامرون ثم يصلون العشاء في الساعة التاسعة، والتقديم الذى حدث الآن وافد على مسقط من زنجبار، حيث تكون صلاة العشاء أولًا، ومن ثم الذهاب إلى المنازل لتناول وجبة العشاء.

ويواصل السيابي حديثه عن التواصل الاجتماعي بالقول: العلاقات الاجتماعية كانت قوية جدًّا، الأب مرتبط بابنه، والأم بابنتها، فالابن يلازم والده باستمرار، والأم تصطحب ابنتها إلى تجمعات النساء، على مستوى الحارة مرتين أو ثلاث مرات فى اليوم حتى يتم الاعتياد على هذا التقارب، وترسيخًا للمبادئ والقيم، ولكن -وفي الوقت نفسه- لايُسمح لهم بالحديث، وإذا حدث وأن بادر أحد الأبناء بالكلام في حضور الرجال يُنظر إليه شذرًا؛ الأمر الذي انعكس على سلوك العُمانيين فأصبحوا لا يُبادرون بالحديث أو فتح النقاش فى موضوع ما، ولكن هذه "العقدة" -كما وصفها- تم حلها بعد ذلك بالاتصال بالآخرين داخل وخارج عُمان، وعن طريق الأسفار والدراسة فى الخارج والندوات والمؤتمرات وغير ذلك.

الدراسة فى نفعا وختم القرآن

ويروي الشيخ أحمد أن الدراسة كانت تقوم على تعليم الصلاة والقرآن، وتقتصر على الأماكن التى تدرس علوم الشريعة واللغة العربية فى سمائل ونزوى وبهلا، والتى كانت تشكل مركز حضارة علمية فى عُمان، وكان الناس في السابق يحرصون على تعليم أبنائهم وإدخالهم مدارس القرآن "الكتاتيب"؛ حيث لا يترك ولد أو بنت فى سن الخامسة أو السادسة من العمر، دون أن يلحق بتلك المدارس، ويقول: كان والدي قد أوفدني إلى معلم القرآن آنذاك خليفين بن حميد السيابى، وأن دراسة القرآن لم تكن تعتمد على الحفظ، بل على الدراسة النظرية، و(نفعا) كان بها أربع مدارس قرآنية، وقد ختمت القرآن فى الثامنة من عمري.

ويواصل: ختمت القران، وبقيت فى البلد، وعملت مع والدي في تجارته، وكنت أطمح إلى مواصلة التعليم، وكان والدي على علم بأن لدي شغفًا في تلقي العلم ومواصلة التعليم.

ويضيف: كانت آنذاك توجد مدارس بمسقط وسمائل تدِّرس الفقه والشريعة، ولكن المشكلة كانت فى الإقامة؛ فتلك المدارس لايوجد بها سكن داخلي، وبقيت فى نفعا، أطلع على بعض الكتب الدينية ودواوين الشعر التي تأتينا من مسقط، بدون معلم، وفى مستهل السبيعنيات من القرن المنصرم اتفق مشايخ البلد على أن يحضروا مدرسًا لأبنائهم فى علوم النحو والشريعة، وأجروا اتصالات بمنطقة (سناو) واستقدموا منها الشيخ صالح محمود الصوافي، لتعليم ما يقارب العشرين طالبا، وقد استمر الشيخ في تعليمهم وتلقينهم ما يقارب خمسة أشهر، وبعدها طلب إجازة لزيارة أهله، لكنه ذهب ولم يعد.

ويستطرد: ظلت رغبتي في تلقي العلم قائمة، فدرست شيئا في مبادئ النحو والفقه؛ وأثناء ذلك سمعت بأن مسجد الخور فتح أبوابه لمن يُريد تلقي العلم، وأن الشيخ أحمد الخليلى ذهب إلى سمائل، وأخذ طلابًا من هناك، فقدمت إلى مسقط وتم قبولي للدراسة في مسجد الخور، وكانت الدراسة وقتها مقسَّمة إلى ثلاثة مستويات: ابتدائية (يدرس الطالب شرح الأجرومية في النحو، وتلقين الصبيان)، والدراسة المتوسطة (وتقوم على شرح لوحة الإعراب، وكتاب مدارج الكمال)، والمستوى الثالث والرفيع (ويدرس من قبل الشيخ أحمد الخليلى جوهر النظام، وطلعت الشمس في أصول الفقه، والمشارق في العقيدة).

ويضيف: بدأت الدراسة فى المستوى الأول، خاصة وأني كنت قد تلقيت دروسا في السابق في مبادئ فى النحو، وبعد مرور يومين أو ثلاثة، اقترح الأستاذ محمد بن خلفان الرواحي أن أنقل إلى المستوى الثانى الذى كان يدرس فيه الشيخ ربيع بن المر، وقرأت على يديه لوحة الإعراب بالكامل، حيث إن الدراسة كانت تقوم على الحفظ، وكان الطالب يُلقي أمام الشيخ بما يحفظ، ثم يعود الشيخ ويكلفه بحفظ أشياء أخرى، إلى جانب درس عام يوميًّا من الشيخ أحمد الخليلي؛ إما فى التفسير أو الفقه أو الحديث.

ويتابع: كانت هناك مكافأة تقدم من مسجد الخور للطلاب المنتسبين إليه، وهي 200 روبية أي ما يعادل 15 ريالا عُمانيا، إلى جانب توفير سكن بسيط في منطقة قب، تحت قلعة الجلالي، إلى جانب توافر غرف في مسافر خانة بجوار المدرسة السعيدية، ولقد أعانني توافر السكن والمكافأة على مواصلة التعليم.

ويستطرد الشيخ أحمد: وفى العام 1971، جاء بيان من وزارة التربية والتعليم من الأستاذ علي القاضي مدير التعليم العام آنذاك؛ ينص على أنه يسمح لطلاب مسجد خور، أن يدرسوا دراسة حرة للدراسات المعاصرة في المدرسة السعيدية.. ولقد توجه مجموعة من الطلبة من أجل تلك الدراسة، وشهدت تلك الفترة قدوم أول دفعة من المدرسين المصريين وعددهم 40 مدرسًا، وتم توزيعهم على المدارس المتوفرة آنذاك.. ولقد اتفقنا أنا وعدد من الزملاء على تلقي دروس مكثفة في الرياضيات من أستاذ يُدعى محمد مصطفى؛ كنا نذهب للتعلم في المساء، أما اللغة الإنجليزية، فكنا نذهب إلى ولاية مطرح لدراستها على يد الأستاذ حسن اللواتيا.

ويواصل الشيخ أحمد سرد مسيرته التعليمية؛ بالقول: جلست للامتحان ونحجت بحمد الله وحصلت على الشهادة الابتدائية التى كان لها وضع خاص، وبعدها جاءت الإجازة الصيفية، وذهبنا إلى مناطقنا، إلى أن انقضت الإجازة، وأتى العام الدراسى 1972-1973، وصدر بيان آخر بأن طلاب مسجد الخور يمكن أن ينتسبوا إلى الشهادة الإعدادية؛ وذلك عند بداية افتتاح الشهادة الإعدادية وابتدأت الوزارة في فتح صفوف للدراسة المسائية في السعيدية، فكنا نذهب لحلقة الدرس في مسجد الخور فى الصباح، وفي المساء ندرس في المدرسة السعيدية، وقطعنا شوطا.. وفى بداية العام 1973، سُمح لنا بالتقدم إلى الإعدادية للدراسة فى المستوى الأول والثانى والثالث، ودرسنا دراسة مكثفة، ولما قدم الامتحان كان يتضمن محتوى بمعدل 60% من منهج الشهادة الإعدادية، و20% من الثاني الإعدادي، و20% من الأول الإعدادي، ودخلنا الامتحان وكانت أول سنة تعطى فيها الشهادة الإعدادية فى عُمان سنة 1973، ومنَّ الله سبحانه وتعالى عليَّ بالنجاح، وكنت ضمن الدفعة الأولى التى نالت الشهادة الإعدادية فى سلطنة عُمان.

رحيل الوالد نقطة تحول في حياتي

ويمضي الشيخ أحمد ساردًا ذكريات مسيرة تحصيله العلمي: انتهت الدراسة فى مسجد الخور؛ فكان من المقرر أن يفتح آنذاك المعهد الديني في الوطية، وقد تخصَّص المعهد في تدريس مرحلة الصف الخامس والسادس الابتدائي. وكانت هناك فرص لإكمال الدراسة في الخارج، وكان زملائى يفكرون فى الدراسة بالخارج، إلا أنه لم يعد أمامى خيار إلا العمل وقتها؛ حيث توفي والدي في تلك الفترة، خاصة وقد كان لي أخوة وكنت متزوجًا، ولدي أطفال؛ مما جعل الأمر فى غاية الصعوبة فاضطررت إلى البحث عن عمل، وتم تعييني بوزارة التربية والتعليم فى الثالث من أكتوبر عام 1973 بالشهادة الإعدادية، وسبقنى أقراني إلى التعيين كمعلمين، إلا أنني لم أكن أرغب في التعيين كمدرس، وكنت أميل إلى الوظائف الإدارية. إلا أنني واجهت مشكلة عند طلبي لهذه الوظيفة الإدارية، وهي أنني أعاني من ضعف في البصر في إحدى عيني، وتم بعدها تعيينى فى قسم الأرشيف ككاتب في الوارد والصادر، بعد أن تم اختبارى فى الكتابة للتاكد من سلامة نظري.. وفى العام 1974 تم تعييني مساعدًا لأمين مكتبة المعهد الديني بطلب مني لسمو السيد فيصل بن علي وزير التربية والتعليم، بأن يلحقني بالمكتبة، رغم أنه عرض علي أن أشغل وظيفة مشرف لمادة التربية الإسلامية بالمعهد، لكنَّ لولعي بالقراءة آثرت العمل في المكتبة، وفى هذه الفترة بدأ تكويني الثقافي من قراءة الكتب المختلفة، منها تحفة الأعيان والدواوين الشعرية والقصائد، واستفدت كثيرا وكانت المكتبة غنية بالمصادر والكتب، والدوام كان يمتد لفترة ست ساعات، وأثناء تواجدي بالمعهد فتحت ثانوية الإمام جابر بن زيد في الوطية، وفتح باب الانتساب لدراسة المرحلة الثانوية في مختلف مراحلها في عام واحد دفعة واحدة، وقد فتحت تلك الفرصة مرة واحدة فقط، وكنا ما يقارب الـ15 طالبا؛ انسحب 10 منا، وتقدمنا خمسة للاختبار، ونجح اثنان؛ كان معى السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي، وحصلت على الشهادة الثانوية فى نوفمبر 1976، وفي نفس العام سافرت فى أول مهمة إلى خارج سلطنة عُمان عندما قدمت لنا دعوة من الألسكو؛ لمناقشة مناهج الصفوف الأولى الابتدائية في الجزائر. وكانت أول مرة، وقد اضطررت إلى السفر للقاهرة لأحصل على تأشيرة من سفارة السلطنة بالقاهرة للدخول إلى الجزائر؛ ومنها إلى الجزائر، وكانت أول دولة أسافر لها مصر وذلك في يوليو 1975.

ويمضي الشيخ أحمد في رواية شغفه بالتعليم: ظل هاجس إكمال دراستي الجامعية يراودني، لكن ظروفي العائلية كانت تمنعني، كوني أعول عائلتي، إلا أنني التحقت بعدها بجامعة بيروت العربية بالإسكندرية بالانتساب في كلية الآداب قسم اللغة العربية، واختياري جاء على اعتبار أن لدي خلفية وثقافة دينية؛ حيث تقدم هذه الكلية مواد دينية، وفى العام 1981 سافرنا لكى نقدم إلى الامتحان فى الإسكندرية ووصلنا إلى القاهرة، وتزامن وصولنا مع توافد أعداد كبيرة من طلبة دول الخليج والدول العربية الأخرى للتقدم للامتحانات، ووقتها كانت اتفاقية كامب ديفيد وما واكبها من مقاطعة عربية لمصر، لنتفاجأ بقرار صدر من مصر بإيقاف اختبار الطلبة عدا السودانيين والمصريين، ورجعنا إلى السلطنة. وبعد مرور فترة من الزمن، قدمت الجامعة اختباراتها فى مسقط، وكنت قد انتقلت فى العام 1977 من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وعُيِّنت رئيسا لقسم الإعلام والعلاقات العامة، وكانت الوزارات تستعين بموظفيها لمراقبة الامتحانات، خاصة وأن الموظفين بوزارة التعليم عددهم غير كافٍ آنذاك، وكان الكثيرون يشجعوننى على دخول الامتحان ويتساءلون عن سر امتناعى، عندها سجلت ودخلت امتحاناتى جميعها فى مسقط ونلت الشهادة الجامعية فى العام 1987. وبعدها، واصلت الدراسة بين أحجام وأقدام؛ حيث التحقت بكلية دار العلوم-بجامعة القاهرة ونظام الدراسة سنتين دبلوم ثم السنة الثالثة تبدأ فى الماجستير وأنهيت الدبلوم العالى فى الشريعة الإسلامية، ونلت معدلًا تحصيليًّل عاليًا. لكن في ذاك الوقت واجهت إشكالية حيث أعلن عن إيقاف منح الماجستير للحاصلين على الدبلوم العالي، وكانت هناك اشتراطات قانونية تحول دون حصولي على شهادة الماجستير هناك. وبعد ذلك، نقلت دراستي إلى جامعة الزيتونة بتونس، وكانت من المفترض انتظام دراسي لمدة عام تدرس فيه مواد أساسية، لكن إدارة الجامعة عندما علمت أننى حاصل على الدبلوم العالي تم إعفائى من تلك السنة الدراسية، وتم اعتمادها.. وعلى ضوئها درست الماجستير، وحزت على الشهادة فى عام 2000 فى أصول بيت المال فى عُمان وأثرها الحضاري على عهد دولة البوسعيد.. ناقشت من خلالها قضية بيت المال؛ حيث إننا لدينا في السلطنة أوقافًا وبيت المال، والذي تميزت به السلطنة كأصول عقارية؛ حيث لم تكن مؤسسة قائمة لبيت المال موجودة فى العالم على الإطلاق إلا فى السلطنة.

الشيخ أحمد السيابي: الخطاب الديني يُعاني "الانقسام".. والمجتمع المسلم مُطالب بتفادي التوترات الطائفية وتحقيق العيش المشترك

يواصل الشيخ أحمد بن سعود السيابى أمين عام مكتب المفتى العام للسلطنة، الحديث عن سيرته العلمية والحياتية، فيغوص في ذكريات الماضي، ويستخرج دُرر التاريخ الإسلامي المشرق، وتبدو في نبرة صوته لمحة من حزن وأسى على حال المجتمعات الإسلامية وما تعانيه من انقسام، أخل بالمنظومة الأخلاقية التي يقرها الدين الحنيف ويدعو أتباعه للسير عليها.. السيابي -ذاك الرجل العصامي المتحدث بلغة الداعية- لم يخف صلابة في مطالبة المجتمعات المسلمة بتفادي التوتر الطائفي وتحقيق سبل العيش المشترك. ويعود في حديثه إلى أقدم نقطة في تاريخ الإسلام، مع بدء تأسيس الدولة الإسلامية بقيادة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فيستشهد بوثيقة المدينة التي يؤكد أنها أول دستور وضع في العالم لإقرار حقوق المواطنة والمساواة بين سكان البلد الواحد، على اختلاف مذاهبهم.

جزءٌ آخر من حديث الشيخ أحمد السيابي تمحور حول ميرته الوظيفية وتدرجه في الوظائف المتعددة التي خدم من خلالها الإسلام والمسلمين، فنال عضوية أعلى المجامع الفقهية وساهم في وضع لبنات كثير من المؤسسات الدينية الأخرى.

وبالحديث عن الذكريات، يسرد الشيخ أحمد جانبًا آخر وهو ذلك البُعد الذي عايشه في المؤسسات، فيقول: بعد انتقالي إلى وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية كرئيس لقسم العلاقات العامة تدرجت في عملي الوظيفي؛ حيث شغلت منصب نائب مدير الشؤون الإسلامية. وفى بداية العام 1982، تم دمج وزارتي العدل والاوقاف الاسلامية، واصبحت تحمل اسم وزارة العدل والاوقاف والشؤون الاسلامية، وتم تعيينى فيها مديرا لدائرة مدارس القرآن بعد هذا الاندماج، وتلا ذلك فى العام 1985 طلب الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتى العام للسلطنة، أن أكون مديرًا لمكتبه، وتم تعييني فى هذه الوظيفة التى مكثت بها حتى عام 1987. وبعدها، انتقلت للعمل كمدير عام للشؤون الإسلامية فى وزارة العدل والأوقاف والشؤون الاسلامية. ويضيف السيابي: طوال فترة عملى الحكومى كانت تتاح لي فرصة السفر داخل وخارج السلطنة للمشاركة فى المؤتمرات والندوات، ومكثت فى وظيفة مدير عام للشئون الإسلامية حتى العام 1994، قم انتقلت مرة أخرى إلى مدير عام لمكتب المفتى حتى العام 1997، وانتقلت للعمل كمستشار بوزارة العدل للاوقاف والشؤون الإسلامية، وكلفت بإدارة مكتب وكيل الأوقاف؛ حيث أحيل حينها الشيخ سلطان الحوسني وكيل شؤون الأوقاف الى التقاعد فى شهر فبراير 1997، وتوليت إدارة منصب وكيل الأوقاف والشؤون الإسلامية في 16 ديسمبر 1997، ثم انفصلت الوزارتان بعد صدر مرسوم سلطانى بتعيينى أمين عام لمكتب المفتي العام للسلطنة عام 1998، وما زلت على رأس هذا المنصب حتى الآن.

التسامح الديني

ويشرح الشيخ أحمد السيابي قضية التسامح الديني وكيفية مشاركته في هذه الفعاليات التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية؛ فيقول: سنحت الفرصة للمشاركة في عدد من محطات التسامح الدينى من خلال ندوات فى ألمانيا وإسبانيا وهولندا.

ويضيف السيابي: من المؤكد أن ندوات التسامح الديني ذات بعد دعوي للإسلام، لكنها في الوقت ذاته لا تخرج عن كونها قضية إعلامية تبنى عليها رؤى سياسية ومواقف تجاه العالم الاسلامى والمسلمين، في ظل انتشار ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا" أي الخشية من الإسلام، وهو مفهوم ظالم، لكنه ينتشر في الغرب نتيجة الضخ الاعلامى الهائل الذى ترعاه منظمات مشبوهة ومعروفة بعدائها للإسلام، لاسيما اللوبيات الصهيونية وغيرها، وكذلك اللوبيات اليمينية المتطرفة التي تتبنى ذات التوجه.. ويتابع بأن الوزارة تبنت هذا المشروع بالتنسيق مع جمعية الصداقة العمانية الألمانية؛ حيث إن هذا المعرض يوضح مفهوم الإسلام وموقفه تجاه غير المسلمين ومعاملة الإسلام مع تلك الطوائف، إلى جانب عرض لنموذج التعايش بين مختلف الطوائف الدينية في المجتمع العماني في الظل العدل الذي تتمتع به.

ويمضي يقول: من خلال مشاركاتي لعدد من المعارض ولتوضيح ما تحظى به تلك الطوائف من تآلف وتجانس، وضعت بحثا يستعرض بداية دولة الإمام الثانية محمد بن أبي عفان فى عمان سنة 177 هجرية، وكانت عاصمة الدولة فى منح، وانتقلت من صحار. ومن خلال هذا البحث ناقش السيابي قضية الحريات الدينية والتعايش بين الأديان، فيقول: فى ذلك الوقت كان يعيش في بعض اليهود، وكان أحدهم يمتلك أمةً مسلمة، وكان القول السائد فى الفقه الإسلامي إن الذمي (أي من أهل الكتاب) لا يحق له امتلاك رقبة مسلم، على الرغم من أن هناك أقوالًا عديدة في ذلك. ويضيف الشيخ أحمد بأنه أوضح في البحث أن الإمام عندما علم أن اليهودي لديه امة مسلمة، أمر أن تباع حتى لا يتملكها، فيما لجأ اليهودي إلى الشيخ موسى بن جابر الذي كان يعد موجه تلك الدولة؛ وقامت الدولة أنذاك على فكره، وما كان من الشيخ إلا أن أمر برد الأمة إلى اليهودي، باعتبار أن الفقة يدرج المماليك ضمن المال، وقضى الشيخ برد الامة إليه بشرط ألا يثنيها عن دينها وألا يمارس الجماع معها. ويوضح السيابي أن التعايش في تلك الفترة كان يقوم على فكرة العدل، والحكم وفقا لقواعد المساواة بين الناس ما لم تخالف الدين الحنيف.

ويزيد: هكذا كان التعايش.. فاليهود يعاملون معاملة أقرها الاسلام ووضع أسسها، حتى إنهم كانوا يتزاورون فى المناسبات المختلفة، فالشيخ موسى بن علي العزري العالم الكبير في القرن الثالث الهجري، كان لديه جار يهودي، وكانوا يتزاورون ويأكلون الطعام سويا، كما أن الشيخ زياد بن وضاح كان له جار مجوسي، وكانوا يأكلون الطعام سويا في ذات الصحن، على الرغم من وجود القول الذي ينص على طهارة غير أهل الكتاب. ويشير إلى أن هذا أمر أدرجه في البحث في حين أن البعض يتحفظ على مثل هذه المسائل. ويرى السيابي في هذا الصدد أن نجاسة غير المسلمين نجاسة معنوية، وليست حسية ويمكن التعامل معهم فى الأكل والشرب، إلا أن هناك بعض الأسر يتحفظون ويرفضون غسيلهم للملابس ومسهم للطعام. ويقول: التاريخ الإسلامي والعماني بشكل خاص يوضح أن المسلمين تعايشوا مع غيرهم من أهل الكتاب أو المجوس، وكانوا يأكلون معهم.

معاملة غير المسلمين

ويؤكد السيابي أن هذا هو الإسلام، وأن القرآن دافع عن اليهودى الذى اتهمه المسلمون بالسرقة (عندما سرق مسلم شيئا من منزل مسلم آخر)، وحتى لا تقطع يد ذلك المسلم تم اتهام اليهودي، فنزلت آيات تعاتب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الموقف {ولاتكن للخائنين خصيما}، وكذلك آيات من سورة المائدة.

ومن بين صور التعايش التي رصدها السيابي خلال البحث، صحيفة المدينة، والتي يؤكد أنها: "خير مثال للتعايش، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان لديه جار يهودى يزوره، وقد لقنه الشهادة عندما جاءته لحظة الموت، وكذلك قصة سيدنا عمر بن الخطاب الشهيرة مع اليهودى المسن الذى سأل ابن الخطاب وسأله عمر كيف تسأل؟ فقال له: أنا مسن ولم يعد لدى شيء، فقال له عمر: "والله ما أنصفناك، لقد أخذنا منك الجزية وأنت شاب قوي، فهل نضيعك وانت مسن؟"، وأدخلة رضي الله عنه إلى بيت المسلمين وأمر أن يُعطى له عطاءً مستمرا. ويستنتج السيابي من هذه الروايات أنه ينبغي على المجتمع المسلم ان يعمل بكل طاقته لتفادي التوتر الطائفي، ويشير في هذا الصدد إلى صحيفة المدينة وهى أول دستور يقر حق المواطنة بين المسلمين وطوائف اليهود، وهو ما دفع العلماء المعاصرين للاقتباس من صحيفة المدينة مواد دستورية.

ويستطرد: عندما أقيم معرض فى إسبانيا بمدينة ترهونا، وكان أحد الكهنة حاضرًا، وعقب حديثنا عن الإسلام والتسامح، قال إن هذا الحديث جعلنى أحب محمد صلى الله عليه وسلم، وفى ألمانيا عقدنا اجتماعا وفى الأثناء، قال أحدهم إنه لديه استفسارات عن خطبة الجمعة وأنهم يشاهدون المرأة محجبة فى عمان، وتساءل عن الدوافع وراء ذلك. ويقول السيابي إنه أجاب الرجل قائلا إن خطبة الجمعة ينبغي ألا تكون منبرا للصراعات، بل إنها مناسبة دعوية تضيء لجموع المصلين جوانب مختلفة عن الدين، أما عن حجاب المرأة، فيقول السيابي: إن سلطنة عمان لا تفرض الحجاب على النساء، وإن ما ترتديه فهو خمار وليس الحجاب الذى يستر الوجه، فهنالك بعض المذاهب ذهبت إلى أن الحجاب خاص بزوجات النبى صلى الله عليه وسلم فقط، ويوضح أن المرأة المسلمة ترتدي الحجاب لأنه فريضة مطالبة بتنفيذها، وعلى الرغم من ذلك لا تفرض السلطنة على النساء ارتداءه، مستشهدا بما قاله مواطن أمريكي عن أن الحرية التى وجدها فى عُمان غير موجودة فى أمريكا، وأن التعايش يؤدى إلى تطور الدول ويعود عليها بالنفع.

إسهامات متعددة

وبالحديث عن إسهامات الشيخ أحمد السيابي في عدد من المجالات، يقول إنه عضو بمؤسسة البيت الملكي، وهي مؤسسة بالمملكة الاردنية الهاشمية، وكانت تعقد في السابق مؤتمرا سنويا، والان أصبح كل سنتين بحضور عدد كبير من المفكرين والعلماء. ويضيف: مشاركتنا كانت بالبحوث، وكنا نوضح فكرنا وحضارتنا وتاريخنا.

ويتابع الشيخ أحمد بقوله: إنه أيضا عضو فى مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف في مصر، وهو مجمع له قيمة كبيرة، والآن معظم المواقف الدينية تخرج منه، حيث إن العضوية فيه تمثل مكسبًا للإنسان، كما أنه عضو فى رابطة الأدب الإسلامية العربية، وعضو فى مجمع الفقة الإسلامى الدولى التابع لمنظمة التعاون الإسلامى. ويزيد أنه يشارك فى اجتماعاته وبحوثه ويلتقي المفكرين؛ الأمر الذي يحقق مكسبًا للجميع سواء مشاركين أو مستفيدين. أما في داخل السلطنة، فإن السيابي عضو اللجنة الاستشارية العليا للمنتدى الأدبي وعضو لجنة المطبوعات بوزارة التراث والثقافة، إضافة إلى لجان أخرى، كما شارك فى وضع وصياغة قوانين الاحوال الشخصية محليا وعربيا وخليجيا، قائلا: "كنت على رأس الفريق الذى اعد قانون الأحوال الشخصية بالسلطنة، وكنا أربعة، وخرجنا بقانون الأحوال الشخصية الذى يطبق الآن بالمحاكم".

مؤلفات وأعمال

ويرى الشيخ أحمد أن أمور الخير والعلم لا سقف لها، وأنه كلما تقدم المرء وجد أن الطريق لايزال طويلا، وأن المرء مطالب دائما ببذل الجهد والغالي والثمين للوصول إلى ما يسعى إليه، فالحياة لا مجال فيها للكسل أو التراجع.

ويوضح السيابي أنه لا يستغني دائما عن العودة إلى أمَّات الكتب والمؤلفات والمصادر المختلفة، قائلا: اطلاعي على المعارف المختلفة والعلوم الدينية منحني الفرصة لأضع نحو 40 بحثا محكما، وأتوقع أن تصدر جميعها في كتب ومؤلفات بعد تنقيحها وزيادتها. ويضيف: هذه المؤلفات تضم أعمالا ادبية وفقهية وفكرية وتاريخية وحضارية، وكتبت لها مقدمات لحوالى 40 كتابا. أما بالنسبة للمؤلفات، فيقول السيابي: "كتاب بيت المال فى عمان" هو رسالة الماجستير، والعام الماضى صدر لى كتاب "التاريخ العمانى"، وهناك إضافات في الطبعة الثانية، وايضا كتاب "معالم السيرة النبوية" وكتاب "فى التاريخ"، من معهد العلوم الشرعية.

ويقول الشيخ أحمد: إن اشكالية الخطاب الإسلامى أنه يعاني الانقسام بين التيارات، وهو فى حاجة إلى لم الشمل الآن، وهناك التيار المحافظ والتيار التقليدى والتيار الإصلاحى التجديدى، وهناك مذاهب طرحت نفسها بقوة التوتر الطائفى، والكل ينحاز إلى مذهبه. ويرى السيبابي أن هذا التوتر الطائفي نابع من فكرة القبلية، فكان يقال قديما إن القبيلة اذا لم تجد ما تعاديه تقاتل بعضها، وهكذا هو حال المذاهب، وهنا ضاعت القيم، ولكن دائما العودة إلى المنابع والعهود الأولى للإسلام يخلق اتفاقا، حيث إن الإسلام فيه الثابت والمتجدد، ومن المؤكد أن الآيات القرآنية لا يمكن تغييرها وكذلك الأحاديث الصحيحة، إلا أن الفقة هو الوسيلة لفهم الدليل، فالأصل ثابت وإنما الفقه متغير. ويضيف بأن الإمام الشافعي كان يقول لتلاميذه "لا تكتبوا عنى رأيًا اليوم لعلى أرجع عنه غدا"، وذلك من منطلق أن لكل بلد خصوصياته وحراكه، مما يتطلب تطبيق فقه الواقع، فالقيم فى الاسلام واضحة وهى دين ابراهيم علية السلام، والنبى (صلى الله عليه وسلم) جاء لتصحيح العقيدة والشريعة.

ويتابع السيابي: القيم الحقيقية سلوك إنساني، تمسكت به العرب تمسكا دقيقا، والعرب تدينوا بملة إبراهيم منذ القدم، لم يتأثروا باليهودية ولا النصرانية إلا كأفراد، ولذلك نجد الصدق والكرم والوفاء وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وكل هذه السلوكيات من دين سيدنا إبراهيم وتوارثتها العرب، وأقر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القيم وأكد أنه بُعث ليتمم مكارم الاخلاق، مما يعني أن هذه السلوكيات تم تقنينها وتطبيقها وفقا لأحكام الشرع الحنيف، والآن هذه القيم أصبحت معروفة للجميع وحتى غير المسلمين يعملون بها، وربما لم يأخذوها من الإسلام باعتبار أنها فطرة، فالغرب عندما تخلى عن أمورة الفكرية وعاد إلى فطرته وجدناه يلتقى مع الإسلام فى هذه المعطيات؛ الصدق والتسامح والوفاء والكرم ونصرة المظلوم، ولكن الاختلاف يكمن في أن المسلم يثاب على هذه الأعمال، بشرط أن يكون العمل لوجه الله وليس بحثا عن شهرة، وإذا عمل المسلم أيَّ عمل آخر يُعاقب عليه، فالنية هى التى توجه العمل، وهو ما يفرض علينا العودة إلى المفاهيم العامة، وهناك فارق بين الخطاب الإسلامى والإسلام.

التعايش في السلطنة

ويرى السيابي أن العمانيين تعايشوا مع غير المسلمين على مر العصور، وفي هذا المنطلق، فإن احترام غير المسلمين يسبقه حتما احترم المسلميين؛ فالعمانيون تعايشوا؛ حيث إن السني والإباضى يتصاهرون ويتداخلون مع بعضهم، خاصة بين أهل السنة والإباضيين، وبينهم ارتباط قبلي. ويضيف بأن دور العمانيين في نشر الإسلام معروف لدى الجميع، ومدون في كتب التاريخ، فعبد العزيز العمانى هو من توصل إلى إمبراطور ملاوى بماليزيا، وأقنعه بالإسلام هو وحاشيته ووزراءه، وانتشر الإسلام هناك، ولا يزال مسجد يسمى "مسجد عبد العزيز" قائمًا في ماليزيا.

ويؤكد السيابي أن هذا التعايش بين العمانيين يجب أن يسود ويستمر، لأن المغرضين دائمًا ما يحاولون أن يتسللوا فيما بيننا ويجب أن تسود الوحدة العمانية سواء كانت دينية أو مجتمعية أو قبلية تحت مسمى عمان والوحدة العمانية.

ويوضح الشيخ السيابي أن مكتب مفتي عام السلطنة جزء من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وهناك أمور متداخلة بين المكتب والوزارة، غير أن مكتب المفتي وظيفته الأساسية الإجابة عن استفسارات المسلمين فى الامور الدينية، كما أن دائرة الفتاوى تقوم بهذا الدور، وهناك خط ساخن لتلقي المكالمات الهاتفية ومراسلات بالإنترنت، فضلا عن إصدار البحوث والمشاركة فى المؤتمرات وجانب الدعوة والوعظ، مما يجعلنا جزءًا من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

الصيرفة الإسلامية

وبالانتقال للحديث عن الصيرفة الإسلامية، يمتدح الشيخ أحمد السيابي جهود علماء المسلمين في هذه الأفكار التى أوصلت الصيرفة الإسلامية إلى هذا المستوى المتقدم. ويقول: إن الجهود استمرت لما يقارب 40 عاما، وكان أول بنك إسلامى يتم افتتاحه كان فى عام 1975، ولقد بذل علماء المسلمين جهودا كبيرة وعقدوا الندوات والمؤتمرات، ومجمع الفقه الإسلامى كان يخصص 60% من دوراته للاقتصاد الإسلامي.

ويؤكد السيابي أن الوسط الدينى او الاسلامى يشجع هذا التوجه، قائلا: سماحة الشيخ المفتى كان يطالب بهذا منذ فترة طويلة ولكن توقيت التدشين فى السلطنة لم يكن مناسبا، وستحقق الصيرفة الإسلامية نجاحا في السلطنة لارتباط معاملات المواطنين بالعاطفة الدينية، لما تمثله الصيرفة الإسلامية من اطمئنان للمسلم.

ويضيف: الصيرفة الإسلامية ستعيد الأموال العمانية المهاجرة إلى الخارج والتي تقدر بمليارات الريالات.

-----------------------

جريدة الرؤية : الثلاثاء والأربعاء, 16 ، 17 أبريل/ 2013