التعامل بالحسنى وأسلوب التعايش 2

المجادلة لأجل الانتصار تنتج المزيد من الشحناء والبغضاء

المتكبر توجه إليه النصيحة ويبين له خطر صفته الذميمة بالحكمة والموعظة الحسنة

 

أكد فضيلة الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة انه ليس من حق الانسان ان يتكبر لأن التكبر منهي عنه وهو من كبائر الذنوب.

 

واوضح ان المتكبر توجه اليه النصيحة وينبه الى عظيم خطر الصفة الذميمة التي يتصف بها على ان يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

وبين ان المداراة تعني إحسان المعاملة رجاء إصلاح المداري وإبلاغه مراشد هذا الدين.

 

وقال: إن المعترض لا بد من ان نعرف لم يعترض ان كان يريد ان يتعرف لأنه يجهل او كان خالي الذهن فعجب مما رآه او سمعه من غيره ولم يعتد على ذلك او كان في غفلة فهذا يبين له ويعلم اما اذا كان يريد ان يخاصم وان تكون مجادلته لأجل الانتصار للنفس فهذا مما أمرنا الله تبارك وتعالى ان نعرض عنه وحبذا لو اعرض عنه بكلمة طيبة والكلمة الطيبة صدقة.

 

واوضح ان من أبلغ ما يرشدنا إليه القرآن الكريم في مقام الجدال والحوار حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا المشركين (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).

 

وأكد على ان الوحي الذي أكرمنا الله عز وجل به هو وحي خالد غايته ومقصده ان يرشد الناس للتي هي اقوم ولا بد لهم ان يعملوا فيه اجتهاداتهم وعقولهم وان يؤهلوا انفسهم لذلك.

 

وبين ان أمر النظر في كتاب الله عزوجل واستنباط الأحكام الشرعية ومنها ما يتصل بالقواعد الخلقية ومبادىء المعاملة بالحسنى والتعايش لا يعني ان يكون موكولا الى من لا يملك الآلات المؤهلة لاستنباط هذه الأحكام.

 

وأشار الى ان كل ما نحتاج اليه فيما يتصل بجوانب الأخلاق والقيم واضحة بينة في كتاب الله عز وجل وعلينا امعان النظر فيها والتأمل في معانيها ثم نطبقها بعد ذلك في واقعنا.

 

جاء ذلك في برنامج سؤال اهل الذكر في الحلقة المبثوثة في 23 ديسمبر الماضي 9 من صفر الحالي تحت عنوان (التعامل بالحسنى وأسلوب التعايش) والى نص ما قاله فضيلته في الجزء الثاني من هذه الحلقة:

 

فحول سؤال مقدم البرنامج الدكتور سيف الهادي الذي قال فيه قد يفعل الإنسان أشياء يظن انها من حقوقه وانها لا تدخل ضمن تزكية النفس مع انها ستؤدي الى تزكيتها والى التعامل بغير الحسنى هل لك ان تضرب لنا بعض الصور اكد فضيلته بقوله:

 

تزكية النفس الواردة في كتاب الله عز وجل تأتي بمعنيين تزكية النفس بمعنى السمو بها والاتصاف بالصفات التي تجعل صاحبها مترفعا عن الدنايا ساعيا الى درجات الكمال البشري والى ان يتحلى بالأخلاق الفاضلة وان يكون في عبوديته لله عز وجل مطيعا مقبلا عليه سبحانه فهذا من المأمور به وهو كما تقدم من صميم ما وصفت به دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في غير ما موضع.

 

واما تزكية النفس المنهي وهو المعنى الثاني وهو النهي عن تزكية النفس بمعنى أن ينظر المسلم الى نفسه بعين الرضا فيغض الطرف عن عيوبها ويجعل نفسه في موضع المديح وفي موضع الصلاح والتقوى فلا يلتفت الى تقصيره ولا الى أخطائه والى ما يقع فيه من مخالفات يزكي نفسه لله تبارك وتعالى فهذا من المنهي عنه أي يزكي نفسه بمعنى يمتدحها ولا يلتفت الى عيوبه واخطائه ويضرب صفحا عما وقع فيه من مخالفات شرعية ويرى نفسه انه من اهل التقوى والصلاح فهذا منهي عنه وعليه ان يسعى وان يتهم نفسه بالتقصير والخطأ وان يتوب الى الله تعالى وان يستغفر فيسعى في الترقي في درجات التقى والصلاح والخير.

 

ليس له ذلك

وعما اذا كان من حق من اصطدم بشخص تكبر عليه وتعالى ان يقابله بالمثل اوضح الخروصي بقوله: ليس من حقه ان يتكبر لأن التكبر في ذاته منهي عنه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) والله تبارك وتعالى بين ذلك في كتابه (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) ويقول (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) الكبر في ذاته منهي عنه وهو من كبائر الذنوب لكن كيف يعامل من كان متكبرا لا تخرج معاملته عن القواعد العامة التي تقدم وصفها..

 

لكن لا يعني ذلك ان يقبل بالذل ولا ان يترك نصحه ونهيه عن المنكر وأن يسعى الى إسداء النصح له بل عليه ان يفعل ذلك عليه ان يتوجه اليه بالنصيحة وان ينبهه الى عظيم خطره الصفة الذميمة التي يتصف بها وان يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة كما امرنا الله تبارك وتعالى بذلك في كتابه العزيز قد يكون من لوازم ذلك إظهار شيء من القطيعة على سبيل المثال هذا مما لا حرج فيه اذا كان يقصد منه إصلاحه فيمكن ان يكون من وسائل النصح بعد النصح بالقول وبعد الموعظة كما قال الله تعالى مخاطبا نبيه في سياق تحذيره من المنافقين (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) لم يامره بان يتكبر عليهم وما كان صلى الله عليه وسلم..

 

بل حتى في الرجل كما في رواية السيدة عائشة (ان رجلا أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر عنه فقال (بئس أخو العشيرة وفي رواية بئس ابن العشيرة هو) فلما دخل عليه رأت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم ألان له القول فسألته عن ذلك قالت يارسول الله قد قلت عنه ما قلت فلما دخل رأيتك قد ألنت له القول فقال صلى الله عليه وآله وسلم مبينا موقفه منه (ومتى كنت فحاشا ان بشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس وفي رواية من تركه الناس اتقاء لشره) فبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم اول الامر حقيقة الرجل وكان ممن يكتم الكفر ويظهر الايمان وتبين ذلك حينما ارتد لم يمنعه من ان يعامله معاملة حسنة ومن ان يلين له القول وهذا ما يعرفه الفقهاء ومن كتب في الأخلاق بالمداراة..

 

وفي المداراة في كثير من الروايات(امرت بمداراة الناس والمداراة تعني احسان المعاملة لهم رجاء اصلاحهم وابلاغهم مراشد هذا الدين لا تعني ان يقبل الذل في الدين وان يرضى بغمط الحقوق وظلم الناس هذا مما لا بد من ان يكون واضحا بينا لكن سبيل تغيير ذلك وسبيل النهي عنه لا يكون إلا وفقا للقواعد المقررة في كتاب الله عز وجل.

 

سؤال مهم للغاية

وفي إجابته لسؤال تقدم به سيف العوفي وهو قد يتعرض الانسان في سفره بالخارج الى بعض المضايقات ولا سيما فيما يختص في امور دينه من انتقاد وطرح بعض الأسئلة الاستفزازية لم فعلت كذا ولم لم تفعل كذا فمن منطلق التعامل بالحسنى والتكيف مع الوضع للتعايش مع ذلكم القوم فكيف يتصرف المرء خصوصا اذا ما تعرض الى الغلظ في القول والتعامل الشرس وهل اذا كان المخطئ عليه محقا فكيف يرد ويقنع من يحاوره يرد عليه فضيلة الشيخ الدكتور الخروصي هذا سؤال مهم للغاية أولا: اعتراض المعترض لا بد من ان نعرف لم يعترض ان كان يريد ان يتعرف لأنه يجهل او كان خالي الذهن فعجب مما رآه او سمعه مما غيره ولم يعتد على ذلك او كان في غفلة فهذا يبين له ويعلم ولا بد ان يكون ذلك وفقا للقواعد المتقدمة..

 

اما اذا كان يريد ان يخاصم وان تكون مجادلته انما هي لأجل الانتصار للنفس فهذا مما امرنا الله تبارك وتعالى ان نعرض عنه اذ لا فائدة من ذلك الا المزيد من الشحناء والبغضاء فحبذا لو اعرض عنه بكلمة طيبة والكلمة الطيبة صدقة وان يقول له قولا حسنا ويعرض عنه وهذا معنى قول الله تعالى (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) فان اللغو مما لا يعني مالا فائدة منه من الحديث وهذا مما لا فائدة منه اذا لم يكن مقصد الانسان ان يتعرف وان يتذكر وان ينشد الصواب او يتعرف على ما عند الآخر ونحن نجد في كتاب الله عز وجل من ابلغ ما يرشدنا اليه في هذه المواقف انه حتى في مقام الجدال والحوار لا يمانع الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال مخاطبا المشركين (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) لأنه يعلم انه على حق لكن في مقابل مجادلته أي حواره لأن المجادلة في القرآن بمعنى الحوار في مجادلته لخصومه يقدم هذا المبدأ الذي يدعوهم الى الإقبال الى الحوار وهذا هو المنهج القرآني الذي نتمنى ان نتعرف عليه وان نتمسك به.

 

لقد ذكرتم في حديثكم قيودا في قضية السلف وان منهجهم ان كان متفقا مع منهج القرآن الكريم فهنا يكون الاتباع لكن ربما في ذهنية بعض المستمعين والمشاهدين الآن يقول: بان فهم الاسلام انتهى أصلا عند السلف ووقف الكل الجزئيات التي يجب ان تفهم من القرآن ومن الاسلام انتهت عند السلف وكما يقال (كم ترك الأول للآخر).

 

(كم ترك الأول للآخر) هذا تعطيل لأن هذا الوحي الذي اكرمنا الله عز وجل به هو وحي خالد غايته ومقصده ان يرشد الناس للتي هي اقوم فلا بد للناس ان يعملوا فيه اجتهاداتهم وعقولهم وان يؤهلوا انفسهم لذلك وهذا لا يعني ان يكون أمر النظر في كتاب الله عزوجل واستنباط الأحكام الشرعية ومنها ما يتصل بالقواعد الخلقية ومبادئ المعاملة بالحسنى والتعايش موكولا الى من لا يملك الآلات المؤهلة لاستنباط هذه الأحكام هذه الملكات فيما يتصل بجوانب الأخلاق والقيم هي كما قلت واضحة بينة في كتاب الله عز وجل كل ما نحتاج اليه ان نمعن النظر فيها وان نتأمل في معانيها ثم نطبقها بعد ذلك في واقعنا.

____________________________________

جريدة عمان: الجمعة28 صفر 1434ه /11 يناير 2013م

متابعة: سيف الخروصي