د. كهلان بن نبهان الخروصي: الاستبداد والاحتكام إلى الغير وتبديد الثروات..  أهم أسباب تنامي العنف في العالم العربي

لاستبداد والاحتكام إلى الغير وتبديد الثروات..

أهم أسباب تنامي العنف في العالم العربي

المسلمون والغرب.. إشكالية الفعل ورد الفعل

أكد فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن انتشار العنف والغلو والتطرف بين المسلمين اليوم سببه الاستبداد وغياب القدوة الحسنة ومصادرة حقوق الناس وهدر كرامتهم وتبديد ثروات الأمة ومجانبة العدل والانصاف.. وأضاف: أن الاحتكام إلى الغير وعدم احتمال الخلاف في الرأي أدى كذلك إلى عدم المبالاة بسفك الدماء والاعتداء على الاعراض والاموال.. مشيرا إلى أن مجمع الفقه الاسلامي مع علو منزلته إلا أنه لم يقدم مبادرات لمعالجة هذه القضايا الجوهرية التي يعاني منها المسلمون اليوم.. جاء ذلك في حديث فضيلته لبرنامج سؤال أهل الذكر من تلفزيون سلطنة عمان تحت عنوان « المسلمون والغرب.. إشكالية الفعل ورد الفعل».. فإلى نص اللقاء:

 

هناك ضخ اعلامي كبير لموضوع الاساءة ولموضوع ردة الفعل التي جرت في حادثة الاعتداء في فرنسا على الصحفيين وقتلهم.. ما تصوره هذه المشاهد الاعلامية ان الخطأ من المسلمين وان ذلك الاعتداء الذي حصل انما سببه عدم وجود منهج عند المسلمين يضبطهم عند الانفعال الى غير ذلك.. المشكلة ان عددا من علماء المسلمين تفاعلوا مع تلك الاخبار وتلك المشاهد الغربية وأصدروا فتاوى تتعلق بتجريم ذلك الفعل وادانته.. فضيلة الشيخ.. عندما يعرض مثل هذا على علماء المسلمين.. ما الذي ينبغي علهم ان يراعوه حتى يصدروا فتوى من هذا النوع ؟

 

أن الذي ينبغي لعلماء المسلمين ان يتقنوه منهجا في تعاملهم مع مثل هذه الأحداث أن يرجعوا الى قاعدة أصولية متفق عليها مجمع عليها بين علماء الاسلام، هذه القاعدة مأخوذة من قول عز جل: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا).. ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفتى مسألة أو فسر رؤيا بغير علم كان كمن وقع من السماء الى الأرض فصادف بئرا لا قعر لها ولو انه أصاب الحق).. وخلاصة هذه القاعدة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فالواجب على علماء الاسلام أن يتثبتوا من الحيثيات والمعطيات والمعلومات والبيانات اللازمة فهم الواقعة لأن الافتاء في أمر من الأمور أو واقعة أو نازلة من النوازل يستدعي شروطا ثلاثة لا غنى للمفتي عنها، والمفتي يقصد به في هذا السياق كل من يتحدث لبيان حكم الله سبحانه وتعالى في تلك الحادثة أو النازلة، كل من يتصدر لبيان الحكم الشرعي وهو مؤهل لذلك لابد أن تصدق عليه شرائط ثلاثة:

أما الشرط الأول فهو العلم الشرعي بما يشتمل عليه هذا الشرط أيضا من شرائط فرعية من العلم بكتاب الله عز وجل وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأدوات الاجتهاد وشروطه وبالوسائل التي تمكّن هذا العالم من تصور المسألة تصورا صحيحا موافقا للأدلة الشرعية.

وأما الشرط الثاني فانه متصل بتقوى العالم وبنزاهته وحسن تدينه لله سبحانه وتعالى، فلابد من أن يكون العالم أيضا صاحب عمل صالح ومراقبة لله عز وجل وخشية منه حتى لا يقع في الهوى والضلال والاضلال وحتى لا يكون من علماء السوء الذين تقودهم الأهواء والشهوات والمنافسة على حظوظ هذه الحياة الدنيا فيؤثر ذلك على ما يصدر عنه.

وأما الشرط الثالث فهو الالمام بالواقعة نفسها فلا يكفي ان يكون العالم او المجتهد او يكون عنده علم شرعي كاف ولا يكفي أيضا أن يكون معه صلاح وتقوى دون ان يكون متصورا للواقعة او النازلة ملما بأطرافها قادرا على تنزيلها وفقا للأدلة الشرعية بعدما تثبت عنده بكل ما فيها وبكل ما يكتنفها مما يؤثر في الحكم الشرعي، ولهذا فانه لا يسوغ لعلماء المسلمين أن يستقوا تصوراتهم عن واقعة من الوقائع او حدث من الأحداث من خلال ما تنقله اليهم وسائل الاعلام حتى لو تصورنا انهم يحاولون جاهدين ان يستنبطوا مجرد ما يتعلق بالخبر نفسه بالحدث الواقع فانهم لن يسلموا من التأثر بتوجهات هذه المنابر الاعلامية..

كيف ونحن نعلم اليوم ان وسائل الاعلام العالمية ذات التأثير البالغ في الناس انما يملكها غير المسلمين انما أربابها هم من ذوي التوجهات والاجندة المتعددة التي هي في الغالب تستهدف المسلمين وتسعى الى اضعافهم وإذلالهم والى تشويه الحقائق والأخبار لمصالحهم العليا ولغاياتهم التي يهدفون اليها، فلا يمكن اذن لعالم او فقيه ان يعول على ما يصله عبر وسائل الاعلام لكي يدعي بعد ذلك انه يمكن له ان يطلق فتوى او حكما شرعيا دقيقا فيما يتعلق بتلك الحادثة وهذا لا يعني انه يستحيل او يتعذر لكن ان يصل الى كنه الواقعة او تصور ما يكتنفها مما يحتاج اليه في اصدار الحكم الشرعي وفي بيان حكم الله سبحانه وتعالى في تلك الواقعة لكنه يحتاج الى جهد كبير ويحتاج الى الاستعانة بالخبراء والى اجراء مقارنات والى اللجوء ايضا الى ذوي الاختصاص والى الحياد التام والى تتبع دقيق وقراءة عميقة حتى يتمكن بعد ذلك من الوصول الى ما يسعفه لبناء الحكم الشرعي . فاذا تحقق له ذلك فانه لابد من الاحتكام الى مبدأين اثنين وهما ايضا من المبادئ الواضحة..

 

اما المبدأ الاول فهو ما نص عليه الحق سبحانه في قوله: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فان المسلم عليه ان يكون عادلا منصفا وان يتحرى القسط والميزان الذي لا يراعي فيه المصالح الدنيوية او المصالح الخاصة وانما يراعي فيه انه يقف امام يدي الله سبحانه وتعالى وسوف يسأله عن علمه وماذا عمل فيما علم فهي أمانة عليه أن يؤديها بكل اخلاص وبكل وفاء وان يتحرى مرضاة الله سبحانه وتعالى فيها.

وأما المبدأ الآخر فهو فهم أن الحق قد يكون ثقيلا لكنه متى ما اطمأنت النفس الى الوصول اليه فإنه يجب كشفه وبالتالي فان الجريمة هي جريمة ممن صدرت منه قريبا كان او بعيدا حبيبا كان او بغيضا لابد من وضع الامور في نصابها الشرعي وتسمية هذه الامور بمسمياتها الشرعية، فمتى ما ثبت ان طائفة او افرادا من المسلمين ارتكبوا جرما فان اسلامهم لا يشفع لهم في ان يسمى ما صدر منهم باسمه الشرعي وان تسمى الجريمة جريمة فنحن نجد في كتاب الله عز وجل ان الله تعالى قد برأ ساحة يهودي بجملة آيات تتلى في كتاب الله عز وجل الى ان يرث الله الارض ومن عليها من جريمة سرقة اتهم بها زورا وبهتانا وكان الذين اتهموه بها من ضعاف النفوس من المسلمين وهو من اليهود الذين يكنون ما يكنون مما ابداه القرآن الكريم لهذا الدين ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عموما ومع ذلك فان الله سبحانه وتعالى ارساء لما اقره ببعثة الانبياء والمرسلين وانزال الكتب حينما قال: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) .

ارساء لهذا المبدأ فان على المسلمين ايضا ان يؤدوا هذه الرسالة في واقع حياتهم وان يتمثلوا هذا المبدأ شريطة ان يكون كما تقدم ما يصلون اليه من احكام شرعية مبنية على تحقيق الشرائط الشرعية والضوابط الاجتهادية المعروفة اما ان يتسابق كل من هب ودب – للأسف الشديد – الى التنظير والتأصيل وإصدار الفتاوى وإصدار الأحكام الشرعية ثم يحدثون بلبلة في واقع حياة الناس وهذه البلبلة تؤدي الى فوضى عارمة وإلى تشتيت أفكار الناس دون ردهم الى المبادئ الاصيلة لأنه يسع الناس السكوت ان كانوا لا يتصورون لكن اذا اضافوا اليها من الأدلة التاريخية والواقعية المعاصرة ايضا وتتبع الاحداث والاخبار فانه يمكن ان يصلوا الى نتيجة مفادها ان الامور ليست على ما يظهر لهم في بادئ الامر وان وراءها ما وراءها ايضا من مخططات يسوقها اعداء هذا الدين للتنقص من الاسلام وأهله ومن المسلمين والى الوصول الى ثرواتهم والى اضعاف صفهم والى احداث الفرقة فيهم.

الى ان يتوفر لدى العالم هذه المكنة من الوقوف على حقيقة حادثة معينة ذلك ربما يتطلب زمنا طويلا وقد لا يتوفر لدى جميع العلماء والذين ربما يتوفر لديهم مثل هذه الفرصة سيكونون قليلين جدا..

في الوقت نفسه هناك ضخ إعلامي كبير يحتاج معه المسلم الى ان يتعرف الى حكم الاسلام في هذه القضية ما الطريق الوسط الذي يطالب به العالم الذي لا يتمكن أصلا من الوقوف على تلك الحقائق التي ذكرتموها؟

ان هذا الواقع المعاصر قد اتاح للمسلمين اليوم ايضا ان يتمكنوا من النفاذ الى المعلومات اللازمة وإلى تحري الدقة ما لم يكن متاحا لسلفهم من قبل، فبقدر ما تعقدت الحياة اليوم وتشابكت اسباب هذه الحوادث وتعددت العناصر التي تكتنف مثل هذه الوقائع وتباينت وتشابكت مصالح ذوي الاطماع والقوى الكبرى في العالم فان هذه الوسائل المعاصرة ايضا قد اتاحت للمسلمين كما اتاحت لغيرهم المكنة من النفاذ الى الاقتراب من حقيقة ما يحصل وإلى التعرف على تصور صحيح للحوادث والوقائع الا ان التراخي والكسل وعدم توظيف هذه الوسائل والتراخي في استخدامها الاستخدام الامثل هو الذي ادى الى ما تشيرون اليه من حالة، فان يوجد من بين المسلمين من لا يحسن التعامل مع هذه الوسائل فان هذا ليس بعذر له لأن المسلمين اليوم يوجدون في اماكن شتى في مختلف بقاع هذه الارض ويمكن له ان يتواصل معهم ويمكن له ان يسند الى غيره ممن يحسن التعامل ان يتواصل مع هؤلاء المسلمين وان يجمع اكبر قدر من المعلومات.

وان ينظر فيما تنشره وسائل الاعلام الالكتروني المختلفة وهي على تعدد وتضارب مصالحها قد تكشف بعض الحقائق التي تختفي على بعض المسلمين او على عموم المسلمين حينما يكتفون بالقشور والظواهر ولا يغوصون الى الاعماق مع ان المنهج الاسلامي الراشد يلزمهم بذلك فان قاعدة ان الحكم على الشيء فرع عن تصوره لا تعني ان هذا الامر الذي يسند اليه امر بيان الاحكام الشرعية انه معذور ما لم تصل اليه المعلومات بل عليه هو ان يسعى الى التمحيص والى التبين والى التثبت وعليه ان يستعمل في سبيل ذلك كل ما يتاح له من وسائل ومن عدة تعينه على تصور المسألة تصورا صحيحا فان لم يتمكن الى ايفاء المسألة حقها فليعمد الى اهل العلم الذين هم ارسخ منه قدما وأوسع منه علما وأغزر منه دراية وخبرة وليتعاون معهم، فنحن اليوم للأسف الشديد نجد ان علماء الاسلام يعملون فرادى فالمؤسسات البحثية والمراكز العلمية في مختلف انحاء العالم تعمل بشكل جماعي وتجد ان جهودها تقوم على التعاون وعلى الجهد المشترك وعلى تكميل جهود بعضهم البعض.

اما علماء المسلمين للأسف الشديد فتجد انهم يعملون اشتاتا واذا ما بحثوا في قضية فانهم يبحثونها افرادا ولا يتعاونون فيما بينهم ولا يتبادلون المعلومات اللازمة والبيانات التي يحتاجون اليها ولهذا لا تجد ان لديهم على سبيل المثال مكنزا علميا ولو في الشبكة العالمية للمعلومات يتبادلون فيه الآراء قبل إصدار الاحكام الشرعية فما اسرع ما يبادرون الى اصدار البيانات والاستنكارات والادانات ولما يتصوروا حقيقة المسألة بعد وتختلف بعد ذلك آراؤهم وأحكامهم.

هناك مجمع الفقه الاسلامي وهناك رابطة العالم الاسلامي إلى غير ذلك ألا يمكن لتلك أن تقوم بدورها لتأطير هذه القضية؟

 

هل تعرف ان من آخر ما بعث به مجمع الفقه الاسلامي الى علماء المسلمين في مختلف الآفاق من القضايا التي يستفتونهم فيها قضايا تتعلق بأكل الحيتان وأسماك القرش والبرمائيات كالضفادع وغيرها.. هذه هي الاسئلة التي بعثوا بها الى علماء الاسلام في هذه الفترة الاخيرة.. هل هذه القضايا هي مما يحتاج اليه الناس اليوم؟! أنا لست ممن يقول ان امثال هذه الابحاث لا ينظر فيها ولا يشتغل بها لكن طلابا في المرحلة الثانوية الشرعية او في المعاهد الشرعية او كلياتنا الشرعية في مختلف انحاء العالم يمكن لهم ان يبحثوا امثال هذه المسائل.

أما علماء الاسلام والمفكرون والمجتهدون والخبراء ان يشغلوا بمثل هذه القضايا وهناك دماء تسيل وأرواح تزهق وأعراض تنتهك وحالة من التشظي والتشرذم من واقع حياة المسلمين فان هذا يشي بخلل في الاولويات وبغبش في التصور ولابد لإصلاح هذه الأحوال من مراجعة سلم أولوياتنا ومعرفة ما يستحق التقديم اذا كانت امثال هذه المجامع الدولية والهيئات العالمية الاسلامية والمنظمات ذات الطابع الرسمي وغير الرسمي اذا كانت تعنى بمثل هذه القضايا فإلى من توكل القضايا الجوهرية والقضايا الأساسية التي تمس واقع حياة الناس، وهل يلام بعد ذلك شباب الاسلام ان كانوا يتخبطون خبط عشواء لأنهم لا يعرفون قبيلهم من دبيرهم لماذا؟ لأن علماءهم مشتغلون ببيان حكم أكل لحم الحيتان وأسماك القرش والضفادع والتماسيح.. مع احترامنا ومع منزلة مجمع الفقه الاسلامي ومع عمق الابحاث التي قدمها في المجالات الطبية والاقتصادية والفكرية لكن هذا الذي آل اليه حال المسلمين وآلت اليه حال مجامعهم ولم نجد مبادرات من معالجة مثل القضايا الجوهرية التي تستدعي المعالجة وتحتاج الى بيان ويسأل الناس عنها لأنها تمثل أولويات وتمثل قضايا أساسية جوهرية لعموم الناس اليوم والسعي الى إيجاد حلول ومعالجات لها يعين على ابراء الذمة امام الله سبحانه وتعالى أولا ثم انه يعين ويسعف على إيجاد حلول لهذا الواقع الذي يعاني منه المسلمون جميعا.

هناك واقع نحتاج الى ان نتطرق اليه ومعرفة أسبابه وكيفية الخروج منه وهل هو بالفعل مساعد للغربيين في النكاية بالمسلمين وفي محاولة تصويرهم بتلك الصورة ؟ هذا الواقع يتمثل في العنف الشديد الواقع بين جماعات المسلمين الى حد التصفية والى حد الذبح.. هذه الصورة القاتمة تجعل المتابع من المسلم وغير المسلم لا يشك في ان المسلمين لا يمتلكون منهجا يستطيعون ان يقودوا به العالم.. ما هي نظرتك الى هذا العنف؟ وما هي أسبابه في رأيكم؟ وهل ترون ان هذه الصور القاتمة ساعدت غير المسلمين في ضرب الاسلام والمسلمين؟.

اذا كان لي ان اقسّم الاسباب تصنيفا لها فانه يمكن تقسم الى اسباب تتعلق بالحكام وأسباب تتعلق بالعلماء ثم إلى أسباب تتعلق بعموم الناس..

اما أبرز الاسباب التي تخص الحكام أي الانظمة الحاكمة في كثير من بلاد المسلمين فان في صدارتها الاستبداد بكل ما تشتمل عليه هذه الكلمة من الظلم ومصادرة حقوق الناس وهدر كرامتهم وتكديس الثروات في ايدي فئة قليلة وتبديد ثروات الامة ومجانبة العدل والانصاف..

كل هذه تندرج تحت الاستبداد وهي عامل بالغ الأهمية فيما آلت اليه أحوال المسلمين من انتشار والغلو والتطرف والعنف ولابد من أن نكون صادقين مع انفسنا وأن نبين أن مغبة التمسك بالكراسي والسماح بإراقة دماء الناس في سبيل المحافظة على هذه الكراسي أدى الى تنامي العنف والاعتداء على النفس المصونة شرعا لأنه ما لم تبين هذه الحقيقة فانه لا يمكن معالجة هذه الأوضاع بعد ذلك.

 

وأضاف قائلا: ومن الاستبداد أيضا التبعية للغير لأن هذا الغير له مصالح حتى اذا سلمنا بانه لا يكيد بنا فإنه يكيد لنفسه لأنه يسعى الى تحقيق مصالحه ولن يؤثر مصالحنا على مصالحه قطعا ولا يحتكمون الى مبادئ وأسس من العدل والتعايش والتسامح ومبادئ من الأخلاق القويمة في تعاملهم مع الآخر وانما يحتكمون الى ما يحقق لهم مصالحهم فقط وهذا مما يعلمه الخاص والعام فلم هذا الاتباع الأعمى لهؤلاء الذين لا يراعون الا مصالحهم ولو كانت على حساب دمائنا ونفوسنا ودماء شعوبنا ودماء المسلمين الابرياء؟!!.

اما يخص علماء الشريعة ولا اقصد هنا المتبحرين منهم والمجتهدين وانما اقصد كما من يتناول الجوانب الشرعية فكرا او دعوة الى الله سبحانه وتعالى أو وعظا أو كتابة أو نقدا.. كل هؤلاء داخلون في هذا الصنف لانهم من صنف اولي العلم فالغلو هو ابرز سمات هذا الصنف فان هناك ضيقا في الافق لا يحتملون الخلاف في الرأي وينبذون الخلاف ويعمدون الى التطرف والغلو الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أوتي بحصاة كالحذف ليرمي بها الجمرة فقال: بمثل هذا فارموا واياكم والغلو، فانما أهلك من كان قبلكم غلوهم في الدين، فالغلو هنا غلو في الدين وهو لا ريب يؤدي الى تنامي ظاهرة العنف والى عدم المبالاة بسفك الدماء والاعتداء على الاعراض والاموال، ولهذا كان من آخر ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هذه الظاهرة ان لم يكن باسمها فبمعناها حينما قال: "ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"، فاين نحن اليوم من هذا الخطاب النبوي المستند الى كتاب الله عز وجل؟!!

ومن أسباب التي تخص اولي العلم عدم اعطاء القدوة الحسنة فلئن كان من شروط أداء العلم ان يكون العالم في محل الأسوة والقدوة الحسنة في الناس فان الناس اليوم للاسف الشديد لا يرون في هذا العالم الذي يتصدر لهم في القنوات الاعلامية وفي وسائل التواصل الاجتماعي وفي المنابر لا يرون فيه القدوة الحسنة ولا يرون فيه النموذج الذي يمكن لهم ان يتأسوا به وان تطمئن نفوسهم الى دينه والى أمانته والى نزاهته وورعه فغياب القدوة ليس بالأمر الهامشي وانما هو من الاسباب التي أفضت أيضا الى انتشار ظاهرة العنف..

فهل صدرت مبادرات من جهة شرعية معتبرة لها مكانتها في عالمنا الاسلامي تدعو الى الحوار مع هذه الجماعات التي توصف بها جماعات متطرفة؟ أين هو التواصل معهم لانه لا يخلو حالهم اما ان يكونوا متدينين لكنهم متطرفون او مغررٌ بهم فهم واقعون في خديعة، او ان يكونوا عملاء ينفذون مخططات للغير، او ان يكونوا مزيجا من هذا كله .

فليس شيء من هذه الأسباب يمنع من مد جسور الحوار معهم لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك وأمرنا بإصلاح ذات البين، فكيف يمكن ذلك ان لم تكن هناك مبادرات للحوار مع هؤلاء، حينما حدثت بعض الحوارات التي استنكرها علماء المسلمين حينما هدم تمثال بوذا في أفغانستان تنادى علماء المسلمين للمحاورة وللزيارات ولتصحيح المفاهيم.

اما حينما تراق هذه الدماء وتسفك فلا نجد أمثال هذه الأصوات ولا نجد مبادرات للحوار لأنهم أن كانوا أهل دين فلا يرفضون الحوار لانهم يعلمون أن لهذا المندوب الذي يأتيهم لأجل الحوار ان له حرمة وانه له عصمة .

وان كانوا مغررا بهم فلن يعتدوا على آت اليهم برسالة حوار ودعوة الى تبين ما عندهم والى المناقشة والحوار .

ثم ان أدوات التواصل هل يمكن ان تكون مفقودة تماما، فكيف اذا هم يتواصلون فيما بينهم وكيف تتواصل معهم القوى السياسية من مختلف البلدان والقوى كيف تحصل هذه المفاوضات حول الاسرى والمفاداة فأين هي مبادرات علماء المسلمين والعقلاء منهم وذوو الحكمة والخبرة لأجل التواصل معهم فإصلاح ذات البين يؤكد عليه الحق سبحانه وهو ركن ركين والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (اياكم وفساد ذات البين فان فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الرأس ولكنها تحلق الدين).

 

البعض مما يتحدثون عن الأمور الشرعية لا يتحدث الا عندما تتحدث السلطة ولا يعيب امرا الا عندما تعيبه السلطة.. هذا الصنف ماذا توجهون اليه من الرسائل؟

 

هؤلاء الذين يدّعون هذه المنزلة من العلم للأسف الشديد لا يراعون حقوق الله سبحانه وتعالى عليهم قدر ما يراعون حقوق ذوي الولايات العامة والسلطة الحاكمة وهذه خيانة لأمانة العلم وهذا من ايثار حظوظ هذه الحياة الدنيا على ما عند الله (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) وهذا من الانسلاخ من امانة العلم التي حذر منها الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز.

 

***

الفكر المتطرف أصبح طاغيا على فكر المذاهب الإسلامية الأصيلة

أحدث في واقع المسلمين الفرقة والشقاق والنزاع –

د. كهلان: «التعالم».. من الآفات التي ابتلي بها المسلمون اليوم –

أوضح فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن الفكر المتطرف أحدث في واقع المسلمين الفرقة وأورثهم الشقاق والنزاع والاقتتال المبني على التفسيق والتبديع والتكفير.. مشيرا إلى أن مؤلفات هذا الفكر هي الطاغية على الفكر الإسلامي الراشد وعلى فقه المذاهب الاسلامية الأصيلة.. مشيرا إلى أن ما يتجرعه المسلمون من غصص هو نتيجة ذلك الفكر المتطرف المتسم بالغلو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأكد فضيلته على ضرورة الحاجة إلى التجديد الذي يكون بنفي الجهل وتسليط الملكات العلمية والفكرية والعقلية على الأصول التشريعية بحثا عن الحلول الناجمة التي يمكن ان تخرج المسلمين من واقعهم الذي هم فيه.. جاء ذلك في لقاء فضيلته لبرنامج سؤال أهل الذكر بتلفزيون سلطنة عمان.. فإلى نص اللقاء:

 

ذكرتم في نهاية الحلقة السابقة وأنتم تجيبون على سؤال العنف الواقع بين المسلمين أن مسؤولية يتحملها الحكام ومسؤولية أخرى يتحملها العلماء.. بقي حديثكم عن عموم المسلمين ذكرتم أن عموم المسلمين أيضا يتحملون قسطا من هذه المسؤولية.. فأين تقع مسؤولية عموم المسلمين في هذه القضية ؟

ان من الأسباب المفضية إلى العنف ما يتعلق بعموم الناس وتأتي في صدارة هذه الاسباب التنافس على الدنيا فهذا أمر قد حذر منه الله سبحانه وتعالى وحذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بصريح العبارة حينما قال: (فوالذي نفسي بيده لا الفقر اخشى عليكم وانما اخشى عليكم ان تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم) وفي رواية (وتلهيكم كما ألهتهم)، فان واقع المسلمين اليوم انهم يتغالبون على حظوظ هذه الدنيا ويعزب عن عقولهم ووجهتهم في هذه الحياة ان الله سبحانه وتعالى استعمرهم في هذه الأرض واستخلفهم فيها لأجل أن يعمروا آخرتهم بالعمل الصالح فيها ولأجل ان يسعوا فيها بالاصلاح بكل أنواع هذا الاصلاح وبما يشتمل عليه من دلالات ومفاهيم مع تمسكهم بمبدأ التعاون وحب الخير للغير وحب الخير للناس جميعا وان هذا الدين الذي يسلكون بأنفسهم فيه جاء رحمة للعالمين وان الانسان مهما كان هذا الانسان لا مناص له من هدايات هذا النور الرباني الذي اكرمهم الله سبحانه وتعالى به فلما آل حال المسلمين إلى هذه المغالبة والى التدافع على حظوظ النفوس وعلى حظوظ هذه الحياة الدنيا استبد بهم حب الدنيا وحب الدنيا رأس كل خطيئة لأنه ينسي حب الله سبحانه وتعالى وحقوقه على العباد ويورث قسوة القلب والغفلة.

ولذلك تجد ان المسلمين في كثير من بلدانهم وأوطانهم يتنازعون فيما بينهم ويصل نزاعهم إلى حد الشقاق والاقتتال على حظوظ دنيوية زائلة بما في ذلك فيما يتصل بكراسي الحكم وبالأموال والثروات وبالسلطة والولايات كما هو أيضا فيما يتعلق بالحقوق الدنيوية التي هي زهيدة حتى بالمعايير الدنيوية فضلا عن المعايير الاخروية ثم بعد التنافس على الدنيا يأتي الجهل فان المتأمل في واقع المسلمين يجد انهم يمرون بفترات من الجهل المطبق للأسف الشديد، هذا الجهل أدى بهم إلى عدم التمييز بين الحق والضلال، بين الهدى والغي، ولذلك فانهم ينساقون وراء أي دعوة يكون ظاهرها داعيا إلى خير أو إلى أمر يفقدونه دون أن يعملوا فيها عقولهم ومنشأ ذلك هو جهلهم بدين ربهم جل وعلا وجهلهم أيضا بسائر العلوم والمعارف والثقافات وبواطن الأمور وحقائقها لان الله سبحانه وتعالى حينما بيّن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج صحبه الكرام الذين يسيرون في هداه قال: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) والبصيرة هي نفاد البصر بحيث يتمكن هذا السائر في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم من النفاد إلى حقائق الأمور وبواطن الأشياء والى سبر أغوار هذه الحياة فيتمكن من التمييز بين الخبيث والطيب فلا يندفع وراء ما كان دعوة زائفة وان بدت في لبوس يدعو إلى الخير أو إلى الهدى أو إلى الرشاد ولكنها في حقيقتها تنطوي على سم زعاف.

هذا الذي أصاب المسلمين لاسيما الشباب منهم انما مرده الجهل الطاغي ولذلك فانه لابد من ان يتمسك المسلمون في سبيل معالجة هذه الأوضاع بالبصير والعلم ونفي هذا الجهل وهذا الظلام عن واقعهم وازالة الغشاوات عن قلوبهم وعن عقولهم.

وهذا هو الذي يتحدث عنه العلماء والمفكرون بالحاجة إلى التجديد فان التجديد لا يمكن أن يكون الا بنفي الجهل أولا ثم بعد ذلك بتسليط الملكات العلمية والفكرية والعقلية على الاصول التشريعية بحثا عن الحلول واستنباطا للحلول النافعة الناجعة التي يمكن ان تخرج المسلمين من واقعهم الذي هم فيه.

ثم بعد الجهل وبعد التنافس على حظوظ هذه الحياة الدنيا يأتي نوع آخر ومنشأه الجهل أيضا الا انه صنف خاص في هذا النوع وهو التعالم أي ادعاء العلم فان المسلمين لم يكتفوا عند حد الاعتراف بالجهل والسعي إلى نفي هذا الجهل عنهم بالتعلم والتزود بالمعارف النافعة المفيدة وانما ادعوا انهم علماء وانهم باحثون ومفكرون فتجد الواحد منهم محللا وناقدا ويدخل نفسه ويقحمها في فنون ومجالات وقضايا دينية كانت أو دنيوية وهو جاهل لا يعرف قبيله من دبيره فيها ولذلك فان التعالم هو من الآفات التي ابتلي بها واقع المسلمين اليوم.

ان البعد عن طريق الهداية وعن تقوى الله سبحانه وتعالى والبعد عن مراقبته فضت به إلى ما أفضت به من هذه الغشاوات والحجب التي حالت بينه وبين معرفة حقيقة هذه الحياة وحقيقة المآل الذي اليه ينقلبون وظنت طائفة منهم ان المخلص انما يكمن في التنكب عن الدين وفي الاعراض عن هدي الله تبارك وتعالى وفي التنقص من شأن الدين والمتدينين والاستهزاء بهم وانتشر للأسف الشديد مثل هذه الشبهات على مستويات متفاوتة في واقع المسلمين شرقا وغربا فتجد ان المسلمين من حيث يشعرون أو لا يشعرون من حيث انهم قاصدون أو انهم مقلدون لغيرهم تجد انهم يرجعون على دينهم باللوم والنقد وهم معرضون عن تعاليم الله سبحانه وتعالى وعن التمسك بأحكام هذا الدين واخلاقه وعباداته وعقيدته مع انه في صدارة ما يمكن ان يصحح به المسلمون أوضاعهم ان يولوا دينهم العناية اللازمة، اذ لا يتصور ان يحقق المسلمون عزا أو مجدا أو ان يخرجوا من هذه الدوائر المظلمة التي هم فيها وهم بعيدون عن دينهم اذ لا مجد لهم الا بدينهم ولا عزة لهم الا بالتمسك بكتاب ربهم ولا يمكن ان يصححوا ويعالجوا حالتهم الا بالتمسك بأحكام هذا الدين واقتدائهم بخير الانبياء والمرسلين قدوة الناس اجمعين نبينا محمد صلى الله علهي وسلم.

فضيلة الشيخ ذكرتم ان الأسباب السابقة المفضية إلى العنف ومن ضمنها الجهل.. هذه الأمة أمة اقرأ.. هناك من يقول بان العالم الاسلامي فرض عليه أن يحصل على هذا القدر القليل من المعرفة والعلم بما لا يمكنه من المطالبة بحقوقه أو بما لا يمكنه من بناء حضارة يمكن ان تكون منافسة.. الوضع العلمي الذي افرز هذا النوع من التطرف والعنف الذي يعيشه المسلمون.. هل هو خاضع لارادات من بعيد أم هو يعود إلى المسلمين انفسهم ومناهجهم؟

كل ذلك حاصل فان مخططات الاعداء هو جزء مما آل اليه حال هذه الأمة لكن واقع المسلمين أيضا هو من الأسباب الداخلية الذاتي التي أفضت إلى ما افضت اليه من هذا التراجع والتأخر ومن هذه الفرقة والتشرذم والخلاف والشقاق الحاصل بين ابناء هذه الأمة مما أفضى إلى ظهور ظواهر العنف والتطرف والاقتتال بين المسلمين انفسهم والى تشويه صورة الاسلام وتشويه صورة المسلمين وعلى تجرؤ غيرهم على التنقص من هذا الدين والاستهزاء من هذا الدين ومقدساته، لكن لا ينبغي للمسلمين أيضا ان يعزب عن أذهانهم ان هذا الدين بما انطوى عليه من حكم وأحكام ومن تشريعات يدعوهم إلى أن يأخذوا زمام المبادرة، وان طلب العلم فريضة فهو ليس فضيلة، وانما هو فريضة وحينما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا العلم ولو في الصين) أي علم هذا الذي يطلب من الصين، لكن تراجع المسلمين عن هذه الهمة العالية وعن هذا الطموح وما حصل في واقعهم من كسل وخمول هو ايضا الذي مكن الاعداء من الكيد بهم ومن التخطيط للنيل منهم ومن مقدراتهم ومن الوصول إلى ثرواتهم وما يملكون ولا نستطيع ان ننفي أن هناك الكثير من المخططات الا أن هذه سنة من سنن هذه الحياة الدنيا فان التدافع بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين الصلاح والفساد هي من نواميس هذه الحياة.

وقد بصّر المسلمون بهذه الحقائق ووطئت نفوسهم لمواجهة مثل هذه الحوادث التي يمرون بها فما عليهم الا أن يأرزوا إلى هذه البواعث التي تبعث فيهم الهمة وتكشف لهم حقائق هذه الحياة وتبين لهم حدود صلاتهم مع غيرهم ونوع هذه الصلة وكيف يمكن لهم ان يقيموا علاقاتهم فيما بينهم ومع غيرهم ثم هناك أمر آخر وهو ما يتصل بالتاريخ فانه قد مرت بالمسلمين ازمنة ومراحل كانت الريادة فيها للمسلمين ولا اقصد الريادة بالتدين وانما اقصد بها في أوضاع العمران وفي الاوضاع الاجتماعية وفي الريادة العلمية وفي الاكتشافات وفي المخترعات وفي علوم الطب والفيزياء والاحياء والرياضيات والجغرافيا وغيرها من العلوم كما في الآداب والانسانيات والفلسفة والفكر بمختلف أنواع العلوم والمعارف.

وظلوا كذلك ردحا من الزمن إلى ان تمكن منهم اعداؤهم وتراخوا هم أيضا عن رسالتهم في هذه الحياة الدنيا فآل حالهم إلى ما نلحظه ونشاهده اليوم.

يتحدث بعض الكتاب عن عودة المسلمين إلى القوة والريادة لا يكون الا بالعودة إلى الدين والى العلوم الشرعية التي تمكنهم من فهم حقيقة الحياة والتعامل مع الآخر واستثني من ذلك بلادنا عمان والحمد لله انها تعيش جوا من التسامح ولكن المسلمين جسم واحد ما يصيب بعضه يصيب كله، عندما عاد المسلمون في صحوتهم الاخيرة إلى الاسلام وبدأوا يدرسون العلوم الشرعية، تم توجيه الدفة مرة اخرى لتكون هذه الدراسة من اجل الاقتتال الطائفين بمعنى ان كل فريق من هذه الفرق يدرس العلوم الشرعية ليرد على الاخر أو ليحمل الاخر مسؤولية الضياع الذي اصاب الامة ثم يتطور الامر بعد ذلك إلى الحقد الذي يجيز له ان يقتل اخاه من الطائفة الاخرى.. ماذا تقترحون حتى تكون العلوم الشرعية موجهة إلى الحق وتقودهم في مثل هذه الازمات؟

هذا الذي تصفون هو صحيح والخلل الذي ادى إلى هذا الوضع انما يرجع إلى تفريق المسلمين في المنهج القرآني ولا اقصد بالمنهج القرآني الاحكام والفروع والجزئيات وانما اقصد هذا الوحي الرباني وان هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاء لأجل تفتيق الاذهان وفتح القلوب وصياغة هذه الشخصيات ببناء جديد يغرس فيها مناهج للتفكير يغرس فيها منهجا معتدلا يمكن صاحبه من التعامل مع مفردات هذه الحياة الدنيا ومع حوادثها باختلاف انواعها من حالات السلم وحالات الحرب وحالات الموادعة والمهادنة وحالات الرخاء كما في حالات الشدة وحالات الصحة كما في حالات المرض، هناك منهج للتفكير والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

هذه المناهج تقوم على رد الامور إلى حقائق معينة والى مبادئ لا مناص للمسلمين من ان يتمسكوا بها، فعزة المسلمين وقوتهم انما تكمن في تمسكهم بمبادئهم لا تكمن – مع انهم مأمورون بالعدة المادية الا ان فضلهم على غيرهم انما يكمن في طاعتهم لله سبحانه وتعالى مع استعدادهم ومع اخذهم بالأسباب في الجوانب المادية لكن تفوقهم على غيرهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في وصيته لسعد ابن ابي وقاص: فان استوينا واياهم في المعصية كان لهم الفضل علينا في العدة فان عددنا ليس كعددهم وعدتنا ليست كعدتهم، فهذا الذي آل عليه حال المسلمين هو في الاعصر المتأخرة.

ومرد ذلك انه حصل تعظيم للفروع هناك قضايا جزئية، قضايا من الفروع فيها مساحة من تعدد الآراء وتنوعها، هذه المساحة مقبولة لان مردها تنوع وسائل الاجتهاد واختلاف وسائل الاستنباط، والخلاف فيها مقبول والخلاف فيها محمود وقد حصل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني أصحابه وحصل مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم الا أن تعظيم الفروع في هذه العصور المتأخرة غيب المنهج الكلي الذي كان من الواجب ان يرجع اليه المسلمون على حساب هذه الفروع.

فتجد ان اهتمام المسلمين علماء ومتعلمين وعموم الناس انما هو بهذه الفروع وبهذه الجزئيات وهناك محاولات لجعل الدين قوالب جامدة فيها مع ان في مثل هذه القضايا الفرعية فيها سعة ثم جاوزوا هذه المرحلة إلى ان يكون التفسيق والتبديع والتكفير مترتبا على هذه القضايا الفرعية فضاق الافق وضاقت الصدور، وهنا ركض الشيطان بخيله ورجله في نفوس هؤلاء وأثار فيهم الحميات وأثار فيهم العصبيات وسار التعصب للمذهب والطائفة على حساب الدين فقد تجد الفرد المسلم اليوم لا تجد انه يمت إلى الاسلام بصلة لكنه مع ذلك متعصب مذهبيا أو طائفيا إلى حد التطرف مع انه لا يمثل الاسلام لا في اخلاقه ولا سلوكه ولا في فكره الا انه اذا ما اثيرت قضية مذهبية أو طائفية هو من اشد الناس ومن اكثرهم تطرفا في تلك القضية فغاب: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

أضيف إلى ذلك ان الذي حصل انه مع اجتماع كل هذه العوامل ظهر فكر متطرف بطبيعته يتسم بهذه الصفات واذا بالوجهة نحو انعاش هذا الفكر تكاد تكون وجهة عالمية هل لان الاعداء وجدوا فيه بغيتهم وتوسموا انه سيكون داعية إلى احداث الفرقة في واقع المسلمين أو لأن هناك مآرب اخرى أو في ذات هذا الفكر المتشدد المتطرف ما يورث المسلمين حالة من الشقاق والنزاع والاقتتال المبني على التفسيق والتبديع والتكفير، هذا هو الذي حصل فتجد ان مؤلفات هذا الفكر هي الطاغية وان الخطاب الصادر عن هذا الفكر هو الخطاب العام الذي يحتكم اليه المسلمون تجد انه طغى حتى على فقه المذاهب الاسلامية الاصيلة وانه طغى على الفكر الاسلامي الراشد، واذا بالمسلمين اليوم يتجرعون من غصص هذا الفكر ومن غصص هذا التطرف في هذه المذهبية المتعصبة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر من الايغال فيها كما تقدم ان من الاسباب ما هو متعلق بالغلو فالغلو هو جزء من هذا الذي تشيرون اليه في مثل هذه الحالة التي وصل اليها المسلمون للأسف الشديد.

--------------

جريدة عمان:

الجمعة, 16 ربيع الثاني 1436هـ. 6 فبراير 2015م

والجمعة, 23 ربيع الثاني 1436هـ. 13 فبراير 2015م

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني