الدعوة إلى الاتحاد بين الناس كالدعوة إلى توحيد الله‎

الخليلي: الضرورة داعية إلى أن يحمل كل فرد همّ الأمة ووحدتها 

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في محاضرته (الوحدة الإسلامية بين الواقع والمأمول) في جامعة السلطان قابوس على ان الضرورة داعية إلى ان يكون كل فرد من افراد الجنس البشري يحمل هم الأمة ووحدتها وألفتها وتقاربها وعزتها وظهورها ونحن نرى ان هذه التربية كانت في السلف الصالح عندما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الشتات والف بين القلوب التي كانت متنافرة حتى كانت هذه القلوب كلها تنبض بنبض واحد تنبض بحب المؤمنين تنبض بالرغبة في تحقيق الخير في هذه الارض تنبض بانتشال الانسانية من الضياع وهداية هذه الانسانية الى الحق لتنعم بهذا الحق، تنبض بهاجس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الله سبحانه وتعالى فكانت هذه القلوب كقلب رجل واحد.

الله سبحانه وتعالى لم يترك العنصر البشري يعيش في هذه الارض كما يعيش سائر خلق الله سبحانه وتعالى وانما ميز هذا الجنس البشري بما اودعه في طبيعته من اسباب الخير اذ الله سبحانه وتعالى فطر الناس فطرة سوية وقد جاء دينه وجاءت الدعوة التي ارسل بها رسله وانزل بها كتبه منسجمين تمام الانسجام مع هذه الفطرة فقد قال تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) وقد جعل الله سبحانه وتعالى في طبيعة هذا الجنس البشري داعية الألفة و التعاون إذ حياة الانسان حياة اجتماعية فلا يستقل اي احد بشؤونه وانما كل فرد من افراد الجنس البشري هو بحاجة الى الآخرين فكل فرد بحاجة الى الاسرة التي يعيش في أكنافها ويستمد منها القوة وكل اسرة هي بحاجة ايضا الى سائر الأسر فهي بحاجة الى المجتمع وكل مجتمع هو بحاحة الى الأسرة الكبرى إلى الأمة التي يجتمع بها الشتات.

والله سبحانه وتعالى عندما بعث عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم كانت دعوته عليه أفضل الصلاة والسلام التي تتمثل في القرآن الذي أنزله الله وفي السنة المطهرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجسدها بقوله وعمله وتقريره كان كل ذلك مما يدعوا الى الاتحاد بين الناس فكانت الدعوة منسجمة تمام الانسجام مع مقتضيات الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الخلق عليها.

فكانت الدعوة الى الاتحاد بين الناس كالدعوة الى توحيد الله عز وجل فقد قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وفي هذا السياق نرى ان الله سبحانه وتعالى يأمر عباده ان تكون منهم امة تدعو الى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فإن لهذه الدعوة الخيرية الجامعة ما يؤلف بين القلوب المتنافرة ويوحد بين الناس على اختلاف مشاربهم وعلى اختلاف الوانهم وعلى اختلاف السنتهم عندما يستجيبون لداعي الله سبحانه وتعالى وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يقضي على الفساد ويأتي على كل سبب من اسباب التفرق والاختلاف فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انما يعنيان ان يقف كل احد في حدود الحق والا يتجاوز حد الحق الى الباطل ومن المعلوم ان الناس عندما يتمسك كل واحد منهم بعروة الحق لا ريب ان قلوبهم تتآلف وتتحد حتى تشكل جميعا ارادة واحدة ومشاعر متحدة واحاسيس غير مختلفة فالله سبحانه وتعالى عندما بين وحدة هذه الأمة ذكر عبادته وذكر تقواه وقد قال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) وقال (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) ومعنى ذلك ان اجتماع الأمة يتم في ظل عبادة الله سبحانه وتعالى وإخلاصها له وإخلاص العبودية له.

كما ان ذلك انما يتم في ظل تقوى الله سبحانه وتعالى عندما يستمسك كل احد بالعروة الوثقى فلذلك امر الله سبحانه وتعالى امر هذه الامة ان تكون امة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر لان في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر معقد الترابط ومناط التآلف بين المؤمنين والمؤمنات فالمؤمنون والمؤمنات يجب ان يتولى بعضهم بعضا وهذه الولاية انما تتم باجتماع عناصرها واسبابها التي بينها قول الله سبحانه (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فإذن من الضرورة الملحة ان يحرص كل احد على تحقيق هذا الخير على الدعوة بالمعروف النهي عن المنكر مع الحرص على الاستقامة وانتم ترون في آية التوبة بدأ الله سبحانه وتعالى ذكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل اقام الصلاة وايتاء الزكاة وما ذلك إلا لأهميتهما لان المحافظة على اقام الصلاة وايتاء الزكاة انما تتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و كذلك بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما بين خصيصة هذه الأمة قبل أن يذكر الايمان مع أهمية الايمان وما ذلك إلا ان حقيقة الايمان انما يحافظ عليها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قال الله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

واذا كنا نجد في ما ذكر الله سبحانه وتعالى من وحدة الامة ان العبادة والتقوى سبب لهذه الألفة الجامعة وانصهار الامة جميعا في بوتقة واحدة حتى تكون ارادتها واحدة واهدافها واحدة وآمالها واحدة وآلامها واحدة فإنه ولا ريب نجد في العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى ما يدعوا الى هذه الألفة ويدعم هذه الوحدة فكل عبادة من العبادات ذات أثر كبير من الناحية الأخلاقية ومن الناحية الشعورية تذكي في نفس الانسان جذوة الايمان فتجعله ينجذب الى الآخرين ويتعاطف مع الآخرين ويحرص على ان يمثل الصفة الايمانية التي تجمع بين المؤمنين التي اخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

 

الصلاة

كل عبادة من العبادات هي ذات اثر كبير في اعداد المسلم اعدادا صحيحا ليكون عضوا بناء في اسرته وفي مجتمعه وفي امته وفي الأسرة البشرية بأسرها كل عبادة من العبادات المشروعة في الاسلام تؤدي إلى هذه الغاية، حسبنا هذه الصلاة، ونحن نرى في هذه الصلاة يعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف نوجه العبادة اليه بصيغة جماعية لا بصيغة فردية فكلنا يقول في صلاته إياك نعبد وإياك نستعين، لا يقول من احد اياك اعبد واياك استعين هذا لوجوب انصهار هذه الامة في بوتقة واحدة تجمع هذا الشتات حتى يكون المسلم في اي بقعة كان من الارض يحس بمشاعر اخوانه يتألم لألمهم ويفرح لفرحهم وهذا ما بين الرسول صلى الله عليه وسلم ان الايمان مرتبط به عندما قال عليه افضل الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فإذن داعية الارتباط موجودة في هذا الدين في العبادات بأسرها نحن نرى هذه الصلاة كيف تستل هذه الصلاة السخائم والاحقاد من النفوس عندما تؤدى على الوجه المشروع بحيث تنبض من القلب فتكون كل كلمة من كلماتها تنزل على القلب فتنزل فيه السكينة وتنزل فيه الشعور بالمثول بين يدي الله سبحانه وتعالى والتوجه الى الله وذلك عندما يكون معنى تلك الكلمة أسبق الى الذهن من لفظها إلى اللسان فهكذا يجب وينبغي ان يؤدي الانسان صلاته.

وهذه الصلاة كما قال الله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) عندما تنهى الصلاة عن الفحشاء وتنهى عن المنكر لا ريب ان هذه القلوب قلوب المصلين تتآلف فيم ابينها وتتوحد حتى تكون كقلب شخص واحد.

 

الصيام

واذا جئنا الى الصيام نجد ان الصيام ايضا هو مما يذكي جذوة هذه الوحدة في نفوس عباد الله تعالى الصائمين.

الصيام حسبنا منه انه يذكر ذوي اليسر بحاجة ذوي الاكباد الجائعة والأجسام العارية بحيث يشعر الانسان كيف حاجة المحتاجين عندما يتضور جوعا في نهاره وهو يصبر على ذلك، وكذلك في الصيام تعويد على النظام لان الصائم يفطر في ميقات واحد ينتظم الجميع في كفهم عن الطعام والشراب وفي فطرهم بحيث يكفون جميعا في وقت واحد عندما يبزغ الفجر الصادق ويتناولون فطورهم جميعا في وقت واحد لا فرق بين احد وآخر ونحن نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم بجانب هذا ايضا يبين لنا ان الصيام مدرسة اخلاقية يتعود فيها الانسام على مكارم الاخلاق إذ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن احد سابه او قاتله فليقل اني صائم) هذا مع تعويد الصيام للصائمين عن الكف عن كل المنكرات وعن كل ما لا يستساغ شرعا إذ الصيام يقيد الجوارح ويضبط النفس حتى لا تندفع الى حرمات الله تعالى ولذلك غيا الله سبحانه وتعالى مشروعية هذه العبادة بالتقوى عندما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، الصيام يؤدي الى هذه الغاية والنبي صلى الله عليه وسلم ان الصيام المعتد به هو الصيام الذي يضبط الانسان فيه نفسه ضبطا فلا تتسارع الى اي معصية من معاصي الله اذ النبي عليه افضل الصلاة والسلام يقول (ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله) ويقول (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

 

الزكاة

واذا جئنا الى الزكاة نجدها ايضا تؤدي الى هذه الغاية لأنها تعود الانسان البذل والانفاق في سبيل الله والشعور بحاجات المحتاجين والتألم بألم المتألمين فالزكاة ترقق المشاعر وترهف الحس والوجدان وتفجر في نفس الانسان عواطف الرحمة تجاه اخوانه عندما يؤدي هذه الزكاة على الوجه المشروع.

وهي مع ذلك تردم الهوة وتقضي على الهوة التي تكون بين الاغنياء و الفقراء ، فينعم الفقراء بما في ايدي الاغنياء من الاموال من خلال هذه الزكاة التي يدفعونها اليهم فهي تطهر النفس البشرية من الشح وتنمي فيها معاني الخير ولذلك سميت زكاة، لان كلمة الزكاة تدل على الطهارة وتدل على النماء معا فهي تنمي الاخلاق الفاضلة وتقضي على اسباب الفساد تقضي على الشح وتقضي على الشهوة المالية الجامحة التي ان تغلغلت في نفس الانسان اردت الانسان وأعمته عن كل فضيلة، ولكن عندما يتعود الانسان بذل المال لا ريب ان مشاعره ترق وهذه تربية لهذه النفس البشرية.

 

الحج

وكذلك اذا جئنا الى الحج ناهيكم ان الحج يجمع هذا الشتات من المؤمنين الذين ينضوون جميعا تحت لواء واحد ويجتمعون جميعا في صعيد واحد ويلهجون جميعا بصوت واحد (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).

كذلك اقترن الحج في القرآن الكريم بذكر التقوى كثيرا اذ الله تعالى يقول (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الى ان قال (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ثم قال (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب) ويقول سبحانه وتعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ويقول (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ويقول في البدن (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) فإذن هذه العبادة تغرس في نفس الانسان تقوى الله وترقق مشاعر الانسان وتجعل كل فرد من الافراد يحس بآلام الأمة بأسرها.

فمن هنا كانت الضرورة داعية إلى ان يكون كل فرد من افراد الجنس البشري يحمل هم الأمة ووحدتها وألفتها وتقاربها وعزتها وظهورها ونحن نرى ان هذه التربية كانت في السلف الصالح عندما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الشتات والف بين القلوب التي كانت متنافرة حتى كانت هذه القلوب كلها تنبض بنبض واحد تنبض بحب المؤمنين تنبض بالرغبة في تحقيق الخير في هذه الارض تنبض بانتشال الانسانية من الضياع وهداية هذه الانسانية الى الحق لتنعم بهذا الحق، تنبض بهاجس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الله سبحانه وتعالى فكانت هذه القلوب كقلب رجل واحد وانتم ترون كيف يصف الله سبحانه وتعالى هؤلاء المؤمنين إذ قال عز من قائل (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) كانوا رحماء بينهم وكانت شدتهم على الكفار من اجل الغيرة على دين الله ومن اجل الحرص على انتشال أولئك الكفار من ذلك الضياع واخراجهم من الضلالة الى الهدى ومن الظلمات الى النور.

ويقول الله سبحانه وتعالى في وصف عباده المهاجرين (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) ثم يعطف العنان على الانصار (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) نعم هؤلاء المهاجرين ضحوا بكل شيء ضحوا بأموالهم وضحوا بأسرهم التي خلفوها ورائهم عندما تعذر عليهم ان يحملوها معهم وضحوا بديارهم وخرجوا من مراتع طفولتهم ومن مسرح احلامهم خرجوا من اوطانهم الى بلد آخر وكانت الهجرة الى بلد محدود الموارد الى بلد ضيق المساحة ومع ذلك وسعت القلوب ما لم تسعه الأرض، وسعت قلوب الانصار هؤلاء المهاجرين الذين جاؤوا الى ديارهم وقد بين سبحانه وتعالى كيف كانت قلوب هؤلاء الانصار تنبض بالود والمحبة لأولئك المهاجرين وقال (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) نعم هؤلاء الانصار كانوا يضحون بكل شيء في سبيل تحقيق الخير لهؤلاء المهاجرين كانوا يؤثرونهم على انفسهم ويشركونهم في خيراتهم ويؤونهم في ديارهم ويقدمونهم على اهليهم واولادهم من اجل حب الله سبحانه وتعالى والسعي الى الربط بين افراد الأمة جميعا.

______________________________________

جريدة عمان: الأربعاء 25 شوال 1433ه / 12 سبتمبر 2012م

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي