خرج أبو بلال مرداس[1]- رحمه الله- مع صاحب له، فبينما هو يسير في الطريق إذ مر بحدادين فنظر إليهم فغشي عليه، فلم يزل به الرجل يرش على وجهه الماء حتى أفاق.

ثم سارا فاستقبلتهما امرأة جسيمة بهية عليها من الكسوة والهيئة ما الله به عالم، فلما نظر إليها أبو بلال سقط مغشيا عليه، فلم يزل صاحبه يرش الماء على وجهه حتى أفاق فسارا.

   فبينما هما يسيران استقبلهما رجل على برذون في نزهة وهيئة عجيبة وخلفه غلمان، فلما نظر إليه أبو بلال غشي عليه، فلم يزل صاحبه يرش الماء على وجهه حتى أفاق.

فقال له: « يا أبا بلال- رحمك الله- ما هذا؟ أما المرة الأولى فقد علمت أنك عاينت النار بذلك، فحدثني عنك حين رأيت المرأة والرجل »، فقال: « أما المرأة فإني لما رأيت عظمها وحسنها وما هي فيه من الهيئة ذكرت تقلبها في النار، فكان ما رأيت، وأما الرجل فكنت أراه كثيرا يشهد مجالس المسلمين فذكرت سوابق الشقاء، فكان ما رأيت ». (طبقات المشايخ، الدرجيني، ج2 / 225، 226)

 

*****

   إن الذي يعيش مع الله بصلاح قلبه وطهارة نفسه ونقاء ضميره ليحس بأن روحه تحلق في عليائها ، تقتبس من بحار أنوار المراقبة فتستحيل إلى سمو في الفكر والعقل والوجدان، فشتان بين من تأسره شهوته وتكبله بأغلالها، وبين من تعالى عن هوائه ونزواته .

 

   ومن أولئك الأفذاذ أبو بلال- رحمه الله- فإنه نظر بعين المعتبر المتفكر في آيات الله، وقف على بعض الحدادين يسجرون النار لتليين الحديد، فهاله ما رأى وأخذ منه كل مأخذ، كيف لا وقد ذكره بالنار وما فيها من أهوال تطير لها العقول، وتطيش الأفهام، ويحار اللب، ويشيب الوليد .

 

   ولننظر إلى هذه الصورة الشديدة من وصف النار وأهلها، قال تعالى: ] فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ[[2]، وكفى بها من صورة تأخذ بمجامع القلوب الوجلة؛ لترى عذاب الله رأي العين، فيخاف أن يكون من أولئك، فيصيبه مما يصيبهم، وأنى له الإطاقة بنار تلظى، من دخلها لا يموت فيها ولا يحيا.

   إن أحدنا تكاد نار الدنيا تلفح وجهه عندما يوقدها لصنع طعامه، فلا يطيق لهبها، فيسرع متنائياً من حرها، فكيف لو صلاها؟! بل كيف بنار الآخرة التي لا تساوي نار الدنيا مع سعيرها وتسجيرها شيئاً، وصدق من قال:

تفر من الهجير وتتقيه *** فهلا من جهنم قد فررتا

   لذلك جعل مالك الملك سبحانه نارنا هذه تذكرة بتلك، لمن كان يُعمل فكره، ويتحرك قلبه، وهذا بعض ما يستفاد من قول الحق تعالى] أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ، نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ[[3].

 

   فلما شاهد أبو بلال- رحمه الله- مِن فِعْل أولئك الحدادين ما شاهد خر مغشياً عليه، فلما أفاق علم صاحبه ما أصابه، لذلك قال له: « فقد علمتُ أنك عاينت النار بذلك ».

 

   وهذا الموقف ليس بالموقف الوحيد له- رحمه الله- في هذا الشأن، فقد ذكر الدرجيني أن أبا بلال مر بأعرابي يداوي بعيره بالقطران، فسقط- رحمه الله- مغشياً عليه، فظن الأعرابي أنه أصابه صرع، فلما أفاق قال له الأعرابي: « إني قد قرأتُ في أذنك »، فقال مرداس: « ليس فيما خفته عليَّ، ولكن رأيتُ بعيرك هرج[4] من القطران، فذكرت به قطران جهنم، فأصابني ما رأيت »، فقال له: « لا جرم، والله ما فارقتك »[5].

   فما أعظمها من قلوب امتلأت من مخافة الله وعذابه! وكم نشاهد النار ولا تفعل فينا ما فلعته في أبي بلال، وذلك لأن قلوب أولئك تزكت فرقت، وقلوبنا غفلت فقست، وكان نظرهم فكراً وعبرا، وكان نظر بعضنا غفلة وسهوا .

***

   وفي الثانية استقبلته- رحمه الله- امراة جسيمة بهية، إنها منظر فتنة، وما كان أبو بلال لينظر إليها نظر متثبت من وصفها لولا أنها استقبلته، فلما أبصرها خر مغشاً عليه، ما الذي دعاه لذلك؟! أي شيء أثر في نفسه ذلك التأثير العظيم؟!

 

   إن هذا المشهد ربما لو رآه عبد شهوته لأسر لبه وقلبه، وأوقعه في بوائق الآثام، وأنت ترى من يمتع ناظريه بنظر يستلب الإيمان من قلبه استلاباً، وربما وقع في نفسه من التفكير المحرم ما يسوقه إلى متابعتها والتذلل لها؛ لعلّها تمنُّ عليه بنظرة، أو تجود عليه بخلوة ومتعة، فيقع فيما يوبقه في زمن الفتن والمغريات .

   لكن أبا بلال- رحمه الله- ليس من ذلك الصنف، فبدل ان يضاحكها أو يتبعها نظرة تحرق قلبه، أشفق عليها خشية أن تموت على حالة تغضب الله، فتكون من أهل النار، قال رحمه الله: « فإني لما رأيت عظمها وحسنها وما هي فيه ذكرت تقلبها في النار » .

 

   إن من مفاتن هذه الحياة ما يصد المرء عن طاعة ربه، وإنما جعلها الله لعباده ابتلاء وتمحيصا، يقول جل ذكره:) وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ([6]، وفتن الدنيا متنوعة، منها ما ذكره الحق في قوله) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ([7]، ومع ذلك جعلت لتحقيق غايات سامية من خلافة الإنسان في الأرض، فلا يطغى فيها ولا يسرف، فإن خرجت عن غاياتها كانت نكالاً، وعلى صاحبها وبالا .

   والبشر بعضهم لبعض فتنة، فهم بين شد وجذب، والصادق في إيمانه من تكون فتنته رفعة ونعماء، ومنهم من تكون عليه نقمة وبلاء، وقد نبَّه سبحانه إلى ذلك بقوله) وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ؟ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً([8]، فالفتنة لا بد منها، ولكن ليس الفلاح إلا للصابر وحده، فهل تصبر؟ سل نفسك، وعند الجواب تعرف أين موضع قدميك من الحق .

***

   وفي الثالثة استقبله رجل على برذون- وهو مركوب فارهٍ- في هيئة عجيبة، هذه الهيئة الفخمة هي التي دعت أبا بلال- رحمه الله- إلى التأثر، وعلل ذلك بقوله « أما الرجل فكنت أراه كثيراً هو يشهد مجالس المسلمين، فذكرت سوابق الشقاء » .

 

   نعم، إن سوابق الشقاء تورد المرء الحتوف، ولو كان على حظ وافر من الإيمان والتقوى والصلاح، إذ أن مكر الله تعالى غير مأمون) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ([9]، وسيد البشرr كان يكثر من هذا الدعاء « ‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏ »‏[10]، ودعاؤه لربه « اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك‏ »‏[11]، وفي حديث عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال: « فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها, وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها »[12]، فإذا كان هذا المصطفى المجتبى، فكيف بالمغرور والغافل واللاهي ؟!

 

   وربما انساق المرء ساحباً ذيل غروره، وهو يحسب- لبعض عمل صالح عمله-أنه من المحسنين والمقربين، ومن أولياء الله الصالحين، وما درى أن بساط الرحمة قد سحب من تحته، وأنه اغتر بنفسه وانتفخ، فإذا حان حينه بانت له سوابق الشقاء، وانكشف عنه الغطاء، واقرأوا إن شئتم قوله تعالى) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً([13]، وقوله) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ([14].

 

   إن منا من أصيب بداء الشهرة الباطلة، فصارت ألسنة الناس تثني على فعاله، فعل كذا وكذا، ورفعوه فوق قدره فانتفخ وعاش الحياة بغروره فتزيا وتبختر، فلما حانت ساعته انكشف غطاؤه وظهرت عورته، فافتضح أمره فأتبعه شيطانه فكان من الغاوين .

 

   لذلك استشعر أبو بلال- رحمه الله- ما استشعر بفكره النير الذي ساقه إلى الخشية، ليعود على نفسه بمحاسبتها ومراقبتها وزمِّ جماحها بزمام التقوى، ويكبح من غلوائها وفخرها، ويتفحصها صباح مساء حتى لا تشرد به ولا تند، فيوقفها على أمر الله، ومع ذلك يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، لا يستكثر ما عنده من علم أو عمل أو تقوى، بل يسأله سبحانه دوامه ومزيده، وقبل هذا وذاك الإخلاص وعدم الميل عنه، فلا يزال كذلك حتى يُختم له بخاتمة السعادة.

***

   أيها الإخوة:  

   تمر بالإنسان شتى مواقف وأنواع صور في لياليه وأيامه، إنها مواقف متعددة وكثيرة، لا يمكن حصرها ويستحيل عدها، منها الجليل والحقير، ومنها الصالح والطالح، وتتراءى في صور الخير والشر والحق والباطل، كما أن منها المواقف العابرة التي لا تلبث ثوانٍ وتتلاشى، ومنها ما يطول، ومنها التافه الحقير الذي لا يؤبه به .

 

   إننا ننظر إلى صور كثيرة، ونسمع أصواتاً متعددة، وتتراءى أمامنا مناظر متنوعة، وربما لو عدَّها عادٌّ ليومه وليلته لوجدها بالعشرات، وربما لا تعني للكثير منا شيئا، فهي مواقف طبيعية لا تجلب الإثارة، ولا تبعث على الفكر.

 

   كثيرا ما نمر على صنوف البشر من نعرفه ومن لا نعرفه، ولا يمثلون لنا شيئا    بقدر قضاء مصالحنا عندهم، والتعامل معهم بقدر أداء حقهم ومعرفة واجبهم، ونرى الأشجار والأنهار، والأرض وما عليها من حيوانات وكائنان، منها ما نتأمله وكثيرا ما نهمله .

 

   ونرى فتن الدنيا وشهواتها وبهرجها: مالها، جمالها، خضرتها، لهوها، زينتها، شهواتها، فيأخذ منها العاقل ما يبلغه دار القرار، ويعرض عن باقيها خوف سمها الناقع وبلائها الواقع، والبعض منا يقع في حمأتها، ويرتكس في مستنقعها، ويرشفها رشفاً منقطع النظير، يُقطِّع حياته من أجلها، ويفني عمره سعيا لها، فهو يعيش بها ولها، ولنيلها تجاوز كل الآداب والقيم والحدود، وداس على الكرامات، وامتهن نفسه، وأهلك الحرث والنسل، فتشبع في دنياه بهواه وخسر أخراه، ذلك الخسران المبين ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً([15].

 

   فسبحان الله! ما أغفل الإنسان حين ينسى ربه خالقه ومعبوده المتفضل عليه بشتى صنوف النعم! بينما سبَّح له كل شيء، وانقادت له الكائنات، وخضعت له منقادة مذعنة ساجدة إلا هذا الإنسان فإنه جرى عكس التيار، يقول سبحانه: ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ([16]، وقد أحسن من قال:

الشمس و البدر من أنوار حكمته   والبر والبحر فيضٌ من عطاياهُ

الوحش مجًده  والطير سبًحه   والموج كبرًه والحوت ناجاهُ

والنمل تحت الصخور الصًم قدَّسه   والنحل يهتف حمدا في خلاياهُ

والناس يعصونه جهرا فيسترهم   والعبد ينسى و ربى ليس ينساهُ

   الموصول بالله هو الذي يمر على تلك المواقف بفخامة إيمانه، وصدق يقينه، وسلامة فطرته، وقوة توكله، فيحولها إلى مواقف إيمانية صادقة تحرك وجدانه، وتشحذ إيمانه، وتستعلي به إلى نعمة التفكر في آيات الله وآلائه ، تلك النعمة التي حرمها منا كثيرون.

 

   والفكر في آيات الله عبادة ما أعظمها، وما أحلاها وما أجملها، ينظر فيما حوله من آيات، إنه ينظر بعين عقله وقلبه وبصيرته، لا بمجرد بصره، فيتراءى له من عظمة الخالق الجليل، وقدرته وبديع خلقه وكماله ما يعجز عن وصفه، ويندهش في تصوره، فيغيب عن عالم الشهود، ليعيش بوجدانه عظمة الخشية والمراقبة، وقمة اليقين وعمق التجليل للطيف الخبير.

 

   إن أحدنا ليعجب من جمال الوردة، فكيف بالذي سواها! ويرى عظمة الجبال الراسيات، فكيف بمن أرساها! ويرى الرياض النضرات، فكيف بمن حلاها! ويرى أجناس الكائنات، فكيف بمن براها! فالله أعظم وأجل وأعلا وأرفع.

 

   لذلك عجز عن وصفه الواصفون، وحار في عظيم صنعه وقدرته المبصرون، ووجل من خشيته العارفون، وسما إلى أعلى درجات خشيته العالمون، فرأوا أُنساً انقطعت دونه المنى، وعجزت عن درك بعضه النهى ) إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ([17]:

 

هو الله فاعرفه ودع فيه مَن وما

دعاك ولم يترك طريقك مُظلما

عن الحق نحو الخلق يدفعك العمى

تقدم إلى باب الكريم مُقدِّما *** له منك نفساً قبل أن تتقدما

   لذلك جاء تعظيم فضل التفكر في آلاء الله وآياته؛ لأنها تضيء البصائر وتحيي القلوب، وتصعد بالإنسان من دنس شهواته إلى طهر روحه ونقاء نفسه، عن عبد الله بن عباس أنه بات عند السيدة ميمونة زوج رسول الله r وهي خالته، قال ابن عباس: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله r وأهله في طولها، فنام رسول الله r حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، فاستيقظ وجعل يمسح النوم بيده عن وجهه، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلق فتوضأ منه فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي .. الحديث[18].

 

   وبداية خواتيم آل عمران من قوله تعالى) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ([19] إلى آخر السورة الكريمة .

 

 

[1]- أبو بلال مرداس بن حدير بن عامر بن عبيد بن كعب الربعي الحنظلي التميمي ويكنى بابي بلال من عظماء الشراة وأحد الخطباء الأبطال، شهد صفين والنهروان، وكانت وفاته سنة 61هـ /680 م، الورِع الزاهد المجاهد في سبيل الله ؛ الذي عاش في زمن الوالي الجائر زياد ، فسمع أبو بلال زياداً هذا يقول على المنبر : « والله لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر بالغائب والصحيح بالسقيم ) فقام إليه أبو بلال فقال له : ( قد سمعنا ما قلت أيها الإنسان ، وما هكذا ذكر الله عن نبيه إبراهيم u، إذ يقول : ] وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) ألا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأن لَّيْسَ لِلأنسَانِ إِلا مَا سَعَى ( 39 ) وَأنَّ سَعْيَهُ سَوْف يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأوْفَى [ وإنك تزعم أنك تأخذ المطيع بالعاصي » .

   وعندما رأى أبو بلال جور ولاة بني أمية ، قال : « إن المقام على هذا لعظيم » ثم خرج بأصحابه لا يريد قتالاً ولا اعتداءً على أحد ، ولكن بني أمية خرجوا لقتاله ، فهزمهم أبو بلال وأصحابه ، ثم أرسل إليهم بنو أمية جيشاً كبيراً فقاتلوا أبا بلال وأصحابه حتى حانت صلاة الجمعة ، فطلب منهم أبو بلال أن يكفوا عن القتال حتى يصلوا الجمعة ، فوافقوا على ذلك ، ولكن جيش بني أمية لم يمهلوهم حتى ينتهوا من صلاتهم ، فهجموا على أبي بلال وأصحابه قبل أن ينتهوا من صلاتهم ، فقتلوهم بين راكع وساجد ، فعليهم رحمة الله ورضوانه .

[2]- الحج:19-22  

[3]- الواقعة:71-73

[4] - هرج: أي اختلط البعير واضطرب من وقع حرارة القطران عليه .

[5]- الطبقات، ج/ 217 ، 218

[6]- الأنبياء: 35

[7]- آل عمران: 14

[8]- الفرقان: 20

[9]- الأعراف: 99

[10]- رواه الترمذي برقم 214

[11]- رواه مسلم برقم 96

[12]- رواه مسلم ، الباب الأول في القدر .

[13]- الكهف: 103 ، 104

[14]- فاطر:8

[15]- الإسراء:18

[16]- الحج:18

[17]- فاطر:28

[18]- رواه الربيع برقم 206

[19]- آل عمران: 190، 191