طباعة
المجموعة: الفكر الإسلامي
الزيارات: 2102

د. كهلان الخروصي: حرمة الدماء والأموال والأعراض عناصر ثلاثة تفتح مجالات الحرية على أوسع أبوابها

الفكر الإسلامي » د. كهلان الخروصي: حرمة الدماء والأموال والأعراض عناصر ثلاثة تفتح مجالات الحرية على أوسع أبوابها

إقصاء تأثير الإسلام ناتج عن جهل المسلمين وضعف تمسّكهم بتعاليمه

أكد فضيلة الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة ان اقصاء تأثير الاسلام لم يكن ناشئا فقط مما مكر به اعداؤه بل كان من اسباب ذلك جهل المسلمين وضعف تمسكهم بتعاليمه مما ادى الى تأخرهم الحضاري والى اضعاف تأثير تعاليمه ومراشده في واقع حياة الناس. وقال: إن الاسلام كفل الحريات وضمن حقوق الناس وجعل الحرية لا تقتصر في تطبيقاتها وفي معانيها على ما يفهمه الناس اليوم. واوضح ان الناس يظنون ان الحريات في عالمهم اليوم هي من الحقوق التي ينبغي ان توفر وتؤدى لهم فان لم يفعل ذلك فانهم يطالبون بها بينما بعض الحريات في هذا الدين الحنيف هي من الواجبات لدى المخاطبين انفسهم.

 

وقال: للأسف الشديد فان بعض الدعاة اليوم لا ينتبهون الى هذا المعنى. واشار الى ان من الأحكام الشرعية المتفق عليها انه اذا سلبت حرية الانسان حتى ما امكن له ان يدفع عن نفسه ذلك الاكراه الملجئ فإنه يسوغ له أن يأتي حتى بكلمة الكفر ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان وهذا من ابلغ معاني الحرية. وبين ان بعض الأحكام الشرعية ترتفع بوقوع المخاطب في شيء من الضرورات.

 

واشار الى ان هناك حالتين مما تسلب فيهما حرية المسلم المخاطب المكلف وهي حالة انتفاء الحرية وحالة الاضطرار اي ان يكون سلب الحرية واقعا عليه من عدو غاشم ظالم يلجئه الى ذلك او من ظروف قاسرة تحول بينه وبين حالة اليسر وارتفاع الحرج.

 

وأكد أن بيان حفظ الأرواح بحرمة الدماء وحفظ الأعراض وحفظ الأموال بتحريم الاعتداء على شيء منها هذه لو تأمل احد فيما يترتب على عصمة هذه الحرمات الثلاث لوجد انها تفتح مجالات الحرية على اوسع ابوابها.

 

وبين أن الضمانات من ذات الدين و ليست بفعل سلطة قائمة ولا بفعل اجتهاد علماء ولا بفعل ممارسة دعاة وانما هي من ذات هذا الدين فالحياد عن هذه الأحكام في تعطيل ضمان الحقوق والحريات وحفظها للناس انما هو حياد عن معالم هذا الدين واحكامه.

 

وأكد أن الواعز الذي يدفع المؤمن في هذا الدين الحنيف الى حفظ الحريات وكفالة الحقوق هو واعز ايماني لأن العبد محاسب عنه يوم القيامة حينما يقف بين يدي الله تبارك وتعالى.

 

جاء ذلك في برنامج سؤال اهل الذكر في السؤال الاول بالحلقة التي عرضت يوم الأحد الماضي تحت عنوان (التشريع بين الفرض والاقناع) والى المزيد مما قاله فضيلته:

ونبدأ بمقدمة مقدم البرنامج سيف الهادي الذي يقول فيها:

(كان المجتمع المكي قبيل الاسلام يرزح تحت ضغوط كثيفة من العادات والتقاليد الغريبة لا تنحني فيها قامة الانسان الا الى صنم يستنصره او يهيم فيه وفي الحياة الاجتماعية وممارسات الناس صور لم تعد خفية على المسلمين لأن القرآن دون الكثير منها وعندما جاء الاسلام كان فطام المسلمين عن عادات المجتمع الذي يعيشون فيه اخذت مدة زمنية طويلة فيما عرف لاحقا بسنة التدرج بيد ان المرحلة المكية لثتها تفسيرات كثيرة اسدلت على فصولها ستار النسخ فلم يعد ما كان قبلا صالحا لأن يكون بعد قوة الاسلام والمسلمين ومهما تكررت الظروف فان استحضار روح التشريع آنذاك ليس في ملك احد بعد انقطاع الوحي هكذا يقول كثيرون او يمارسون ويقول آخرون بخلاف ذلك فسنة التدرج تستهدف مصلحة الانسان وتسوقه برفق الى تقبل تعاليم الدين.

 

لكن الإشكال الذي لايزال المسلم محتاجا الى حله هو في المدى الذي يمكن ان يطبق فيه التدرج وبأي كيفية يطبق وهل له مدة محددة وهل يعتمد على الزمن طولا وقصرا أم يشترط فيه الاقناع حتى يأخذ الناس تعاليم الدين وهم موقنون باسئلة ربما لم تكن الأمة تحتاجها سياسيا في فترات اقصاء الاسلام عن دائرة التأثير السياسي لكنهم اليوم يحتاجون بشدة الى فهم روح الاسلام وطريقة عرضه للأحكام والتشريع وكيف يسوس لتقبلها وما مقدار النفس الطويل الذي يطالب به من يباشر عرض تعاليم الدين حلقة اليوم (التشريع بين الفرض والاقناع) تناقش اجزاء من هذا الموضع.

 

فحول فكرة الخوف من الاسلام التي كانت عند اعدائه وتم الاشتغال عليها بما يؤدي الى إبعاده عن دائرة التأثير وتحول هذا الخوف بعد هذه المدة ليكون خوفا من المنتسبين إليه والداعين إليه عندما لاحت في بعض البلدان فرص تطبيقه ونشر عدالته وقيمه ومكمن الخوف هو على الحريات وكيف يتصرف معها وعلى الحقوق ما الذي يجب ان يفهم عن الاسلام فيما يتعلق بحريات الناس وكذلك الحقوق..

 

يجيب فضيلة الدكتور الشيخ كهلان بقوله: قبل الاجابة أريد أن أعلق قليلا على مقدمة السؤال فإن إقصاء تأثير الاسلام لم يكن ناشئا فقط مما مكر به اعداؤه بل كان من أسباب ذلك أيضا جهل المسلمين وضعف تمسكهم بتعاليم هذا الدين مما ادى الى تأخرهم الحضاري وأورثهم ايضا الوقوع في ممارسات يمكن أن توجز بأنها واقعة إما في طرف التفريط او أنها واقعة في الطرف المقابل وهو الإفراط فهذه عوامل مجتمعة ادت الى اضعاف تأثير تعليمات هذا الدين و مراشده في واقع حياة الناس اضافة الى ما مكر به اعداؤه وما رسموه من صورة ادت الى تشويه صورة الاسلام مما جعل بعض النفوس تنفر منها إما بسبب مخططات أعداء هذا الدين أو بسبب الجهل الذي تفشى في هذه الأمة في مراحل من حياتها او بسبب ضعف تطبيق المسلمين لتعاليم دينهم وهداياته واحكامه واخلاقه فادى كل ذلك الى هذه النتائج التي تشيرون اليها وبالتالي اصاب بعض الناس القلق من حرياتهم وحقوقهم وحينما يمكن لهذا الدين او لمن يحملون شعارات هذا الدين ان يتولوا امر الولايات العامة في شيء من بلاد الاسلام والمسلمين وهذا يدفعنا الى الاجابة المباشرة على سؤالك.

 

الاسلام كفل الحريات

فالإسلام قد كفل الحريات وضمن حقوق الناس وجعل الحرية لا تقتصر في تطبيقاتها وفي معانيها على ما يفهمه الناس اليوم من الحريات التي يطالبون بها وسأبين ذلك فان الناس يظنون ان الحريات في عالمهم اليوم هي من الحقوق التي ينبغي ان توفر لهم وان تؤدى لهم فان يفعل ذلك فانهم يطالبون بها بينما بعض الحريات في هذا الدين الحنيف هي من الواجبات عدى المخاطبين انفسهم ولنبدأ بمفهوم الحرية نفسه من خلال ما كفله الاسلام للناس في مفهوم الحرية وابلغ ما يمكن ان نفهم به معنى الحرية ان ذات تشريعات هذا الدين تنتفي بانتفاء الحرية سواء كان ذلك بالاضطرار او كان بالإكراه الملجئ وللأسف الشديد فإن بعض الدعاة اليوم لا ينتبهون الى هذا المعنى في حين أنه من الأحكام الشرعية المتفق عليها أنه إذا سلبت حرية الانسان حتى ما امكن له ان يدفع عن نفسه ذلك الاكراه الملجىء فانه يسوغ له ان يأتي حتى بكلمة الكفر ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان كما قال الله عز وجل (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) وهذا من ابلغ معاني الحرية ان يكون ذات التكليف الأمانة التي حملها الله عز وجل لعباده وامرهم بها وهي عبادته وفق دينه الذي ارتضاه لهم ترتفع بارتفاع الحرية عن هذا الانسان اذا ما مورس عليه الاكراه او قع في حالة اضطرار ولهذا نجد كثيرا في كتاب الله عزوجل ان بعض الأحكام الشرعية ترتفع بوقوع المخاطب في شيء من هذه الضرورات (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)..

 

ولذلك بنيت القاعدة الشرعية الكلية (الضرورات تبيح المحظورات) والمقصود بذلك انها تبيح بعض المحظورات وهذا معنى يتصل بالمعنى الأول فهناك حالتان مما تسلب فيهما حرية المسلم المخاطب المكلف وهي حالة انتفاء الحرية وحالة الاضطرار اي ان يكون سلب الحرية واقعا عليه من عدو غاشم ظالم يلجئه الى ذلك او من ظروف قاسرة تحول بينه وبين حالة اليسر وارتفاع الحرج عنه التي تمكنه من الامتثال بطاعة الله عز وجل واداء ما امر به فاذا كان هذا شان الدين في عقيدته وفي بعض احكامه الواجبة فيما يتصل بالحرية فمن باب اولى ان تكون غيرها من الحريات هي من ابلغ ما يحفظه هذا الدين لمن انتسب اليه ولمن عاش في كنف دولته ونظامه..

 

وخير ما يلخص لنا هذا هي خطبة الوداع التي بين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اوجزته سابقا من حفظ الحريات وكفالة الحقوق للناس جميعا حينما قال مخاطبا امته في آخر ما دعاهم اليه (الا ان دماءكم واموالكم واعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) فاجتمعت من مقومات الحرمة ما لا تجتمع في غير ذلك الموقف المهيب ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ذكر اليوم والموقف والشهر كان قاصدا لتأكيد هذه الحقائق التي فيها بيان حفظ الأرواح بحرمة الدماء وحفظ الأعراض وحفظ الأموال بتحريم الاعتداء على شيء منها فهذه لو تأمل أحد فيما يترتب على عصمة هذه الحرمات الثلاث لوجد انها تفتح مجالات الحرية على اوسع ابوابها..

 

ولا ننسى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكد على هذا المعنى في خطبة الوداع ولذلك فهم منه حذاق صحابته رضوان الله تعالى عليهم انها خطبة مودع ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بتأكيد هذه الحقيقة وبيان ما يعضدها من الحرمات التي لا بد ان تراعى لتأكيد الأحكام الشرعية المذكورة في الحديث بل انه استشهد لامته صلى الله عليه وسلم لأنه بعد ذلك قال مخاطبا جماهير المسلمين (ثم انكم ستسألون عني فما أنتم قائلون فقالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال صلى الله عليه وسلم أخذ بإصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها إلى الناس وهو يقول ( اللهم إني قد بلغت فاشهد).

 

وهذا يؤكد لنا هذه الحقيقة انه عليه الصلاة والسلام ما اختلق هذه الأحكام الشرعية ليؤكدها للناس إلا لعظيم شانها ولأن بها قوام حياة الناس وهذا كما قلت يحتاج الى تفاصيل لبيان ما يترتب عليها من حريات لكن حينما نجد أن أحكام هذا الدين كما ابتدأت كما تفضلتم منذ العهد المكي الذي كان فيه بناء الانسان وغرس العقيدة الصحيحة فيه وتهيئة الفرد لكي يكون عضوا في جماعة لتكون مجتمعا ينشئ بعد ذلك دولة حيث وصف الله سبحانه وتعالى هذه الجماعة التي كانت في مكة بقوله (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) لكي يوطئ لتمكنهم من اقامة دولة يسودها العدل والنظام والاستقرار والأمن والسلام في المدينة المنورة حينما تبنى على هذا الأساس المتين الذي وصفت به هذه الجماعة وهو ان امرهم شورى بينهم حتى ان السورة نفسها سميت بهذا الاسم سميت بسورة الشورى وهي سورة مكية ليتأكد بعد ذلك هذا المعنى في سياقات مختلفة ابلغها وادعاها للنظر والاعتبار هو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاورة اصحابه بعدما نكبوا في غزوة احد بسبب مخالفة بعض اصحابه لأمره عليه افضل الصلاة وازكى السلام ومع ذلك يأتي القرآن الكريم موجها له صلى الله عليه وسلم ومعلما لأمته بأهمية التمسك بما فيه قوام حياتهم وانتظام امورهم حينما يقول الله تبارك وتعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ).

 

وعودة الى خطبة الوداع التي بين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقائق الجلية الواضحة التي فيها او الضمان الكافي للحريات والحقوق لا ينبغي لنا ان ننسى ان الله عز وجل في ذلك المشهد انزل على نبيه صلى الله عليه وسلم (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) فإذن الضمانات هي من ذات الدين هي ليست بفعل سلطة قائمة ولا بفعل اجتهاد علماء ولا بفعل ممارسة دعاة وانما هي من ذات هذا الدين فالحياد عن هذه الأحكام في تعطيل ضمان الحقوق والحريات وحفظها للناس انما هو حياد عن معالم هذا الدين واحكامه ولذلك فان الواعز الذي يدفع المؤمن في هذا الدين الحنيف الى حفظ هذه الحريات وكفالة هذه الحقوق هو واعز ايماني لأن العبد محاسب عنه يوم القيامة حينما يقف بين يدي الله تبارك وتعالى.

__________________________________________

جريدة عمان: الجمعة  7 صفر 1434 هـ /21 ديسمبر 2012م

متابعة: سيف الخروصي