وسائل الاتصال الحديثة نعمة من الله تستوجب الشكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فما أجدر الإنسان أن يكون شاكراً لنعمة الله.. حريصاً على رضوانه.. متجنباً لكل ما يُسخِطه.. مستغلاً لكل نعمةٍ أنعمها الله تعالى عليه فيما يعود بالمنفعة عليه وعلى أسرته وعلى مجتمعه وعلى أمته وعلى الجنس البشري عموماً؛ فإن كل ما في الكون إنما هو من نِعَمِ الله سبحانه وتعالى على هذا المخلوق الضعيف الذي آتاه الله سبحانه وتعالى هذه المواهب الحسية والمعنوية، وأفاض عليه من لدنه المكارم الكثيرة التي لا تقف عند حدٍّ..

 

ولا ريب أن وضع الإنسان يتغير من حينٍ إلى آخر، وفي كل وقتٍ من الأوقات تستجد قضايا من حول الإنسان، وتستجد آلاتٌ تُسخَّر لهذا الإنسان، فعلى الإنسان أن يكون في تطوره هذا حريصاً على مراقبة الله تعالى فيما يأتي وما يذر، وما يقدم وما يؤخر؛ حتى لا يكون أداة هدم، بل يكون في كل شيءٍ أداة بناء، ولا ريب أن النعمة إن لم تستغل وتشكر وتوضع في موضعها تنقلب نقمة-والعياذ بالله-، والمنحة إن لم توجه الوجهة الصحيحة ويستغلها الإنسان في الخير تنقلب أيضا محنة؛ فلذلك كان جديراً بالإنسان أن يستغل هذه النعم كلها فيما ينقلب بالمصلحة عليه في دنياه وفي أخراه، وما ينعكس أثره الإيجابي على أسرته وعلى مجتمعه وعلى أمته وعلى الجنس البشري عموماً..

 

ومن المعلوم أن الحياة تطورت فيها أشياء كثيرة لم تكن معهودة من قبل، فالإنسان في القرون الخالية كان متوائماً مع البيئة التي يتقلب في أعطافها، وهو في كل حين يتطور من طَورٍ إلى آخر، وينتقل من وضعٍ إلى وضعٍ آخر؛ فقد كان الاتصال بين الناس فيما سبق يتم من خلال الكلمات التي تقال أو التي تكتب عبر الصحافة بحيث تُنقَل الصحيفة من شخصٍ إلى شخصٍ، ومن إنسانٍ إلى إنسانٍ، ومن مكانٍ إلى مكانٍ؛ ولكن الأمور الآن تكاد تكون في وضعٍ لم يكن يُصدِّقه الإنسان في القرون الخالية.. بل لم يكن يدور على خلده بأي حال من الأحوال.. الأمور انقلبت إلى وضعٍ جديدٍ، وقد أصبح الاتصال بين الناس بطريقةٍ ميسرةٍ من خلال هذه الوسائل الحديثة.. من خلال الهواتف سواءً الثابتة أو المنتقلة، ومن خلال الآلات الإلكترونية المتنوعة، والإنسان بطبيعة الحال إن لم يَستَغِل هذه الآلات في الخير فإنها تنقلب وبالاً عليه-والعياذ بالله-، فكم كانت هذه الآلات سبباً لإشعال نار فتنةٍ بين الناس..! كم كانت سبباً لإيثار العواطف الرعناء..! كم كانت سبباً لنشر الرذيلة بين الناس..!

 

ولذلك كان لزاماً على الناس أن يحرصوا على أن يتوجهوا بهذه الآلات كلها الوجهة التي ترضي الله سبحانه وتعالى، فلا يكون الاتصال بين شخصٍ وآخر إلا في حدود المعقول والمشروع، بحيث يُتَجَنَّب كل ما يؤدي إلى الفتنة وكل ما يؤدي إلى انتشار الرذيلة وكل ما يؤدي إلى الإغراء بالفساد فيما بين الناس..

 

ولا ريب أن الشباب وهم يمرون بهذه المرحلة التي تهيج فيها العواطف وتتأجج فيها الشهوات وتتحرك في نفوسهم كوامن الغرائز هم أحوج ما يكونون إلى التوجيه في هذا، ولا ريب أن الناس الآن أصبحوا يُمارِسون هذه الآلات فيما بينهم قبل أن يدخلوا في مرحلة الشباب، فعندما يكونون في مرحلة الصبا أو مرحلة الطفولة يبدأون في ممارسة الاتصال من خلال هذه الآلات الحديثة؛ لذلك كان لزاماً على الآباء والأمهات أن يراعوا هذا الجانب في أولادهم، وأن يربوهم من أول الأمر على أن يقولوا قولاً سديداً، وأن لا يكتبوا إلا ما يُبيِّض صفحتهم، وما يرفع قدرهم، وما يجعلهم محترمين بين الناس، لا أن يكونوا سبباً لإثارة فتنةٍ ما بين الجنس والجنس أو ما بين الجنس الواحد نفسه، بل يجب أن تكون كل آلةٍ من هذه الآلات مسخرة فيما ينفع لا فيما يَضُر، وفيما يُصلِح لا فيما يُفسِد، فإنها من نِعَمِ الله تعالى المسخرة على الإنسان، وهي تندرج ضمن قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ...} (البقرة:29)، وقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ...} (الجاثية:13).

 

لذلك كان على الناس أن يشكروا هذه النعمة، ومن المعلوم أن شكر النعمة إنما يكون باستخدامها فيما يرضي من أَنْعَمَ بها سبحانه وتعالى، فكل نعمة أنعمها الله سبحانه وتعالى على الإنسان على هذا الإنسان أن يضعها في موضعها الذي يرضي الله تعالى، وذلك بأن يُصلِح بها نفسه، وأن يُصلِح بها أسرته، وأن يُصلِح بها مجتمعه، وأن يُصلِح بها أمته، وأن يُصلِح بها الجنس البشري، فهذه الآلات إن استخدمت في مراضي الله تعالى كانت سبباً لنشر الخير بين الناس، فإنها وسائل: للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعلم العلم وتعليمه، ونشر الدعوة فيما بين الناس، وتعريف الناس بدينهم، وتذكيرهم بربهم، وتذكيرهم باليوم الآخر، وتذكيرهم بما ينفعهم، وتحبيب معالي الأمور إليهم، وتكريه سفاسفها إليهم..

 

فعلى هذه الناشئة التي تنشأ وهي تتمرس للتعامل مع هذه الآلات أن تتقي الله سبحانه وتعالى في ذلك، وأن تدرك أنها مسؤولة عن كل كلمةٍ تقولها أو كل كلمةٍ تكتبها؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (ق:18)، ويقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يحسب أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يحسب أنها تبلغ ما بلغت يَكتُب الله تعالى بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه"، ويقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبينها تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب"، وأشار إلى معاذ-رضي الله تعالى عنه-أن يحفظ لسانه، فقال له: أإنا مؤاخذون بما نقول يا رسول الله؟ فقال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ثكلتك أمك! وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم-أو قال على مناخرهم-إلا حصائد ألسنتهم؟!"

 

فعلى هؤلاء الذين يتمرسون بهذه الآلات أن يتقوا الله تعالى في هذا التمرس، وفي هذا العمل، وأن يقولوا قولاً سديداً، عملاً بقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } (الأحزاب:70)، والله تعالى المستعان، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

_________________________________________________________________

حلقة مفرغة من البرنامج الإذاعي: "الإسلام دين حياة" لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة،

بُثَّت: 19 رمضان 1433هـ / 8 أغسطس 2012م على برنامج القرآن الكريم من إذاعة سلطنة عمان.

تفريغ وترتيب: موقع القبس (القبس موقع يُعنى بالقرآن الكريم وعلومه والفكر الإسلامي).