محمود عشب :

حذر الدكتور عبدالله بركات العميد الأسبق لكلية الدعوة – جامعة الأزهر من التدين الظاهري الذي جعل كثيرا من أعمالنا تتعارض مع أقوالنا.. وانتقد حالة الفوضى في الإفتاء التي أضرت بالدعوة الإسلامية وأصابت الرأي العام بحالة من البلبلة والصراع بسبب فتاوى الباحثين عن الشهرة وأدعياء الدعوة.

 

  • الصحوة الإسلامية في تزايد ومع هذا نجد أن كثيرا من أعمالنا تتناقض مع أقوالنا فما هي خطورة ذلك من وجهة نظركم؟
  • • العيب ليس في الصحوة ولكن في غياب التنشئة الدينية منذ الصغر، ومن هنا نجد من يلتزم دون أساس ديني يحصر تدينه في تغير المظهر دون الجوهر حتى وإن كنا نربي اللحى ونرتدي الملابس البيضاء ونملأ المساجد وتنتشر بيننا المحجبات والمنتقبات ولكن أين نحن جميعا من قوله صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة).

 

تصحيح الازدواجية

  • كيف يمكن أن يسهم الدعاة في تصحيح هذه الازدواجية أو التدين الظاهري؟
  • • إصلاح هذا الموضوع لا يتم عن طريق الدعاة فقط بل لا بد أن تتعاون فيه الأسر والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام والثقافة في إصلاح هذا الخلل لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.

 

فوضى الإفتاء

  • ألا ترى أن حالة الفوضى في الإفتاء التي تسود العالم الإسلامي والذي يصل أحيانا إلى حد الصراع بين ممثلي الإفتاء الرسمي أو المؤسسي وبين هواة الإفتاء من غير المتخصصين وكل فريق يرى أنه على الحق. فهل تؤيد أن يكون الإفتاء مؤسسيا أو متروكا للجميع؟
  • • أنا من أنصار التنظيم في كل مجالات الحياة حتى لا يختلط الحابل بالنابل. وهو أكثر أهمية في أمور الدين الذي يعد أغلى شيء عند الإنسان حريص على مرضاة ربه.

وقد حثنا الله على سؤال المتخصصين في كل علم حتى لا يصابوا بالبلبلة والفوضى. ولهذا فإن الحل هو الالتزام بما قاله الله سبحانه وتعالى (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

 

استباحة الدين

  • ولكن الدين هو الوحيد المباح لأي شخص الكلام فيه فما هو الحل؟
  • • يجب أن نحترم التخصص في الإفتاء مثلما نحترم التخصص في مختلف مجالات الحياة حتى تستقيم الأمور وقد أوضح لنا الله لنا الطريق لذلك بقوله (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).

 

أمراض القلوب

  • ولكننا نرى حتى مشاهير الدعاة لم يعد كلامهم مؤثرا في الأفعال؟
  • • العيب هنا في القلوب المريضة التي لا تحسن استقبال ما يقال وكذلك العيب في نقصان إخلاص الداعية لأن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب وما يخرج من اللسان لا يتعدى تأثيره الآذان ولهذا فإنه لا بد من إصلاح أمراض قلوب الأمة كلها من دعاة وعامة وهذا أمر شاق وصعب جدا وقد يمتد لأجيال.

 

الاجتهاد الجماعي

  • إذا كنت تؤيد الإفتاء المؤسسي فهل ترى أن الأفضل الإفتاء الفردي أم الجماعي وخاصة أن أحد أعضاء مجمع البحوث بالأزهر أكد أن الإفتاء الفردي هو الأصل والأصلح للمرحلة الراهنة من حياة الأمة؟
  • • اختلف مع القائلين بأن الإفتاء أو الاجتهاد الفردي أفضل لأننا نعيش في حياة معقدة وتظهر مستحدثات باستمرار لم يرد بشأنها نص شرعي قطعي ولهذا فإن الإفتاء بشأنها يتطلب إفتاء ملما بتفاصيل القضية وعلي دراية بمختلف جوانبها مع الأخذ برأي المتخصصين فيها باعتبارهم أهل الذكر.

 

  • فما هو ردك عليه إذن؟
  • • لا شك أن اجتهاد عالمين مخلصين أفضل من عالم واجتهاد ثلاثة أفضل من اثنين وهكذا فإن توفيق الله يكون مع الجماعة التي تمنع التفرق والتنازع فقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).

وهذا لا يعني أنني أرفض الفتاوى أو الاجتهاد الفردي وإنما أرى أن الجماعي أقرب إلى الصواب وخاصة في القضايا المستحدثة أو المعقدة.

 

الاختلاف المسموح

  • ولكن إلى أي حد مسموح فيه الاختلاف؟
  • • المشكلة ليست في الاختلاف لأن الإسلام عبر تاريخه ليس معاديا للاختلاف في الرأي لأنه يرى الاختلاف سنة كونية ولكن المشكلة عندما يتحول الاختلاف إلى تعصب أعمى واستبعاد للآخر بل وتكفيره في بعض الأحيان أو بمعنى أدق البعد عن العشوائية والارتجال والتنطع والإفراط والتفريط.

 

التجديد المنضبط

  • لكم رؤية تتعلق بالتجديد في الفكر الإسلامي حتى لا يحدث فيه انفلات أو يظل حبيسا للانغلاق فما هي ضوابطه من وجهة نظركم؟
  • • الإسلام يؤمن بأن التجديد المنضبط ضرورة حياتية لأن الحياة نفسها متجددة ومتطورة وهذا الكلام ليس من عندي وإنما هو حقيقة أكدها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها).. وللعلم أن كلمة (من) في هذا الحديث لا تقتصر على الفرد فقط. كما يظن البعض، وإنما هنا قد تشمل الأفراد والجماعات وهذا أكبر دليل على أن عملية التجديد ذاتها مستمرة ودائمة طوال تاريخ الأمة.

_________________________________________

جريدة عمان: الثلاثاء 18 رمضان 1433ه / 7 أغسطس 2012م