الشباب طاقات كيف نستغلها؟؟

الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ وجه الشباب إلى كل ما يحفظ عليهم صحتهم ويستبقى قوتهم ويصون أخلاقهم

الشباب هم أغلى ما تملك الأمة من طاقاتها البشرية؛ فهم قوة احتياطية تعدّ نفسها لتسلم مهامّ الحياة

العناية بجيل الشباب جزء من التخطيط لمستقبل الأمة والحرص على مكانتها

المدرسة بالنسبة للشباب هي الوسيلة الأساسية التي يحقق من خلالها أهدافه الحياتية وطموحاته المستقبلية

 

هناك من يستغل طاقات الشباب، ومن المعروف أن مرحلة الشباب من أهم مراحل عمر الإنسان فهو ينظر إلى نفسه في هذه المرحلة أنه تجاوز مرحلة التربية والتوجيه، وأنه أصبح يدرك منافعه ومصالحه، ولا ينتظر من غيره ليكمل نقصا فيه، وهذه الرؤية لا تعني أن الشباب في هذه المرحلة قد حصل على كل شيء أو أنه استكمل التربية الصالحة التي تدفعه إلى ممارسة السلوك العملي بكفاءة، ولكن أعني أنه من الصعب على الشاب في هذا العمر الانقياد والطاعة لأحد وهو مقبل على مرحل الاستقلال والاعتماد على النفس، لذلك إذا لم تتوفر التربية الصالحة لهذا الشاب قبل بلوغ هذه المرحلة فقد يؤدي إلى خلل وفساد كبير، ويحتاج فيها بعد ذلك إلى علاج ... وحول هذا الموضوع كان لنا هذا الحوار المهم مع الاستاذ الدكتور مبارك بن سيف بن سعيد الهـاشمي استاذ في كلية التربية والعلوم الاسلامية جامعة السلطان قابوس ليسلط الضوء على ذلك...

 

ـ في البداية استاذي الدكتور : الشباب قوة احتياطية تعدّ نفسها لتسلم مهامّ الحياة وبهم سيكون مستقبل الأمة لأن للشباب طاقات متعددت ؛ إذان كيف نستغلها في المفيد وخاصةً ونحن نعيش أجواء رمضان والإجازة الصيفية ؟

 

الشباب هم أغلى ما تملك الأمة من طاقاتها البشرية؛ فهم قوة احتياطية تعدّ نفسها لتسلم مهامّ الحياة، وكيف ما يكون الشباب، يكون مستقبل الأمة، وعمّا قريب يتسلمون شؤون الحياة بأكملها، لذا فإن العناية بجيل الشباب هي جزء من التخطيط لمستقبل الأمة ، والحرص على مكانتها، فالتفكير باستيعاب طاقات الشباب، من خلال المؤسسات الشبابية، ورعاية طاقاتهم، وتنمية قدراتهم وملكاتهم، هي مسؤولية الدولة والمجتمع والأسرة.

 

ولكن قبل الإجابة عندي ملاحظة على السؤال وهي أن الشباب وحده هو الذي يجب أن يستغل وقته ولا يترك غيره يتصرف فيه ويستغله في منافع ومصالح قد لا تعود على الشباب بفائدة، وأقول هذا الكلام لما يحمله السؤال من مفهوم أن هناك من يستغل طاقات الشباب، ومن المعروف أن مرحلة الشباب من أهم مراحل عمر الإنسان فهو ينظر إلى نفسه في هذه المرحلة أنه تجاوز مرحلة التربية والتوجيه، وأنه أصبح يدرك منافعه ومصالحه، ولا ينتظر من غيره ليكمل نقصا فيه، وهذه الرؤية لا تعني أن الشباب في هذه المرحلة قد حصل على كل شيء أو أنه استكمل التربية الصالحة التي تدفعه إلى ممارسة السلوك العملي بكفاءة، ولكن أعني أنه من الصعب على الشاب في هذا العمر الانقياد والطاعة لأحد وهو مقبل على مرحل الاستقلال والاعتماد على النفس، لذلك إذا لم تتوفر التربية الصالحة لهذا الشاب قبل بلوغ هذه المرحلة فقد يؤدي إلى خلل وفساد كبير، ويحتاج فيها بعد ذلك إلى علاج ذلك الخلل والفساد، لأن مرحلة التنشئة والتربية قد تجاوزها، ومما لا شك فيه أن العلاج يكلف أكثر من الوقاية والحماية من الإصابة بالعلل والأمراض.

 

مرحلة الشباب

لمرحلة الشباب أهمية ماهية ؟

قال الله تعالى:( هوَ الذي خلقكُم مِنْ ترابٍ ثمَّ مِنْ نطفةٍ ثمَّ مِنْ علقةٍ ثمَّ يخرجكُم طفلاً ثمَّ لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون)

من هذا النص الكريم وآيات أخرى في القرآن الكريم تكشف قدرة المبدع الخالق لهذا الكائن المعقّد في التكوين والفاعلية، فقد انطلقت حركة الحياة بقدرة خالقها من تراب الأرض، لتمر عبر مراحل من التكوين والنمو والتطور العضوي والنفسي والعقلي تمثل التحولات الجسدية والعقلية والنفسية الأساسية في حياته، وهي:

1 ـ مرحلة الطفولة.

2 ـ مرحلة بلوغ الشدة (القوة).

3 ـ مرحلة الشيخوخة

وحديثنا يتناول مرحلة الشباب لأهميتها في حياة الإنسان، لأنها مرحلة القوة والحيوية والنشاط الغريزي وتفتّح الطاقات والمؤهلات، ولأنها مرحلة محفوفة بالمخاطر والمآزق النفسية والعاطفية والغريزية.

 

فالأزمات والعقد والمشاكل النفسية، وحالات الانحراف والممارسات السلوكية غير الطبيعية التي تظهر على مساحات واسعة من جيل الشباب مثل: ظاهرة التمرد على الأعراف والقانون، والشذوذ الجنسي، والإجرام والسرقة والعدوانية، وانحلال الشخصية والتسكع، وتناول والمخدرات، والانتحار والأمراض العصبية والنفسية، التي كثيراً ما تتحول إلى أمراض جسدية وتلك الظواهر والحالات يمكن إرجاعها إلى العوامل الأساسية التي كونت شخصيته وصنعت سلوكه ومن هذه العوامل:

1 ـ الأسرة.

2 ـ التربية المدرسية والتعليم.

3 ـ الإعلام.

4ـ العقيدة و الثقافة.

أما الأسرة: فقد ربط الإسلام بين تعامل الوالدين مع الطفل في نشأته الأولى، وما يحيط به من أجواء وظروف، وبين تكون شخصيته، واعتناق الوالدين لفكرة معينة وسلوك معين، انّما يساهم ذلك في صناعة الشباب وتكوينهم في المستقبل.

يتضح ذلك من قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أوينصّرانه أويمجسانه".

 

أما التربية المدرسية والتعليم: فالطفل يقضي الشطر الهام من حياته في أجواء المدرسة، فهو يبدأ حياته في أحضانها، ومنذ دور الحضانة ورياض الأطفال يتدرج في مراحل حياته بين المدارس في التعليم الأساسي إلى الجامعة، فهو يقضي حياة الطفولة والمراهقة والشباب في نظام تعليمي مخطط ومصمم وفق أسس وأهداف ومنهج تربوي محدد.

 

ولهذا فالمدرسة تنمي عند الشباب أسلوب وطريقة التفكير بالمستقبل الذي يأخذ بالسيطرة على تفكيره وطموحاته، فالمدرسة بالنسبة له هي الوسيلة الأساسية التي يحقق من خلالها أهدافه الحياتية، وطموحاته المستقبلية.

أما الإعلام: فهو يساهم مساهمة فعالة في تكوين الثقافة والفكر والدعاية للشخصيات والأفكار، كما يساهم وخاصة الإعلام المصور في صناعة وتوجيه الرأي العام.

أما العقيدة والثقافة: التي يحملها الإنسان فإنها تساهم في خلق الأفكار والتصوّرات التي تصنع موقف الشباب من الأحداث والقضايا المعاصر، وفي الميل إليها، أو النفور منها. فالمعرفة والتأهيل الثقافي السليم الذي يحمله الشباب يساهم في حماية الشخصية من السقوط، كما يساهم الإيمان بالله، واليوم الآخر مساهمة كبرى في استقامة السلوك، وتوازن الشخصية.

فالشباب وهو يدخل مرحلة الرجولة وتحمل المسؤولية يجب أن يحمل وعياً اجتماعياً وعلمياً لتصورات الفعل التي يخطط لها ويفكر فيها ويدرك عواقبها ونتائجها النافعة والضارة له في الدنيا والآخرة، ومن جانب آخر فالإنسان كائن ذو إرادة وقدرة على التغيير، واختيار المواقف الصالحة، والتخلص من كل شائن يعيق تقدمه إلى طريق الفضيلة والصلاح في أمر الدين والحياة، لذلك شرعت التوبة، وشُرّع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

التوجيهات الإسلامية للعناية بالشباب

اشكرك أستاذي على هذه الإجابات القيمة ولكن هناك توجيهات إسلامية يجب الوقوف عليها وتوضيحا للقارئ ليكون لدينا جيل قادر على أستغلال الطاقات من خلال الهدي القرآني كيف يكون ذلك من خلال تجربتكم ؟

من يجهل مرحلة الشباب وحاجاتها وطاقاتها لا يمكنه التعامل بنجاح مع حياتهم ومن أهم ما يجب الوقوف معه من هموم الشباب:

تحصيل العلم النافع والتربية الصالحة وبذلك يتحرر من الجهل الذي يقوده إلى الأمية والخرافة والتقليد والانحراف.

تأهيل الشباب بمهارات تحميه من البطالة والحاجة، يشعر من خلال التأهيل النافع أنه إضافة النافعة ورافعة له ولأمته ووطنه، وينتسب إلى عمل يسد به حاجته ويحفظ به كرامته ويحقق طموحه وأحلامه ويعيش بسعادة وأمان.

يجد في أوقات فراغه وإجازاته من المرافق والمؤسسات ما تطور عنده المهارات ويقضي فيها أسعد الأوقات ويجد فيها الرفقة الصالحة التي تدله على الخير وتعمل به، وفي هذا حماية له من مخاطر الفراغ وشلة الفساد وضياع العمر.

لذلك جاءت توجيهات الإسلام للعناية بالشباب منذ طفولتهم أو قبل ذلك وهم في أصلاب آباءهم وأرحام أمهاتهم وما ذلك إلا لينشئ هذا الشاب على قواعد صلبة وأساسات قوية يستطيع بهذه الجذور أن يواجه مصاعب الحياة ويتحمل مسؤولية التكاليف والأعمال ويتجاوز عقباتها بيسر وسهولة، وحماه من السقوط في إغواء الشياطين من الإنس والجن، أو المحاكاة والتقليد لمن يتبعون الباطل ورذائل الأعمال ونشر الفساد في الأرض، كل ذلك من أجل أن يعيش الشاب بيئة صالحة يحقق لنفسه صلاح معاشه ومعاده.

إذن هي فترة لها ما بعدها، ومرحلة لها أثرها الخطير في المستقبل: سلبا أو إيجابا. صلاحا أو فسادا، سموا أو هبوطا فلا غرو إن وجدنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يوجه بحسن استغلال هذه الفترة فيقول: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك، وفـراغك قبل شغلك"

ويضع صلي الله عليه وسلم الشباب منذ اللحظة الأولي بنظرته الفاحصة وحكمته البالغة في موضعهم اللائق بهم ليكونوا العامل الرئيسي في بناء كيان الإسلام وتبليغ دعوته ونشر نوره في بقاع العالم, فعمل عليه الصلاة والسلام علي تهذيب أخلاقهم وشحذ هممهم وتوجيه طاقاتهم وإعدادهم لتحمل المسئولية في قيادة الأمة, كما حفزهم علي العمل والعبادة, فقال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وعد منهم شاب نشأ في عبادة الله

كما نجده صلي الله عليه وسلم يوجه الشباب إلى كل ما يحفظ عليهم صحتهم، ويستبقى قوتهم، ويصون أخلاقهم فيقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة -المقدرة على الزواج والقيام بواجباته الحسية والمعنوية- فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي وقاية من الوقوع في الفاحشة والآثام -إنما خص الشباب بوصيته الغالية لحاجتهم إليها بحكم نوازعهم الفطرية.

وأخذ سلف الأمة من هذه التوجيهات المباركة ما يجعلهم يعتنون بهذه المرحلة العمرية من حياة الإنسان فهذا الإمام الزهري يقول للشباب: لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان، واستشارهم يبتغي حدة عقولهم). فقوة الأمة في صلاح شبابها.

فإذا أردت أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها، فلا تنظر إلى ثروتها المادية، ولكن انظر إلى شبابها، فإن رأيته متمسكا بقيمه الأصيلة منشغلا بمعالي الأمور، متحليا بالأخلاق الفاضلة، فاعلم أنها أمة عظيمة، رفيعةُ القدر والجاه، قوية البناء، ولا يطمع فيها قوى، وإذا رأيت شباب الأمة هابط الخلق والقيم، يتساقط على الرذائل والمعاصي، فاعلم أنها أمة ضعيفة البناء مفككة وهشة آيلة للسقوط سرعان ما تنهار أمام عدوها، الذي يهين كرامتها، ويشوه تاريخها وثقافتها.

إن توجيه الشباب إلى استغلال طاقاتهم وأوقاتهم في تعلم الواجبات والتكاليف الواجبة عليهم لربهم ووطنهم وكذلك تعزيز روح الإيمان والأخلاق في نفسه، بما يعود بالفائدة عليهم من حيث إشباع الجانب الروحي من خلال تقوية الإيمان وأداء الواجبات على أكمل وجه، ومن جانب آخر تحصيل الحماية له من كيد الشيطان في غواية الإنسان، وكبح قوى النفس التي تدفعه إلى معصية الله تعالى، وفي جميع ذلك هو ينقذ نفسه من الانحراف والضلال والجهل.

قال تعالى: (لقد خَلَقنا الإنسانَ في أحْسَنِ تَقْويم ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلينَ إلا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون).سورة التين .

وكل إنسان سوف يسأل عن فترة شبابه يوم القيامة , يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع .. عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به.

مبارك الهاشمي: مصادر الإسلام جاءت بنصوص توجه الأمة إلى معالي الأمور حتى تبقى هذه الأمة في موقع الصدارة بين الأمم

الشباب هم الطريق السالك إلى كل جديد وبعقليتهم الواعية وقوتهم البدنية والنفسية الصالحة سيكونوا في المرتبة الأولى لبناء الوطن وتنمية الأمة

عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته

التهاون وسقوط الهمم يؤدي بالأمة إلى الهوان والذل والصغار فإذا ابتليت بهذه الأمراض أورثتها قحطا في الرجال وجفافا في القرائح.

إذا رسخت قيمة العمل في عقلية الشباب المسلم فإنه يدرك حينها رسالته في الحياة، وأنها لا تقف عند حد الأكل والشرب وإشباع الذات بالملذات، وإنما يقع على كاهله واجبا دينيا ووطنيا وأخلاقيا أن يشمر عن ساعد الجد ويبذل ما في وسعه ليضع مخططا صحيحا ومنهجا يرقى به إلى مستوى الكمال الإنساني ويكتسب من فضل الله تعالى الذي بثه في هذا الوجود وأمر الإنسان بالبحث عنه ليكون من الكاسبين، ويتخلصن من الوهن والضعف والكسل حتى لا يكون من الخاسرين.

لأن مرحلة الشباب من أهم مراحل عمر الإنسان فهو ينظر إلى نفسه في هذه المرحلة أنه تجاوز مرحلة التربية والتوجيه، وأنه أصبح يدرك منافعه ومصالحه، ولا ينتظر من غيره ليكمل نقصا فيه، وهذه الرؤية لا تعني أن الشباب في هذه المرحلة قد حصل على كل شيء أو أنه استكمل التربية الصالحة التي تدفعه إلى ممارسة السلوك العملي بكفاءة، ولكن أعني أنه من الصعب على الشاب في هذا العمر الانقياد والطاعة لأحد وهو مقبل على مرحل الاستقلال والاعتماد على النفس، لذلك إذا لم تتوفر التربية الصالحة لهذا الشاب قبل بلوغ هذه المرحلة فقد يؤدي إلى خلل وفساد كبير، ويحتاج فيها بعد ذلك إلى علاج... وحول هذا الموضوع نواصل ما تبقى من هذا الحوار المهم مع الاستاذ الدكتور مبارك بن سيف بن سعيد الهـاشمي استاذ في كلية التربية والعلوم الاسلامية جامعة السلطان قابوس ليسلط الضوء على ذلك...

توجه الأمة إلى معالي الأمور

نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح لها تأثير عملي وعلمي كيف نترجم ذلك من خلال واقع معاش؟

لا شك أن مصادر الإسلام جاءت بنصوص توجه الأمة إلى معالي الأمور حتى تبقى هذه الأمة في موقع الصدارة بين الأمم كما أرد الله تعالى لها ذلك حيث قال عز وجل: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ومهمة الشهادة على الناس لا تتحقق إلا إذا صارت الأمة في مكان القيادة بين الأمم.

فجاءت المصادر الإسلامية بنصوص تدفع أتباعها إلى العمل بالهمة العالية وهذا المستوى من العمل لا يتحقق إلا بالتأهيل النافع الذي يرفع من قدر وكرامة هذه الأمة، إذن نستطيع أن نترجم تلك النصوص الكريمة إلى الواقع من خلال حث ذوي الطاقات الفعالة وأصحاب الإرادة القوية إلى الأخذ بمعالي الأمور التي لا تتحقق إلا بالهمة العالية لأن الهمة هي التي تبعث إلى أداء الفعل قال أحد الصالحين: همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال.

إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، واللذات والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب، وعالي الهمة يعرف قدر نفسه، في غير كبر، ولا عجب، ولا غرور، وإذا عرف المرء قدر نفسه، صانها عن الرذائل، وحفظها من أن تهان، ونزهها عن دنايا الأمور، وسفاسفها في السر والعلن، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها، فتبقى نفسه في حصن حصين، وعز منيع لا تعطى الدنية، ولا ترضى بالنقص، ولا تقنع بالدون..

إن سقوط الهمم ونذالتها حليف الهوان، وقرين الذل والصغار، وهو أصل الأمراض التي تورث قحطا في الر جال، وجفافا في القرائح، وتقليدا أعمى، وتواكلا وكسلا، واستسلاما لما يسمى الأمر الواقع..

وحتى تتحقق علو الهمة لا بد من البحث عن أسبابها والعمل على تحصيلها وخاصة عند هذه الفئة من المؤمنين ومن أهم أسباب علو الهمة:

* العلم والبصيرة.. العلم يصعد بالهمة، ويرفع طالبه عن حضيض التقليد، ويُصفِّي النية.

* إرادة الآخرة، وجعل الهموم همَّا واحداً.. قال تعالى: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا).

وقال صلى الله عليه وسلم: (من كانت همّه الآخرة، جمع الله له شملَه، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همّه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له).

* الاجتهاد في حصر الذهن، وتركيز الفكر في معالي الأمور.. قال الحسن: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

* التحول عن البيئة المثبطة.. إذا سقطت الجوهرة في مكان نجس فيحتاج ذلك إلى كثير من الماء حتى تُنَظَّف إذا صببناه عليها وهي في مكانها، ولكن إذا أخرجناها من مكانها سهل تنظيفها بالقليل من الماء.

* صحبة أولي الهمم العالية، ومطالعة أخبارهم.. قال صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر).

* المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف..قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).

أما التهاون وسقوط الهمم فسيؤدي إلى الهوان والذل والصغار فإذا ابتليت بهذه الأمراض أمة من الأمم أورثتها قحطا في الر جال، وجفافا في القرائح، وتقليدا أعمى، وتواكلا وكسلا، واستسلاما لما يسمى الأمر الواقع.. ومن أسباب انحطاط الهمم التي يجب التحذير منها والابتعاد عنها:

* الوهن.. كما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم: (حب الدنيا، وكراهية الموت).

* الفتور.. قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).

* إهدار الوقت الثمين في فضول المباحات.. قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ).

* العجز والكسل.. قال تعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين).

* التسويف والتمني.. وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلَّما همَّت نفسه بخير، إما يعيقها بسوف حتى يفجأه الموت، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم.

* الصحبة الفاسدة قال صلى الله عليه وسلم: (إنما مَثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه،وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة).

الشباب هم الطريق السالك

ـ كيف نستثمر طاقات الشباب ونجعلها سلم لتقدم الدول؟ والمجتمع في شتى مناهل الحياة من صناعة وخطط مستقبلية؟

 

 

من ينظر في تجارب الأمم ويأخذ من عبر التاريخ فإنه لا يحتاج إلى جهد كبير حتى يرى أن الأمة التي تعتني بشبابها وتغرس فيهم الهمم العالية وتغذيهم بالعلم الرافع وتسقيهم بمكارم الأخلاق وتتعهدهم بتعاليم الدين فإنهم ينتجون حصادا طيبا وخيرا وفيرا يصلح به حال الوطن والمواطن.

فالشباب هم الطريق السالك إلى كل جديد، والشباب الذي بعقلية واعية وقوة بدنية ونفسية صالحة فإنهم في المرتبة الأولى لبناء الوطن وتنمية الأمة، لأن عقلية الشباب تتصف بالمرونة والانفتاح والقدرة على التكيف مع كل جديد تأتي به الحركة المعرفية المعاصرة المتصفة بالتغير والتسارع في مختلف المناحي العلمية والسياسية والاجتماعية، والشباب هم أقدر على مواجهة التحديات وعلى تحويل الأفكار المجردة إلى إنجازات واقعية.

فالأمة الإسلامية اليوم هي أحوج إلى جهود العاقلين المخلصين من شبابها لتمكين الأمة من الاستمرار في عطائها وأداء رسالتها ومواجهة الأخطار المحيطة بها، ولن يتحقق للشباب ذلك إلا إذا استغلوا طاقاتهم الإيجابية وتخلصوا من الأمراض المحبطة عن السير في طريق علو الهمة الذي يقودهم إلى خير الدنيا والآخرة.

ومن هنا تبدأ الإجابة على السؤال الكريم عن كيفية جعل الشباب المسلم سلما لتقدم البلاد والمجتمع، وذلك من خلال فهمنا وإدراكنا عن مهمة الإنسان في الحياة، فهل هي تقف عند حدود إشباع الملذات وتلبية حاجة الغرائز والعواطف أم لأمور أخرى قال الله تعالى: ?أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ? (المؤمنون، 115). حاشا لله أن يكون هذا الخلق الكريم عبثا، وقد بين الله تعالى بعض مهام الإنسان فقال عز وجل: ?الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ? (الملك، 2). وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده."

العمل هو ذلك المجهود الذي يقوم به الإنسان لأداء خدمة تلبي حاجته أو تحقق مصالح الناس ومن هذا المنطلق أمر الإسلام بالسعي إلى العمل والسير في جوانب الأرض بحثا عن الرزق، ورفع مستوى المعيشة، وقد ضرب الإسلام أمثلة على نبل العمل وعلى سمو منزلته بالأنبياء وهم أفضل الخلق، فقد مارسوا العمل ولم يجدوا حرجا في ذلك، منهم داود عليه السلام الذي احترف الحدادة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتاجر في مال خديجة قبل بعتثه صلى الله عليه وسلم.

جلس الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام، فرأوا رجلا قويَّا، يسرع في السير، ساعيًا إلى عمله، فتعجب الصحابة من قوته ونشاطه، وقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله (أي: لكان هذا خيرًا له) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحًا لهم أنواع العمل الطيب: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) فالإسلام دين العمل، وهو عمل للدنيا، وعمل للآخرة. قال تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} [القصص: 77]. وقد أمر الله -سبحانه- بالعمل والسعي في الأرض والأكل من رزق الله، فقال تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].

وحثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل، فقال: (اعملوا فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له)، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأعمال المختلفة، ولم يتميز عليهم.

فإذا رسخت قيمة العمل في عقلية الشباب المسلم فإنه يدرك حينها رسالته في الحياة، وأنها لا تقف عند حد الأكل والشرب وإشباع الذات بالملذات، وإنما يقع على كاهله واجبا دينيا ووطنيا وأخلاقيا أن يشمر عن ساعد الجد ويبذل ما في وسعه ليضع مخططا صحيحا ومنهجا يرقى به إلى مستوى الكمال الإنساني ويكتسب من فضل الله تعالى الذي بثه في هذا الوجود وأمر الإنسان بالبحث عنه ليكون من الكاسبين، ويتخلصن من الوهن والضعف والكسل حتى لا يكون من الخاسرين.

---------------

جريدة الوطن

السبت والأحد 1، 2 رمضان 1433هـ .الموافق 21 ، 22من يوليو 2012م العدد(10577، 10578)السنة الـ42